صحيفة تركية: تحركات الإمارات تتطابق مع سياسات إسرائيل في المنطقة

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن السياسات التي تتبعها الإمارات خلال السنوات الأخيرة، خصوصا في القضايا الإقليمية، تطرح تساؤلات جادة بشأن موقعها الحقيقي في الجغرافيا العربية والإسلامية، بل وتستدعي إعادة النظر في المفاهيم السائدة حول الهوية والانتماء في هذه المنطقة.

ونشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالا للكاتب سلجوق ترك يلماز، والذي سلط فيه الضوء على إعادة تشكيل الإمارات للهوية من الانتماء العربي إلى النموذج "الكوزموبوليتي" (مجتمع أممي).

أمثلة صارخة

وقال الكاتب التركي: “من أبرز الأسئلة التي تفرض نفسها: متى بدأت الإمارات تسير في نهج سياسي يشابه، بل يطابق، السياسات الإسرائيلية في المنطقة؟”

وشدد على أن "هذا السؤال لا ينفصل عن قضايا أعمق متعلقة بطبيعة الأنشطة التي تمارسها الإمارات في الجغرافيا الإسلامية، ودورها في الصراعات الداخلية في عدد من الدول العربية، من بينها السودان وليبيا واليمن". 

ورأى يلماز أن "من يراقب هذه التحركات، فإن مثل هذه التساؤلات لا تبدو مفاجئة، بل مشروعة وضرورية". 

وأكد أن "الأحداث المتسارعة في السودان تُظهر مثالا صارخا على هذا التحول، فقد اتخذت الحكومة السودانية قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وذلك في خطوة تعكس حجم التوتر والخلافات بين البلدين". 

واستطرد: “لا يخفى أن لهذا القرار خلفيات عميقة، من أبرزها الاتهامات التي وجهتها الخرطوم إلى أبوظبي بالتدخل في الشأن الداخلي السوداني، ودعم المليشيات المسلحة، بل والمشاركة غير المباشرة في الإبادة الجماعية في إقليم دارفور”. 

وأشار يلماز إلى أن “كل ذلك دفع السودان إلى التلويح برفع قضية ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية”.

وقال: إن “اللافت في هذه التطورات هو أن الإمارات، وفقا لهذه المعطيات، باتت تتقاسم الموقع نفسه الذي تشغله إسرائيل في الجغرافيا السياسية للمنطقة”. 

ونبه إلى أنها “مفارقة تستدعي التوقف، لا سيما في ظل توقيع اتفاقيات إبراهام، والتي مثلت تتويجا علنيا لتقارب إستراتيجي طويل الأمد بين الإمارات وإسرائيل تحت مظلة أميركية”.

وتساءل يلماز: “فما الذي يدفع الإمارات إلى هذا التوجه؟ هل هو الخوف من فقدان النفوذ والوجود في نظام عالمي متغير؟ أم أنها تسير وفق بنية ممنهجة تجعلها أداة في مشروع يتجاوز حدودها الجغرافية والهوياتية؟”

وأردف: "الواقع أن تحركات الإمارات كما يُفهم من سياستها الإقليمية لم تعد مجرد اجتهادات داخلية، بل أصبحت جزءا من بنية سياسية وأمنية ذات طابع خارجي يصعب الانفكاك منها". 

واسترسل: "بناء على ذلك، من الضروري تقييم السياسات الإماراتية في إطار الانتماء الجغرافي والديني، دون الانزلاق إلى التفسيرات العقائدية التي قد تشتت الانتباه عن جوهر المسألة، فالقضية ليست في نوايا الدولة أو معتقداتها، بل في نتائج أفعالها وتداعياتها على المنطقة بأسرها".

الاستعمار الجديد

ولفت يلماز إلى أنه "في السنوات الأخيرة، بات من اللافت أن الإمارات تشهد تحولات جوهرية تتجاوز البعد التنموي والاقتصادي، وتمس بصورة مباشرة البنية الثقافية والاجتماعية، بل وحتى الهُوية العربية والإسلامية للمنطقة". 

