تنافس اقتصادي بين المغرب والجزائر على موريتانيا.. كيف يؤثر على "الصحراء"؟

وقعت موريتانيا في الآونة الأخيرة اتفاقيات اقتصادية واستثمارية متعددة مع كل من المغرب والجزائر، بما يعكس التنافس السياسي بين الأخيرين من جهة، ورغبتهما في التأثير على موقف نواكشوط من ملف إقليم الصحراء عبر البوابة الاقتصادية.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" الانفصالية إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم، بينما تسعى موريتانيا التي ترتبط مع كلا البلدين بحدود واسعة للحياد في هذا الملف.
زيارات لافتة
وفي سياق تعزيز علاقات بلده مع نواكشوط، أجرى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في 24 أبريل/نيسان 2023، زيارة لموريتانيا هي الأولى له لبلد خارجي منذ توليه هذا المنصب في مارس/ آذار 2023.
وقالت وكالة الأنباء الجزائرية، إن أحمد عطاف، يزور نواكشوط بصفته مبعوثا خاصا للرئيس الجزائري.
وبحث الوزير الجزائري مع نظيره الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك العلاقات الثنائية وآفاق مواصلة الجهود للدفع بالتعاون الثنائي في مختلف القطاعات الحيوية، وكذا تكثيف التشاور والتنسيق حول مستجدات الأوضاع على الصعيدين الإقليمي والقاري.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيان إنه تم الوقوف خلال هذه المباحثات "على مستوى التقدم المحرز في إنجاز المشاريع المشتركة، وعلى رأسها مشروع الطريق الرابط بين مدينتي تندوف والزويرات الموريتانية، لما له من أهمية إستراتيجية".
كما وقع الوزيران مذكرة تفاهم حول المشاورات السياسية كآلية مستدامة للتشاور المنتظم بينهما حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقبلها، في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، أجرى الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمن زيارة عمل إلى موريتانيا على رأس وفد وزاري، في إطار الدورة الـ19 للجنة الكبرى المشتركة الجزائرية-الموريتانية للتعاون، ووقعا عديدا من الاتفاقات
وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي الموريتاني، البناني اخليفة، إنه من أبعاد زيارة الوزير الجزائري لموريتانيا "تسريع فتح بوابة لتسويق السلع والمنتجات الجزائرية نحو الأسواق الإفريقية"، وذلك عبر مشروع الطريق البري بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية.
وأضاف لموقع "أصوات مغاربية"، في 26 أبريل 2023، أن موريتانيا من جانبها ستستفيد من "وفرة في السلع وانخفاض في الأسعار داخل مناطقها الحدودية مع الجزائر، كما ستتحصل على عائدات مهمة من رسوم عبور السلع".
وذكر اخليفة أن اكتمال الطريق الرابط بين المدينتين سيعطي بعدا آخر "مهما" لعلاقات البلدين إذ سيكون بمثابة "إحياء تجاري ومالي للمناطق الحدودية والقرى الصغيرة".
كبح جماح المغرب
في المقابل، رأى أستاذ العلاقات الدولية المغربي بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد شيات، أن استثمارات الجزائر بموريتانيا غير محكومة في توسيعها أو تعزيزها سوى بمحاولات كبح جماح المغرب.
وأضاف شيات لـ"الاستقلال"، أن "الجزائر لا تهمها العلاقات مع موريتانيا وإنما يهمها أساسا معاكسة المصالح المغربية".
ومما يؤكد ذلك، يردف الأستاذ الجامعي، أننا لا نجد من جواب لسبب اختيار الجزائر لموريتانيا، دون مالي، الأكثر عمقا في إفريقيا، والحدودية أيضا مع الجزائر، أو ليبيا، أو غيرها من الدول، لكنها تذهب لموريتانيا لأن المغرب فاعل اقتصادي بها.
وشدد شيات أن هذا التوجه الحاكم لسلوك الجزائر، لا يتكرر في موريتانيا فقط، بل في كل السياسات الخارجية للجزائر، والتي تقوم على معاكسة المصالح الخارجية للمغرب، حتى على مستويات أكبر، من قبيل علاقاتها مع فرنسا وإسبانيا ودول أخرى.
وعليه، يخلص المتحدث ذاته، "همُّ الجزائر ليس التنمية أو التجارة، بل العمل على إضعاف المغرب من كل النواحي".
وكانت الجزائر وموريتانيا قد وقعتا خلال زيارة ابن عبد الرحمن الأخيرة إلى نواكشوط، 26 اتفاقية شملت عدة مجالات وذلك تتويجا لأعمال اللجنة المشتركة الكبرى للتعاون بين البلدين.
بينما وقع المغرب وموريتانيا 13 نصا قانونيا يشمل اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية وبرتوكولا، في إطار تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين، خلال انعقاد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية بالرباط، في 11 مارس 2022.
