علاقة مربحة.. ما سر مساعي المغرب للتحالف مع ديكتاتوريات بالساحل الإفريقي

في يوم ما، ستساعد مالي المغرب على غزو إقليم الصحراء"
عبر إغرائها بإمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي، تحالف المغرب الحليف لأميركا مع ثلاث ديكتاتوريات في الساحل الإفريقي؛ هي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وجميعها تتمتع بعلاقات وطيدة مع روسيا، بحسب صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية.
وقالت الصحيفة: إن مالي من الدول التي أصبحت من أقرب الحلفاء للمغرب في الساحل الإفريقي. ونقلت عن مسؤول مالي أنه "في يوم ما، ستساعد مالي المغرب على غزو إقليم الصحراء".
ومنذ عقود يتنازع المغرب وجبهة البوليساريو بشأن السيادة على إقليم الصحراء، وبينما تقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في الإقليم تحت سيادتها، تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين صحراويين على أراضيها.
رحلة ملحمية
عموما، لا يعد هذا العسكري المالي الوحيد الذي يؤمن بتفوق المغرب في القارة الإفريقية؛ بل يشاركه الرأي وزير خارجية بلده، ونظراؤه في النيجر وبوركينا فاسو. وقد اجتمع هؤلاء القادة الثلاث في الرباط وكان لهم لقاء مع الملك محمد السادس.
وكان الهدف من هذا اللقاء هو "السماح لبلدان الساحل بالوصول إلى المحيط الأطلسي عبر منفذ يمر عبر المغرب".
ونظرا لأن أيا من بين هؤلاء البلدان الثلاث، الذين يمثلون جزءا من كونفدرالية دول الساحل، يملك منفذا بحريا؛ فقد تمثلت مهمتهم الأساسية في المغرب في تقديم هذا الاقتراح الطموح الذي يتحدى جميع القوانين المنطقية.
وقد جرى اقتراح هذه المبادرة لأول مرة من قبل العاهل المغربي في سنة 2023، في وقت كانت فيه دول كونفدرالية دول الساحل تشهد أزمة دبلوماسية خطيرة في علاقتها مع بقية دول غرب إفريقيا، والتي تعد جزءا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).
ويتمثل اقتراح المغرب في إنشاء ممر بري يمتد من بلدان كونفدرالية دول الساحل الثلاثة إلى موانئ الداخلة وطنجة، مما يسمح بالوصول البحري المنشود.
من النظرة الأولى، يبدو هذا الطريق البري في حد ذاته بمثابة رحلة ملحمية يمكن مقارنتها بطريق أوريغون الشهير الذي سلكه المستوطنون الأميركيون في القرن التاسع عشر.
ويمتد أقصر طريق بين عاصمة النيجر، نيامي، وطنجة على مسافة 4600 كيلومتر عبر الصحراء الكبرى، وخلال هذه الرحلة، ستضطر الشاحنات إلى عبور مناطق في مالي والنيجر تسيطر عليها مختلف أنواع الجماعات المسلحة والمتمردين المؤيدين للانفصال.
وبالمثل، سيتعين على الشاحنات المغادرة من عاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو، أن تتبع مسارا مشابها، ولكن في هذه الحالة سيكون أطول بعض الشيء.

