بعد 77 عاما من النكبة.. كيف يخطط نتنياهو للاستيلاء على باقي الضفة والقدس؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع مرور 77 عاما على نكبة فلسطين، في 15 مايو/أيار 2025، بدأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أخطر مخططاتها للاستيلاء على أراضي الضفة والقدس.

المخطط هدفه السيطرة وفرض السيادة على 60 بالمئة من أراض احتلها عام 1967، وبدون صفقة قرن أو قرار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه المرة، وإنما بفرض الأمر الواقع.

المخطط أعلن عنه بوضوح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في 11 مايو/أيار 2025، حين قال: “سنضم 30 بالمئة من الضفة هذا العام (2025) ولن تكون هناك دولة فلسطينية”.

وضمن ذلك، صادقت لجنة القانون والدستور بالكنيست، في 7 مايو 2025 على مشروع قانون يقضي باستخدام عبارة "يهودا والسامرة" كتسمية رسمية للضفة الغربية في القوانين الإسرائيلية كافة، بهدف شرعنة الاستيطان.

وهناك مشروع قانون يقضي بنقل المسؤولية عن الحفريات في المواقع الأثرية والتاريخية في الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي إلى سلطة الآثار الحكومية، وفق صحيفة "هآرتس" في 12 مايو 2025.

تفاصيل المخطط

وفي 11 مايو 2025، وبالتزامن مع شائعات حول وجود خلافات بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قال نتنياهو: إن تل أبيب "ستضم 30 بالمئة من الضفة الغربية" المحتلة.

وأضاف خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن بالكنيست، إنه "لم يطرأ أي تغيير على موقفي، منذ صفقة القرن، التي أعلنها ترامب بشأن ضم الضفة".

واستطرد نتنياهو: “لا أعتقد أنكم ستسمعون عن دولة فلسطينية”

وفي 28 يناير/كانون الثاني 2020، أعلن ترامب خطة للسلام في الشرق الأوسط تشير لإقامة دولة فلسطينية بشروط صارمة، وضم إسرائيل لمستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن وعدم تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

وصادق “مجلس الحرب الإسرائيلي” في 11 مايو 2025، على قرار يسمح للمستوطنين بتسجيل "حقوق ملكية أراض" في المناطق (ج) في الضفة الغربية، لأول مرة منذ احتلالها عام 1967.

وهذه المصادقة تعد خطوة ممهدة لضم نحو 60 بالمئة من أراضي الضفة الغربية إلى السيطرة الإسرائيلية، فوفقا لـ"منتدى السياسة الإسرائيلية" تشكل المنطقة "ج"، 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

وهذه الأراضي تمنع إسرائيل تسجيلها باسم الفلسطينيين، بحجة أنهم يواجهون صعوبة في إثبات ملكيتهم لأراضيهم، لكنها سمحت لليهود بتسجيلها بصفتها مملوكة لهم، دون وثائق، وبما يتعارض مع القوانين الدولية المتعلقة بالاحتلال.

كذلك أمر مجلس الحرب الإسرائيلي، جهاز الأمن بأن يلجم ويمنع "بأي وسيلة" إجراءات موازية بدأت السلطة الفلسطينية بتنفيذها لتسجيل هذه الأراضي كملكية للفلسطينيين، بصفتها ضمن أراضي السلطة الفلسطينية، وفق اتفاق أوسلو.

ويتيح القرار عمليا شراء وبيع الأراضي الفلسطينية التي استولى عليها جيش الاحتلال سابقا بحجة أنها "أراضي دولة" أو التي استولى عليها المستوطنون عبر إقامة البؤر الاستيطانية.

إذ ينص على أنه يمكن "تسجيل حقوق ملكية الأراضي في المناطق (ج) بالضفة الغربية، وجعل هذه الصلاحيات عند الجيش والإدارة المدنية الإسرائيلية.

وفي نهاية إجراءات ترسيم خرائط الأراضي وتسجيل الملكية في الطابو (السجل العقاري الإسرائيلي) بشكل نهائي، سيكون من الصعب الاستئناف على القرار، كما أن أي أرض ليست مسجلة عليها حقوق ملكية تنتقل إلى السلطات الإسرائيلية".

