ملف ترسيم الحدود بين العراق والكويت يعود للواجهة قبل قمة بغداد.. لماذا؟

رئيسا الجمهورية والحكومة في العراق طعنا بقرار المحكمة العراقية
مع اقتراب انعقاد القمة العربية في بغداد، عادت قضية ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق إلى الواجهة مجددا، الأمر الذي أثار جدلا سياسيا واسعا في البلدين، وذلك بعد عامين من قرار للمحكمة الاتحادية العراقية العليا يلغي اتفاقية "خور عبدالله" المبرمة عام 2013.
وفي 17 مايو/ أيار 2025، تعقد القمة العربية الاعتيادية لدورتها الـ31 في العاصمة العراقية بغداد، وسط تكهنات تتحدث عن غياب أمير الكويت مشعل الأحمد الصباح وزعماء دول خليجية تضامنا مع الأخيرة، خصوصا بعد بيان شديد اللهجة من مجلس التعاون الخليجي ضد العراق.

طعون عراقية
عودة القضية إلى الواجهة جاء بعد رفع رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، طعنين منفصلين ضد قرار المحكمة الاتحادية العراقية، التي بدورها أرجأت البتّ في الطعون إلى 22 يونيو/حزيران، أي بعد انعقاد القمة العربية.
وفي 15 أبريل 2025، طالب رشيد والسوداني في طعنيهما أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بالعدول عن قرارها بإبطال اتفاقية تنظيم الملاحة مع الكويت في "خور عبد الله" وإعادة التقدير للاتفاقية المبرمة بين البلدين في 2013.
وفي مطالعة الطعن، برر رشيد ذلك بأن العراق "يرعى مبدأ حسن الجوار ويلتزم عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل ويحترم التزاماته الدولية".
من جانبه، شدد السوداني في طعنه على أنه "لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة (...) يتوجب على العراق احترام التزاماته الدولية علاوة على وجوب مراعاة مبدأ حسن الجوار بجميع تفاصيله".
وأرجأت المحكمة الاتحادية النظر بالطعنين للمرة الأولى إلى 30 أبريل في بادئ الأمر، في جلسة كان مقررا عقدها في 22 من الشهر ذاته.
وبعدها قررت المحكمة التأجيل مرة ثانية في قضية "خور عبد الله" إلى 22 يونيو، أي بعد القمة العربية التي من المقرر أن تعقد في 17 مايو.
وفي اليوم ذاته الذي كان من المقرر انعقاد جلسة المحكمة فيه لإصدار قرار في قضية "خور عبد الله" في 22 أبريل، وصل رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، القاضي فائق زيدان إلى الكويت على رأس وفد قضائي رفيع المستوى.
وأفاد بيان للقضاء العراقي، بأن "رئيس المجلس يزور الكويت بناء على الدعوة الموجهة من رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز (الكويتي) المستشار عادل بورسلي؛ لغرض تعزيز التعاون القضائي والقانوني بين البلدين"، لكن لم يصدر أي بيان من الجانبين عن نتائج اللقاء.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد أقرت في 4 سبتمبر/ أيلول 2023 بعدم دستورية القانون 42 لسنة 2013، وهو قانون تصديق الاتفاقية بين الحكومتين العراقية والكويتية بشأن تنظيم الملاحة البحرية في منطقة "خور عبد الله".
وذكرت في بيان مقتضب آنذاك أنها "أصدرت قرارها بعدم الدستورية لمخالفة أحكام المادة - 61 / رابعا - من دستور جمهورية العراق التي نصت على تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".
وفي وقتها، ظهر النائب في البرلمان العراقي سعود الساعدي، عن كتلة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، في مقطع فيديو نشره على حسابه بمنصة "إكس" في 4 سبتمبر، يقول فيه إنه كسب دعوى قضائية رفعها لإبطال اتفاقية خور عبدالله مع الكويت.
جدل متصاعد
وعلى وقع ذلك، عقد المجلس الوزاري الخليجي في 6 مايو، اجتماعا استثنائيا في دولة الكويت، لمناقشة مستجدات ملف ترسيم الحدود البحرية برئاسة وزير الخارجية الكويتي عبد الله علي اليحيا، وبمشاركة وزراء خارجية دول الخليج وأمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي.
