حلول أزمة الكهرباء.. اللبنانيون بين غياب الدولة واحتكار القطاع الخاص

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تثقل مشكلة التزود بالكهرباء كاهل اللبنانيين، ضمن سلسلة أزمات ومشكلات يعاني منها الشعب اللبناني منذ سنوات لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة.  

وفي حقيقة الأمر، توفر الشركة اللبنانية الحكومية الكهرباء لمدة تتراوح بين ساعة أو ساعتين فقط في اليوم.

أما فيما يتعلق بباقي اليوم، فيعتمد السكان على المولدات الخاصة باهظة الثمن أو الألواح الشمسية التي لا يستطيع الجميع تحمل تكلفتها. 

أزمة الكهرباء

وقالت صحيفة إلباييس الإسبانية إن معاناة السكان اللبنانيين تختلف من مواطن إلى آخر، أو بالأحرى، يحدد مصيرها امتلاك ألواح شمسية من عدمه.

كما يتعيّن على السكان التأكد كل يوم من مصادر الطاقة المتاحة لهم، على غرار الشابة خوسيه كيم أرباجيان والشاب أحمد عساف.  

وتعيش الفتاة، من أصول أرمينية، في رأس النبع، وهو أحد أحياء الطبقة الوسطى ويضم مقرّ السفارة الفرنسية. أما الشاب، فيعيش في منطقة دون كهرباء، تحديدا في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين.

وبفضل الألواح الشمسية التي اشتراها والدها في سبتمبر/أيلول 2022، مقابل ثمانية آلاف دولار، تتمكن أرباجيان من التزود بالكهرباء، على عكس أحمد.

وتؤكد الشابة أنها "تتمكن، خلال النهار، من تشغيل كل الأجهزة في نفس الوقت: الثلاجة، والتلفزيون، ومكيف الهواء، فقط بفضل الألواح الشمسية".  

أما بالنسبة لأحمد، عندما ينهي يوم عمله، يعمل على إزالة البطارية من السيارة، واصطحابها معه إلى منزله، ليتمكن من تزويد مسكنه بنور خافت، عبر اثنين من المصابيح الكهربائية.

ويقول الشاب: "لدي مصباحان، واحد في كل غرفة. وإذا عملت على توصيل البطارية بمصباح فقط، فستمنحني مدة تشغيل تصل إلى 48 ساعة".

لكن إذا شغّلت المصباحين، فسيتقلص الوقت إلى النصف، أما الهاتف المحمول فأعمل على شحنه في أحد المقاهي التي تسمح بذلك، وفق قوله. 

وكشفت الصحيفة أن انهيار لبنان كان مدويا، حيث تمر البلاد بأزمة اقتصادية منذ عام 2019، تفاقمت بفعل الوباء والانفجار في ميناء بيروت.

والأسوأ من ذلك، يصنفها البنك الدولي من بين أسوأ ثلاث دول في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفق الصحيفة.

في الأثناء، يعيش 80 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، وفقدت العملة 95 بالمائة من قيمتها، ويشكل الدين العام 180 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

علاوة على ذلك، تمنع البنوك السكان من سحب أكثر من 100 دولار أسبوعيا من حساباتهم الخاصة. 

وخلال السنوات الثلاث الماضية، لم يتخصص اللبنانيون فقط في مراجعة صفحات الويب التي تجمع سعر الصرف الحقيقي في سوق عملة البلاد مقابل الدولار، بل تلقوا أيضا دورات مكثفة حول إمدادات الكهرباء.

ونتيجة لذلك، تهيمن المصطلحات الفنية مثل أمبير أو محول الطاقة على المحادثات اليومية اليوم في البلاد. ونوهت الصحيفة بأن انقطاع التيار الكهربائي ليس بالأمر الجديد في لبنان.

في الواقع، عانت شبكة الكهرباء من مشاكل منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، ومن الواضح أنها عاجزة وظيفيا.

ففي بلد به 300 يوم مشمس في السنة، تزود الألواح الشمسية طاقة الدولة فقط بنسبة واحد بالمائة.

ابتداع الحلول

والآن، مع غياب تام للدولة، التي توفر ساعتين كحد أقصى من الكهرباء، تُرك المواطنون بين أيدي القطاع الخاص، الذي يتعامل بأسعار غير شفافة وتختلف باختلاف الحي. 

في هذا السياق، تمتلئ أسطح المنازل في لبنان بألواح شمسية خاصة، ولا توجد علاقة بين هذه الطفرة والبيئة أو الوعي بالتغير المناخي.

بل هي مرتبطة إلى درجة كبيرة بتعويل السكان على مواردهم الخاصة في مواجهة الأسعار المرتفعة التي تفرضها "عصابات" المولدات - كما يسميها الكثيرون - وبالتزامن مع الشعور بأن الأزمة مستمرة لفترة طويلة، وبالتالي، سينتهي الأمر بالاستثمار في هذه الألواح في نهاية المطاف.

وفي سباق التحول إلى الطاقة الشمسية، أصبح من الصعب أيضا الوثوق في المزودين؛ الذين يوفرون سلعا مستعملة ويبيعونها على أنها جديدة، كما لا تتطابق غالبا مع الجودة المطلوبة وتكون سعتها منخفضة عن المعتاد، تقول الصحيفة الإسبانية. 

ونقلت أن جوزيف، والد أرباجيان، أرمل يبلغ من العمر 67 عاما، يعيش في شقة محاذية لها في نفس الطابق.

وبعد دخوله المستشفى، دفع الأب اشتراكين للمولدات الخاصة، للتأكد من أن جهاز التزود بالأكسجين لن يتوقف عن العمل.

ويعلق قائلا: "حياتي أفضل الآن، لكن لا يمكننا أن نكون أنانيين ونفكر في أنفسنا فقط. البلد يختنق حرفيا". 

وتقدر تكلفة المولد، بسعة 2.5 أمبير، بحوالي 80 دولارا في شاتيلا؛ وهو ثمن لا يتوقع أحمد عساف أنه سيدفعه يوما ما.

في الحقيقة، منزله مفصول بشكل مباشر عن شبكة الكابلات المتشابكة التي تعبر الشوارع الضيقة في هذه المنطقة بين الشباب الذين يتعاطون المخدرات، وفق الصحيفة.

وفي المقابل، يدفع 40 دولارا فقط مقابل إيجار شقة في زقاق في ظلام دامس يصل إليه بمساعدة إضاءة هاتفه الخلوي. 

يروي عساف أنه فرّ من مدينة حماة السورية التي تضررت بشدة  منذ سنة 2015، وهي واحدة من أسوأ سنوات الحرب التي اندلعت قبل أربع سنوات.

ويذكر: "في البداية، كنت أزور المدينة من وقت إلى آخر، حتى دمروا منزلي. لم يتبق لي شيء".  

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة اللبنانية استأنفت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 خطة - توقفت بسبب أزمة كورونا وانتقدت من قبل منظمات حقوق الإنسان - لتعزيز العودة الطوعية للاجئين إلى سوريا.

لكن، أقدم على هذه الخطوة بضعة آلاف من السوريين فقط، فغالبيتهم، مثل عساف، لا يريدون العودة إلى أرض الوطن.

ويقول هذا الشاب: "لدي أخوات وإخوة هناك، ويطلبون مني العودة أحيانا. لكنني أعلم أنه ليس لديهم مكان هناك. في الواقع، ليس لدي ما أعود إليه".

وفي ظل هذه الأزمة الحادة، يبحث اللبنانيون عن حياة أفضل؛ وغالبا ما تكون عبر الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.

في ظل هذه الأوضاع، تحولت مدينة طرابلس اللبنانية إلى بؤرة للهجرة غير الشرعية بالقوارب إلى قبرص، راح ضحيتها عدد لا يستهان به إلى حد الآن من بينهم أطفال لعائلات بأكملها حاولت الفرار من الأزمة في لبنان.