فرصة ذهبية.. هل تسهم الوساطة السعودية في ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان؟

مصعب المجبل | منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تبدو الظروف مواتية أكثر من أي وقت مضى لفتح ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وذلك بعد سقوط نظام الأسد الذي حكم البلاد لـ54 عاما.

فمنذ سقوط حكم بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ركزت لبنان على مسألة ضرورة ترسيم الحدود مع سوريا، وهو الملف الذي بقي مهملا لعقود "لتقديرات أمنية".

ترسيم الحدود

وفي أحدث تطورات هذا الملف، أعلن وزير الخارجية اللبنانية، يوسف رجي، عن تسلمه وثائق وخرائط تاريخية من الأرشيف الفرنسي لحدوده مع سوريا، في خطوة قد تساعد على ترسيم الحدود البرية بين البلدين.

قالت الخارجية اللبنانية عبر بيان في 9 مايو/ أيار 2025: إن الوزير رجي "استقبل سفير فرنسا لدى لبنان، هيرفيه ماغرو، الذي سلمه نسخة من وثائق وخرائط الأرشيف الفرنسي الخاص بالحدود اللبنانية – السورية".

وأضاف البيان أن ذلك جاء "بناء على طلب لبنان والوعد الذي قطعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لرئيس الجمهورية جوزيف عون، خلال زيارته إلى باريس" في 28 مارس/ آذار 2025.

وأشارت الخارجية إلى أن "تزويد لبنان بهذه الوثائق والخرائط سيساعده في عملية ترسيم حدوده البرية مع سوريا".

وسبق أن أعلن ماكرون، أنه ناقش مع نظيره عون، ملفات عدة تتعلق بسوريا، خلال زيارة باريس، بما فيها ضرورة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، مشيرا إلى وجود تعاون قائم بين الجانبين حول هذا الملف، وأن هناك عملا على مستوى الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين البلدين.

وأظهر لبنان من خلال تحركاته الدبلوماسية وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع القيادة السورية الجديدة لتجاوز حقبة الأسدين الأب والابن المتوترة، أن ترسيم الحدود “أولوية” لها في هذه المرحلة.

وحقق ملف ترسيم الحدود اللبنانية السورية دفعة نحو الأمام بتوقيع وزير الدفاع اللبناني، ميشال منسى، ونظيره السوري الجديد، مرهف أبو قصرة، اتفاقا في السعودية بخصوص الحدود بين البلدين، في 28 مارس 2025 خلال لقاء رعاه وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان.

وأكد الوزيران في الاتفاق حينها على الأهمية الإستراتيجية لترسيم الحدود، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات، وكذلك تفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، خاصة فيما قد يطرأ على الحدود بينهما، على أن يعقد اجتماع آخر في المملكة خلال الفترة المقبلة.

كما ناقش رئيس الحكومة اللبنانية الجديد نواف سلام، خلال زيارته إلى العاصمة دمشق في 14 أبريل/ نيسان 2025 عملية ترسيم الحدود وفقا للمبادرة السعودية.

ويتشارك لبنان وسوريا حدودا بطول 330 كيلومترا غير مرسمة في أجزاء كبيرة منها خصوصا في شمال شرق البلاد مما جعلها منطقة سهلة للاختراق من جانب مهربين أو صيادين أو حتى مهاجرين غير نظاميين.

لا سيما أن المناطق الحدودية السورية مع لبنان في ريف حمص، وفي قرى ذات غالبية شيعية يقطن بعضها لبنانيون، شكلت قبيل سقوط الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 محطة لوجستية مهمة لحزب الله إن على صعيد نقل المقاتلين أو إقامة مخازن للأسلحة.

وهناك 5 معابر بين سوريا ولبنان موزعة على طول حوالي 375 كيلومترا، وهذه المعابر هي "المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة".