مناطق حساسة

ووصف وزير المالية والأمن بتسلئيل سموتريتش قرار الكابينت بأنه "مخطط عملي لضم الضفة"، وقال: إنه جاء "في إطار ثورة التطبيع والسيادة الفعلية التي نقودها في يهودا والسامرة (الضفة الغربية).

وقال: "لأول مرة تتحمل إسرائيل المسؤولية على المنطقة في إطار سيادة دائمة، وننشئ يقينا قانونيا، يسمح بوجود احتياطي أراضٍ من أجل تطوير الاستيطان".

ونقلت صحيفة "هآرتس" 12 مايو/أيار 2025 عن وزير الحرب، يسرائيل كاتس، إن هذا القرار، الخاص بمنع تسجيل الفلسطينيين لأراضيهم والسماح للمستوطنين فقط بنهبها، "سيعزز المستوطنات".

وشدد على أنه "سيزيد الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة ويؤدي إلى تعزيزه وترسيخه وتوسيعه".

وقال سموتريتش: إن تسجيل الأراضي والبؤر الاستيطانية العشوائية "سيقود لإحضار مليون مستوطن آخر، يفصلون بين إسرائيل وخطر الدولة الإرهابية الفلسطينية"، وفق زعمه.

والخطورة أن هناك أراضي تابعة للوقف الإسلامي في مناطق حساسة كمنطقة القصور الأموية التي تعاني من تدخلات من قبل الاحتلال، يسعى الاحتلال أيضا لتسجيلها ليهود لمحو هويتها وتهويدها، حسب عاملين بالأوقاف الفلسطينية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلن سموتريتش في اجتماع لكتلة حزب "الصهيونية الدينية" أن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية سيجلب معه أيضا فرصة مهمة، بحيث سيكون عام 2025 عام السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية.

ضم "بهدوء"

وتشرح صحيفة “يديعوت أحرونوت” في تقرير نشرته في 13 مايو 2025، "كيف تتحرك إسرائيل بهدوء نحو الضم الفعلي للضفة الغربية" وفق تعبيرها، مؤكدة أن "الحكومة تسرع تشريعات التوسع الاستيطاني، وتلغي بذلك أي فرصة للسلام في المستقبل".

وأوضحت أن القانون الجديد يسمح للمستوطنين بشراء أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة، وداخل المدن والبلدات الفلسطينية، كما يسمح بإقامة مستوطنات بدون إشراف السلطات العسكرية الإسرائيلية.

ووصفت الصحيفة هذه التطورات بأنها "تُمثل مرحلة أخرى في حملة أوسع نطاقا يشنها سموتريتش منذ عامين لتوسيع البؤر الاستيطانية الزراعية، وإلغاء تراخيص فلسطينية لتسهيل إعادة تصنيف أراضيهم بصفتها ملك المستوطنين".

وقالت: إن العقبة الرئيسة التي يواجهها المستوطنون عند محاولتهم توسيع البؤر الاستيطانية هي "الأراضي الفلسطينية الخاصة"، وهي قطع أراضٍ موثقة الملكية يعود تاريخها إلى العهد الأردني.

ويشير تحليل لصحيفة "هآرتس"، اليسارية المعارضة لحكومة نتيناهو، في 20 أبريل 2025، إلى أن وزراء نتنياهو يتحركون لخلق "واقع السيادة الإسرائيلية على الضفة، والحكومة تُشجع الضم، وكل الوسائل مُباحة".

وأشارت إلى أن سموتريتش يوزع صورا له تحمل شعارا يقول "ثورة الاستيطان 2025"، استعدادا للانتخابات المقبلة.

وأوضحت أنه حين تم تشكيل الحكومة الحالية، تم معها إنشاء "إدارة المستوطنات"، بناء على طلب سموتريتش في وزارة الدفاع، بهدف نقل إدارة الحياة في المستوطنات من الأيدي العسكرية إلى الأيدي المدنية. 

