"عملية ناكسة".. هل يتراجع الأردن عن علاقة التطبيع مع النظام السوري؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم الحماس الذي أبداه الأردن لعودة العلاقة مع النظام السوري، بعد عقد من القطيعة السياسية، فإن مؤشرات جديدة أظهرت احتمالية حدوث انتكاسة في عملية التطبيع.

وبحسب تقرير حديث لمعهد "نيو لاينز" الأميركي، فإن تصاعد الاشتباكات المتعلقة بتجارة المخدرات، وتنامي نفوذ إيران جنوب سوريا الملاصقة للأردن تدفع الأخير بعيدا عن التطبيع مع النظام السوري.

"غياب الثقة"

وأوضح التقرير الذي نشر في 7 يوليو/تموز 2022، أن الأردن لا يثق في النظام السوري، لافتقاره إلى الوسائل أو الإرادة لبناء تلك الثقة.

ورأى المعهد، أن الأمر يتطلب إجراء نظام بشار الأسد تغييرات منهجية لكبح جماح الدور المتنامي للمليشيات الإيرانية على الحدود الأردنية السورية.

وكذلك، تنفيذ تدقيق أكثر صرامة لأنشطة قوات الأسد النظامية، والعناصر المتحالفة معها في الجنوب المتورطة في عمليات التهريب.

ورأى المعهد أن العلاقة بين الأردن ونظام الأسد مرهونة بمعالجة تهريب المخدرات عبر الحدود، ومعالجة النظام أيضا العوامل المزعزعة للاستقرار في الجنوب السوري الذي استعاد السيطرة عليه بشكل شبه كامل منتصف عام 2021.

وتعيش درعا الحدودية مع الأردن حالة من الفوضى وانعدام الأمن وكثرة الاغتيالات المتبادلة بين النظام وبقايا مجموعات المعارضة، فضلا عن انتشار البطالة وقلة الزراعة.

ووفق "نيو لاينز"، فإن المحرك الرئيس في انخراط الأردن بعلاقة مع نظام الأسد، هو إعادة بدء التجارة الاقتصادية بينهما، وهذا يعتمد على الاستقرار في الجنوب السوري، لا سيما مع تراجع الدور الروسي لصالح المليشيات الإيرانية عقب غزو أوكرانيا.

وطبع الأردن علاقاته بشكل كامل مع النظام عام 2021، بعد 10 سنوات من الجفاء السياسي والاقتصادي بينهما على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011.

وعقب ذلك تلقى ملك الأردن عبد الله الثاني، اتصالا هاتفيا من رئيس النظام بشار الأسد، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، معلنا بداية صفحة جديدة من "العلاقات المشتركة".

وجرى ترجمة العلاقة بفتح معبر نصيب الحدودي، ومن ثم تكثيف اللقاءات على مستوى وزاري، وأبرزها زيارة وزير دفاع النظام السوري السابق العماد علي أيوب في 19 سبتمبر/أيلول 2021 للأردن، ولقاؤه رئيس هيئة الأركان الأردني، اللواء ركن يوسف الحنيطي.

وتصاعد تذمر عمّان من نظام الأسد بعد جعل الأخير الحدود السورية الأردنية أكبر منصة لتهريب المخدرات المصنعة محليا نحو دول الخليج والعالم.

وشكل تنشيط التجارة وعودة حركة نقل "الترانزيت" (الانتظار) مع سوريا، وأمن الحدود، المدخل العريض لإعادة تطبيع العلاقة بين الأردن ونظام الأسد، إلا أن الأخير أخلف كثيرا في ضبط الحدود وفتحها على مصراعيها لتجارة المخدرات.

وهذا الأمر دفع الملك الأردني شخصيا للتأهب وإطلاق تهديدات وصلت إلى مستوى عملية محدودة إن لم تستجب حكومة الأسد في منع التهريب.

لكن رغم ذلك، زادت عمليات تهريب المخدرات، وتسببت عمليات المكافحة من جانب عمان بمقتل ضباط وعناصر من الجيش الأردني.

وهو ما ولد حالة غضب شعبي أردني من استمرار الحالة، وخاصة أن تطبيعا في العلاقات قد حصل أساسا قبل عامين، بهدف إرجاع العلاقة إلى ما قبل عام 2011.

"ضربة الصقور"

وتحت اسم "ضربة الصقور"، شاركت قوات من الجيش الأردني في 21 فبراير/ شباط 2022، مع قوات بتمارين عسكرية تحاكي سيناريو القضاء على "عناصر إرهابية ومهربي مخدرات" عند الحدود الأردنية السورية.

ولاحقا أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وجود ما سماها "حالة غير صحية" على الحدود مع سوريا، نتيجة لعمليات تهريب المخدرات الممنهجة، وفق ما نقلت وكالة عمون المحلية في 15 يوليو.

