تركيا لاعب مؤثر وروسيا "تبيع" الأرمن.. لماذا شنت أذربيجان هجوما جديدا في قره باغ؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم انتهاء الحرب قبل نحو 3 سنوات، بدأت أذربيجان في 19 سبتمبر/أيلول 2023، مرحلة أخيرة من حملة استعادة أراضيها التي احتلتها أرمينيا بهجوم على الانفصاليين الأرمن في إقليم "قره باغ" التابع لباكو.

هجوم أذربيجان العسكري جاء بعد 3 أعوام على الحرب الأخيرة في الإقليم، حيث طالبت باستسلامِ أرميني "كامل وغير مشروط".

وبعد 24 ساعة فقط رضخ الانفصاليون الأرمن، لشروط الأذريين وألقوا أسلحتهم، وأعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية تعليق عملياتها بعد التوصل إلى اتفاق بحسب وكالة "رويترز" البريطانية 20 سبتمبر 2023.

حسم الصراع

وينص الاتفاق على تخلي القوات المسلحة الأرمينية والجماعات غير القانونية المتمركزة بإقليم قره باغ عن أسلحتها، والانسحاب من مواقعها العسكرية لإتمام عملية نزع السلاح بالكامل من تلك المواقع

وأيضا مغادرة تشكيلات القوات المسلحة الأرمينية عن إقليم قره باغ الأذربيجاني وحل المجموعات الأرمينية (المسلحة) غير الشرعية.

كما ينص على تسليم كل الذخائر والمعدات العسكرية الثقيلة بالتزامن مع الإجراء الأول، وضمان تنفيذ العملية المذكورة بالتنسيق مع وحدة حفظ السلام الروسية.

وتريد باكو التفاوض على إعادة الإقليم إلى سيادتها، بعدما أعلن انفصاله إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، ما أدى إلى حربين قاسيتين في التسعينيات وفي العام 2020 بين أذربيجان وأرمينيا.

وكانت أذربيجان قد ثأرت في سبتمبر 2020 لهزيمتها عام 1994، واستعادت ما يعادل خُمس أراضيها التي احتُلت في هذه الحرب، وتمكنت من السيطرة على ما يقرب من 60 بالمئة من إقليم قره باغ.

وسيطرت على مدينة شوشه الإستراتيجية التي تطل على العاصمة ستيباناكيرت، وتبعد عنها أقل من 15 كيلومترا، وضمنت ربط أراضيها بإقليم ناخيتشيفان الذي كان معزولا بشكل كامل عن أراضيها رغم أنه يتبع لها وكان الوصول إليه يتطلب المرور عبر إيران أو أرمينيا.

كما ضمنت عن طريقه اتصالا جغرافيا مباشرا بتركيا من خلال شريط حدودي يمتد على طول 23 كيلومترا.

أما أرمينيا فقد خرجت من هذا الاتفاق وقد خسرت ما احتلته عام 1994 من الأراضي الأذرية، و60 بالمئة من إقليم قره باغ، وظل الجزء المتبقي يناوش أذربيجان حتى استعادته بالكامل في الاشتباكات الأخيرة سبتمبر 2023.

إقليم ناغورنو قره باغ جزء من أراضي أذربيجان، باعتراف العالم، بما في ذلك أرمينيا، ولكنه خضع للاحتلال الأرميني مع أراض أذرية أخرى إثر حرب التسعينيات، ثم استعادت باكو أغلبه في حرب 2020، بدعم تركي كبير.

لكن استمرار الانفصاليين في الإقليم بمناوشة القوات الأذرية وإطلاق النار عليهم وسعيهم لترسيخ انفصالهم بإعلان جمهورية منفصلة هناك، دفع أذربيجان لاستكمال تحرير "قره باغ" في عملية جديدة سبتمبر 2023.

أذربيجان اتهمت أرمينيا وانفصاليي قره باغ بأنهم لم ينفذوا اتفاق 2020 ويواصلون خطوات استفزازية وآخرها إجراء انتخابات رئاسية بالإقليم، الذي يسمونه "جمهورية آرتساخ"، في 9 سبتمبر 2023، وقتل جنود أذربيجان في هجمات.