ويثير هذا الواقع تساؤلات عميقة عن طبيعة المشروع الإماراتي، ودوره في إعادة تشكيل المنطقة وفق أنماط استعمارية جديدة، تذكر – بشكل أو بآخر – بالتجربة الإسرائيلية. 

فلطالما عُدت إسرائيل مشروعا استيطانيا غربيّا في قلب المشرق العربي، وامتدادا لأجندة استعمارية قامت على الإقصاء والهيمنة العرقية. 

لكن المفارقة هو أن نفس النسق الفكري الذي أنتج إسرائيل يتم استنساخه في منطقة الخليج، وتحديدا في الإمارات. وهنا لا أقصد التشبيه التآمري، بل المقارنة البنيوية التي تفرضها الوقائع، وفق الكاتب التركي.

وأضاف “فمن خلال هيكل ديموغرافي متنوع وقواعد أجنبية متعددة، تتحول هذه الدولة الصغيرة إلى كيان كوزموبوليتي (وهو كيان ذو طابع عالمي أو متعدد الثقافات والأعراق، بحيث لا يقتصر على هوية قومية أو دينية واحدة)، وهذا الكيان يتزايد مع الوقت في الانفتاح والانفصال عن محيطه العربي والإسلامي”. 

ويرى يلماز أن “هذا التحول وإن بدا للبعض تقدما أو انفتاحا، إلا أنه يحمل في طياته عملية إعادة تشكيل للهُوية، وتفريغها من محتواها التاريخي والثقافي”.

واستدرك: "الأمر لا يقتصر على البنية الديموغرافية، فهناك تغير ملحوظ في صورة الإمارات؛ حيث باتت تُقدَّم ويتم التسويق لها كدولة ذات طابع أوروبي متحرر من الأطر الثقافية والدينية للمنطقة". 

وتابع: "بل زوارها في السنوات الأخيرة يعبرون عن دهشتهم من هذا التحول السريع، بعضهم بإعجاب والبعض الآخر بحيرة واستغراب". 

وقد بات واضحا أن بناء هيكل اجتماعي "معلمن" ومجرد من الهوية الإسلامية، يوازي في طموحه ما شهدته إسرائيل منذ تأسيسها كمشروع غربي في المنطقة.

ومن هنا، يظهر سؤال جوهري: هل تُبنى في الخليج "إسرائيل جديدة"؟، يتساءل الكاتب.

وأجاب: "ربما يبدو السؤال صادما للوهلة الأولى، لكنه ليس عبثيا.. فحين ننظر إلى أوجه التشابه بين الكيانين في الحجم، والدور الوظيفي، والبنية الأمنية والعسكرية، وفي طبيعة العلاقة مع الغرب تتضح لنا ملامح مشروع واحد بأدوات متعددة".

وأوضح يلماز أنه “إذا كانت إسرائيل قد أنشئت ككيان استيطاني لفصل المشرق العربي وتشويهه من الداخل، فإن ما يجرى اليوم في الإمارات قد يحمل وظيفة مشابهة: تفكيك البنية العربية والإسلامية، وتقديم نموذج (نجاح) قائم على الانسلاخ الهوياتي والارتباط الكامل بالمراكز الغربية”.

واستدرك: “لكن الفرق الأساسي هو أن هذا المشروع الجديد لا يُمارَس بالقوة العسكرية المباشرة، بل بوسائل ناعمة: الاقتصاد، التكنولوجيا، الإعلام، والتعليم”.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إن "ما نشهده في الإمارات يتجاوز مجرد تحديث أو تطور، إنه إعادة هندسة كاملة لهُوية الدولة والمجتمع، وذلك وفق مقاييس استعمارية محدثة، تستبدل الدبابة بالبرج الزجاجي، والمستوطن بالجنسية متعددة الطبقات".

وتابع: "لذلك، لا بد من قراءة هذا النموذج بحذر، لأن نتائجه لن تقتصر على الإمارات وحدها، بل ستنال مستقبل المنطقة بأسرها وهُويتها الجامعة".