الهند تعرقل مساعي "بريكس" لإنشاء عملة مشتركة.. ما علاقتها بالتوتر مع الصين؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تواصل الشركات الهندية توخي الحذر إزاء خطط مجموعة "بريكس" لإطلاق عملة مشتركة، مستشهدة بالمخاطر المحتملة على روابط التجارة العالمية، واعتمادها على الدولار الأميركي، ومخاوفها من تنامي نفوذ الصين داخل الكتلة.

وفي قمة "بريكس 2024" التي عُقدت في مدينة "قازان" الروسية، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، اكتسبت المناقشات حول عملة بريكس المشتركة والحد من الاعتماد على الدولار الأميركي، اهتماما كبيرا.

ولكن خلف الكواليس، كانت الشركات الهندية حذرة في تبني هذا الإطار المتطور التي تستهدفه بريكس، وفق زميل "منتدى الديمقراطية في جنوب آسيا" ببروكسل، هريداي سارما.

وقال "سارما"، في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية: "بينما تعد الحكومة الهندية "بريكس" منصة إستراتيجية مهمة، فإن مجتمع الأعمال الرسمي الهندي (India Inc.)، يتعامل بحذر بسبب روابطه القوية مع الأسواق العالمية".

وبحسب المحامي المقيم في الهند والمتخصص في التجارة والاستثمارات العابرة للحدود، فإن الشركات الهندية تشكك في مدى فاعلية التورط بشكل أعمق مع منظمة قد تتسبب في اضطراب الأنظمة الاقتصادية العالمية.

وأضاف أن "هذا الحذر البراغماتي يعكس تركيز مجتمع الأعمال الهندي على الحفاظ على الاستقرار والحد من الاضطرابات في العلاقات التجارية القائمة".

واستطرد: "بالنسبة للشركات الهندية، لا سيما تلك التي تتمتع بروابط قوية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن فكرة الانضمام إلى كتلة تسعى إلى تقديم نفسها كبديل للهياكل الاقتصادية التي يقودها الغرب، تعد مسألة صعبة".

وتابع: "لطالما ازدهرت البيئة التجارية في الهند بفضل التكامل العالمي وتنوع الأسواق، حيث تعتمد الشركات بشكل كبير على الأسواق الغربية في كل من الصادرات والاستثمارات".

وأوضح أنه "حتى الشركات الناشئة الهندية تفضل توخي الحذر بشأن الابتعاد عن الشبكات العالمية الراسخة، التي لطالما كانت دعامة لنموها وحصولها على رأس المال الاستثماري".

وبحسب "سارما"، فإن "مجتمع الأعمال الأكبر في الهند يرى أن فكرة تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي أو تبني عملة مشتركة لدول "بريكس" تنطوي على مخاطر، كما أنها غير قابلة للتطبيق".

ويعللون ذلك "بالتحديات اللوجستية واحتمال تعطل العلاقات التجارية القائمة".

اعتماد الهند على الدولار

بدوره، أعرب المدير العام لاتحاد منظمات التصدير الهندية، أجاي ساهاي، عن قلقه حيال جدوى مقترحات "بريكس" المتعلقة بالعملة، مشيرا إلى أن التعاون بالعملات المحلية قد يخفف بعض مخاطر التجارة، إلا أنه لا يوفر الاستقرار والعالمية التي يقدمها الدولار الأميركي.

وذكر المقال أن "الشركات الهندية تعتمد على الانتشار الواسع للدولار، وأي تغيير مفاجئ نحو عملة جديدة سيؤدي إلى اضطرابات لا داعي لها، خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها الشركات بسبب تقلبات سعر الصرف وعدم الاستقرار الجيوسياسي".

وأردف: "تعد فكرة العملة المشتركة لـ "بريكس" موضع خلاف كبير، وكما أشار محافظ بنك الاحتياطي الهندي (البنك المركزي)، شاكتيكانتا داس، فإن دول "بريكس" تفتقر إلى التنسيق السياسي والوحدة الجغرافية، التي تميز التكتلات الاقتصادية الناجحة مثل منطقة اليورو".

