بعد إعلان حل "العمال الكردستاني".. ما موقف تركيا تجاه فرع التنظيم في إيران؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عقب إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه وإلقاء السلاح، استجابةً لدعوة زعيمه التاريخي المحبوس، عبد الله أوجلان، المعتقل في تركيا منذ 26 عاما، توجهت الأنظار إلى ذراعه الإيراني المعروف باسم "حزب الحياة الحرة" (PJAK)؛ إذ مايزال مصير هذا التنظيم المسلح غامضا، وقد يكون من أكثر الملفات تعقيدا في المرحلة المقبلة، بحسب مراقبين.

وفي السياق، نشر مركز دراسات إيران التركي "إيرام" مقالا للكاتب "إيدن جوفان"، سلط فيه الضوء على حلّ حزب العمال الكردستاني ومأزق حزب الحياة الحرة الكردستاني بين الاستمرار والتفكك.

استقلال تنظيمي

وذكر المركز أن إعلان حزب العمال الكردستاني حلَّ نفسه في 12 مايو/ أيار 2025 لم يكن حدثا عابرا في سياق المسألة الكردية، بل تطورا مفصليا أعاد خلط الأوراق داخل البنية التنظيمية لاتحاد مجتمعات كردستان وامتداداتها في المنطقة. 

ومنذ بداية هذا المسار شددت أنقرة على أن قرار الحل يشمل جميع امتدادات تنظيم حزب العمال الكردستاني/اتحاد مجتمعات كردستان، وهو ما وجَّه الأنظار نحو فروع التنظيم في سوريا وإيران. 

وبناءً على ذلك، ظهرت توقعات بأن يتجه الجناح السوري للتنظيم (حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب) والجناح الإيراني (حزب الحياة الحرة الكردستاني) إلى إنهاء وجودهما التنظيمي. 

إلا أنه حتى الآن لم يصدر عن أيّ منهما خطوات ملموسة بهذا الاتجاه؛ بل إن موقف حزب الحياة الحرة الكردستاني يوحي بأنه يعتزم المضي قدما في نهج مستقل.

ولم يتضمن ردّ حزب الحياة الحرة الكردستاني أي التزام بحل التنظيم أو حتى مراجعة مساره، بل عكس تمسكا بخطاب "الحرية" و"المقاومة" كمنطلق لمواصلة النضال المسلح.

ورأى أن ما يجرى في تركيا يخص تركيا فحسب ولا يخصها؛ حيث يعكس هذا الخطاب إصرار الحزب على أن له قضية مختلفة وساحة صراع مستقلة، وهو ما يعزز فكرة "الاستقلال الوظيفي" داخل كيان اتحاد مجتمعات كردستان نفسه.

ولعل أبرز ما يدفع حزب الحياة الحرة الكردستاني إلى هذا الموقف هو غياب أي إشارة صريحة في بيان حزب العمال الكردستاني إلى مستقبل بنية اتحاد مجتمعات كردستان ككل. 

وطالما لم تُمسّ الهيكلية الأم، فإن فروعها تحتفظ بشرعية الاستمرار، حتى لو تفكك التنظيم المؤسس. وهذا ما يُفسر صمت حزب الاتحاد الديمقراطي حتى الآن، الذي بدوره يراقب بحذر موازين القوى في شمال سوريا.

والمفارقة اللافتة هي أن طهران لم تُبدِ حماسة تُذكر تجاه خبر حلّ حزب العمال الكردستاني، بل اكتفت بتصريحات باهتة لم تحمل أي دلالات سياسية. 

وهذا الصمت قد يُفهم على مستويين: الأول، أن إيران تدرك أن حزب الحياة الحرة الكردستاني لا يزال ورقة ضغط قابلة للاستخدام إقليميا. 

والثاني، أنها لا ترى في قرار حزب العمال الكردستاني تغييرا جوهريا في موازين القوة الميدانية. 

وعليه، فإن حزب الحياة الحرة الكردستاني يواصل العمل ضمن حدود "التسامح الأمني" الإيراني، ما لم يتجاوز الخطوط الحمراء.

تعدد الحسابات

وفي أعقاب إعلان حزب العمال الكردستاني عن حل نفسه في 12 مايو 2025، برزت تساؤلات جدية حول موقف حزب الحياة الحرة الكردستاني الذي ينشط في إيران. 

