نقل غاز قطر إلى أوروبا عبر العراق.. ماذا يعني للسعودية وإيران وروسيا؟
.jpg)
تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا المتواصل منذ 24 فبراير/شباط 2022، وما تلاه من عقوبات غربية، بفرض أعباء ضخمة على قطاع الطاقة بأوروبا التي تعاني حاليا من ارتفاع كبير بالأسعار، ما دفعها للاتجاه نحو تنويع مصادر الطاقة، والبحث عن أي بدائل ممكنة.
ورأت وكالة الأناضول التركية في مقال لأستاذ العلاقات الدولية نجم الدين أجار، أن العراق لديه القدرة أن يلعب دورا حاسما في حل هذه الأزمة عبر نقل الغاز من الخليج إلى أوروبا مرورا بتركيا، لكن يقف أمام ذلك عراقيل عديدة.
مشهد معقد
وذكرت الوكالة التركية أن العراق الذي كان لاعبا إقليميا مهما لسنوات عديدة سقط أخيرا في دوامة جديدة من عدم الاستقرار.
ويبدو أن الفشل في تشكيل حكومة والانقسام العميق بين الشيعة والأكراد والسنة حول سياسة البلاد هو السبب الأكثر أهمية لعدم الاستقرار.
وأهم تطور يجعل عدم الاستقرار في العراق ملحوظا هذه الأيام هو الأهمية المتزايدة للبلاد في الجغرافيا السياسية العالمية للطاقة في الفترة الأخيرة.
فبالإضافة إلى كونه منتجا مهما للنفط والغاز الطبيعي، أصبح العراق أهم لاعب جيوسياسي في نقل الغاز الخليجي إلى الغرب في عملية يزداد فيها التوجه إلى مصادر الطاقة البديلة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
ونقل موارد الغاز الطبيعي الخليجية إلى الغرب له عنصران رئيسان: الاستقرار السياسي في العراق واستمرار العلاقات العراقية التركية بأجندة إيجابية، لكن يبدو أن التطورات الأخيرة أدت إلى انتكاسة كبيرة في كلا المجالين.
ففي فترة ما بعد عام 2000، أصبح أمن الطاقة، الذي تتزايد أهميته باستمرار في السياسة العالمية أهم بند في جدول أعمال العالم بأسره، وخاصة بالنسبة لأوروبا، لا سيما مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
واستخدام روسيا للطاقة كسلاح لتحقيق أهداف سياسية واعتماد الدول الأوروبية على الغاز الطبيعي الروسي هي أهم أسباب الوضع الحالي.
وتشكل الزيادات في الأسعار بسبب نقص الإمدادات والعقوبات التي يعلن عنها الطرفان بصورة متبادلة، أهم العقبات التي تحول دون الحصول على الطاقة بأسعار معقولة ودون انقطاع.
وكانت النتيجة الأكثر أهمية للمخاوف المتزايدة بشأن أمن الطاقة مع الحرب الروسية الأوكرانية هي توجه الدول الأوروبية للبحث عن مصادر بديلة للطاقة.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية وضعت أخيرا خططا جديدة مثل زيادة الاستثمار في الطاقة النووية، والموارد المتجددة، والتركيز على واردات الغاز الطبيعي المسال من الخليج والولايات المتحدة والدول الإفريقية.
إلا أنه من غير المرجح أن يتم القضاء على اعتماد أوروبا على روسيا في الغاز الطبيعي بنحو 40 بالمئة عبر هذه الأساليب.
باختصار، لن يتم حل مشكلة أمن الطاقة في أوروبا بشكل كامل إلا إذا تم نقل الغاز الطبيعي من احتياطي كبير من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عن طريق خطوط الأنابيب.
غاز الخليج
وعند النظر إلى احتياطيات الغاز الطبيعي الحالية على نطاق عالمي، يمكن القول إنه لا يوجد سوى احتياطي واحد من الغاز الطبيعي في الخليج يمكنه إنهاء الاعتماد على روسيا وضمان أمن الطاقة في أوروبا.
ويعد حقل بارس الجنوبي للغاز الطبيعي، الواقع في الخليج والمشترك بين إيران وقطر، أكبر حقل للغاز الطبيعي البحري في العالم.
في هذه المنطقة، هناك احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي يبلغ حوالي 60 تريليون متر مكعب مقابل احتياطيات روسيا المؤكدة البالغة 50 تريليون متر مكعب.
وتتصدر روسيا بحصة تبلغ 24 في المئة، فيما تبلغ حصة إيران وقطر في احتياطيات الغاز العالمية، 17 بالمئة و12 بالمئة على التوالي.