كما أنهم حشدوا 10 آلاف من المقاتلين بالإقليم، لذا قررت إنهاء احتلال بقيته واستعادته إلى الوطن الأم.

وعدت "باكو" هذه الانتخابات التي انتقدتها دول العالم، ضربة كبيرة لعملية التطبيع بالمنطقة وجهود الحكومة الأذربيجانية لضمان اندماج الأرمن في "قره باغ" بأذربيجان، وتشكل تصعيدا، فعمدت إلى هجوم خاطف قضت به على الانفصاليين.

لماذا الآن؟

سبب التحرك الأذري الآن هو انشغال روسيا في مستنقع حرب أوكرانيا، وعزوفها عن التدخل، حتى إنها سحبت قواتها التي تفصل بين الطرفين عقب الهجوم الأخير.

وقد انسحبت قوات الطوارئ الروسية من موقعها في خانكندي (بإقليم قرة باغ) قبل ساعات من قصف الطيران الأذري لرادار الموقع.

 وتردد أن مغادرة الروس موقع الرادار قبل اجتياح الأذريين له يؤكد وجود تنسيق أو إنذار مسبق للروس.

وجرى تكليف قوات حفظ السلام الروسية، التي انتشرت في قره باغ بموجب شروط وقف إطلاق النار لعام 2020، بمنع اندلاع صراع جديد.

لكن موسكو اتُهمت، من قبل الأرمن، بعدم القدرة أو عدم الرغبة في التدخل لحماية أرمينيا، حليفتها القديمة في مواجهة أذربيجان.

الأكثر غرابة أن أرمينيا نفسها تخلت رسميا عن "قره باغ" ورفض رئيس الوزراء الأرميني "نيكول باشينيان" التدخل ضد قوات أذربيجان ما دعا أرمينيين للتظاهر ضده ووصفه بـ "الخائن" ومطالبته بالرحيل.

ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء في 22 مايو/أيار 2023 عن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان قوله إن بلاده مستعدة للاعتراف بأن منطقة قره باغ جزء من أذربيجان، إذا ضمنت الأخيرة أمن السكان من أصل أرميني.

لذلك دافعت روسيا عن اتهام أرمينيا لها بالتخلي عنها بقول المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف 20 سبتمبر 2023 إن رئيس الوزراء الأرميني، سبق أن اعترف أن قره باغ جزء لا يتجزأ من الأراضي الأذرية.

واستغرب لوم أرمينيا لروسيا، رغم قرارات الأرمن بالاعتراف الرسمي بقره باغ جزءاً من أذربيجان.

أيضا تحركت أذربيجان الآن بعدما استشعرت تحركات للقوميين الأرثوذوكس المتطرفين، وتشجيع كثير من الدول الكبرى والإقليمية لهم لأن من مصالحهم تأجيج الصراع وإبعاد فرص التطبيع التركي الأذربيجاني مع أرمينيا.

محللون أتراك قالوا إن الأوروبيين رغم حاجتهم للنفط والغاز الأذربيجاني وبالتالي الاستقرار، يسيطر عليهم خطاب مؤيد للأرمن المسيحيين ضد الأذربيجانيين المسلمين.

إذ يروج الغرب في وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية لمزاعم عن وجود تطهير عرقي بحق الأرمن، رغم أنهم هم من مارسوا التطهير العرقي بحق الأذربيجانيين، ورغم وعد الرئيس الأذري "علييف" أرمن "قره باغ" بأن يحول منطقتهم إلى "فردوس".

ورصد إعلاميون عرب وغربيون ما قالوا إنه الفارق بين احتلال الأرمن لـ "قره باغ" والقيام بتطهير عرقي دفع السكان المسلمين للهرب وبين خروج بعض الأرمن عقب انتصار أذربيجان بصورة عادية وبرغبتهم.

