للمرة الأولى.. ماذا يعني تعيين إسرائيل مستوطنا متطرفا على رأس جيشها؟

للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية جرى تعيين "مستوطن" يقيم في مستوطنة كفار ها-أورانيم في الضفة الغربية غير القانونية في منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
تعيين الميجر جنرال هرتسي هاليفي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022، والمولود لعائلة صهيونية متدينة متطرفة ويدعمه مجلس المستوطنين، يهدد وينذر بانتقال الحكم في الدولة الصهيونية لجيل أكثر تطرفا من المتطرفين الحاليين.
وكالة أسوشيتد برس الأميركية قالت في 24 أكتوبر إن توليه هذا المنصب "بمثابة تتويج لتزايد نفوذ مجموعات المستوطنين، التي تطورت من أعداد صغيرة من الأيديولوجيين الدينيين إلى قوة متنوعة ومؤثرة في إسرائيل".
أوضحت الوكالة أن "هذا النفوذ المتعاظم للمستوطنين أوصل أعضاءهم إلى أعلى المراتب في الحكومة والقضاء ومناصب عليا في المؤسسات الإسرائيلية الرئيسة الأخرى"، وباتوا يتوغلون في كل مناصب الدولة.
وصعد نجم هذا التيار الاستيطاني اليميني المتطرف (يطلق عليه اسم التيار الخلاصي الديني ويهدف لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم)، والذي يمثل حزب "الصهيونية المتدينة" أبرز أطيافه، بشدة بزعامة عضو الكنيست إيتمار بن غفير.
ولا يهدد النفوذ السياسي الهائل للمستوطنين فقط أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أو ما يسمى "مستقبل إسرائيل الديمقراطي"، بل يهدد بتحويل الصراع مع الفلسطينيين إلى حرب دينية بين اليهودية (التيار الخلاصي) والإسلام.
متطرف يقود الجيش
ظل المستوطنون اليهود يشكلون جيشا احتياطيا ثانيا يدعم الجيش الإسرائيلي الرسمي في احتلال الضفة الغربية ومواجهة الفلسطينيين.
لكن هذه العلاقة بينهما تتوثق وتزداد قوة، خاصة بعدما تقرر أن يشغل إسرائيلي يعيش في مستوطنة بالضفة الغربية، منصب رئيس أركان الجيش لأول مرة.
وصدقت الحكومة الإسرائيلية في 23 أكتوبر رسميا على تعيين الجنرال هرتسي هاليفي قائدا لهيئة الأركان للجيش الإسرائيلي خلفا لأفيف كوخافي، الذي تنتهي ولايته مطلع العام 2023.
ويكشف تعيين هاليفي رئيسا للأركان مدة ثلاث سنوات بداية من 17 يناير/كانون الثاني 2023، مدى الترابط الوثيق بين المستوطنين والجيش بكونهم واحدا.
دفع هذا "شبتاي بنديت" من منظمة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان للقول لوكالة أسوشيتد برس منتقدا: "ليس من المستغرب أن نصل إلى نقطة يكون فيها رئيس الأركان مستوطنا أيضا".
ويشير الإعلام العبري إلى أنه يعيش في مستوطنة مقامة على أرض محتلة في الضفة الغربية.
وبينت "ديانا بوتو"، وهي محامية فلسطينية كندية ومتحدثة سابقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية أن "تعيين مستوطن رئيسا للأركان يثير مخاوف من أن سلوك الجيش تجاه الفلسطينيين سيزداد سوءا".
وولد "هاليفي" بعد أشهر قليلة من حرب 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وترعرع في القدس، وهو سليل حاخام ينظر إليه على أنه والد حركة الاستيطان في الضفة.
ويعيش قائد الجيش الجديد في مستوطنة كفار هورانيم التي تتاخم الخط الفاصل غير المرئي بين إسرائيل والضفة الغربية.
وقد احتفي من قبل جماعات استيطانية بتعيينه قائدا جديدا للجيش. وقال يسرائيل غانز رئيس مجلس الاستيطان الإقليمي الذي يضم كفار هورانيم "نحن فخورون بأن رئيس الأركان الجديد مستوطن".