وفي خضم الحرب الروسية الأوكرانية، أثار ميل روسيا إلى استخدام إمدادات الطاقة كسلاح لتحقيق أهداف سياسية اهتماما بالدول الأوروبية إزاء منطقة الخليج، حيث توجد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم.
وجعلت هذه التطورات العراق، الذي يعد بالفعل منتجا مهما للنفط فضلا عن احتياطي كبير من الغاز الطبيعي، أحد أهم الجهات الفاعلة في الجغرافيا السياسية العالمية للطاقة.
واليوم، لا يملك العراق التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لاستخدام الغاز الطبيعي المختلط بالنفط على أراضيه، لذلك يحرق نحو 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا دون جدوى.
والأهم من ذلك، أن العراق لاعب رئيس في نقل احتياطيات حقل بارس الجنوبية للغاز الطبيعي المشتركة بين قطر وإيران إلى أوروبا.
ولأن الاحتياطيات في المنطقة لا يمكن نقلها إلى أوروبا إلا من خلال خط أنابيب يمر عبر العراق وتركيا، لذا هناك صلة قوية بين أمن الطاقة العالمي والاستقرار السياسي في العراق والعلاقات العراقية التركية.
وكشفت هجمات منطقة زاخو بمحافظة دهوك العراقية مباشرة بعد قمة 20 يوليو/تموز بين تركيا وروسيا وإيران في طهران، والتصريحات التي صدرت مباشرة بعدها التي زعمت أن تركيا مسؤولة عن هذه الهجمات، عن توتر كبير بين كل من الحكومة العراقية المركزية وأنقرة.
وبعد هذا الحادث، أدت الهجمات على البعثات الدبلوماسية التركية في العراق ومزاعم الهجمات على القواعد العسكرية التركية في البلاد إلى تصعيد التوترات.
وبعد فترة وجيزة من هذه الأحداث، أدى اقتحام البرلمان العراقي من قبل أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إلى تعميق عدم الاستقرار في البلاد.
عراقيل كبيرة
ومن الصعب فهم التطورات الأخيرة في العراق، الذي كان مركز الحرب الإيرانية الغربية الشيعية السنية بالوكالة لسنوات عديدة، دون معرفة الأهمية المتزايدة للبلاد في الجغرافيا السياسية العالمية للطاقة.
ففي الفترة الحالية، أدى استخدام روسيا لبطاقة الطاقة كأهم سلاح في منافستها مع الغرب إلى زيادة أهمية دول الخليج في نظر الجهات الفاعلة الغربية الصناعية.
وفي هذا الإطار، ظهرت ميول إيران لاستخدام بطاقة الطاقة كرافعة للاتفاق النووي والتقارب بين إيران والغرب.
من ناحية أخرى، كان السعوديون يميلون إلى استخدامه كأداة لضمان أمن النظام من قبل الغربيين.
وعلى هذا النحو يجرى استغلال الطاقة كأداة سياسية من قبل روسيا وإيران والمملكة العربية السعودية.
لذا فإن احتمال أن يتمكن العراق من نقل كل من موارد النفط والغاز الخاصة به وموارد الغاز الطبيعي في الخليج إلى الغرب يشكل خطرين مهمين على تلك الجهات الفاعلة.
أولا، حقيقة أن العراق أصبح طريقا موثوقا لنقل الطاقة سيضعف بشكل كبير قوة بطاقة الطاقة التي تستخدمها روسيا وإيران والسعودية وظيفيا لتحقيق أهداف سياسية.
ثانيا، مع تحول خط أنابيب الغاز الطبيعي بين قطر والعراق وتركيا إلى طريق فعال لنقل الطاقة، سترتقي تركيا إلى موقع الدولة المركزية في مجال الطاقة وتصبح أهم لاعب في أمن الطاقة العالمي.
لذا فالهجمات الأخيرة على المدنيين في شمال العراق، والهجمات على البعثات الدبلوماسية التركية والأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد لا تعني فقط إهدار هذه الأهمية الحاسمة للعراق في الجغرافيا السياسية للطاقة العالمية.
بل تقوض أيضا الأدوار الإيجابية التي تلعبها تركيا ويمكن أن تلعبها في الطاقة العالمية والأمن الغذائي، وكذلك تمنع أوروبا أيضا من التخلص من اعتمادها على روسيا في مجال الطاقة.
وهكذا يستفيد اللاعبون الذين يميلون إلى استخدام الطاقة كسلاح لتحقيق أهداف سياسية أكثر من عدم استقرار العراق والتوتر في العلاقات التركية العراقية.