وبحسب بعض خبراء القانون تُشكل هذه الخطوة ضما فعليا للضفة الغربية، لأنها تعني إعفاء المستوطنين من القوانين العسكرية المطبقة هناك، ومعاملة دولة الاحتلال لهم مثل بقية الإسرائيليين من حيث التنمية وتخصيص الموارد، وتحقيق فرض السيادة.

تداعيات المخطط

يقول الصحفي والمحلل الفلسطيني، عبد الغني الشامي، إن ما تفعله إسرائيل في الضفة حاليا هو "أم النكبات"، وأن الاحتلال "بعد تدمير غزة، عينه على الضفة الغربية، للإجهاز على فكرة الدولة الفلسطينية تماما".

وأوضح الشامي لـ"الاستقلال" أن "الحكومة الإسرائيلية تسابق الزمن من أجل بسط السيادة اليهودية على كل أرض فلسطين، لتقضي على حلم الدولة الفلسطينية، حتى ولو على جزء من الأراضي المحتلة عام 1967، كما يطالب دعاة التسوية".

وقال: “لم يعد للنسب والمساحات قيمة أمام بلدوزرات نتنياهو، فهو بعد تدمير غزة ومسحها عن الخارطة، تتجه عينه إلى جوهر الصراع (القدس والضفة الغربية) لبسط السيادة اليهودية سواء بالاحتلال المباشر أو غير المباشر وصولا إلى حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”.

وأشار إلى أن ذلك "لم يعد سرا، بل يشير لذلك واقع ممارسات الاحتلال على الأرض، بالتزامن مع إحياء الفلسطينيين ذكرى النكبة، والتي باتت نكبات طالما المشروع الصهيوني في تمدد يوما بعد يوم".

وأضاف: "أخشى أن يحيي الفلسطينيون العام القادم ذكرى النكبة وقد أعيد احتلال كل فلسطين وربما أجزاء من الدول العربية، ما سيجعلنا نبحث عن مصطلح أعمق من النكبة، يشرح الواقع الذي يعيشه العرب".

من جانبه، حذر المحلل الفلسطيني، نواف الزرو، من وثيقة صهيونية خطيرة لتوطين مليوني مستعمر في أنحاء الضفة الغربية عام 2025.

وأوضح في تحليل نشره بموقع "مركز الناطور للدراسات والأبحاث" في 12 مايو 2025 أن الخطة التي يقودها سموتريتش، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، تستهدف "استعمار الضفة الغربية ومضاعفة أعداد المستوطنين بأسرع وقت ممكن".

وزعمت صحيفة اليمين والمستوطنين "ماكور ريشون" في يناير 2025، أن "وجود أغلبية يهودية داخل الضفة الغربية سينقذ إسرائيل ويحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني".

ويقول الخبير الإسرائيلي في القانون الدولي وقوانين الحرب، ميخائيل سفاراد، إن قرار حكومة نتنياهو تسجيل أراضي الضفة لملكية المستوطنين، يتناقض مع القوانين الدولية التي تحظر إجراء تغييرات ذات تأثيرات في أي أرض محتلة.

وقال لصحيفة "هآرتس" في 12 مايو 2025، إن قرار تسجيل الأراضي (للمستوطنين) "تحول إلى نهب هائل لجميع الأراضي في المناطق ج من جانب إسرائيل".

وأكد الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يوحنان تزوريف، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "مهمة سموتريتش الحياتية، هي ترسيخ حقائق لا رجعة فيها على الأرض، تمنع أي احتمال لاتفاق دولتين إسرائيلية وفلسطينية في المستقبل".

وحذر تزوريف، من أن "الأثر التراكمي لهذه الإجراءات قد يُعزل إسرائيل دبلوماسيا، وفي النهاية، ستعد إسرائيل دولة لا تريد السلام".

وأنه "عاجلا أو آجلا ستعد إسرائيل كدولة لا تريد تسوية ولا سلام، خاصة أن حكومة اليمين الحالية لا تريد العيش المشترك، وترامب يدرك ذلك".

حجم الكارثة

وبحسب "هآرتس"، تؤكد منشورات "المجلس الأعلى للتخطيط" في إسرائيل، أنه في عام 2022 تم بناء 4427 مشروع استيطاني في جميع أنحاء الضفة، ارتفع عددها في عام 2023 إلى 12349. 