وما تزال الحدود الأردنية السورية تشهد نشاطا كبيرا، إذ أحبط الجيش الأردني في 24 يوليو عملية تهريب مخدرات من سوريا، وجرى خلال ضبط 716 ألف حبة كبتاغون، بعدما تعامل الجيش وفق بيان له مع "مجموعات مسلحة تنتهج عملية التهريب بطريقة احترافية".

كما أعلن الجيش الأردني عن إحباط دخول أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون منذ بداية عام 2022 فقط، أي ما يساوي الكمية التي جرى ضبطها طيلة عام 2021.

ورغم تأكيد مدير إدارة مكافحة المخدرات الأردنية الأسبق، اللواء المتقاعد طايل المجالي، عدم وجود مصنع لإنتاج المخدرات، فإن هناك 480 تاجر مخدرات في البلاد.

ولفت المجالي خلال رعايته اليوم العالمي لمكافحة المخدرات في 17 يوليو 2022، إلى أن هناك مشكلة في الأردن بتعاطي المخدرات، ففي السابق كان يضبط 100 ألف حبة، فيما يجرى ضبط الملايين الآن.

ويعد الأردن الخط الأول للسيطرة على تهريب المخدرات للدول المجاورة وخاصة الخليجية، القادمة من سوريا.

ومنذ بداية استئناف العلاقات، علقت عمان آمال اقتصاده على الجارة سوريا، حيث تربطهما حدود تصل إلى 375 كيلو مترا ويقيم حاليا 1.3 مليون سوري في الأردن نصفهم يحملون صفة لاجئ.

كما يرتبط الأردن وسوريا بمعبرين حدوديين رئيسين، هما "الجمرك القديم" الذي يقابله معبر "الرمثا" من الجانب الأردني، و"نصيب" الذي يقابله معبر "جابر".

وتؤكد الأرقام الرسمية أن قيمة الصادرات الأردنية انخفضت إلى 13.9 مليون دولار في 2016، بعد أن سجلت 255.5 مليون دولار في 2011.

لكن إعادة فتح الحدود أدت إلى تجديد مستوى معين من التجارة مع سوريا، ووصلت إلى 94 مليون دولار فقط بدءا من عام 2020، أي 15 بالمئة من حجم تجارتها قبل عام 2011.

ورغم عودة علاقاته مع النظام السوري، يختلف الأردن مع الأخير في شكل الحل السياسي، ويتبنى الرؤية الأممية والغربية، المتمثلة بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يمهد للانتقال السياسي بسوريا وهو ما يرفضه الأسد.

ويجد النظام السوري في الأردن ساحة لممارسة "الابتزاز السياسي"، والضغط على الولايات المتحدة على الأقل، للحصول على استثناءات من قانون العقوبات الأميركي "قيصر".

وأقر الكونغرس الأميركي "قانون قيصر" وبدأ بتطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري. ويهدف القانون في النهاية لخنق الأسد اقتصاديا لدفعه لتسليم السلطة.

شروط الأردن

وأمام ما تقدم، فإن الأردن ماض بالعلاقة مع النظام السوري، إن استجاب الأخير لشروطه.

وهذا ما يشير إليه المحلل السياسي الأردني، أحمد فهيم، بقوله لـ"الاستقلال": "إن علاقات الأردن مع النظام تتسم بالثبات، رغم موقف عمان المنحاز في بداية الثورة السورية للمجتمع الدولي، ودول الخليج التي كانت رافضة لبقاء الأسد بالسلطة بظل الاحتجاجات وقمعها بشكل دموي".

وأضاف فهيم قائلا: "اندلعت حرب إمبراطوريات بسوريا، كانت فيها الغلبة للمعسكر الشرقي ممثلا بروسيا وإيران أو على الأقل خرج الجانبان على قاعدة لا غالب ولا مغلوب".

بمعنى أن النظام باق، واضطر الأردن للتعامل مع الأمر كأمر واقع وسط الظروف الاقتصادية الصعبة له، كما قال.

وزاد بالقول: "ناهيك عن خوف الأردن من شعور النظام السوري والمليشيات الإيرانية بالزهو والنصر والخشية من أن تأخذها الأطماع للتمدد داخل عمان أو لتوسيع قاعدة المشروع الإيراني في المنطقة".

واستدرك المحلل الأردني قائلا: "لذا كان الأردن مهادنا وفتح أبواب التطبيع مع النظام السوري، ولعب أيضا دور الوساطة مع الولايات المتحدة بهدف إعادة دمج الأسد بالمجتمع الدولي".

وبعد كل هذا التمهيد، يرى فهيم، "أنه لا يوجد تراجع أردني في العلاقة مع النظام السوري، بل هي مرشحة للتنامي أكثر، خاصة أن الأردن خاض وساطات دولية لإعادة دمج الأسد".

ومضى يقول: "الأهم من ذلك، أن الأردن جزء من مشروع اقتصادي لبنان طرف فيه ومصر والنظام السوري أيضا للربط الكهربائي بين دول المنطقة".

