تداعيات خطيرة.. لماذا ألغى العراق اتفاقية خور عبدالله البحرية مع الكويت؟

يوسف العلي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في قرار مفاجئ جاء بعد مضي 10 سنوات على إبرامها، أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية (أعلى سلطة قضائية) قرارا بإلغاء اتفاقية خور عبدالله بين بغداد والكويت، المعنية بترسيم الحدود البحرية المشتركة، والتي تعتبر من أكثر الاتفاقيات إثارة للجدل في العراق.

وانقسم الجدل إلى قسمين، بين من رأى أن رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي والبرلمان تنازلا عن جزء من خور عبدالله، وهو الممر الوحيد المؤدي إلى معظم الموانئ العراقية، وأن التقسيم جاء بالتنصيف، وليس بناء على خط التالوك (أعمق نقطة بحرية).

وفريق آخر دافع عنها كونها استكمالا لترسيم الحدود بين البلدين بناء على قرار دولي رقم 833، أدى على أرض الواقع إلى إنشاء ميناء مبارك الكبير الكويتي على الشاطئ الغربي لخور عبدالله في جزيرة بوبيان الكويتية، والذي من المُفترض أن يُربط بسكة حديد مع العراق مُستقبلا.

وفي عام 1993 صدر قرار رقم 833 من مجلس الأمن بتثبيت الحدود الدولية بين العراق والكويت، التي رسمتها لجنة من الأمم المتحدة جرى تشكيلها في 1991، وأعلنت بغداد في حينها امتثالها لهذا القرار الأممي.

قرار أحادي

قرار المحكمة الاتحادية الذي صدر في 4 سبتمبر/أيلول 2023، يقضي بعدم دستورية قانون تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، التي جرى المصادقة عليها من البرلمان العراقي بالقانون رقم 42 لعام 2013.

وقالت المحكمة في بيان لها نشرته وكالة الأنبار العراقية (واع): إنها "قررت في جلستها المنعقدة هذا اليوم الحكم بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية بين حكومتي جمهورية العراق ودولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله".

وعزت المحكمة قرارها إلى مخالفة البرلمان العراقي في حينها أحكام الدستور الذي ينص على تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَّن بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.

وبحسب البيان، فإن قرار المحكمة العراقية جاء بناء على شكوى أقامها عدد من نواب البرلمان على اتفاقية خور عبدالله عام 2023، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

وظهر سعود الساعدي النائب في البرلمان العراقي، عن كتلة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، في مقطع فيديو نشره على حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) في 4 سبتمبر، يقول فيه إنه كسب دعوى قضائية رفعها لإبطال اتفاقية خور عبدالله مع الكويت.

وفي هذا الصدد، قال الخبير القانوني والدستوري العراقي علي التميمي، إن "المحكمة الاتحادية لها السلطة والصلاحية في مراقبة دستورية القوانين، والقانون رقم 42 بشأن اتفاقية خور عبدالله، غير دستوري حسب ما فسرته المحكمة".

وأضاف التميمي خلال حديث لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 5 سبتمبر 2023، أن "قرار المحكمة الاتحادية بشأن قانون اتفاقية خور عبدالله ملزم وبات لجميع السلطات، ولا يمكن عدم تنفيذه من أي جهة، فقد عد القرار تصديق هذه الاتفاقية داخل البرلمان أمرا غير دستوري".

ولفت الخبير القانوني إلى أن "القرار ألغى هذه الاتفاقية، بمعنى أنها قد ألغيت من جانب واحد (من طرف العراق فقط)، وفي هذه الحالة سيتم اللجوء إلى محكمة البحار، وهي محكمة دولية وأي قرار يصدر منها سيكون ملزما للعراق والكويت معا".

وأكد أنه "بهذا القرار، خرج العراق من اتفاقية خور عبدالله، وأصبح غير ملزم بها، وهنا يحق للكويت اللجوء إلى محكمة البحار، وكذلك بغداد ممكن أن تلجأ للجهة نفسها، ليكون قرارها هو النافذ على الطرفين".