وتشمل الاتفاقيات بين الجانبين، قطاعات التجارة والاستثمار، والصناعة والسياحة، والإسكان، والبيئة والتنمية المستدامة، والأمن، والصحة، والثقافة، والزراعة والصيد البحري، والإيداع والتدبير، والتكوين المهني.
اهتمام مغربي
العلاقات المغربية الموريتانية بدورها تطورت في الفترة الأخيرة، لاسيما على الجانب الاقتصادي، خاصة بعد تطوير معبر الكركرات الحدودي بين البلدين، والذي أصبح بوابة المغرب التصديرية نحو إفريقيا، عبر الأراضي الموريتانية.
حيث ذكر موقع "الصحيفة" المغربي، في 10 أبريل 2023، أن "الانفراجِ البادي في العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا، مكّن من فتح شهية المستثمرين المغاربة على سوق الاستثمار في بلاد شنقيط خلال السنوات الأخيرة".
وتابع الموقع، في المقابل، "شجّع الجزائر على دخول مضمار التنافس كطرف ثالث، وذلك بعد عقود ظلت فيها موريتانيا على هامش الاهتمامات السياسية والاقتصادية لقصر "المرادية".
وأوضح المصدر ذاته، أن خطوات الجزائر بدت في الآونة الأخيرة متسارعة في سبيل تطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع نواكشوط، سواء تعلّق الأمر بزيادة صادراتها خارج المحروقات، أو توسيع مجالات التعاون في إطار اللجنة الكبرى المشتركة الجزائرية-الموريتانية للتعاون.
فضلا عن حث شركات جزائرية على فتح فروع ومقرات وأنشطة استثمارية وتجارية لها في نواكشوط وتقديم تسهيلات متواترة في هذا الإطار.
وأوردت "الصحيفة" أن الجزائر تسعى في صفحة علاقتها الجديدة مع موريتانيا تجاوز التراكمات السياسية والاقتصادية وتحقيق تقارب سياسي بصبغة اقتصادية مع نواكشوط، من شأنه كسر شوكة المغرب في المنطقة بشكل متدرج، وصدّ نفوذه إلى العمق الإفريقي عبر اكتشاف هذا الجار واستمالته.
وتابعت، حتى وإن استدعى الأمر فتح معبر بري بطول حوالي 73 كيلومتراً داخل أراضي الجزائر، وقرابة 700 كيلومتر داخل الحدود الموريتانية، يربط مدينة تندوف بمدينة الزويرات الموريتانية وهو المعبر، الذي كانت ترفضه الجزائر في وقت سابق بدعوى تكاثف المجموعات الإرهابية في المنطقة.
مشروع كبير
وسبق لوكالة "الأناضول" التركية، 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أن ذكرت أن اللجنة الموريتانية الجزائرية المشتركة لمتابعة تنفيذ مشروع طريق تيندوف-الزويرات، عقدت اجتماعا برئاسة وزير الأشغال الجزائري لخضر رخروخ، مناصفة مع وزير التجهيز والنقل الموريتاني الناني ولد اشروقة.
وبحسب المصدر ذاته، تحدث وزير الأشغال العمومية الجزائر، عن دور هذا الطريق "في دفع التبادلات الاقتصادية بين البلدين (الجزائر وموريتانيا)، وبين ليبيا وتونس والجزائر من جهة ودول الساحل من جهة أخرى"، مشيرة إلى أن كلفة المشروع تبلغ مليار دولار.
وأوردت الوكالة، أن طريق تيندوف – الزويرات، ذو طبيعة إستراتيجية إقليمية وقارية، ويمكن أن يلعب دورا دوليا، إذا تم ربطه بمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وبأنبوب لنقل الغاز الموريتاني والسنغالي نحو أوروبا عبر شبكة أنابيب الغاز الجزائرية، وتم إرفاقه بخطوط للألياف البصرية على غرار الطريق العابر للصحراء بين الجزائر ونيجيريا، ناهيك أن كلا من تيندوف والزويرات تحتضنان منجمين ضخمين للحديد، يمكن القيام باستثمارات مشتركة في هذا المجال.
وقالت الوكالة، إن الجزائر تولي في الأعوام الأخيرة أولوية لأسواق غرب إفريقيا، لزيادة حجم صادراتها خارج المحروقات، التي ارتفعت من 2.6 مليار دولار في 2020، إلى نحو 5 مليارات دولار في 2021، ثم 7 مليار دولار في 2022.
أما المغرب، فيُعد البلد المغاربي الوحيد الذي لا يحتاج للاستفادة من هذا الطريق، لوجود بديل جاهز يمر عبر معبر الكركارات، بين إقليم الصحراء وموريتانيا، ومنه إلى أسواق غرب إفريقيا.
وفي جوابه عن الفرق بين الاستثمار المغربي والجزائري بموريتانيا، رأى خالد شيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن المرجعية الحاكمة للاستثمارات المغربية بموريتانيا، تقوم على مفهوم الانفتاح وعلى دور التجارة في التنمية، والتقارب بين الدول وفي بناء منظومة حضارية مغاربية.
