ليست داعمة للقضية.. ما سر اهتمام نتفليكس بعرض أفلام عن فلسطين؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على الاهتمام المتزايد لدى منصة "نتفلیکس" الأميركية تجاه المحتوى الفني الفلسطيني، محاولا معرفة الدوافع وراء ذلك.

وذكر تقرير للموقع أن "فلسطين تتمتع بتاريخ غني من المقاومة الثقافية ضد الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه العسكري، يتمثل في أفلام سينمائية، وأعمال أدبية وفنية".

لكن خلال السنوات القليلة الماضية، ضمت بعض المنصات، مثل نتفلیکس، عددا كبيرا من الأعمال الفلسطينية في قوائمها، فلماذا الآن؟

تشكيل الرأي العام

ويورد التقرير أن منصات عرض الأعمال الفنية كانت تتردد في السابق قبل نشر أي محتوى فلسطيني؛ بسبب تحفز الجماعات الموالية لإسرائيل في تصنيف الأفلام التي تنتقد تل أبيب بأنها "معادية للسامية".

ونتيجة لذلك، لم تكن القصص الفلسطينية عادة جزءا رئيسا من العروض الدولية التجارية سواء في تلك المنصات أو غيرها.

في هذا السياق، أكدت البروفيسور في جامعة نورث كارولينا نادية يعقوب، أن السينما الفلسطينية سعت إلى إبراز الشعب الفلسطيني وقضيته في مواجهة عنف دولة الاحتلال، كما أرادت كسب تضامن مشاهديها مع فلسطين، وليس شفقتهم عليها.

وأضاف التقرير أن أي شخص شاهد فيلما أو وثائقيا فلسطينيا قبل عام 2022، فقد فعل ذلك على الأرجح بدافع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، إذ كان العثور على مثل هذه الأفلام يتطلب جهدا مضنيا.

ووفق الموقع البريطاني، فإن منصات البث الإقليمية والدولية، على حد سواء، ابتعدت بشكل عام عن عرض المحتوى الفلسطيني، باستثناء نتفلیکس.

وشدد الموقع على أن وجود تلك المنصات في المنازل وعلى شاشات الهاتف هو أمر واقع في جميع أنحاء العالم.

لذلك فمن الغني عن البيان القول إن هذه المنصات لديها القدرة على تشكيل الرأي العام، والتأثير على أيديولوجية المشاهد.

لكن قرار بث أي محتوى ليس عملية من جانب واحد، فلا بد من تحليل البيانات لمعرفة إلى أين يتجه مزاج الجمهور، وبالتالي تحديد المادة التي تُسجل وتُبث بعد ذلك، وفق التقرير.

وفيما يخص نتفلیکس، فهي منصة تركز على احتياج المشاهد – حسب وصف التقرير- ولديها قاعدة مستخدمين تقارب 223 مليون عميل مدفوع حول العالم وفق آخر إحصاءات عام 2022.

وفي النصف الأول من عام 2022، خسرت نتفلیکس ما يقرب من 1.2 مليون عميل، 700 ألف منهم كانوا بسبب وقف المنصة نشاطها في روسيا بسبب الحرب ضد أوكرانيا، وفق التقرير.

أما باقي المستخدمين الذين ألغوا اشتراكاتهم، فكان معظمهم من الولايات المتحدة وكندا، وقد فعلوا ذلك جراء غلاء الأسعار.

وبين التقرير أنه ولكي تبث نتفلیکس الأعمال الفنية التي تتحدث عن فلسطين، فإنه من المفترض أن تبحث في حجم السوق المستهدف في الشرق الأوسط، ونوعية الأشخاص الذين سيشاهدون المنتج الفلسطيني، وتوقع نسبة النمو في قاعدة عملائها الإقليميين والعالميين.

ولذلك، فهي تبحث في سجلات المشاهدة لمستخدميها الحاليين، وعمليات البحث التي يجرونها، والمدة التي يقضونها في مشاهدة المواد المعروضة، ومن ذلك، تعرف المنصة نوع المحتوى الذي يعجب المستخدمين الحاليين أو يبحثون عنه.

وبحسب التقرير، هناك حاليا حوالي 4 ملايين مشترك في منصة نتفلیکس بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

كما أورد استطلاع رأي أن أكثر من 60 بالمئة من الأشخاص في الفئة العمرية من 18 إلى 24 عاما، يشاهدون المحتوى المقرصن، على الأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة.

مصالح تجارية

ومن أجل النمو في الشرق الأوسط، كان على نتفلیکس محاولة استهداف الجمهور الذي يشاهد المحتوى المقرصن، مثل المحتوى الفلسطيني، الذي لا يتوفر على نطاق واسع على الشبكات الرئيسة.

كما أن البحث من شأنه توضيح أن المستخدمين العرب المشتركين في نتفلیکس، ليس بمقدورهم مشاهدة محتوى فلسطيني على المنصة.