تداعيات محتملة

وبخصوص تداعيات إلغاء هذه الاتفاقية على العلاقات الثنائية للبلدين الجارين، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي إن "قرار المحكمة الاتحادية وضع حكومة محمد شياع السوداني في حرج، وهذا يضعفها أمام دول المنطقة".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، لم يستبعد المهداوي أن "يكون قرار المحكمة الاتحادية في الوقت الحالي جاء بدفع من جهات سياسية عراقية لضرب حكومة السوداني، لأنه جاء تزامنا مع قرار آخر أصدرته الجهة ذاتها قبل أيام يتعلق بتأجيل إعادة أحد مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك".

وفي 4 سبتمبر 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية أمرا يوقف إجراءات تسليم مقر العمليات المشتركة (تابع للجيش العراقي) للحزب الديمقراطي في كركوك، والذي كان سببا رئيسا باندلاع الاحتجاجات في المدينة سقط خلالها عدد من الضحايا.

وشهدت مدينة كركوك في 2 سبتمبر 2023، توترا أمنيا بسبب قرار للسوداني يقضي بإعادة المقر المذكور إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، الأمر الذي رفضه المكونان العربي والتركماني، ونتج عنه صدام بين الطرفين سقط خلاله 4 قتلى وثلاثة مصابين من الأكراد.

ورأى المهداوي أنه "بغض النظر عن مدى إيجابية أو سلبية قرارات المحكمة الاتحادية، فهي تعطي انطباعا سياسيا أن الحكومة الحالية ورئيسها ليس لهم وزن".

من جهته، قال قحطان الخفاجي، نائب رئيس "لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات" خلال تصريحات له في 5 سبتمبر 2023، إن موضوع "خور عبدالله، وترسيم الحدود مع الكويت قضية حساسة للغاية".

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الخفاجي، أن "المجتمع الدولي أقر في سوابق كثيرة بأن عملية ترسيم الحدود وإقرارها بين دولتين ليست من مهام مجلس الأمن، بل هي مسألة تخص المحكمة الدولية".

وأشار إلى أنه "لم تكن بين العراق والكويت خلافات حدودية أبدا، وبالتالي فالقضية سياسية بحتة، والنظام العراقي قبل عام 2003 لم يوقع على أي اتفاقية وبقيت الأمور معلقة، نظرا لانحياز اللجنة الدولية لصالح أميركا والكويت"، بحسب قوله.

وبيّن الخفاجي، أن "الحكومة (العراقية) التي وقعت على الاتفاقية جاءت مع دبابات الاحتلال الأميركي لبغداد عام 2003، وأن المضي بالاتفاقية يعني إبقاء حالة دائمة من القلق وعدم الاستقرار في المنطقة من العراق، الذي يستشعر أن أرضه ومياهه قد نهبت بأمور غير قانونية".

وتوقع أن "يثير قرار المحكمة الاتحادية ضجة لفترة زمنية، ولكن الجهات المعنية ستدرك أن الأمور تغيرت ولم تعد تساق كما كانت قبل 2003، أي لم يعد الأمر كله لصالح الكويت على حساب العراق".

ولفت الخفاجي إلى أن "هناك بعض التداعيات السلبية التي يمكن أن تنعكس على المشهد في الوقت القصير، لكن سيتم احتواؤها مع مرور الزمن، وأنا أعتقد أنه قرار صائب".

ردود متبادلة

على الصعيد الرسمي، نشرت وكالة "كونا" الكويتية الرسمية في 5 سبتمبر، خبرا مقتضبا عن اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الكويتي سالم عبدالله الجابر الصباح مع نظيره العراقي، فؤاد حسين.

وقالت الوكالة، إن الاتصال بين الطرفين "تناول خلاله العلاقات الثنائية الوثيقة التي تربط البلدين الشقيقين ومناقشة آخر المستجدات الإقليمية والتطورات الراهنة في المنطقة، دون كشف مزيد من التفاصيل".