وأضاف شيات لـ"الاستقلال"، طبعا هذا المنظور فيه نوع من النفعية، ويخدم رؤى إستراتيجية وحضارية، لأنه يشمل رؤية موضوعية لمفهوم الاستثمار والتعامل التجاري، باعتبار موريتانيا ممرا أساسيا نحو إفريقيا، والتي توجد في خانة المناطق الإستراتيجية.
وتابع، ناهيك أن موريتانيا هي امتداد حضاري للمغرب، على المستوى الجغرافي والثقافي، بما فيها العلاقات الحضارية والتاريخية والدينية والثقافية.
ويعد المغرب أول مستثمر إفريقي بموريتانيا بأكثر من 600 مليون دولار فيما تبلغ قيمة المبادلات التجارية بين البلدين أكثر من 235 مليون دولار.
وكان قد أكد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، أهمية العلاقات الاستثمارية بين البلدين، خلال لقائه رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين، محمد زين العابدين الشيخ أحمد، في إطار حضوره ضيف شرف فعاليات اليوم الوطني للصناعة بالمغرب، في 29 مارس 2023 بالدار البيضاء.
وذكر موقع "أطلس" المحلي، أن الشيخ أحمد أكد خلال لقائه بأخنوش، على متانة العلاقات القائمة بين القطاعين الخاصين الموريتاني والمغربي، وعلى أهمية تعزيز التبادلات التجارية، وكذلك تبادل الزيارات بين الفاعلين الاقتصاديين الخصوصيين في البلدين.
وأوضح المصدر ذاته، أن اللقاء كان فرصة لطرح جانب من العراقيل التي يواجهها المستثمرون الموريتانيون بالمغرب، حيث أكد رئيس الحكومة المغربية العمل على إيجاد الحلول المناسبة لجميع المشاكل المطروحة والتي تقف مانعا أمام انسيابية العلاقات التجارية والمبادلات بين القطاعين الخاصين في البلدين الشقيقين.
علاقات مستقرة
يرى المحلل السياسي السيد شبل، أن نواكشوط تحاول على الدوام إنشاء علاقات مستقرة تربطها بكل من الجزائر والمغرب، وذلك على الرغم مما بين الجارين من طموحات سياسية واقتصادية متعارضة في غالب الأحيان.
وأكد شبل في مقال رأي نشره عبر موقع "الميادين"، في 22 ديسمبر 2022، أنه مع كل حدث أو أزمة جديدة تحاول السلطات الموريتانية الحفاظ على علاقاتها بالدولتين العربيتين في منأى عن صراعاتهما أو منافساتهما للخروج بالحد الأدنى من الخسائر، وتحصيل الكم الممكن من المكاسب.
وأردف، "على مدى عقود طويلة، حاولت الأنظمة المتعاقبة في نواكشوط موازنة مواقفها الخارجية بحيث تنأى بنفسها عن الوقوع في فخ الاستقطاب، وفي الوقت نفسه تتجنّب اتهامات اللعب على الحبال".
وذكر أن موريتانيا تعد الدولة الوحيدة التي تملك حدودا مشتركة مع الجزائر والمغرب، ما يجعلها ميدانا مهما للمنافسة بين البلدين اللذين يتطلعان إلى تنشيط حركة التجارة مع جيرانهما، على أمل أن تشهد المعابر الحدودية حركة انتعاش تجاري بين تصدير واستيراد.
وشدد شبل أنه لا يمكن قراءة المساعي الجزائرية الاستثمارية إلا بصفتها خطوة تستهدف منافسة معبر "الكركرات" الذي يعد الشريان الأساسي لحركة التبادل التجاري بين المغرب وموريتانيا، ومنها إلى دول غربي أفريقيا، مثل مالي والسنغال وغينيا وبوركينا فاسو.
واستبعد المحلل السياسي أن ينجح المغرب والجزائر في استقطاب موريتانيا على نحو يمنعها من التعاون مع الطرف الآخر، مشيرا إلى أنه منذ عقود عجز البلدان عن تأسيس تحالفات من هذا النوع مع نواكشوط، إما بسبب تغيير نظامها السياسي، وإما نتيجة المشاحنات العربية المعتادة.
وخلص إلى أنه رغم ملابسات العلاقة في ميدان السياسة، إلا أن موريتانيا سعت دوما لموازنة مواقفها، على نحو يتيح لها توفير الحد الأقصى من المكاسب عبر خلق مناخ اقتصادي تنافسي داخل حدودها.
المصادر
- العبور إلى موريتانيا.. ميدان جديد للتنافس بين المغرب والجزائر
- المغرب والجزائر.. صراع اقتصادي بخلفيات سياسية على كعكة سوق الاستثمار في موريتانيا
- طريق الجزائر موريتانيا.. هل يربط المنطقة المغاربية بغرب إفريقيا؟ (تحليل)
- في أول تنقل دولي.. ما أهداف زيارة وزير الخارجية الجزائري لموريتانيا؟
- رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين يلتقي الوزير الأول المغربي