وأكد المجلس في بيانه الختامي “وجوب احترام العراق لسيادة دولة الكويت ووحدة أراضيها، والالتزام بجميع المعاهدات والقرارات الدولية، وخصوصا قرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993”.
وشدَّد على ضرورة استكمال ترسيم الحدود البحرية لما بعد "العلامة 162" وفق القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982)، مؤكدا أهمية الالتزام الكامل بأعمال اللجنة الفنية والقانونية المشتركة المعنية بالقضية.
ورفض مجلس التعاون الخليجي بشكل قاطع أي "مساس بسيادة الكويت على أراضيها وجزرها ومياهها الإقليمية".
و"العلامة 162"، هي الامتداد البحري الذي لم يُستكمل ترسيمه بين البلدين منذ صدور قرار مجلس الأمن 833 عام 1993 إلى حين وقعت الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على قرار ترسيم الحدود مع الكويت عام 2013.
وقال رائد المالكي النائب عن الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في العراق، إن "ما أقدمت عليه الحكومة العراقية من طعن لدى المحكمة الاتحادية لمطالبتها بالعدول عن قرارها بخصوص خور عبد الله، جاء بعد مماطلة في تنفيذ هذا القرار الذي صدر عام 2023".
وأضاف المالكي خلال حديث مصور مع إذاعة "المربد" العراقية، في 23 أبريل، أن "قرار المحكمة الاتحادية ببطلان الاتفاقية جاء بعد دعوى رفعناها نحن، واستجابت الأخيرة للطعن وأعادت السيادة للعراق على هذا الممر المائي المهم".
وأشار إلى أنه في سياق جملة من التنازلات التي تقدمها لاسترضاء الدول العربية حتى تعقد القمة في بغداد، تحاول الحكومة العراقية أن ترضي الكويت، ولا نعلم إذا كان هناك شرط من الأخيرة أو من دول الخليج يرهن حضورها بإعادة العمل باتفاقية خور عبد الله".
وتابع: "هذا الأمر مرفوض ولا نرغب في إقامة أي قمة عربية تقوم على أساس التنازلات، لذلك نهيب بالشعب العراقي والقوى السياسية للوقوف إلى جانب المحكمة الاتحادية التي تتعرض إلى ضغوط سياسية من أجل ثنيها وإجبارها على العدول عن قرارها السابق".
وفي السياق ذاته، كشف النائب العراقي سعود الساعدي، عن معلومات تشير إلى أن دولة الكويت اشترطت منحها منطقة "خور عبد الله" مقابل حضورها القمة العربية المقبلة.
وقال الساعدي في تصريح لوكالة "فيديو" العراقية في 30 أبريل، إنه "ليس من حق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد التفريط بحقوق الشعب العراقي".
وبحسب النائب، فإن "المعلومات الواردة من داخل المحكمة الاتحادية تشير بوضوح إلى أن قرار المحكمة سيكون بطلان الاتفاقية لصالح العراق بأحقيته بميناء خور عبدالله".

"رِشا ضخمة"
وفي ضوء عودة القضية إلى الواجهة مجددا، وجهت اتهامات إلى مسؤولين عراقيين سابقين بالخيانة وتلقي رِشا ضخمة من الجانب الكويتي لما أسموه "التنازل وبيع أجزاء عراقية" إلى الكويت.
وقال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي لـ"الاستقلال": إن "ضغط دول الخليج والكويت على بغداد أمر وارد جدا مقابل حضور القمة العربية، رغم أنهم يسعون في الآونة الأخيرة إلى كسب العراق إما للتخلص من شر حكوماته- وهو ليس بالقوة السابقة- أو لإبعاده عن تأثير إيران".
وتوقع أن "ترفض المحكمة الاتحادية الطعون المقدمة ضد قرارها القاضي بإلغاء اتفاقية خور عبد الله؛ لأن قراراتها المقبلة ستكون بلا فائدة في أي قضية، وذلك لأن ما يصدر عنها باتّ وغير قابل للتمييز؛ حيث إن تراجعها عن قرار سابق سيحسب بشكل مؤكد على أنها خاضعة للإدارة السياسية".
ولفت إلى أنه "إذا رفضت المحكمة الاتحادية العدول عن قرارها، فإن الكويت قد تذهب إلى تدويل القضية، وهنا ربما يخسر العراق فيها؛ لأن مسؤوليه وسياسييه وتحديدا الشيعة- كونهم هم من يحكم منذ عام 2003- منشغلون بالتحشيد السياسي والطائفي".