وبين أنه: "إذا جرى ردع عصابات المخدرات وحل مسألة تهريب المخدرات عبر الأراضي السورية للأردن التي يلجأ لها النظام لتعويض الفاقد الناجم عن قانون قيصر، فإن العلاقات بين عمان والأسد مرشحة للتنامي والتطور".

تحجيم العلاقة

وباتت عمان حاليا أمام أمر واقع يتمثل بخطر الوجود الإيراني في الجنوب السوري، ومن هنا تبرز المصالح الأمنية الوطنية الأساسية للأردن في حماية حدوده، ودرء أي فائض من العنف الإقليمي وعدم الاستقرار.

ولذلك بدأت عمّان تشعر أن سلطة نظام بشار الأسد آخذة بالتلاشي عند الحدود الشمالية لها مع سوريا، وأصبحت تابعة بشكل شبه مباشر لإيران ومليشياتها.

وضمن هذا السياق، يتفق المحلل العسكري السوري العقيد إسماعيل أيوب، مع فهيم بأن "الأردن لا يرغب بقطع العلاقات بشكل نهائي مع النظام، لكن المعطيات تشير إلى أنه ربما تتجه الأمور نحو تحجيم عمّان للعلاقات وعودة إغلاق الحدود".

وشرح أيوب لـ "الاستقلال" طبيعة الموقف الأردني الذي يحكم علاقته بنظام الأسد، مبينا أن "التطبيع بينهما كان مرهونا بالقرارات والتجاذبات الدولية".

وعد الخبير العسكري، أن "هناك مصلحة بأن تكون الحدود مفتوحة بين سوريا والأردن، لكن فقدان نظام الأسد للقرار السياسي والأمني والعسكري على الحدود وتغول المليشيات الإيرانية وتهريب المخدرات والأسلحة للداخل الأردني أضعف كثيرا القرار الأردني بشأن التقارب".

ويعتقد أيوب أن "تغول المليشيات على الحدود الأردنية وإصرارها على استمرار عمليات تهريب المخدرات بالوسائل كافة ومنها عبر الطائرات المسيرة، ربما يكون له الأثر في تحجيم الحكومة الأردنية لعلاقاتها مع الأسد خاصة أن الأردن اتهم مؤسسات رسيمة سورية بأنها ترعى تهريب المخدرات".

ويرى أيوب أن "تطبيع الأردن لعلاقاته مع نظام الأسد أو قطعها مرهون بالسياسة الدولية للمنطقة التي تقودها الولايات المتحدة والتحولات العسكرية والدراماتيكية".

ومضى يقول: "لكن بعد سقوط قتلى من الجيش الأردني على الحدود السورية خلال صد عمليات التهريب أصبحت مشاعر الأردنيين مع قطع العلاقات مع نظام الأسد، وهذا مما يدفع لأن تكون هناك محدودية في العلاقة معه".

غياب الخدمات

وبالمحصلة، فإن تشبث النظام السوري بالأردن كان بهدف "تعويمه سياسيا" وإعادته إلى الجامعة العربية.

إذ قاد الملك الأردني شخصيا جهودا لإنقاذ الأسد، وذهب للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن في يوليو 2021 وحمل في جعبته خريطة طريق للحل بسوريا، يكون بشار طرفا فيها، وليس خارجها كما تريد المعارضة السورية.

لكن عمّان فشلت في هذه الخطوة، وسلمت راية إعادة النظام السوري للجامعة العربية بعد طرده منها أواخر عام 2011، إلى دول أخرى مثل الجزائر وسلطنة عمان.

وانكفأ الدور الأردني إلى الاستفادة من التطبيع النظام السوري في الملف الاقتصادي الخالص، وهذا ما لم يتحقق بالشكل الذي أرادته عمّان.

ولهذا يرى بعض المتابعين للشأن الأردني، أن "حرب المخدرات" قد تنقض غزل العلاقات بين الأردن والنظام السوري.

ويعتقد الإعلامي الأردني حمودة مكاوي، أن هناك "تراجعا بالموقف الرسمي الأردني على صعيد تطبيع العلاقات مع النظام السوري".

وفي حديث لـ "الاستقلال"، أرجع مكاوي،  ذلك إلى أن "النظام السوري اختار أن يحصل على مكتسبات دون تقديم أي خدمات للأردن".

ويأتي هذا رغم تقديم عمّان العديد من المزايا للأسد في سياق إعادة العلاقات معه شريطة ضبط الحدود ووضع المصالح الأردنية كأولوية".

وختم الصحفي بالقول: "بل على العكس دعم النظام السوري مليشيات تهريب المخدرات إلى الأردن، ورعا رسميا تصنيع المخدرات وتهريبها إلى الدول المجاورة، مما دعا عمّان للعودة تدريجيا عن تطبيع العلاقات مجددا".