"تعاون الأئمة والحاخامات".. المغرب يدخل المرحلة الثالثة في التطبيع مع إسرائيل

جمال خطابي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انتقادات واسعة أثارها اللقاء "المستفز" الذي جمع بين الأمين العام لـ"الرابطة المحمدية للعلماء" الرسمية في المغرب، أحمد عبادي، ورئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، دافيد غوفرين، في 9 فبراير/شباط 2022.

وأسال هذا اللقاء العديد من الأسئلة عن خلفياته ودلالاته، خاصة وأن "الإعلان المشترك" الموقع بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أكد على "تعزيز التعاون بين المغرب وإسرائيل في مجالات محددة"، دون أي إشارة للتعاون في المجال الديني.

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، شهدت الرباط مراسم توقيع "الإعلان الثلاثي المشترك"، ليكون المغرب بذلك رابع دولة عربية تعلن تطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال عام 2021، بعد كل من الإمارات والبحرين والسودان.

وحصل المغرب، مقابل ذلك، على اعتراف من إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بـ"السيادة المغربية على كامل إقليم الصحراء"، ودعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي "باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع حول الصحراء الغربية".

أم الكوارث

وفي الوقت الذي فضل عبادي التزام الصمت إزاء اللقاء، وعدم الرد على الأسئلة التي شغلت الرأي العام بخصوص خلفياته وتفاصيله، خرج غوفرين عبر تغريدة على حسابه بتويتر، قائلا: "سعدت بلقاء الدكتور عبادي، تباحثنا خطط عمل تطبيقية عديدة محاولين إخراجها إلى أرض الواقع فيما يخص التعاون بين الأئمة المسلمين والحاخامات اليهود".

وأضاف أن "التعاون يهدف إلى تعزيز أسس التعايش والتسامح وقبول الآخر وتجاوز الاختلافات العقائدية للنهوض بمجتمعاتنا نحو مستقبل أفضل".

لكن القيادي بحزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، اعتبر تعميم غوفرين، لخبر اجتماعه بعبادي، "بقصد التعاون بين الأئمة المسلمين والحاخامات" بأنه "أم الكوارث الوجودية".

وشدد أفتاتي في تدوينة عبر "فيسبوك" في 10 فبراير 2022، على أن "الغرض من هذه الخطوة هو محاولة نقل الخلاف إلى مؤسسة العلماء، ومن ثم إلى عمق الثقافة والفكر والعلم، وآخر حصون الممانعة العقائدية والحضارية".

وأكد أفتاتي، أن "الاختراق الصهيوني مدان ومرفوض بدون لف ولا دوران"، مشددا على أنه "لا بد من وقفة جامعة للقوى الوطنية الممانعة لمواجهة التطبيع كأحد أكبر الأخطار المحدقة بالمغرب حالا واستقبالا".

وخلص القيادي بالحزب الإسلامي المغربي، إلى أن "التطبيع ساقط لا محالة والكيان الإجرامي الصهيوني إلى زوال".

من جانبه، أكد المدون سامي صولدة، أن "مؤسسة العلماء كانت ومازالت مؤسسة تقاوم التطبيع والظلم والاحتلال".

وخاطب صولدة، في تدوينة عبر فيسبوك، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، بالقول: "ما هذا يا أحمد عبادي!!؟؟ لا تحرق رصيدك العلمي ومسارك الأكاديمي... البارحة صلاة جماعية أمام نصب الهولوكوست، واليوم لقاء مع سفير الكيان الغاصب...".

"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" في بيان صادر عنه في 9 فبراير/شباط 2022، وصف لقاء الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء ورئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، بـ"الفضيحة".

وأكد أن "العلماء المغاربة الأحرار والوطنيين كانوا ولا يزالون ضد الصهيونية وضد كيانها الإرهابي منذ مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار بالمغرب... وكانوا ضد الاختراق الصهيوني للمغرب وتهجير اليهود منه من قبل عصابات الموساد". 

واعتبر البيان أن عبادي "خان إرث رصيد العلماء المغاربة ويرتمي علانية في حضن مكتب الاتصال الصهيوني الذي يدنس من خلال عبادي سيرة وسمعة وشرف العلماء المغاربة". 

محطات بارزة

وقبل هذا "اللقاء المستفز"، بدأت العلاقات رسميا بين المغرب وإسرائيل عام 1994، ثم جمدتها الرباط في 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).

لكن قبل الاعتراف الرسمي في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، تمتد العلاقات إلى عقود أطول شهدت لقاءات بين مسؤولين من البلدين، أهمها استقبال العاهل المغربي آنذاك، الحسن الثاني، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، شمعون بيريز، في مدينة إفران، ثم التقاه في العاصمة الرباط في 22 يوليو/تموز 1986.

وتميزت سنة 1994 بتطور كبير، ففي الأول من سبتمبر/أيلول، تم افتتاح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط، وبعد عامين، فتح المغرب مكتب اتصال له في تل أبيب.