ويتمثل البديل الوحيد في طريق ثانٍ على طول ساحل المحيط الأطلسي، عبر موريتانيا والصحراء الغربية، على الرغم من أن هذا سيتطلب من الشاحنات البوركينية السفر لمسافة خمسة آلاف كيلومتر... والشاحنات النيجيرية 5400 كيلومتر.
ولكي نفهم هذه المسافات، يكفي أن نقول: إن المسافة بين مدريد وموسكو هي في حدود 4100 كيلومتر، مع الأخذ في الحسبان أن الطرق الأوروبية في حالة أفضل بكثير من الطرق في البلدان الإفريقية المذكورة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المسافات تخص بالتحديد ميناء طنجة. ومن الواضح أن ميناء الداخلة الواقع في إقليم الصحراء من شأنه أن يقلص المسافات بألف كيلومتر، رغم أن استخدامه يثير تساؤلات جديدة لا ينبغي إغفالها عند النظر في جدوى المشروع.
ويرجع ذلك إلى ما قد يثيره من صراع حول سيادة الصحراء الغربية، وهو ما دفع أصواتا مختلفة مرتبطة بحركة التحرير الصحراوية للاحتجاج على هذه الاتفاقية.
ونوهت الصحيفة إلى أن دول الساحل الثلاث تبنت بشكل مشترك سياسة معادية لفرنسا بشكل علني، حتى إنها طردت العسكريين والدبلوماسيين الفرنسيين العاملين في بلدانها.
ومن المعروف أن المجالس العسكرية في منطقة الساحل، باختصار، تشعر بعداء خاص تجاه الفرنسيين.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بتقييم اتفاق محتمل بعائد اقتصادي مربح، فإنهم يختارون المغرب كشريك محتمل، وهو، كما هو معروف، الداعم الأكبر لفرنسا في شمال إفريقيا.
وفي هذا الصدد، يتساءل الناشط الصحراوي، الطالب علي سالم، في حواره مع الصحيفة قائلا: "كيف يُمكن الحديث عن تحرير إفريقيا في حين تقام علاقات مع من لا يزالون يحتلونها؟ المغرب ليس دولة محايدة؛ بل هو أداة إقليمية لفرنسا التي يدّعون أنهم أطاحوا بها. ويعد التقرّب منه مع إسكات الشعب الصحراوي ليس تناقضا فحسب، بل هو خيانة لروح الوحدة الإفريقية".
تجارة مربحة
ونقلت الصحيفة أن المغرب يعرف كيف يقنع حلفاءه، ويفعل ذلك بشكل جيد للغاية.
ومن الأمثلة الأخرى خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي الذي يقولون: إنهم سيبنونه على طول ساحل غرب إفريقيا لتزويد أوروبا، على الرغم من أن مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال خلال زيارة إلى الرباط في يناير/ كانون الثاني 2023: “علينا أن نفكر في موعد اكتماله. هل سنظل نستخدم غاز الميثان حينها؟”
ورغم أن خط أنابيب الغاز، الذي تقدر قيمته بنحو 25 مليار يورو، سيتمّ تمويله إلى حد كبير من رأس المال الأوروبي، دون أن يصدر أي تعليق من الاتحاد الأوروبي على المسألة.
وعلى الرغم من الخيال القائل إن بناءه سيستغرق 25 عاما، فقد تمكنوا في المغرب من تسويق أنفسهم، ولا تزال هناك تقارير إخبارية عرضية تعلن عن اتفاق جديد بين الرباط وأبوجا بشأن خط أنابيب الغاز الذي لن يتم بناؤه أبدا.
وأضافت الصحيفة أن البديل المعقد أيضا، لهذا الخط يتمثل في نقل الغاز النيجيري عبر الصحراء الكبرى، عبر النيجر، إلى الساحل الجزائري. ومن الواضح أن بناء خط الأنابيب قد أضاف بعدا جديدا للتوترات المعتادة بين المغرب والجزائر.

وبطبيعة الحال، يظل خط أنابيب الغاز تجارة مربحة لمجرد أنه لم يتم بناؤه بعد. واتفق البنك الإسلامي للتنمية مع وزارة الاقتصاد المغربية على تمويل دراسة جدوى خط أنابيب الغاز بقيمة 90 مليون دولار، فيما تعهدت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بتقديم 14.3 مليون دولار لتمويل المرحلة الثانية من الدراسة.
وهذا يعني 104 ملايين دولار لتقسيمها بين هذه الدول.
ولكي يصبح مشروع الأطلسي الذي يتبناه المغرب ودول كونفدرالية دول الساحل، واقعيا فمن الضروري بناء آلاف الكيلومترات من الطرق، التي من شأنها أن تنتهك السيادة الصحراوية أو التي لا يمكن بناؤها ببساطة في المناطق التي تعبر الأراضي التي يسيطر عليها الإرهابيون، والجسور، وغيره من البنى التحتية.
وسوف يتطلب الأمر استثمارات تقدر بملايين الدولارات لإجراء الدراسات ذات الصلة التي تثبت أن المشروع، الذي تتضح عدم جدواه من خلال نظرة سريعة على خرائط جوجل، غير قابل للتطبيق.
وفي الإجمال، تبقى التحالفات الجديدة للمغرب مع الدكتاتوريات الإفريقية فقيرة من الجدوى، نظرا للبنى التحتية المتدنية في القارة الإفريقية.
وتبقى غالبية المشاريع التي تنطوي عليها غير مجدية بالنفع؛ حيث إنها مدفوعة بالتنافس الإقليمي بين المغرب والجزائر من جهة، وتسويق المغرب لنفسه على أنه رائد في القارة الإفريقية من جهة أخرى. والأكثر أهمية من ذلك، تتعارض هذه المشاريع مع قضية الصحراء.