وقال إنه يتوقع أن يعمل أي رئيس أركان وهو مؤمن بـ "استقامة" الاستيطان اليهودي و"تعميق جذور" المستوطنين اليهود، وفق وكالة أسوشيتد برس.
ويدعم الجيش الإسرائيلي وجود المستوطنين في الضفة الغربية، كما يشرف على مرافقتهم عندما يريدون زيارة مواقع حساسة أو الخروج في مسيرة أو احتجاج أو اعتداء ضد الفلسطينيين.
وارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية منذ عام 1967 إلى حوالي 600 ألف نسمة، وهم يعيشون في حوالي 175 مستوطنة وبؤرة استيطانية هناك.
وصل المستوطنون، الذين يعيشون في مستوطنات بالضفة الغربية والقدس، إلى مناصب مهمة في المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، وكانوا يعزفون من قبل عن دخول الجيش لأسباب دينية، لكنهم الآن باتوا قادة فيه.
ومع هذا فقد أنشؤوا جيشهم الخاص لملاحقة الفلسطينيين، حسبما أكدت "القناة 13" العبرية في 21 سبتمبر 2022.
وفقا لتقارير إسرائيلية، تضم المحكمة العليا بين قضاتها الـ 15، ما لا يقل عن اثنين من المستوطنين، كما يتولى ساسة منهم حقائب وزارية في الحكومة، مثل أفيغدور ليبرمان، الذي شغل منصب وزير الخارجية والدفاع والمالية سابقا.
أيضا شغل مستوطنون مناصب رئيسة في المؤسسات التي تنهب أرض فلسطين وهيئات تخصيص الأراضي.
وفي 23 أكتوبر 2022 قال زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن رئيس حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، قد يصبح وزيرا في حكومة يقودها حزب الليكود.
سئل عما إذا كان ابن غفير سيكون وزيرا في أي حكومة يقودها فأجاب: "بالتأكيد يمكنه أن يكون وزيرا، وأي شخص ينتخب من تيار الصهيونية الدينية"، بحسب ما نشر موقع قناة i24news العبرية في 23 أكتوبر.
طموح المستوطنين لحكم إسرائيل بلغ حد قول رئيس حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش أنه سيطلب تولي وزارات الدفاع والشؤون الخارجية والمالية إذا انضم إلى حكومة يقودها الليكود.
وتظهر استطلاعات الرأي أن حزب "الصهيونية الدينية" بزعامة ابن غفير وبتسلئيل سموتريتش فاز بـ 14 مقعدا.
إذ يدعمه المستوطنون اليمينيون بشكل متزايد على حساب نتنياهو، وفق صحيفتي "معاريف" و"يسرائيل هيوم"، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ويقول المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، 28 أكتوبر إن "وجود اليمين الاستيطاني المتطرف في الحكومة سيكون له ثمن أمني لا يقتصر على الضفة الغربية، في إشارة لتصعيدهم الصراع.
ويري دافيد هوروفيتس رئيس تحرير "تايمز أوف إسرائيل" 21 أكتوبر أن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني التي انطلقت بالفعل "تعد لحظة حاسمة لإسرائيل، لأنها ستشهد صعود المستوطنين وحزبهم اليميني المتطرف المصمم على إعادة تشكيل الحكم والتوجه في إسرائيل".
ربما لهذا حذر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، نتنياهو من ضم "ابن غفير" وشريكه "بتسلئيل سموتريتش" لحكومته، حسبما ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 26 أكتوبر، رغم أن "التحذير الإماراتي كان بلا صدى".
وفي 18 أكتوبر، كشف بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية المتدينة" اليميني المتطرف الذي يزداد قوة في استطلاعات الرأي، عن "برنامج" قال إنه مصمم لـ "شفاء النظام القضائي الإسرائيلي المريض".
وكان يقصد بهذا البرنامج زيادة تغلغل المتطرفين في الجهاز القضائي، لذا وصف "هوروفيتس" رئيس تحرير "تايمز أوف إسرائيل" إصلاحات سموتريتش بأنها "ستدمر السلطة القضائية وتخصص كل السلطات تقريبا للأغلبية السياسية الراهنة"، المشكلة من المستوطنين.