بينما يمتلك حزب الله معابر خاصة غير شرعية بين البلدين، وكان يستخدمها قبل سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2025 لنقل الأسلحة والمقاتلين بين البلدين.

كذلك هناك 74 نقطة حدودية للجيش اللبناني على الحدود بين الأراضي المتداخلة بين سوريا ولبنان.

خلافات كبيرة

إن معالم الحدود بين لبنان وسوريا تضيع في أكثر من منطقة على طول أطراف السلسلة الشرقية من الهرمل مرورا ببلدات القاع ورأس بعلبك وعرسال، وصولا إلى معربون المتاخمة لبلدة سرغايا السورية.

ولهذا فإن فتح ملف الترسيم رسميا سينهي حقبة طويلة من المشاكل والخلافات، ويضع النقاط على الحدود، قبل أن تبدأ مرحلة الضبط الأمني الطويل الأمد بين البلدين وإنهاء شبكات التهريب المتأصلة هناك.

والحدود اللبنانية ـ السورية رسمها الفرنسيون عام 1920، وهي تتداخل من دون خطوط واضحة المعالم، تتكوّن من جبال وأودية وسهول، ولا علامات أو إشارات تدل على الحد الفاصل، حيث غالبا ما تكون السواتر الترابية وحدها هي الإشارة الفاصلة، علاوة على وجود بعض القرى على طرفي الحدود لا فواصل بينها.

كما أنه منذ زمن الانتداب الفرنسي أراض تحولت بعضها إلى محلة صغيرة باتت مناطق متنازع عليها مثل محلة "النهير"، إضافة إلى وجود قرى لبنانية داخل الأراضي السورية.

وترجع قصة الحدود اللبنانية السورية إلى العام 1916، حينما حددت اتفاقية “سايكس بيكو” التي كانت تُعد معاهدة سرية، تركة تقسيم السلطنة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا في الشرق الأدنى.

وفي أبريل 1920، تقاسمت الدولتان في مؤتمر سان ريمو، بلاد الشام، فاتفقتا على وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي والعراق وفلسطين تحت الانتداب الإنجليزي.

وشغل الجنرال هنري غورو منصب المندوب السامي للانتداب الفرنسي. وأعلن مطلع سبتمبر 1920، قيام "دولة لبنان الكبير" من قصر الصنوبر الذي لا يزال مقر إقامة السفير الفرنسي ببيروت.

وفي العام 1922، أقرّت عصبة الأمم الانتدابين الفرنسي والبريطاني، في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1943، حيث نال لبنان استقلاله.

وجاء الاستقلال بعد "الميثاق الوطني"، وهو اتفاق غير مكتوب بين رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، وافق فيه المسيحيون على التخلي عن حماية الغرب لهم مقابل تخلي المسلمين عن المطالبة بالوحدة مع سوريا، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها نشرته في 21 أغسطس 2020.

ويتطلع الرئيس اللبناني الجديد إلى ترسيم الحدود البرية مع سوريا، بدءا من الشمال - الشرقي إلى دير العشائر وصولا إلى مزارع شبعا، حيث تنظر بيروت إلى ترسيم الحدود على أنه اعتراف سياسي بسيادة لبنان الكاملة على أراضيها.

ولهذا عقب سقوط الأسد، سعت الدولة السورية الجديدة إلى إغلاق المعابر غير النظامية مع لبنان التي كانت تُستخدم سابقا لنقل الأسلحة والمخدرات، في إطار جهود أوسع لمكافحة التهريب وإعادة فرض السيطرة الأمنية على المناطق الحدودية.

وقد اشتبكت قوات الأمن السورية الجديدة مع شبكات تهريب على الحدود بعضها يتبع لحزب الله وطردتهم من مواقع وبلدات كانوا يسيطرون عليها.

وسبق للرئيس اللبناني عون أن بحث بالقاهرة في 5 مارس 2025 مع نظيره السوري أحمد الشرع على هامش القمة العربية بشأن غزة، مسألة ترسيم الحدود، حيث شدد الزعيمان على "ضرورة" كذلك ضبط الحدود بين البلدين.

