حرب إيران وإسرائيل تضع أوزارها.. من انتصر في مواجهة الـ 12 يوما؟

الضربة الختامية الإيرانية كانت قوية وتسببت بمقتل وإصابة عدد من الإسرائيليين
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشرق الأوسط بالإعلان عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بعد ساعات قليلة من قصف الأخيرة قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر.
ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في ساعة مبكرة من صباح 24 يونيو/حزيران 2024، بعد تصعيد عسكري بين طهران وتل أبيب استمر 12 يوما.
وبدأت إسرائيل هذه المواجهة بغارات استهدفت مواقع عسكرية ومنشآت إستراتيجية نووية بإيران، وقابلها رد إيراني عنيف نال مواقع حساسة بالكيان.
كما استهدفت طهران قاعدة العديد بستة صواريخ بعد تدخل واشنطن مباشرة في الحرب بقصفها منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية.
وعقب سريان وقف إطلاق النار، قال ترامب: "لم نكن لنتمكن من إتمام صفقة اليوم لولا موهبة وشجاعة طياري قاذفة بي-2 وكل من شارك في تلك العملية".
وأضاف أن تلك الضربة المثالية على طهران جمعت كل الأطراف وتمّت الصفقة، مبينا أن إيران وإسرائيل كانتا ترغبان في وقف إطلاق النار.
وتزامن الإعلان عن بدء وقف إطلاق النار بين الطرفين، مع إعلان جيش الاحتلال رصد 5 هجمات إيرانية على "إسرائيل"، أدت واحدة منها إلى مقتل 7 إسرائيليين على الأقل وجرح 12 آخرين بعد سقوط صاروخ على مبنى سكني في بئر السبع.
وقالت وكالة أنباء فارس: إن مدينة حيفا وقاعدة رامات ديفيد الجوية الإسرائيلية من بين المواقع التي استهدفتها صواريخ إيران صباحا.
وبعد ساعات من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قالت إسرائيل: إنها رصدت إطلاق صاروخ إلى اثنين من إيران، مهددة بالرد، فيما نفى التلفزيون الإيراني هذه الأنباء.
وعلى إثر الاستهداف الإيراني للقاعدة الأميركية بقطر، اتخذت دول خليجية إجراءات احترازية أغلقت فيها مجالها الجوي، فيما قالت مصادر عسكرية: إنه جرى تفعيل منظومة الدفاع الجوي في قاعدة عين الأسد الجوية الأميركية بالعراق.
وذهب ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي إلى أن الطرفين، إيران وإسرائيل، حققا تعادلا نسبيا في تصعيدهما؛ حيث لم يتمكن أي طرف من تحقيق نصر حاسم أو مطلق، وفشلا في الوصول لأهدافهما المعلنة من التصعيد، مستنكرين غياب غزة عن الاتفاق وعدم إدراجها ضمنه.
وتباينت ردود فعل الناشطين على منصتي “إكس” و"فيسبوك"، عبر تغريداتهم وتدويناتهم على وسوم عدة أبرزها #وقف_إطلاق_النار، #الحرب_الإسرائيلية_الإيرانية، #العديد، وغيرها؛ إذ نظر فريق للخطوة على أنها إيجابية ورحبوا بها، بينما شكك آخرون في فعالية الاتفاق وأبدوا ارتيابهم منه.
وأشادوا بتصعيد إيران قبيل سريان وقف النار بشن هجمات صاروخية أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى خاصة في بئر السبع، وعدوها إظهارا للقوة وتأكيد القدرة على الاستمرار في العمليات العسكرية، مؤكدين أن إنهاء التصعيد دليل دامغ على هشاشة الاحتلال وتكبده خسائر.
الطرفان متعادلان
وتفاعلا مع التطورات، قال أستاذ الأخلاق السياسية محمد المختار الشنقيطي: "انتهت الحرب بالردع المتبادل، وهذا أفضل مسار للجوار العربي: فقد حققت إيران نصرا عظيما بالمحافظة على قلب برنامجها النووي من التدمير وضرْبها قلبَ إسرائيل ضربات موجعة بقوتها الصاروخية".
وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حقق مكسبا شخصيا بنجاحه في الضربة المباغتة الأولى تعويضا عن ثقل مباغتة 7 أكتوبر على نفسه.
وقال الباحث في الشؤون الإسرائيلية سلطان العجلوني: إن إيران فاوضت بالنار فحازت أفضل الممكن، والنتيجة؛ تعادل، متوقعا أن خطوتها القادمة: "النووي بأي ثمن".
وأشار الكاتب محمد حامد العيلة إلى أن إيران لم تدخل الحرب طواعية بل فُرضت عليها، وكان الخروج منها دون الانزلاق إلى مواجهة واسعة مع الولايات المتحدة؛ هدفًا لطهران لقدرتها على إلحاق ضرر واسع بها.
وقال: "لعل نتنياهو مستاء من وقف الحرب؛ إذ يرى في ذلك إهدارًا لفرصة تاريخية لكسر إيران كان يُنادي بها منذ ثلاثة عقود".
وأشار العيلة إلى أن العدو وضع 3 أهداف رئيسة للحرب، وهي المقياس الأكثر أهمية لاختبار نتائج المعركة، ولم يتحقق أيّ منها بشكل تام.
وهي تغيير النظام الإيراني (الأضرار التي لحقت به قابلة للترميم)، وتدمير البرنامج النووي (يتطلب تقييما دقيقا لحجم الضرر)، وتفكيك القدرات الصاروخية الإيرانية (ما زالت قائمة وفاعلة).
وأوضح أن من منظور إيراني، فإن خروجها من الحرب واقفة على قدميها، رغم الخسائر، يمثل في حد ذاته هدفًا.
كما أظهرت إرادة صلبة لقتال اسرائيل، وقدرتها على استهداف العمق الإسرائيلي، وكشفت عن مكامن ضعف لديها (خصوصًا الخرق الميداني والدفاعات الجوية) وستعمل على معالجتها لتحصين نفسها، إضافة إلى وحدة مجتمعية غير مسبوقة.
وخلص العيلة إلى أنه في المحصّلة، لم يكسر أي طرف الآخر، وكل طرف قادر على تسويق نتائج المعركة بوصفها نصرًا من زاويته الخاصة.
وقال الباحث علي أبو رزق: إن إيران اختارت البقاء عن الذهاب في حرب إقليمية مدمرة أو الدخول في مواجهة حتمية مع ثلاث أو أربع قوى عظمى.
وأضاف أن هذه حرب كان في ظاهرها تدمير القدرات النووية الإيرانية، وفي باطنها إسقاط النظام وتقويضه من الداخل وهذا لم يحدث، وسلوك الشعب الإيراني الذي في غالبه معارض للنظام فاجأ الجميع.
وأكد أبو رزق أن الذي أوقف الحرب سريعا هو امتلاك طهران سلاحا رادعا اسمه الصواريخ الباليستية، والتي تمكنت من تجاوز القبة الحديدية ومنظومات الدفاع الأميركية وأحدثت دمارا غير متوقع في عدة مناطق في الداخل الإسرائيلي، آخرها اليوم.
وتابع: "صحيح أنه لا أحد يعلم بالضبط مدى خسارة إيران في برنامجها النووي، ولكن إذا صدقت التقارير فإن ما حصل في هذا الملف هو خسارة إستراتيجية، فهذا حلم ومشروع عمره عشرات السنوات ولا يمكن تعويضه بسهولة".
وأشار الباحث إلى أن نتنياهو نجح في توجيه الضربة الأولى، وكان مزهوا بإقناع الولايات المتحدة الدخول جزئيا في الحرب وقصف المنشآت النووية، لكن المشهد الختامي، وتدمير مبنى ضخم في بئر السبع وتسببه في إيقاع عدد كبير من القتلى، سيبقى عالقا في نفوس الإسرائيليين لوقت طويل.
قوة إيران
وتحت عنوان "إيران تضرب قلب إسرائيل بقوة غير مسبوقة.. وتصاعد الجنون قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ"، رصد الكاتب أحمد صبحي جلال التصعيد الإيراني على الاحتلال قبيل بدء سريان الهدنة، واصفا المشهد بالدموي.