وفي 12 مايو/أيار 2000، زار وفد عسكري إسرائيلي، يضم 25 خبيرا من سلاح الجو، المناطق الجنوبية للمغرب.

وفي 22 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، زار المغرب رجال أعمال إسرائيليين، يمثلون 24 شركة متخصصة في التقنيات الزراعية، بدعوة من غرفة التجارة والصناعة والخدمات (حكومية) في الدار البيضاء.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2000، أعلنت الرباط إغلاق مكتب الاتصال المغربي في إسرائيل، والمكتب الإسرائيلي في الرباط، ردا على القمع الإسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية الثانية، وإعلان الاحتلال الإسرائيلي وقف عملية السلام مع الجانب الفلسطيني.

إلا أنه في 1 و2 سبتمبر/ أيلول 2003، زار وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، سيلفان شالوم، المغرب، والتقى الملك محمد السادس.

وفي 4 سبتمبر/أيلول 2009، بحث الملك محمد السادس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، عبر الهاتف، خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط، "ضمن جهود الرباط للتوصل إلى سلام عادل ونهائي"، وفق وكالة الأنباء المغربية.

وفي 24 أغسطس 2020، قال رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، إن "المغرب يرفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني".

لكن الذي حدث بعد أربعة أشهر هو أن العثماني وقع بنفسه عن الجانب المغربي "الإعلان المشترك"، وهو الوثيقة التي تؤكد استئناف العلاقات الدبلوماسية وتعزيز التعاون بين المغرب وإسرائيل في العديد من المجالات.

وبالإضافة إلى الاتفاقيات الموقعة المتعلقة بالأمن والطاقة والطب البيطري والشباب والرياضة، أعلن غوفرين في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، عن التجهيز لإقامة توأمة بين مدينتي "أزمور" المغربية، و"كريات يام" في الأراضي المحتلة، ما اعتبره البعض محاولة للتطبيع الاجتماعي بعد الاتفاق السياسي.

تحرش جديد

وبالرجوع لوثيقة "الإعلان المشترك"، نجدها تتحدث عن "تشجيع تعاون ثنائي اقتصادي دينامي وخلاق بين المغرب وإسرائيل، ومواصلة التعاون في مجالات التجارة، والمالية والاستثمار، والابتكار والتكنولوجيا، والطيران المدني، والخدمات القنصلية، والسياحة، والماء والفلاحة والأمن الغذائي، والتنمية، والطاقة والمواصلات السلكية واللاسلكية".

ولم يتم ذكر أي بند عن التعاون في المجال الديني بين البلدين، وهو ما يطرح السؤال هل انتقل المغرب من التطبيع السياسي إلى التطبيع الديني؟

وفي جوابه عن هذا السؤال، اعتبر الناشط الإعلامي حسن حمورو، أنه "لا يمكن الحديث أبدا عما يسمى تطبيعا دينيا بين المغرب والكيان الصهيوني"، مبرزا أن "المغرب دولة التعايش بين الأديان قبل أن يظهر الكيان الصهيوني، وستظل كذلك، وأمير المؤمنين (ملك المغرب) هو من يضمن ممارسة الشعائر الدينية لجميع المواطنين بالمملكة".

ووصف حمورو، في حديث لـ"الاستقلال"، اللقاء المعلن عنه بصورة على تويتر بين الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء وغوفرين، بـ"التحرش الذي ينضاف إلى العديد من التحرشات ومحاولات الاختراق التي تمارس باسم الإعلان المشترك". 

فيما شدد على أن ما نشره المكلف بتسيير ما يسمى "مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب" حول لقائه بـ"عبادي"، يحتاج إلى توضيح من طرف الأخير.

ولفت حمورو إلى أن غوفرين "نسب ضمنيا للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، ما لا يدخل ضمن اختصاصاتها، بحديثه عن التعاون بين أئمة المسلمين والحاخامات اليهود".

وأوضح أن "في المغرب لا يوجد شيء اسمه أئمة المسلمين، بل هناك أئمة المساجد الذين يخضعون لمقتضيات قانونية محددة، تشرف على مهامهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وليس الرابطة المحمدية لعلماء المغرب".

وأشار حمورو إلى أن "الحاخامات اليهود المغاربة، مواطنون على نفس درجة عموم المواطنين المغاربة، والضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية، بما فيها اليهودية، هو الملك أمير المؤمنين، لذلك فهذا الموضوع لا يحتاج لتدخل ولا تنسيق من طرف المكلف بالمكتب المذكور (غوفرين)".

من جانبه، وفي تدوينة ساخرة للكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، قال إن "حاخامات إسرائيل سيـعلمون علماء المغرب فن التسامح من وحي تجربة المؤسسة الحاخامية الإسرائيلية الداعمة لجيش الحرب الصهيوني..".

وأضاف أن "علماء المغرب سيستفيدون من التواصل والتلاقح مع الحاخامات.. كيف يمكن (تفـهم) هذا التطبيع و بأي منطق..".