"فرصة ذهبية"

إن مهمة ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان التي لطالما تهرب منها نظام الأسدين الأب والابن، ليست بالسهلة ولا سيما أن كلا البلدين لديه معطيات ومستندات ومطالب في هذا الملف، علاوة على وجود اللجوء الى الاحتجاج الدولي في حال تعثر الاتفاق النهائي.

لا سيما أن بيروت تطالب بتثبيت لبنانية ​مزارع شبعا، وسبق أن زودت الحكومة اللبنانية عام 2009 دمشق بالوثائق والخرائط، ومنها ما يتعلق بالخرائط الجوية، وفيها مسح شامل للحدود بين البلدين​.

وضمن هذه الجزئية، قال الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، إنه "بوجود نظام الأسد كان من المستحيل الحديث عن ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان؛ لأن هذا النظام جعل من الحدود اللبنانية معبرا مفتوحا لشبكات التهريب ومن بعد ذلك لحزب الله لتلقي الدعم من إيران".

وأضاف شعبان لـ"الاستقلال" أنه "مع سقوط حكم الأسد ووجود الحكومة الحالية وقيامها بخطوات تواصل وتفاهم مع لبنان سواء بشكل منفرد أو عبر وساطة السعودية بدأت الظروف تتهيأ وتخلق الظروف المناسبة لترسيم هذه الحدود في ظل وجود تفاهم بين دمشق وبيروت رغم وجود الإشكاليات الأمنية عند الحدود" .

ولفت إلى أن "اليوم هناك أمل واضح للبدء بمسار ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان بسبب وجود دعامات أساسية له وأصبحت الظروف مناسبة لعقد ورشات فنية بين البلدين والسير قدما بهذا الملف للتوصل إلى الشكل النهائي لهذه الحدود".

وذهب شعبان للقول "نحن أمام فرصة ذهبية لبدء إعادة العلاقات لشكلها الصحي بين سوريا ولبنان التي توترت منذ زمن حافظ الأسد في سبعينيات القرن العشرين والتي وصلت لمرحلة الوصاية وتدخل الجيش السوري قبل انسحابه عام 2005". 

وختم بالقول "تبقى الإشكاليات الأمنية الممتدة على طرفي الحدود من شبكات التهريب المتأصلة في المنطقة لكن التعاون الأمني بين وزارتي دفاع البلدين والتي قد تسفر هذه الجهود لإنهاء هذه الشبكات التي تعمل على تخريب المنطقة وأن تكون الحدود غير مستقرة ومفتوحة للمليشيات ما يعني أن المهمة الأمنية هي أحد المحاور الأساسية المتعلقة بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان". 

وفي مارس 2025 تمكن الجيش السوري من السيطرة الكاملة على الحدود مع لبنان، وذلك عقب تمشيط كامل للمنطقة والسيطرة على قرى أكوم وحاويك ووادي الحوراني والتلال المحيطة بها، بعد معارك استمرت عدة أيام مع مجموعات يديرها حزب الله.

وتسعى الدولة السورية إلى إغلاق المعابر غير النظامية التي كانت تُستخدم سابقا لنقل الأسلحة والمخدرات، في إطار جهود أوسع لمكافحة التهريب وإعادة فرض السيطرة الأمنية على المناطق الحدودية.

وعقب تلك الفوضى على الحدود، رفعت وزارتا الدفاع السورية واللبنانية مستوى التنسيق، مما أسهم في رفع مستوى المراقبة على طرفي الحدود.

وقد أعلنت مديرية الأمن العام السوري في 12 مايو 2025 ضبط شحنة صواريخ من نوع ”غراد" في حمص، كانت في طريقها إلى لبنان"، في مؤشر جديد على أن التحديات الأمنية عند الحدود مع لبنان ما تزال قائمة.