ونشر عراقيون في 10 مايو، صورا ومقاطع فيديو تظهر الوفد العراقي الذي وقع على الاتفاقية في الكويت، يقوده رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي، وبرفقته، وزراء النقل هادي العامري، والخارجية هوشيار زيباري، والتجارة محمد شياع السوداني (رئيس الوزراء الحالي).
وطالت هذه الشخصيات اتهامات من ناشطين عراقيين، بالخيانة وبيع أجزاء من العراق مقابل رِشا مالية ضخمة تصل إلى 6 مليارات دولار أميركي، وصلت إلى وزير النقل الأسبق القيادي الحالي في الإطار التنسيقي الشيعي، هادي العامري.
وأعاد ناشطون في 2 مايو 2025، نشر مقطع فيديو سابق للمحافظ الأسبق لمدينة البصرة العراقية، القاضي وائل عبد اللطيف، يقول فيه: إن “توقيع اتفاقية خور عبد الله مع الجانب الكويتي كان مقابل أموال ضخمة بقيمة 6 مليارات دولار”.
وأوضح أن تلك الأموال "ذهبت إلى هادي العامري في وزارة النقل، إلى جانب سيوف ذهبية وصلت إلى مبنى وزارة الخارجية العراقية إلى الوزير هوشيار زيباري".
والأزمة الحالية بين البلدين لم تكن وليدة اللحظة، وإنما بدأت بعدما باشرت الكويت بناء ميناء "مبارك الكبير" على مياه الخليج عام 2011، الأمر الذي رفضه العراقيون وقالوا إنَّه سيُؤدي إلى اختزال جزء كبير من مياههم الإقليمية على الخليج، وقتل ميناء الفاو الكبير في البصرة.
وأكَّدوا أن بناء الميناء سيؤدي إلى "خنق" المنفذ البحري الوحيد للعراق، لأنَّه سيتسبَّب في جعل الساحل الكويتي يمتد على مسافة 500 كيلومتر، بينما يكون ساحل العراق محصورا في مسافة 50 كيلومترا فقط.
وفي ظل تنافس البلدين لإنشاء الموانئ في هذه المنطقة، وضعت الكويت في أبريل 2011 حجر الأساس لبناء ميناء "مبارك الكبير" في جزيرة بوبيان أقصى شمال غرب الخليج، والتي تُعدُّ ثاني أكبر جزيرة في الخليج (890 كلم مربعاً) بعد قشم الإيرانية.
وقالت الكويت حينها: إن الميناء، الذي تبلغ تكلفته حوالي مليار دولار، يهدف إلى جعل البلاد مركزا رئيسا للنقل الإقليمي ومحطة مالية وتجارية عالمية، ومن المقرر أن يكون مكتملا في نهاية عام 2026، وفقا لما أوردته صحيفة "الأنباء" الكويتية في 24 يناير/كانون الثاني 2025.
وفي المقابل فإن العراق وضع حجرا لميناء الفاو الكبير عام 2010، ومن المقرر أن يكتمل بحلول نهاية عام 2025، حسبما أكد مدير عام شركة الموانئ العراقية، فرحان الفرطوسي، في 20 أبريل.
المصادر
- رسالة "شديدة اللهجة" .. التعاون الخليجي يصدر بيانا بشأن ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت
- زيدان في الكويت عشية تأجيل المحكمة العليا العراقية العودة لاتفاقية «خور عبد الله»
- العراق يلغي اتفاقية ملاحية مع الكويت ودول الخليج وأميركا تراقب.. ما القصة؟
- تداعيات خطيرة.. لماذا ألغى العراق اتفاقية خور عبدالله البحرية مع الكويت؟
- رئيسا الجمهورية والوزراء يطعنان بقرار "الاتحادية" حول اتفاقية خور عبدالله
- النائب رائد المالكي: لن نقبل بخيمة صفوان ثانية ونرفض عقد القمة العربية على أساس التنازلات
- الساعدي لـ"فيديو" الكويت اشترطت منحها خور عبدالله مقابل حضورها القمة العربية
- الموانئ تحدّد موعد استكمال مشاريع ميناء الفاو والتعاقد مع الشريك المشغل
- ميناء مبارك الكبير سيكون جاهزا نهاية عام 2026