وأشار إلى أن إيران قصفت برجًا سكنيًا في إسرائيل، وأطلقت حتى الآن ثلاث موجات متتالية من الصواريخ، تلتها الموجة الرابعة باتجاه العمق الإسرائيلي، في أعنف قصف صاروخي منذ اندلاع الحرب قبل نحو أسبوعين.
ولفت جلال إلى أن "إسرائيل" شنت غارات جوية كثيفة على طهران ومدن إيرانية أخرى، ووصفت وسائل الإعلام الإيرانية حجم الانفجارات في العاصمة بأنه الأكبر منذ بدء الحرب، موضحا أن إحدى الضربات الإسرائيلية أدت إلى اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محمد رضا صديقي.
وخلص إلى أن الوضع مرشح لمزيد من التصعيد إذا لم تُترجم هذه الهدنة إلى واقع عملي على الأرض، مؤكدا أن المنطقة تقف على حافة هاوية، وأي انزلاق إضافي قد يجر الجميع إلى كارثة لا تُحمد عقباها.
وقال بلال سعيد: إن إيران تعمدت أن تضرب بقوة في الدقائق الأخيرة قبل سريان وقف إطلاق النار كنوع من إظهار القوة وعدم الانكسار رغم الضربات الكبيرة التي تعرضت لها، وأنها مازلت طرفا في معادلة الردع بعيدا عن المصير الغامض حتى الآن لبرنامجها النووي.
ورأى رضوان قاسم، أن إيران استطاعت تحييد أميركا للاستفراد بإسرائيل، مضيفا: “هؤلاء هم الفرس يستخدمون العقل أكثر من العضلات”.
هشاشة الاحتلال
وتأكيدا على أن الاتفاق جاء لإنقاذ الاحتلال المهزوم، رأى الكاتب أحمد العارجي، أن المواجهة المباشرة مع إيران كشفت أن إسرائيل ليست محصنة كما كان يُعتقد.
إذ أظهرت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة الإيرانية قدرة على اختراق العمق الإسرائيلي، واستهداف منشآت حيوية وعسكرية، مما أجبر السكان على الاحتماء في الملاجئ وأثر على الاقتصاد والحياة اليومية.
وقال: إن إيران أثبتت أنها قادرة على الرد بقوة، ليس فقط عبر وكلائها في المنطقة، بل من أراضيها مباشرة، مستخدمة صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة، ما جعل الجغرافيا الإسرائيلية مكشوفة أمام التهديدات.
وأضاف العارجي، أن الحرب الأخيرة أثبتت أن إسرائيل عاجزة أن تدخل أي حرب دون الدعم الأميركي، مؤكدا أن "زوالها مرهون تماماً بزول قوة أميركا".
وأكد الناشط السياسي أسامة رشدي، أن الحرب توقفت إنقاذاً للكيان، لا انتصاراً له، قائلا: إن ترامب أدرك أن استمرارها سيكشف هشاشة الحليف المدجج بالسلاح والدعم المطلق، لكنه غير قادر على تحمّل المزيد من المفاجآت الإيرانية.
وأضاف: "تتفق أو تختلف مع إيران، فهي أثبتت أنها دولة صلبة، مصممة على الحفاظ على استقلالها، لم ترضخ، ولم توقّع على شروط الاستسلام، ولم تُجبر على وقف تخصيب اليورانيوم، أو التخلي عن قدراتها الدفاعية".
ورجح رشدي، أن موقع “فوردو” الذي تباهى ترامب بقصفه، لم يخرج من الخدمة، مؤكدا أن إيران لا تزال تحتفظ بمخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وقد تعلّق التزاماتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مؤشر على دخول برنامجها النووي "المنطقة المظلمة".
وقال الطبيب يحيى غنيم: نعرف أن تل أبيب تئن ونعرف أن الدمار بها أكبر من أن يُحتَمل، ونعرف أن إيران قدمت أقصى ما عندها في حربها وأنها-بعد المقاومة الفلسطينية- هي من سددت في قلب إسرائيل.
وأضاف: "نعرف أن العرب وقفوا يتفرجون على إيران، وخذل بعضهم وتآمر البعض الآخر على المقاومة، ولكن هذه ليست نهاية الصراع!".