من جانبها، صرحت جيني مكابي نائبة الرئيس السابقة لاتصالات العلامات التجارية العالمية في نتفلیکس، أنه أثناء تحديد محتوى جديد للمنصة "نبحث عن العناوين التي تحقق أكبر نسبة مشاهدة مقارنة بتكلفة إصدار التراخيص".

وهذا يعني أن المحتوى الفني الذي تراه نتفلیکس مثاليا لعرضه، هو الذي لا يكلفها الكثير من الأموال، وفي نفس الوقت يشاهده الكثير من المستخدمين لفترات طويلة، حسب التقرير.

لذلك، يورد الموقع أنه من المحتمل أن توفر الأفلام الفلسطينية هذا التوازن المرغوب بالمحتوى الذي يجذب اهتمام المستخدم، وتكون تكلفته منخفضة نسبيا.

وأضاف أنه من المؤكد أن قرار عرض المحتوى الفلسطيني يختلف عن قرار عرض أي محتوى آخر من تلك المسلسلات الشهيرة التي تجلب عدد مشاهدين أكبر، ووقت مشاهدات أطول.

وأكد التقرير أنه "لا يمكن أن يكون قرار بث السينما الفلسطينية سياسيا فحسب، بل هو أيضا قرار تجاري استند إلى بيانات وتحليلات، ويهدف إلى توسيع سوق نتفلیکس في الشرق الأوسط، من خلال جذب المزيد من المستخدمين".

وفي يناير/كانون الثاني 2022، زخرت منصات التواصل الاجتماعي -مثل إنستغرام وتويتر- بالصور ومقاطع الفيديو التي توضح طرد عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس. 

لدرجة أن خوارزميات تلك المنصات أوضحت أن انتقاد الاحتلال الإسرائيلي هو المحتوى الأكثر رواجا، خلال تلك الفترة.

وفي عام 2021، حصد فيديو للكاتب الفلسطيني الذي يسكن في حي الشيخ جراح، محمد الكرد، على إنستغرام أكثر من 500 ألف مشاهدة.

وفي إطار الاهتمام العالمي المتجدد بالقضايا المتعلقة بفلسطين، تجاوبت نتفلیکس مع رغبات المستخدمين واهتماماتهم، من خلال عرض الفيلم القصير الحائز على جائزة الأوسكار "الهدية (The Present)"، الذي أنتج عام 2020.

ويروي الفيلم – الذي أخرجته الفلسطينية البريطانية فرح نابلسي- قصة المعاناة اليومية التي يواجهها الفلسطينيون عند مرورهم بالحواجز الإسرائيلية التي تقطع أوصال بلادهم، وترسخ السيطرة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي.

ومن خلال التجربة، تنبهت نتفلیکس إلى أن العالم يتوق إلى مشاهدة المواد الفنية التي تحكي قصصا عن فلسطين، حسب التقرير.

ومن ثم أضافت نتفلیکس لمنصتها فيلم "المر والرمان (Pomegranates and Myrrh)"، في يوليو/تموز 2021، وفيلم "لابد أن تكون الجنة (It Must Be Heaven)".

ووفق الموقع البريطاني، فقد حفز عدد المستخدمين الذين أكملوا مشاهدة تلك الأفلام، منصة نتفلیکس على بث مجموعة مكونة من 32 فيلما فلسطينيا، بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وأضاف أنه من خلال مشاهدة هذه الأفلام، سيطلع الجمهور على التعنت اليومي الذي يلاقيه الفلسطينيون في حرية التنقل، والهدم الإسرائيلي غير المبرر للمنازل في الضفة الغربية، والآثار الصادمة للعدوان وتردي المعيشة في قطاع غزة المحاصَر.

وأشار إلى استخدام موقع "فيسبوك" للذكاء الاصطناعي لفرض الرقابة على المحتوى الفلسطيني الذي ينتقد الممارسات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي وحظره، هذا فضلا عن توجيه شركة "جوجل" لموظفيها بعدم الحديث عن فلسطين.

وأكد أنه بالتزامن مع ذلك، فإن بث نتفلیکس للسينما الفلسطينية، سيكون بمثابة متنفس للمحتوى الذي يروي حكايات الشعب الفلسطيني.

ولفت التقرير إلى أن المرويات الفلسطينية تجعل الوجود الفلسطيني جليا، وتساعد على محاربة الهيمنة الإسرائيلية العدوانية، الهادفة لطمس الهوية الفلسطينية.

وختم بمقولة الأكاديمي الفلسطيني الراحل، إدوارد سعيد، من أن "الحقائق لا تتحدث عن نفسها على الإطلاق، لكنها تتطلب سردا مقبولا اجتماعيا لاستيعابها والحفاظ عليها وتعميمها".