قال إنها "ستجرد القضاة من القدرة على إلغاء التشريعات التي يرونها غير ديمقراطية، وتعيد تشكيل اللجنة المكونة من تسعة أعضاء التي تختار قضاة المحكمة العليا بما يوسع دور السياسيين لمنح وزير العدل والائتلاف الحاكم السيطرة".
ولأن الاستطلاعات ترجح فوز حزب المستوطنين الصهيوني هذا بنحو 14 مقعدا (من 120)، ما قد يجعله ثالث أكبر حزب في الكنيست، فقد طالب "سموتريتش" أن يحصل على منصب وزير العدل، وابن غفير على منصب وزير الداخلية.
دفع هذا رئيس الحكومة الحالية يائير لابيد للقول في 18 أكتوبر: "إذا وصلت هذه العصابة (المستوطنون الدينيون) إلى السلطة فستبذل كل جهد لتدمير الديمقراطية، وإلغاء سلطة المحاكم، وهدم الفصل بين السلطات".
عصابات المستوطنين
نشأ إرهاب المستوطنين بالضفة ثم سيطرتهم لاحقا على الحياة السياسية في 12 أبريل/نيسان 1968، حين حصل أول اعتداء منظم من قبلهم ضد الفلسطينيين، باقتحام مجموعة منهم بقيادة الحاخام المتطرف موشيه ليفنغر فندق "النهر الخالد" وسط الخليل للاحتفال بعيد الفصح اليهودي.
رفض "ليفنغر" حينئذ إخلاء الفندق المملوك لعائلة "القواسمة"، وبقي فيه مع مجموعة من المستوطنين المدججين بالسلاح، وشكلت هذه الحادثة عمليا موطئ القدم الأولى للاستيطان في الخليل وجنوب الضفة الغربية.
وبعد حوالي 10 سنوات من زرعهم بقلب الخليل القديمة والسيطرة على الفندق، ومع تولي حزب الليكود برئاسة مناحيم بيجن السلطة في إسرائيل، منح الاحتلال تسهيلات للمستوطنين بقيادة ليفنغر للسيطرة على العقارات وممتلكات الفلسطينيين في شارع الشهداء الشهير بالمدينة.
أيضا شجعت حكومة بيجن المستوطنين للاستيطان في قلب الخليل بعد السيطرة على مبنى "الدبويا" عام 1980 والذي سماه المستوطنون "بيت هداسا"، وهو ملاصق للمسجد الإبراهيمي، ووفرت لهم الغطاء القانوني والدعم المالي والأمني.
وكان مطلع الثمانينيات محطة مفصلية في الإرهاب المنظم الذي قاده المستوطنون، إذ كشف النقاب عن "التنظيم السري اليهودي" الذي انطلقت نواته من قلب الاستيطان في الخليل، وكان في عضويته صهر الحاخام ليفنغر.
لاحقا، ومع بدء المستوطنين تشكيل منظمات إرهابية مسلحة لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم مثل حركة "غوش إيمونيم"، و"شبيبة التلال"، بدأت دعاوي تفجير مسجد قبة الصخرة في المسجد الأقصى لبناء الهيكل اليهودي، وطرد "العرب".
وتبع هذا برامج لتنفيذ هجمات واعتداءات شاملة وواسعة منظمة على الفلسطينيين بالضفة والأغوار والقدس، لترويعهم ودفعهم إلى الهجرة، والاستيطان مكانهم.
ويؤمن أتباع هذه العصابات، الذين زرعوا فكرة البؤر الاستيطانية ومشاريع الاستيطان الرعوي، بـ "أرض إسرائيل الكبرى"، ويعدون الفلسطينيين دخلاء ويجب طردهم من البلاد للحفاظ على "يهودية الدولة".
وقد سعت السلطات الإسرائيلية لحمايتهم عبر وضع تشريع خاص بهم في الضفة الغربية، يجري تجديده كل 5 سنوات، للتعامل معهم كمواطنين مدنيين إسرائيليين لهم قانون مدني خاص بدل القانون العسكري المطبق على الفلسطينيين في الضفة.