وراهن الأرمن على التقارب مع أميركا بعد أن تراجع الدعم الروسي لهم، ونشروا دعاية لكسب التعاطف الغربي والتحريض ضد تركيا وأذربيجان، وتوافق هذا مع رغبة أميركية في إبعادهم عن روسيا.

وكان لافتاً أن أصدرت وزارة الدفاع الأرمينية بياناً 11 سبتمبر 2023 كشفت فيه عن تدريب أمني أرميني أميركي مشترك بهدف "رفع مستوى خبرات الوحدات المشاركة في بعثات حفظ السلام الدولية"، وهو ما أثار انتقادات روسية.

تغير التوازنات

ووبخ بعض المسؤولين الروس، أرمينيا لمغازلتها الغرب وقالوا إن ذلك قد يؤدي إلى مشاكل خطيرة، بحسب وكالة "رويترز" 20 سبتمبر 2023.

وبحسب تقرير لشبكة "سي إن إن" الأميركية 17سبتمبر 2023، فقد دفعت خطوة مشاركة أرمينيا في تدريب عسكري مع أميركا، الحكومة الروسية إلى وصفهابأنها أحدث إجراء "غير ودي" من حليفتها التقليدية.

لكن عدم قدرة روسيا أو عدم رغبتها في التدخل أحبط حكومة أرمينيا التي رأت أن موسكو لم تعد تفي بالتزاماتها الأمنية التي تدعي أنها تقدمها من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، وهو تحالف عسكري لدول ما بعد الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك يريفان.

سبب آخر هو دخول تركيا كلاعب جديد في جنوب القوقاز وقوة إقليمية أصبح لها وزنها في الحسابات المتشابكة في هذه المنطقة، سواء بلعب أدوار عسكرية بمد باكو بأسلحة وطائرات مسيرة حسمت الصراع، أم أدوار إقليمية ودولية لمساندة أذربيجان.

ودافعت تركيا، الحليف الوثيق لأذربيجان، عن هجوم الأخيرة على الانفصاليين في الإقليم، قائلة إن حكومة باكو "وجدت نفسها مضطرة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة على أراضيها السيادية".

وتُعد أذربيجان، التي يقطنها أغلبية من المسلمين الشيعة، والناطقة بالتركية والغنية بالنفط وموارد الطاقة الأخرى، حليفة تركيا الرئيسة في المنطقة.

وقد دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جميع تحركات أذربيجان لفرض السيطرة واستعادة إقليم قره باغ، خلال المعارك المتواصلة.

وكانت طائرات تركيا المسيرة "بيرقدار" عنصرا في حسم المعارك وتحقيق الانتصار الأذري الإستراتيجي عام 2020.

وعلى الدوام، يستخدم الرئيس التركي والمسؤولون الآخرون والنواب، عبارة "شعب واحد في بلدين"، حين الإشارة إلى دعم أذربيجان بسبب العرقية الواحدة واللغة.

كما تعد أذربيجان موردا قويا لتركيا بالنفط والغاز، بجانب المشروعات التجارية العملاقة بين البلدين.

وقالت "وكالة الأنباء الفرنسية" 20 سبتمبر 2023 إن تركيا "تمتلك طموحات جيوستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى السوفيتية السابقة".

ومع تحقيق أذربيجان انتصارا في استعادة كافة أراضيها، بدعم تركي، وصفت وكالة "رويترز" 20 سبتمبر 2023 هذه الحرب بأنها ستغير التوازن الجيوسياسي في جنوب القوقاز.

وذلك بصفتها منطقة تتقاطع فيها خطوط أنابيب الطاقة حيث تتصارع روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران على النفوذ.

ويرى محللون أن ميزان هذا التوازن الجيوسياسي في جنوب القوقاز بات يميل الآن لصالح تركيا، التي دعمت أذربيجان وأصبح نفوذها متغلغلا في المنطقة على حساب، أو بتنسيق مع مصالح روسيا المنشغلة بحرب أوكرانيا.

يرجحون أن الموقف الروسي غير المتشدد هذه المرة لصالح دعم أرمينيا كما حدث في سنوات سابقة، راجع لغضب الروس على الأرمن لتقاربهم مع واشنطن.