وعد إبراهيم العتاق وقف إطلاق النار إعلان هزيمة "إسرائيل" والولايات المتحدة معا أمام صفقة نووية إستراتيجية كبرى بين روسيا وإيران، مؤكدا أنه كان الطريقة الوحيدة لمنع تل أبيب من الانهيار، والرعب النووي، والانكشاف الأمني.
وقال: إن ما حدث نصر سياسي-إستراتيجي إيراني وهزيمة صامتة لمشروع الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة وانكشاف تكنولوجي واستخباراتي لمحبوبة أميركا في المنطقة.
تنديد واستنكار
وتنديدا بالاستهداف الإيراني لقاعدة العديد قبيل سريان وقف إطلاق النار، حمل عبدالله وليد إبراهيم العنجري، مسؤولية أي تصعيد عسكري في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي الخليج بشكل خاص، لإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
وقال: إن حكومة نتنياهو -وحليفتها الولايات المتحدة- هي من أشعلت المنطقة برمّتها، ولذلك اللوم يقع على إسرائيل، مؤكدا أن أمن المنطقة مُرتبط بزوالها.
وعد علي العريشي المساس بأي دولة خليجية مساسا بكل دول الخليج، مؤكدا أن "قطر ليست وحدها، وعندما يتعلق الأمر بالاعتداء من دولة مارقة ومتهورة يقودها نظام كهنوتي، فكلنا قطريون".
وأضاف أن قوات درع الجزيرة على أهبة الاستعداد، وجميع إمكانات دول الخليج المالية والعسكرية واللوجستية لن تتوانى للحظة في الدفاع عن قطر.
غابت غزة
واستنكارا لغياب غزة من اتفاق وقف إطلاق النار، قال الشاعر تميم البرغوثي: "إذا توقف القتال على معظم الجبهات في الحلف، وتركت غزة وحدها، فنكرر ما قلناه في كل رسالة من رسائل الحرب: سيكون الخاذل أسوأ حالاً من المخذول".
وأكد أن اللبيب من اعتبر بسقوط من سقط من الحكومات أو شبه الحكومات، وإذا فرغت إسرائيل من مقاوميها فإنها ستنقلب لا محالة على مسالميها، والعكس بالعكس.
وقال المحامي الكويتي ناصر الدويلة: إذا انتهت الحرب بين إيران وإسرائيل دون التزام الأخيرة بوقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها فليس لطهران بعد اليوم حق في الحديث عن القدس أو عن قتال الصهاينة والأيام كاشفة كل شيء ونحن ننتظر.
وتساءل الشاعر جهاد الترباني: “هل أصرت إيران ضمن شروطها على إنهاء الحرب بغزة؟ هل اشترطت حتى إدخال المساعدات للناس الجوعى هناك؟ هل ذكرت أصلا أي شيء يخصها وأهلها؟ هل اشترطت على الأقل عدم اعتداء قطعان الصهاينة على الأقصى؟”
وتابع تساؤلاته: “هل كنتم تظنون حقا بأن من تسبب بقتل مئات الآلاف من الأبرياء في سوريا، وترك شعب غزة لمدة عامين يباد دون أن يحرك ترسانته الصاروخية سيشترط على الولايات المتحدة أن تضع حدا لقتلهم لكي توقف ضرب صواريخها وتنهي الحرب مع الصهاينة؟!”
وانتقد الكاتب أحمد أبو رتيمة، إنهاء طهران حربها دون أن يشمل وقف مقتلة غزة، قائلا: "لا مفاجأة، فلم أصدق يوما أنها تقاتل من أجل فلسطين، لكنها رسالة للمغيبين عبيد إيران الذين يعيشون وهم الممانعة والمحور، فهل يتعظون!".
وأكد الإعلامي حافظ المرازي، أن الخاسر في آخر جولة لحرب إيران مع أميركا وإسرائيل هي دول الخليج التي أصبحت ملطشة للمتحاربين، وأدركت أن الاستعانة بالبلطجي العالمي وربيبته لم يخلصها من جارتها الفتوة، وعليها أن تدفع الجزية للثلاثة لإشعار آخر، وفق تعبيره.