وبينما فسّر كثيرون هذا القرار على أنه بداية لإنهاء مشروع الكفاح المسلح الكردي في المنطقة، فإن حزب الحياة الحرة الكردستاني يبدو مصمما على انتهاج مسار مغاير، مستندا إلى قراءة خاصة للواقع الإيراني وتوازنات الإقليم.

ويرى حزب الحياة الحرة الكردستاني أن الظروف الاجتماعية والسياسية في إيران تختلف جذريا عن تلك الموجودة في تركيا. 

فبينما تمّ عدّ قرار حزب العمال الكردستاني بإنهاء العمل المسلح في السياق التركي خطوة "مناسبة"، يعتقد الحزب أن الوضع الإيراني لا يزال يفرض ضرورة استمرار الكفاح المسلح. 

وهذا التقدير ينبع من قناعة راسخة لدى حزب الحياة الحرة الكردستاني بأن على التنظيم مواصلة الدفاع عن حقوق الأكراد الإيرانيين في وجه الدولة الإيرانية، وهو ما يفسّر استمرار الخطاب الصدامي والتنظيمي للحزب.

لكنّ المفارقة هي أن حزب الحياة الحرة الكردستاني لا يعتمد فقط على العمل المسلح، بل يسير وفق نهج مزدوج منذ عام 2014، حين أعلن عن تبنيه لخيار "الحل غير العنيف والسياسة الديمقراطية". 

في ذلك العام شهد الحزب تحولا تنظيميا مهما تمثّل في تأسيس كيانات مدنية موازية، أبرزها مؤتمر المجتمع الديمقراطي والحر في شرق كردستان كذراع سياسي، وجمعية المرأة الحرة في شرق كردستان كجناح نسوي.

إلى جانب كيان شبابي وهو اتحاد شباب كردستان الشرقية. من خلال هذه البنية، تراجع العمل المسلح إلى الخلفية، بينما أُعطيت الأولوية للنشاط السياسي والثقافي والاجتماعي.

وقد تجلت فعالية هذا التحول بشكل واضح خلال احتجاجات مهسا أميني عام 2022؛ إذ لعبت هذه الكيانات الثلاثة دورا فاعلا في تحريك الجماهير، لا سيما النساء والشباب. 

وعدّ حزب الحياة الحرة الكردستاني هذه المشاركة نقطة تحول عززت من مكانته المجتمعية، وأثبتت قدرته على التأثير من خارج ميدان القتال، ما أعطاه دفعة للاستمرار في نهج التنظيم وعدم حل نفسه، خاصة مع ارتفاع رصيده الشعبي.

لكنّ الداخل الإيراني ليس وحده ما يحدد حسابات حزب الحياة الحرة الكردستاني؛ فالمعادلة الإقليمية والدولية تلعب دورا لا يقلّ أهمية. 

حيث يتابع الحزب تطورات المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران عن كثب، ويضع سيناريوهات متعددة لاحتمال التعاون مع واشنطن، خصوصا في حال فشل تلك المفاوضات وتصاعد الضغوط الغربية على طهران. 

كما يسعى الحزب إلى تقديم نفسه كحليف محتمل لإسرائيل ضمن سياساتها الهادفة إلى تحفيز الأكراد الإيرانيين ضد النظام، ما يفتح أمامه بابا للحصول على دعم سياسي وربما لوجستي.

في المقابل، قد تستغل إيران نفسها وجود حزب الحياة الحرة الكردستاني كأداة توازن في مواجهة تنظيمات كردية إيرانية أخرى مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني و"كومله"، وهو ما يمنح حزب الحياة الحرة الكردستاني موقعا تفاوضيا مميزا، ويعزز فرص بقائه ضمن المعادلة السياسية والأمنية الإيرانية.

وفي ضوء كل هذه المعطيات، يظهر جلياً أن حزب الحياة الحرة الكردستاني لا يرى نفسه معنيا بقرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه. 

فالتنظيم الذي أعاد هيكلته ليمزج بين السياسة والعمل المسلح يرى أن واقع إيران يفرض عليه الاستمرار، وأن مكاسبه الاجتماعية والتنظيمية، فضلا عن معطيات الإقليم، تدفعه للبقاء في الساحة كلاعب مستقل. 

وعليه، فإن قرار حزب العمال الكردستاني، رغم رمزيته، لا يبدو أنه سيحمل تأثيرا ملموسا على مستقبل حزب الحياة الحرة الكردستاني في المدى القريب أو المتوسط.