وقال "سارما": "تُعد العملة المقترحة بمثابة خطوة رمزية أكثر منها أداة اقتصادية عملية، في حين أن الشركات تشعر بالقلق حيال تداعيات العمل في مشهد عالمي منقسم، بسبب وجود عملات متنافسة".

وأضاف: "زادت الشكوك بشكل أكبر بسبب احتمالية اتخاذ تدابير انتقامية، خاصة من الولايات المتحدة، لا سيما مع دعوة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، لفرض تعريفة بنسبة 10 بالمئة على دول "بريكس" التي تدافع عن العملة المشتركة أو تتحدى هيمنة الدولار".

وأوضح الكاتب أن "أحد مصادر قلق رجال الأعمال الهنود يكمن في التفاعلات الداخلية بين دول "بريكس"، خصوصا الهيمنة الصينية داخل المجموعة".

بنك التنمية الجديد

ووفق المقال، فغالبا ما يُنظر إلى "بنك التنمية الجديد"، الذي يلعب دورا حيويا في الهيكل المالي لمجموعة "بريكس"، على أنه موجَّه بشكل كبير من قِبل بكين، مما يثير القلق حول تخصيص الموارد بشكل غير متوازن، بسبب هيمنة الصين.

ويرى الكاتب أن "التوترات بين الهند والصين ألقت بظلالها على كتلة "بريكس"، حيث تخشى الشركات الهندية من تداعيات سياسية قد تعيق مصالحها".

وأشار إلى أن "مواقف مثل منع الصين للهند من التعبير عن مزاعمها بشأن دعم باكستان للإرهاب داخل مجموعة بريكس زادت من هذه الشكوك، مما خلق مستوى من انعدام الثقة، يمتد إلى صناع القرار في الشركات".

بالإضافة إلى ذلك، يبقى المجتمع التجاري الهندي متمحورا حول عامل "سهولة الممارسة التجارية"، وفق المقال.

"فبالنسبة للشركات الهندية، تعد المناطق التي تتمتع بأنظمة قانونية قوية، وبيروقراطية بسيطة، وآليات موثوقة لتسوية المنازعات، مفتاحا حاسما للنجاح التجاري".

وقال "سارما": "للأسف، فإن البيئة السياسية المتنوعة والمتضاربة في كثير من الأحيان داخل دول "بريكس" تشكل تحديات في هذا الصدد، مما يقلل من جاذبية التكامل الاقتصادي العميق داخل الكتلة".

واستدرك قائلا: إنه "على الرغم من هذه التحديات، فإن الإطار المتطور لـ "بريكس" يقدم فرصا للهند، خصوصا في قطاعات مثل الطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا".

وأضاف أن "مع انضمام أعضاء جدد مثل السعودية والإمارات ومصر، تجد الهند نفسها على أعتاب أسواق ومناطق إستراتيجية ذات أهمية كبرى لأمن الطاقة وتوسيع النفوذ التجاري".

وأكد أنه "مع ذلك، لكي تتحقق هذه الفرص، يجب على "بريكس" التركيز على المبادرات العملية غير المثيرة للجدل، مثل تطوير البنية التحتية وتبادل التكنولوجيا، بدلا من الدفع نحو سياسات نبيلة ومثالية، مثل استخدام عملة مشتركة".

وتابع: "سيتعين على الشركات الهندية أن تواصل التفاعل بحذر مع "بريكس"، مع التأكد من توافق هذا التفاعل مع أعمالها العالمية، والدعوة إلى سياسات عادلة وقابلة للتنفيذ في إطار الكتلة".

وأردف: "في الوقت ذاته، يجب على صانعي السياسات في الهند اتباع إستراتيجية ذات مسارين، من خلال المشاركة النشطة في "بريكس" لتوجيه مسارها، مع الحفاظ على شراكات قوية مع الأسواق الغربية".

وختم قائلا: "سيسمح هذا للهند بإدارة مصالحها الاقتصادية بفعالية، دون تعطيل الأطر العالمية القائمة".