ولم يختلف كثيرا بيان وزارة الخارجية العراقية الذي نشر في اليوم نفسه على مواقعها الإلكتروني بخصوص الاتصال بين حسين والصباح، بقوله إنه "جرى بحث عدد من الموضوعات محل الاهتمام الثنائيّ وكل ما من شأنه أن يحقق المصالح المُشترَكة للبلدين والشعبين الشقيقين".

من جانبه، قال النائب في مجلس الأمة الكويتي، عبد الكريم الكندري، إن "على الخارجية الكويتية إعلان موقفها اتجاه حكم المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء تصديق اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبدالله بين العراق والكويت التي صودق عليها ببغداد في 25 نوفمبر 2013 تنفيذا لقرار مجلس الأمن".

ورأى الكندري خلال تدوينة نشرها على حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) في 4 سبتمبر، أن "إلغاء المحكمة الاتحادية العراقية تصديق اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبدالله ليس له قيمة على مستوى الدولي فقرارات مجلس الأمن حاسمة بهذا الشأن بالنسبة لحدودنا، لكن سيؤثر على ما تبقى من حدود غير مرسمة وتحديدا ما يتعلق بالعلامة البحرية 162".

وتابع: "التنصل من الاتفاقية الحدودية التي جاءت نتيجة لقرار مجلس الأمن بعد غزو العراق للكويت يشير لنوايا سيئة من الطرف العراقي يجب أن يواجه بحزم من الحكومة الكويتية والخارجية والبرلمان".

ودعا النائب الكويتي إلى "التعامل مع ما يجرى بحزم، لأن إلغاء المحكمة الاتحادية العراقية تصديق اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبدالله بين العراق والكويت تطور خطير على مستوى العلاقات الثنائية".

وأردف: "عدم الاعتراف بالحدود البحرية من الطرف العراقي، إضافة لكونه انتهاكا لقرارات مجلس الأمن وقواعد القانون الدولي وحسن الجوار، قد يكون مقدمة للمطالبة بتعديل المسار البحري الحدودي للوصول لحقل الدرة (النفطي)".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال النائب في مجلس الأمة الكويتي، بدر الملا عبر حسابه بمنصة "إكس" في 4 سبتمبر، إن "التنصل من الاتفاقية الحدودية بين الكويت والعراق تحت أي وسيلة كان يستوجب رد فعل واضح من الحكومة الكويتية وتحديدا من وزارة الخارجية الكويتية".

وفي المقابل، وصف النائب في البرلمان العراقي، أحمد الموسوي، ما صدر عن  المحكمة الاتحادية بخصوص إلغاء الاتفاقية، بأنه  "قرار شجاع، وأعاد حق العراق من جديد بالخور"، وفق تعبيره.

وأضاف الموسوي خلال تصريح نقله موقع "شفقنا" العراقي في 5 سبتمبر، أن "المرحلة المقبلة ربما تشهد حوارات بين العراق والكويت من أجل الوصول إلى اتفاقات جديدة بشأن الملاحة البحرية ما بين الطرفين".

وتابع عضو الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم: "نحن في البرلمان سيكون لنا رأي بشأن أي اتفاقية تعقد بشأن حقوق العراق، ولن نصوت على اتفاق فيه ضياع لحقوق البلاد”.

ولفت الموسوي إلى أن "البرلمان سيعمل على استضافة الجهات الحكومية ذات العلاقة بهذا الخصوص، لمعرفة الإجراءات والقرارات التي ستتخذ بشأن اتفاقية خور عبدالله بعد قرار المحكمة الاتحادية".

من جهته، اعتبر البرلماني العراقي عارف الحمامي، قرار المحكمة الاتحادية المتعلق باتفاقية الملاحة البحرية في خور عبدالله، رفعا للحجة القانونية عن الحكومة والقائمين عليها.

وأفاد الحمامي في تصريح نقلته وكالة "تقدم" العراقية في 5 سبتمبر، بأن "قرار المحكمة الاتحادية، ملزم للطرفين العراق والكويت، فهي رفعت الغطاء القانوني والشرعي عن الاتفاقية ورفعت الحجة القانونية للحكومة والقائمين عليها".