ويشرعن هذا القانون احتلال المستوطنين للضفة الغربية، ويمنحهم مكانة كأنهم مواطنون في "إسرائيل" وليس خارجها.
وهو أمر جعل هناك نظامين قضائيين منفصلين في الضفة، واحدا خاصا بالمستوطنين، وآخر يطبق على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وفي 6 يونيو 2022 أخفق الائتلاف الحكومي في إسرائيل في تمديد تطبيق هذا القانون الإسرائيلي المدني (قانون يهودا والسامرة) على المستوطنين بالضفة الغربية المحتلة.
وكان حل الكنيست يوم 30 يونيو/حزيران 2022 وإجراء انتخابات جديدة قبل تمديد القانون المدني سيعطل تطبيقه ويجعل المستوطنين مهددين بأن يطبق عليهم القانون العسكري الإسرائيلي مثل الفلسطينيين.
كما أن عدم تمديده كان سيمنع نحو 475 ألفا من المستوطنين من التصويت في انتخابات الكنيست (بدأت فعليا مطلع نوفمبر).
لذلك ربط الليكود بين موافقته على قانون حل الكنيست، وبين تمديد أنظمة قوانين "يهودا والسامرة" الخاصة بالمستوطنين.
ويدعم القانون نظامين منفصلين لليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو وضع تقول ثلاث جماعات حقوقية كبرى إنه يرقى إلى مستوى الفصل العنصري، بحسب وكالة أسوشيتد برس 10 يونيو 2022.
وتطلق حكومة الاحتلال على الضفة الغربية اسما توراتيا هو "يهودا والسامرة"، وتعدها معقل الشعب اليهودي، وتنظر إليها على أنها أرض متنازع عليها ويخضع مصيرها للمفاوضات التي انهارت قبل أكثر من عقد.
وقسمت اتفاقات أوسلو الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، حيث يعيش معظم الفلسطينيين في المنطقتين "أ" و "ب" في مراكز سكانية متناثرة ومنفصلة تمارس فيها السلطة الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا.
أما المنطقة "ج" المفترض أن تخضع لحكم مشترك فتسيطر إسرائيل فعليا عليها وتزرعها بالمستوطنات.
ويشكل المستوطنون في الضفة إزعاجا للجيش الإسرائيلي ذاته، ويتهمونه بالعجز عن حمايتهم، ويصل الأمر لتخوينه أحيانا، وتنفيذهم هجمات على الجنود والضباط بدعوى عدم قدرته على حمايتهم.
وفي 26 أكتوبر 2022 هاجمت مجموعة من المستوطنين قوة من جيش الاحتلال في منطقة "حوارة" وأصابوا قائد كتيبة مظليين و3 جنود، عندما جاءت القوة لتفصل بينهم وبين الفلسطينيين.
ودفع هذا رئيس الأركان المنتهية ولايته أفيف كوخافي لانتقاد المستوطنين بشدة لأنهم يهاجمون جنود الجيش الإسرائيلي الذين يدافعون عنهم.
ويقول المدون الفلسطيني "ياسين عز الدين" إن هذه الهجمات المتكررة من عصابات المستوطنين ضد جنود الاحتلال باتت تشكل "استنزافا معنويا" لكليهما معا.
أضاف أن "عنف المستوطنين المتزايد في الضفة سببه الإحباط والشعور بأن دولتهم تخلت عنهم، لذا يلجؤون "لأخذ حقهم بيدهم"، أو ما يؤمنون أنه حقهم".
لنلخص المشهد بالآتي: أكبر استنزاف يمس الوضع الداخلي الصهيوني وزيادة الشقاق الداخلي، وهو ليس بالأمر الطارئ بل بدأ منذ اغتيال رابين قبل 27 عامًا وتوسع بعد انتفاضة الأقصى فجاءت الأوضاع الحالية لتضرب على الوتر الحساس وتزيد الوضع سوءًا.
— yaseenizeddeen (@yaseenizeddeen) October 22, 2022