وبعد انخفاضها إلى 9971 مخططا استيطانيا عام 2024، تم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2025 تقديم 14335 مخططا للبناء في الضفة الغربية.

وقد خصصت ميزانية إسرائيل لعام 2024/2025 مئات الملايين من الشواقل للمستوطنات في الضفة الغربية، وصادقت لجنة المالية في الكنيست خلال يوليو/تموز 2024 على إضافة 302 مليون شيكل إلى وزارة الاستيطان وفي مارس/آذار 2025 تم تعديل ميزانية الوزارة وإضافة 200 مليون شيكل إضافية.

وبحسب تقرير نشرته منظمتا "كيريم نافوت" و"السلام الآن"، تسيطر البؤر الاستيطانية على ما يقرب من 786 ألف دونم، وهو ما يعادل نحو 14 بالمئة من مساحة الضفة الغربية. 

وبحسب التقرير، فإن البؤر الاستيطانية سيطرت خلال العامين والنصف الماضيين فقط على 70 بالمئة من المنطقة.

ويعيش في الضفة الغربية من دون القدس المحتلة نحو 490 ألف مستوطن في مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، فيما يبلغ تعداد الفلسطينيين نحو ثلاثة ملايين نسمة.

وفي 6 مايو 2025، أعلن سموتريتش عن مصادقة قريبة على مشاريع استيطانية في منطقة E1 من شأنها فصل شمالي الضفة عن جنوبها، مشددا على أن "هكذا نقتل الدولة الفلسطينية". 

وأضاف خلال مشاركته في "مؤتمر الاستيطان" الذي تنظمه صحيفة "ماكور ريشون" اليمينية الاستيطانية في مستوطنة "عوفرا"، "سنُقر الخطط، نحن نعمل على ذلك رسميا، وهكذا سنقتل الدولة الفلسطينية فعليا".

وأشار إلى أن الحكومة أقرت منذ بداية عام 2025 بناء 15 ألف وحدة استيطانية، وتستثمر سبعة مليارات شيكل في شق طرق بالضفة، كي نجلب مليون مستوطن". 

وتقع منطقة E1 على مساحة 12 كيلومترا مربعا وتتبع إداريا لمستوطنة "معاليه أدوميم"، وتمتد شمالها وغربها، ورغم أن خطط البناء فيها مطروحة منذ حكومة رابين، فإن تنفيذها تأجل مرارا لأسباب سياسية منذ عام 2005.

وقال سموتريتش: إن 24 محاميا يعملون في "إدارة الاستيطان" لتسريع تسوية البؤر الاستيطانية، مشيرًا إلى أن 86 بؤرة استيطانية على شكل "مزارع" تسيطر على نصف مليون دونم.

وبالتزامن مع الذكرى الـ77 للنكبة، كشف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن صورة عن الواقع الإنساني في الضفة الغربية، وقطاع غزة.

أكد أن عدد الفلسطينيين تضاعف قرابة 10 مرات منذ نكبة عام 1948، ليبلغ منتصف عام 2025 نحو 15.2 مليون فلسطيني في العالم، لكن أكثر من نصفهم خارج فلسطين التاريخية.

ووفقا للمعطيات، يعيش نحو 7.4 ملايين فلسطيني في فلسطين التاريخية (إسرائيل والضفة وغزة)، في مقابل عدد مساوٍ تقريبًا من اليهود الإسرائيليين.

ويبلغ عدد سكان الضفة الغربية من الفلسطينيين قرابة 3.4 ملايين نسمة، فيما يقدر عدد سكان قطاع غزة بـ2.1 مليون، بانخفاض نسبته 10 بالمئة عن التقديرات السابقة، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر 2023.

وفيما يخص الاستيطان، بلغ عدد المستوطنات والبؤر والقواعد العسكرية 551 موقعا، يعيش فيها أكثر من 770 ألف مستوطن، نصفهم تقريبا في محافظة القدس، في حين استولى الاحتلال خلال عام 2024 وحده على أكثر من 46 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين.