تضييقا على الأسد.. هل تشن أميركا حربا على "دولة المخدرات" في سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد تحويل نظام الأسد سوريا إلى إمبراطورية مخدرات ذاع صيتها حول العالم، وابتكاره طرقا احترافية في تهريبها، بدأت أصوات أميركية تنادي بضرورة تبني إستراتيجية لإيقاف هذا الإجرام.

وبدا أن حراكا يدور داخل أروقة مجلس النواب الأميركي، يقف خلفه نواب جمهوريون وديموقراطيون، لدفع الكونغرس إلى استهداف شبكات المخدرات بشكل قانوني.

وينطلق هؤلاء من فكرة أن الأرباح التي يجنيها النظام السوري من تجارة المخدرات تمثل مصدرا ضخما لتمويل بشار الأسد حربه ضد شعبه، إضافة لدعم خزائن شركائه المحليين والإقليميين.

قانون نافذ

ووفقا لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، فإن مجلس النواب الأميركي أقر قانونا يطلب من إدارة الرئيس جو بايدن الكشف عن ثروة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وعائلته والدائرة المقربة منه.

وجاء التصويت على هذا الأمر ضمن قانون إقرار موازنة وزارة الدفاع الأميركية لعام 2022، التي تنتظر موافقة مجلس الشيوخ حتى تصبح قانونا نافذا، والذي يعتبره البعض انتصارا تشريعيا أميركيا ضد نظام بشار الأسد.

وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته بتاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن الصيغة الأولية لمشروع الموازنة تضمنت إستراتيجية مشتركة بين الوكالات الأميركية، لتعطيل شبكات المخدرات التابعة لنظام الأسد في سوريا.

لكنه جرى استبعادها من القانون الذي صوت عليه مجلس النواب في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، مقابل الإبقاء على قانون تقديم تقرير عن "ثروة الأسد وأفراد أسرته بما في ذلك أبناء عمومته، مثل عائلة مخلوف وغيرهم".

ومع تزايد نشاط تجارة المخدرات من قبل وكلاء محليين يتبعون للنظام السوري، واستهدافها دولا عربية وغربية، برز تساؤل بشأن مدى قدرة الولايات المتحدة على لجم بشار الأسد.

وبلمحة تاريخية فإن سوريا صادقت على جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة المخدرات بدءا من اتفاقية المخدرات لسنة 1961 المعدلة ببروتوكول سنة 1972.

كما صادقت على اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988.

لكن هذه الاتفاقيات لا تمنع النظام السوري من التورط في زراعة وتهريب المخدرات؛ نظرا لموقع سوريا الحدودي مع تركيا والعراق والأردن ولبنان وفلسطين والبحر المتوسط.

الانتقال للإنتاج

كانت سوريا تاريخيا تعد ممرا (ترانزيت) للمواد المخدرة، لكنها تحولت خلال العقد الأخير لمنتج أساسي، بحسب تقارير صحفية، وتم ضبط شحنات مخدرات مهربة منها إلى دول كثيرة بينها خليجية.

وسبق لصحيفة "إندبندنت" البريطانية أن أكدت بتقرير في مارس/آذار 2021، عبر نسختها الفارسية، أن شخصيات بارزة تابعة لحزب الله اللبناني ومليشيات إيرانية أخرى تنتج كميات كبيرة وعالية الجودة من حبوب الكبتاغون المخدرة داخل الأراضي السورية، لتصديرها إلى بلدان مجاورة.

وأشار التقرير إلى أن هذه المليشيات تدير عددا من مصانع الأدوية التي توقفت عن العمل بسبب ظروف الحرب السورية، لإنتاج آلاف الأقراص المخدرة.

ويؤكد مراقبون سوريون أن ملاحقة شبكات مخدرات الأسد والعمل على تفكيكها مهمة ليست بالسهل، كونها حاليا باتت تصل لدول بإفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، فضلا عن دول عربية عبر وكلاء عابرين للحدود.

ولهذا أصبحت تجارة المخدرات في سوريا صناعة متكاملة بتسهيل مباشر من النظام السوري، وباتت تربك دولا بأكملها.

ويرى حقوقيون ومشرعون دوليون أن محاولات واشنطن لمكافحة تجارة مخدرات الأسد تندرج في إطار تقليم أظافر الأخير، ومنعه من توسيع مصادر تمويله بالعملة الأجنبية نقدا.

ويمكن للولايات المتحدة أن تضيق على هذه التجارة عبر "قانون قيصر"، الذي بدأ تطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.

غير أن تجارب العقد الأخير في سوريا تظهر أن نظام الأسد استطاع الالتفاف على جميع العقوبات الدولية المفروضة عليه، بينما كان التأثير الأقسى على المدنيين وجيوبهم ومعيشتهم.

 ولهذا يذهب كثير من الخبراء في اتجاه أن العقوبات الدولية والقوانين الخاصة ستساهم في إضعاف النظام السوري وإرغامه في نهاية المطاف على تقديم تنازلات كبيرة تصل لدرجة قبوله بالحل السياسي المتعثر في سوريا.

إستراتيجية أميركية

وحول هذه الجزئية، أكد الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، لـ"الاستقلال"، أهمية خطوة معالجة معضلة تجارة المخدرات التي يتورط نظام الأسد بشكل أساسي في تهيئة الظروف المناسبة لتهريبها لدول العالم.

وقال الحاج علي: "إصدار أي قانون لملاحقة شبكات المخدرات التابعة لنظام الأسد، يأتي متسقا مع إستراتيجية واشنطن الخارجية التي تفضل عدم التدخل المباشر وخاصة العسكري، وتعتمد على العقوبات الاقتصادية والمالية والتضييق على مصادر التمويل".

واعتبر أن "هذه الإستراتيجية تستند على اعتبارات إنسانية، وخير مثال على ذلك قانون حماية المدنيين الذي يعرف بقانون قيصر، وهي تعتمد أسلوبا غير مباشر في مواجهة مصالح المنافسين أو الخصوم".

ولفت الحاج علي إلى أن "الإدارة الأميركية تنوي تتبع ثروة بشار الأسد وعائلته وأبناء عمومته ومصادرها وعلاقتهم في تجارة المواد المخدرة وتمويل أنشطته الإجرامية".

واستدرك قائلا: "إن هذه الخطوة في التضييق على هذا النظام المارق وتحقيق النتيجة التي أقر من أجلها قانون قيصر، هي في نهاية المطاف لإجبار هذه السلطة على الحل السياسي طبقا للقرارات الأممية، والتي غالبا ما يعبر عنه دبلوماسيا بتغيير سلوك النظام".

وسبق للمحللة السياسية الأميركية كارولين روز، وهي مسؤولة بمعهد "نيو لاينز" للقضايا الإستراتيجية والسياسة (مقره واشنطن)، أن فندت كيف يمكن لوكالات الأمن القومي الأميركية وضع إستراتيجية داخلية لمحاربة تجارة المخدرات في سوريا.

وقالت المحللة في مقال بموقع "ناشونال إنترست" الأميركي بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "هذه الإستراتيجية تبدأ بمعرفة البنية التحتية لتلك التجارة وطريقة عمل الجهات القائمة عليها، حتى تتسنى لهم مكافحتها على نحو فعال".

وأضافت المحللة أن "تجارة مخدرات الكبتاغون التي مصدرها سوريا أصبحت تمثل تحديا إقليميا في الشرق الأوسط، بعد أن شهدت نموا سريعا خلال السنوات الماضية على نحو يستدعي اهتماما بالغا من قبل الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة".

وألمحت روز إلى أن "تعثر الاقتصاد السوري ومساعي نظام الأسد للحصول على مصادر دخل بديلة، حولت سوريا إلى دولة مخدرات، مع زيادة تجارة الكبتاغون التي أصبحت تقدر بـ3.5 مليارات دولار أميركي سنويا".

عقبة الالتفاف

لكن أمام كل هذه الدعوات والاقتراحات من أجل شل يد النظام السوري عبر قوانين نافذة، هناك من ينبه إلى ضرورة مراعاة قدرة النظام على الالتفاف والمناورة بعد أن تمرس في التجارة.

وهذا ما وضع يده عليه الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو بقوله لـ "الاستقلال" إن "خطوة إصدار قرارات دولية بغض النظر عن جدواها ينبغي التركيز فيها على قدرة النظام السوري على الالتفاف على العقوبات".

وأضاف شعبو أن "النظام السوري اكتسب خبرة من حلفائه الثلاثة روسيا وإيران والصين في الالتفاف على عقوبات الغرب، وإتمام هكذا صفقات مشبوهة".

وتشير بيانات دولية إلى أنه بات واضحا اليوم أن شحنات الحبوب المخدرة التي يجري ضبطها دوليا بين الفينة والأخرى ويكون مصدرها سوريا، لا يمكن أن تنتجها ورشة صغيرة، بل يحتاج الأمر لمعامل وتقنيات خاصة بالتصنيع والتخزين، وإلى ظروف مناسبة وعمل منظم.

ولهذا فإن "مخدرات الأسد وحزب الله" التي جابت العالم، لم يكن لها أن تتوسع وتصبح بهذه الضخامة دون شركاء دوليين لهم خبرة في طرق وأساليب تهريب المخدرات.

ومنها، داخل الفواكه (السعودية) والمعدات التصنيعية (اليونان) وعلب المواد الغذائية (مصر) وعلب مشروب المتة (السعودية) وداخل "بكرات" أسلاك معدنية ضخمة (الإمارات).

وكذلك داخل أسطوانات ورقية للاستخدام الصناعي (إيطاليا) وداخل عبوات صابون (رومانيا)، وداخل المنظفات ومواقد اللحام (مالطا) وفي مواد البناء (ليبيا)، وعبر أشخاص أو شاحنات (الأردن) وغيرها.

من جانبها، أكدت صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق صحفي نشرته مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021 أن شركاء متنفذين ومقربين من رئيس النظام السوري بشار الأسد، متورطون في صناعة وترويج مخدر الكبتاغون.

واعتبرت الصحيفة الأميركية أن ذلك يؤشر على قيام "دولة مخدرات" جديدة في حوض البحر المتوسط.

وأوضح التحقيق أن النظام السوري عبر تجارة المخدرات حول بلده إلى أحدث دولة تعتمد على التجارة غير الشرعية للمخدرات في العالم.

وكشف أن كثيرا من عمليات الإنتاج والتوزيع تشرف عليها مليشيا الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام ورجل إيران الأول في سوريا.