ينتظرون منذ سنوات.. هل تعيد حكومة سلام أموال المودعين اللبنانيين؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

يترقب المودعون اللبنانيون منذ عام 2019 استعادة أموالهم المحتجزة داخل النظام المصرفي، وإن كان عبر قوانين تتيح لهم استرجاعها تدريجيا في إطار أي عملية إصلاح مالية تنفذها الحكومة الجديدة بقيادة نواف سلام.

فقد جرى ترحيل ملف المودعين في لبنان من حكومة إلى أخرى؛ نظرا لكون الحل النهائي له يتمثل في وجود سلطة تنفيذية "قادرة على وضع خطة متكاملة" لإعادة تلك الأموال.

قانون المودعين

وبدأت قصة أموال المودعين، منذ عام 2019، حينما عانى لبنان انهيارا ماليا عُدّ من أسوأ الأزمات في العصر الحديث وفقا للبنك الدولي؛ حيث فقدت الليرة أكثر من 98 بالمئة من قيمتها.

وبينما انهارت الثقة بالنظام المصرفي بالكامل، فرضت البنوك قيودا صارمة على سحب الأموال بالدولار والتحويلات الخارجية، ما أدى إلى احتجاز أموال المودعين.

ومنذ ذلك الحين، باتت السحوبات على الدولار مقيدة بحسب قيمة الوديعة، فأصبح من يمتلك حسابا يتخطى مليون دولار يحصل في أحسن الأحوال على 1000 دولار أسبوعيا، والأدنى فالأدنى.

ووصل الأمر إلى أن يحصل العميل على 50 دولارا أسبوعيا، لتتدنى هذه السقوف تدريجيا، إلى أن اختفت العملة الأجنبية من المصارف.

ودعت تلك الحالة المودعين للخروج باحتجاجات في لبنان ضد المصارف؛ تحت شعار “نريد أموالنا بأي ثمن”.

ومع تشكيل نواف سلام في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2025 حكومة بمعايير عالية تتناسب مع صعوبات المرحلة السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، يأمل المودعون في حل هذه الأزمة.

وأمام ذلك، كشف وزير المالية اللبناني ياسين جابر، عن أنه يتم تحضير قانون لإعادة الودائع لأصحابها، وفق قوله.

ورأى جابر خلال مؤتمر صحفي ببيروت في 23 مايو/أيار 2025 أن قانون إعادة الودائع، هو "الأصعب ويسعى لإيجاد إمكانية لتنظيمه ومرحلته".

وأرجع ذلك إلى عدم وجود إمكانية لإعادة الودائع دفعة واحدة وإنما على مراحل.

وبيّن أن إعادة الودائع ستبدأ بقيمة مئة ألف دولار ودون ذلك ثم تكون المرحلتان الثانية والثالثة.

ولفت الوزير إلى أن "حاكم مصرف لبنان كريم سعيد يعمل على إنجاز إجراءات تنظيم هذا القانون".

وخلال مراسم توليه منصب الحاكمية، في أبريل 2025 تحدث سعيد، عن خريطة طريق سيتبعها خلال ولايته، تبدأ بالعمل على سداد جميع الودائع للمودعين وإعادتها تدريجيا.

وذلك من خلال تحمل مصرف لبنان والمصارف والدولة مسؤولياتهم، عن طريق إعطاء الأولوية لصغار المودعين، ثم الفئات المتوسطة منهم.

ولحاكم المصرف المركزي اللبناني صلاحيات واسعة وفقا لأحكام قانون النقد والتسليف، وسائر التشريعات المتعلّقة بتنظيم العمل المالي في لبنان، إلا أنه لا يملك الحل والربط في قضية المودعين.

لكن رغم حديث المسؤولين في الحكومة اللبنانية الجديدة عن وجود نية لحل ملف المودعين في المرحلة القادمة، فإن المهمة القانونية ليست سهلة.

"متاجرة سياسية"

وضمن هذا السياق، أكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي اللبناني طالب سعد أن ملف الودائع هو موضوع مالي أكثر من كونه سياسيا في لبنان ومع ذلك هناك محاولات لإقرار قانون يتيح إعادة الودائع المالية في البنوك للبنانيين وكذلك المتاجرة فيه سياسيا.

وخاصة أن البلد على أبواب انتخابات برلمانية منتصف عام 2026 ما يعني أن كل القوى ستثير ملف المودعين من أجل الجذب الانتخابي.

