احتجاجات السليمانية.. ما تأثيرها على "حكم العائلات" في كردستان العراق؟ 

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

نجحت أربعة أيام من الاحتجاجات الطلابية الكبرى التي شهدتها مدينة السليمانية بكردستان العراق، في ثني السلطات عن قرار قطع المنحة المالية لطلاب الجامعات والمعاهد، وذلك بعد اتساع رقعة المظاهرات ووصولها إلى أربيل عاصمة الإقليم.

ووافقت حكومة إقليم كردستان في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، على إعادة مخصصات الطلبة المتوقفة منذ 2014، فيما ذكرت وزارة التعليم العالي أنها بحاجة إلى 70 مليار دينار عراقي (47 مليون دولار) سنويا لتغطية منح أكثر من 135 ألف طالب.

تظاهرات السليمانية أثارت تساؤلات بخصوص أسباب اندلاعها، ومدى اتساعها وتحولها إلى احتجاجات تستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية في عموم إقليم كردستان الذي يشهد موجات هجرة كبيرة جراء سوء الأحوال المعيشية وقمع حرية الرأي والتعبير.

"امتداد تشرين"

وفي هذا الصدد، قال الصحفي الكردي المعارض المقيم في لندن، محمود ياسين خلال مقابلة تلفزيونية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "40 ألف شخص هاجر من إقليم كردستان إلى أوروبا، فقط خمسة آلاف منهم عبروا عن طريق بيلاروسيا وبولندا ووصلوا إلى أوروبا".

وأضاف ياسين أن "شعب كردستان هاجر مرتين، الأولى في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والثانية الآن أثناء هجرة الشعب إلى حدود بيلاروسيا وبولندا بسبب بطش النظام الفاسد في الإقليم الذي تحكمه عائلتان، (البارزانيون والطالبانيون)".

ويدير الحكم في كردستان، حزبان رئيسان، هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، حيث يتولى نجله مسرور رئاسة الحكومة، وابن شقيقه نيجيران رئاسة الإقليم.

أما "الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة بافل الطالباني، فإنه يدير شؤون الحكم في السليمانية، ويشغل شقيقه قوباد، منصب نائب رئيس حكومة الإقليم.

وتساءل الصحفي الكردي قائلا: "ماذا نفعل بالعمران وبناء عمارات ومستشفيات خاصة للعائلات الحاكمة والمسؤولين في أربيل، إذا لم تكن هناك حرية للرأي والتعبير في هذه المدينة؟".

واتهم السلطات في إقليم كردستان بأنها "تتعامل مع المظاهرات بذات الأسلوب الذي تعاملت فيه سلطات بغداد مع متظاهري أكتوبر/تشرين الأول 2019 بأن من يخرج للتظاهر مدعوم من إسرائيل ودول الخليج".

وأردف: "الطبقة السياسية التي تحكم في أربيل وبغداد لديها نفس العقيدة السياسية، فأي متظاهر ضدهم يتهمونه بأنه مسيس ومندس، لذلك السيناريو نفسه يتكرر في إقليم كردستان كما حصل في مدن العراق".

ونوه ياسين إلى أن "المظاهرات في كردستان امتداد لثورة تشرين العراقية ضد الطبقة السياسية التي تتاجر بالقضية الكردية مع الفاسدين في بغداد. كل معارضة تنتقد سلطة العائلات في الإقليم يتهمونه بشتى الاتهامات كما تفعل السلطات في بغداد".

وشهد العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2019 حراكا شعبيا كبيرا في وسط وجنوب البلاد، طالب فيه المتظاهرون بمحاكمة الطبقة السياسية التي تدير الحكم منذ عام 2003، لكنها جوبهت بقمع شديد من الأجهزة الأمنية سقط خلالها 800 قتيل ونحو 30 مصابا.

وانتهت مظاهرات تشرين بالإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي في مايو/ أيار 2020، وتسمية مصطفى الكاظمي رئيسا جديدا للحكومة التي كانت أولى مهامها إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

أزمات متراكمة

وبخصوص أسباب اندلاع المظاهرات وفيما إذا كانت فقط تتعلق بمنح الطلبة، رأى ياسين أن الفساد المستشري هو الذي فجر المظاهرات، لأن "الإقليم لديه 20 منفذا حدوديا، إضافة إلى تصدير 500 ألف برميل يوميا، وفي الشهر الواحد واردات النفط تصل إلى 900 مليون دولار".

وأضاف ياسين أن "350 مليون دولار فقط من 900 مليون واردات النفط، تذهب إلى وزارة المالية في الإقليم وتوزع رواتب للموظفين، و550 مليون دولار تذهب إلى الشركات التي تمتلكها العائلات الفاسدة".

وبحسب قوله فإن "السلطات في الإقليم تريد تصدير النفط بشكل مستقل عن العراق، وأخذ جميع واردات المنافذ، وتتولى سلطات بغداد صرف رواتب الموظفين".

واتهم ياسين "الحكومة العراقية في بغداد بأنها متواطئة مع الفاسدين بإقليم كردستان، لأن كل رئيس وزراء يخاف على كرسيه ويحتاج إلى دعم كردي ولا سيما من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني الذي لديه غالبية المقاعد الكردية البرلمانية".