وأضاف سعد لـ "الاستقلال": “هناك تساؤلات تسبق قانون المودعين تتعلق بوفرة الأموال لإمكانية سداد جزء منها للمواطنين”.

وأيضا: “ما الآلية المالية لدى المصارف لكي تستطيع سداد الأموال للمودعين؟ وما خطط تأمين الودائع؟”

وأردف أن "كل هذه التساؤلات لم تحصل على إجابة نهائية بشأنها خاصة أن وزير المالية اللبناني تحدث عن رد الودائع ليس نقدا بل عبر بطاقات الائتمان أو الشراء ما يعني المقدرة على استخدام الأموال بحدود معينة".

وذهب سعد للقول “كل الطبقة السياسية في لبنان لها مصلحة في صدور قانون يتيح إعادة الودائع المالية في البنوك لمواطنين”؛ وذلك لأن "البنوك ستعود إلى نشاطها وبالتالي هي مجبرة على تحقيق الثقة لدى المواطنين من أجل المجتمع الدولي والمؤسسات الخارجية وتصنيف لبنان المالي".

وخاصة أن “هناك مجموعة إصلاحات بدأ فيها لبنان ومنها المالية والمصرفية والتي لن تبدأ إلا من خلال الشروع في عملية تأمين جزء من الودائع”.

وهنا يجب وجود خطة واضحة للمودع والمستثمر وأصحاب القطاع الخاص وكل المؤسسات وحملة السندات بشأن مصير ودائعهم بالدولار خلال فترة زمنية محددة، وفق سعد.

واللافت أن أموال المودعين لا تقتصر على المواطنين اللبنانيين بل تشمل مختلف الجنسيات العربية والأجنبية.

ففي أغسطس/آب 2022، قدم نواب أردنيون مذكرة رسمية تطالب حكومة بلادهم بتحرك عاجل لمحاولة استعادة الودائع الأردنية في المصارف اللبنانية، وقدروا قيمتها بحوالي 1.2 مليار دولار تعود لأفراد ومؤسسات.

كذلك يشهد العراق سجالات بين وقت وآخر حول مصير الودائع العراقية في المصارف اللبنانية، وذهبت تصريحات مسؤولين وخبراء عراقيين لتقديرها بحوالي 10 مليارات دولار.

وفي نوفمبر 2020، اتهم رئيس النظام السوري البائد بشار الأسد المصارف اللبنانية بالتسبب في الأزمة الاقتصادية السورية، وقال: إن ودائع السوريين فيها تقدر بما بين 20 و40 مليار دولار.

"دراسات جاهزة"

وأعلن النائب اللبناني فريد البستاني خلال مؤتمر صحفي، في 21 فبراير/شباط 2025 تقديمه اقتراح قانون "حماية الودائع بالعملات الأجنبية العالقة في المصارف العاملة في لبنان وإعادة الانتظام في عمل القطاعين المالي والمصرفي".

وأشار إلى أنه “بعد طرح العديد من القوانين لإعادة أموال المودعين في حكومتي حسان دياب ونجيب ميقاتي، ثم سحبها، وبعد إدخال خطة ماكنزي إلى الأدراج وعدم المضي بتنفيذها، سعينا من خلال هذا القانون إلى إيجاد حل للدولة لإعادة تكوين رأس مال مصرف لبنان، وتحريك العجلة الاقتصادية”.

وأضاف البستاني: "كما نهدف إلى ضمان حق المودعين بعدم إلغاء أو اقتطاع أي وديعة مصرفية أو الحسم (الخصم) من قيمتها، بالإضافة إلى منع استبدالها بأسهم".

وفي ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في لبنان ومحاولات الخروج من عنق الزجاجة، عادت خطة "ماكنزي" إلى الواجهة كأحد أبرز الحلول المطروحة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني.

ووضعت هذه الخطة عام 2018 بهدف رسم مسار جديد للنمو، لكنها بقيت حبيسة الأدراج بسبب غياب الإرادة السياسية.

وبطلب من الحكومة اللبنانية عام 2017، أعدت شركة الاستشارات الإدارية الأميركية “ماكنزي أند كومباني” دراسة قطاعية حول الاقتصاد اللبناني، تضمنت رؤية وخطّة متطورة تحدّد مستقبل لبنان الاقتصادي للسنوات الخمس المقبلة (2020-2025).

أما الخبير المالي والمصرفي اللبناني نقولا شيخاني الذي شارك البستاني في اقتراح القانون وتفاصليه فيرى أن دراستهم وضعت بهدف عدم التهاون مع القضية وحماية الودائع في مرحلة أولى، ثم إعادة هذه الأموال إلى أصحابها في مرحلة ثانية.