وتساءل: "لماذا لا تلجأ الحكومة في بغداد إلى المحاكم الدولية لمقاضاة الشركات النفطية التي تصدر نفط كردستان بشكل مستقل عن بغداد ولا تعطيها الواردات المالية، وبدلا من ذلك تذهب حكومة بغداد إلى قطع الرواتب عن الإقليم؟"

من جهتها، قالت القيادية في حركة "الجيل الجديد" الكردية المعارضة سروة عبد الواحد: "رغم أن الإقليم تشكل منذ 30 عاما لكن لم يحصل أي تطور اقتصادي خلال هذه المدة، والبنايات الحديثة لا يسكنها أهالي كردستان العراق وإنما القادمون من خارجه أو المسؤولون الأكراد".

ولفتت خلال مقابلة تلفزيونية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني إلى أن "هناك تراكمات في إقليم كردستان، فاليوم خرج الطلبة، وقبلهم كان موظفو العقود والمحاضرون أيضا قد تظاهروا لأنهم لم يجر تثبيت تعييناتهم، لذلك يوميا نشهد مظاهرات بسبب الوضع الاقتصادي".

ورأت سروة عبد الواحد أن "الموضوع يتعلق بطبيعة إدارة كردستان 30 عاما، ماذا قدم الحكم الكردي للشعب الكردي؟ وإلا لماذا تهاجر امرأة عمرها 70 من الإقليم؟ هذا بسبب الظلم والقمع".

وأشارت إلى أن "الوضع متدهور، فلا يجوز أن يباع يوميا 500 ألف برميل من الإقليم ولا نعرف أين تذهب وارداته، وهذا ما أعلنته رئيسة البرلمان في كردستان العراق (ريواز فائق)، وهي من الحزب الحاكم (الديمقراطي الكردستاني)".

استغلال سياسي

وعلى الصعيد ذاته، رأى الكاتب والباحث في الشأن الكردي، شاهو القره داغي خلال تصريحات صحفية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن "تجربة الإقليم من الممكن أن نصفها بأنها مميزة في حال مقارنتها بالمناطق الأخرى في العراق".

واستدرك قائلا: "لكن هذا لا يعني أنه بمجرد الإعمار والتطور يجب أن نسكت عن حالات الفساد وغياب العدالة والشفافية في توزيع الثروات، فهذه أمور داخلية لا علاقة لها ببغداد".

وأضاف: "صحيح أن الأزمة السابقة كانت بسبب قطع بغداد مخصصات كردستان وفرض عقوبات عليها عام 2017، لكن ما يجرى اليوم سببه الفساد فإذا تخلص الإقليم من الفساد وتحققت الشفافية فكل هذا سينتهي".

واندلعت أزمة بين بغداد وأربيل نتيجة إجراء حكومة كردستان استفتاء شعبيا في 25 سبتمبر/ أيلول 2017 للانفصال عن العراق، الأمر الذي دفع السلطات العراقية إلى غلق المنافذ الحدودية ومطارات الإقليم وقطع الميزانية المالية.

وعن توقيت خروج المظاهرات، أفاد القره داغي بأن "مطالبات الطلبة في هذا التوقيت تعني أنهم فعلا وصلوا إلى حالة ميؤوس منها، وأن أهاليهم لا يستطيعون تغطية نفقاتهم".

وأوضح القره داغي أن "هذه المظاهرات هي إشارات إلى ضرورة العمل بالحكومة والمؤسساتية ومحاربة الفساد واجبة، وقبل مدة شاهدنا موجة الهجرة، وأنها أيضا كانت إشارة تثير تساؤلات عن أسباب انتشار اليأس عند الشباب في إقليم كردستان".  

ولفت الكاتب إلى أن "هذا الجيل خرج في المظاهرات لشعوره بوجود ظلم، ولو كان الفقر متساويا بين كل شرائح المجتمع لما خرج أحد، لكنهم يشعرون أن هناك طلبة من أبناء المسؤولين لديهم جامعات خاصة، والبعض يتمتع بثروات الإقليم، وهذا عدم تطبيق للعدالة. فكيف يصبر المواطن؟"

وأشار القره داغي إلى أن "هناك أكثر من 20 قناة فضائية تمتلكها الأحزاب السياسية الحاكمة في إقليم كردستان، لماذا لم تتأثر واحدة منها وتغلق أبوابها بسبب الأزمة المالية التي تتحدث عن الحكومة؟"

وأكد الكاتب الكردي أن "الأموال موجودة في إقليم كردستان العراق، لكن الإرادة الشجاعة مفقودة، فهم يخشون أن تزداد المطالب إذا استجابوا لما ينادي به الطلبة المتظاهرون".

ومع ذلك، رأى القره داغي أن "المظاهرات هذه تحاول بعض الأطراف السياسية المعارضة في إقليم كردستان ركوب موجتها وتقديم مطالب سياسية، وهذا لا نريده حتى لا يحصل استغلال لمطالب الطلبة".

وشهدت المظاهرات الطلابية في مدينة السليمانية سقوط العديد من الإصابات في صفوف المتظاهرين في اشتباكات مع الأمن، فيما جرى حرق مقر "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يتولى إدارة الحكم في السليمانية منذ عقود.