ولفت شيخاني إلى أن "هذا الاقتراح يقوم على ثلاثة مسلمات أساسية: "أولا، لا لشطب الودائع المتبقية. ثانيا، لا لشطب الفوائد. ثالثا، لا لتحويل الودائع إلى أسهم مالية".

ورأى أن "هذا القانون سيعمل على إعادة الانتظام في القطاع المصرفي وسيتكامل مع خطة التعافي الاقتصادي التي ستتبناها الحكومة المقبلة، ما يسهم في إخراج لبنان من اللائحة الرمادية".

وكانت تسريبات نشرتها وسائل إعلام محلية، منها "إم تي في"، عام 2022 تحدثت عن وجود خطة تهدف من خلالها الحكومة اللبنانية إلى شطب 60 مليار دولار من أموال البنوك المحلية في مصرف لبنان.

وتعود هذه الأموال للمودعين وهو مبلغ من أصل 80 مليار دولار موجودة في المصرف، بحسب التسريبات.

ولم تنفذ تلك الخطة نظرا لعدم دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الشطب، وكذلك انعكاساتها على استعادة الثقة بالاقتصاد وبالقطاع المصرفي الذي يشكل الممر الإلزامي لعمليات الاستيراد والتواصل المالي مع العالم.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024 أُدرج لبنان على القائمة الرمادية للدول الخاضعة لتدقيق خاص من جانب مجموعة العمل المالي “فاتف" المعنية بمكافحة الجرائم المالية.

وأمام هذه التراكمات الاقتصادية الثقيلة، وضعت الحكومة اللبنانية الجديدة في 2 مارس/آذار 2025 نفسها أمام تحدي معالجة الأسباب التي أدت إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية؛ إذ شكل وزير العدل اللبناني، عادل نصار، لجنة قانونية كلفها بتنفيذ الإجراءات التصحيحية المطلوبة من وزارة العدل، وفق الخطة الموضوعة من قبل المجموعة الدولية، لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية.

وطلب من اللجنة رفع تقريرها إلى الوزير في مهلة 45 يوما من تاريخ تبلغها هذا القرار.

كما أقر مجلس النواب اللبناني تعديلات على قانون السرية المصرفية تسهل للهيئات الناظمة الحصول على كامل المعلومات المتعلقة بالحسابات، تلبية لمطلب رئيس لصندوق النقد الدولي، في خطوة عدها رئيس الوزراء أساسية "لكشف الحقائق" بشأن الأزمة المالية التي بدأت عام 2019.

وتؤكد السلطات عزمها اتخاذ إجراءات لمعالجة تداعيات أزمة غير مسبوقة بدأت قبل أكثر من خمسة أعوام، مع اشتراط المجتمع الدولي إجراء إصلاحات جذرية لتوفير الدعم المالي، وهذا وفق الخبراء لن يتم إلا بوجود قطاع مصرفي بلبنان يطبق القوانين الدولية.

وأسهمت السرية المصرفية المشددة التي اعتمدها لبنان لعقود، في جذب الودائع وازدهار القطاع المصرفي. 

لكن الحفاظ على حقوق المودعين، يستوجب خطوات تشريعية مرتبطة بسرية المصارف وإعادة هيكلتها ومعالجة الفجوة المالية، خاصة في ظل وجود شبهات بأن أصحاب مصارف ونافذين استغلوا الأزمة الاقتصادية للتغطية على فساد وتبييض أموال، أو تهريبها إلى الخارج في وقت كانت المصارف تقيّد سحب الودائع عن المواطنين الذين راحوا ضحية "الطبقة الفاسدة".

وكان مجلس النواب أقر تعديلات على قانون السرية المصرفية عام 2022، عدها صندوق النقد غير كافية؛ إذ لم تسمح للهيئات الناظمة برفع السرية عن حسابات مشبوهة أو أسماء أصحابها.

وسبق للحكومة أن أكدت أن التعديلات تلحظ مفعولا رجعيا مدته 10 سنوات من تاريخ طلب رفع السرية، ما يتيح بالتالي كشف التعاملات المصرفية في الفترة المحيطة ببدء الأزمة المالية.

ويطالب المجتمع الدولي لبنان بتنفيذ إصلاحات تتيح له الحصول على مليارات الدولارات لإنهاض اقتصاده بعد الأزمة المالية التي بدأت عام 2019 وتعزى إلى سوء الإدارة والفساد.