رغم أنه "دعائي".. هؤلاء المنتفعون من إصدار الأسد قانون الاستثمار الجديد

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بكل الأساليب الممكنة، ولو احتيالا على القانون، يسعى النظام السوري لتدوير عجلة اقتصاده وتحريره من قيود العقوبات الدولية، عبر سن قوانين استثمارية جديدة؛ لجذب رؤوس الأموال المحلية أو الأجنبية الدائرة في فلك حلفائه الفعليين.

ومع بداية عام 2021، أصدر نظام بشار الأسد سلسلة من القوانين ذات الطابع الاقتصادي التي يعول عليها في حل أزمة تمويله المالي ورفد خزينته الفارغة بالنقد الأجنبي.

لكن ظروف النظام الاقتصادية المتردية دفعت الأسد في 19 مايو/أيار 2021، لإصدار قانون الاستثمار الجديد (رقم 18) للعام 2021، الذي شملت نصوصه تقديم مزيد من التنازلات والتسهيلات أمام المستثمرين الأجانب.

قوانين مبعثرة

القراءة الأولية للقانون الاستثماري الجديد من قبل اقتصاديين سوريين، أكدت أن "القانون لم يأت بجديد، بل حل محل جملة القوانين المبعثرة السابقة".

ووفقا لوكالة إعلام النظام (سانا) فإن المرسوم الجديد "يهدف إلى إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال، والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة".

وكذلك "توسيع قاعدة الإنتاج وزيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي بما ينعكس إيجابا على زيادة الدخل القومي، وصولا إلى تنمية شاملة ومستدامة".

ونص المرسوم الاستثماري الجديد على منح المستثمر إعفاءات جمركية وضريبية غير مسبوقة، بحيث تلغى الرسوم الجمركية والمالية عن مستوردات الآلات والتجهيزات، وخطوط الإنتاج، ووسائط النقل الخدمية للمشاريع الحاصلة على ترخيص استثماري.

المرسوم الجديد أعفى مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني من الضريبة على الأرباح بشكل كلي، وكذلك أعفى المشاريع التنموية من ضريبة الأرباح بنسبة 75 بالمئة لمدة 10 سنوات.

كما منح القانون إعفاءات تتراوح نسبتها ما بين 50 إلى 75 بالمئة على ضريبة الأرباح في مشاريع صناعة التقنيات، والصناعة الطبية والدوائية والطاقات المتجددة.

ويشمل القانون المشاريع الفردية أو المشاريع التشاركية مع القطاع العام، ويمنع الاحتكار وإلقاء الحجز الاحتياطي على المشروع أو فرض حراسة قضائية عليه إلا بموجب قرار قضائي، حسب نص القانون.

وحل المرسوم الجديد بديلا عن المرسوم "رقم 8" الصادر عام 2007، الذي فشل على مدار 15 سنة في تنظيم القضايا المتعلقة بالاستثمار وتقديم بيئة استثمارية للراغبين في العمل بسوريا، رغم تدعيمه بجملة من المراسيم والقوانين الفرعية، وفق خبراء.

استجداء الأثرياء

الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، كرم شعار، نبه خلال مقارنته لقانون الاستثمار الجديد بالسابق (عام 2007) بأنه "من حيث المزايا فإن الحوافز الضريبية في القانون الجديد أسخى بكثير من تلك في القانون السابق والمذكورة في قانون ضريبة الدخل لعام 2003". 

وأوضح لـ"الاستقلال" أنه "على سبيل المثال لا الحصر، قام القانون الجديد بتضمين المشاريع السياحية والطبية ومشاريع الطاقة المتجددة في قائمة المشاريع التي تحصل على معاملة ضريبية تفضيلية، بينما لم تكن مشمولة في القانون السابق".

وذكر شعار أن "القائمة الجديدة للمشاريع التي يمكن شملها في قانون الاستثمار تعكس رغبة نظام الأسد في تحفيز طيف أوسع من أصحاب رؤوس الأموال؛ وذلك في نزعة واضحة نحو اقتصاد يقوم على استجداء الأثرياء وتمكينهم".

كما اعتبر الباحث أن سماح المجلس الأعلى للاستثمار "بتخصيص أراض للمستثمرين لتنفيذ مشاريع عليها" بموجب القانون الجديد، هي بهدف "تسهيل حصول أصحاب الأموال على الأملاك العامة".

وأشار إلى أن ذلك يهدف أيضا لتقوية نفوذ "أمراء الحرب" التابعين للنظام بصورة أكبر بعدما كانت على نطاق محدود قبل صدور المرسوم الجديد، كما حدث مع ​مجموعة "قاطرجي" عام 2020 التي استثمرت أرض المشفى العسكري في محافظة حلب لمدة 50 عاما في عقد منحته وزارة السياحة للمجموعة بشروط وصفها شعار بـ"المخزية".

ويدير المجموعة حسام القاطرجي وإخوته، وهو أحد أبرز أمراء الحرب المحسوبين على عائلة الأسد، وصاحب شركة "أرفادا البترولية" المعاقبة من قبل وزارة الخزانة الأميركية، ويعتبر أحد حيتان الاقتصاد السوري.

ورغم المزايا العديدة للمستثمرين، فإن القانون الجديد "يبدو أسوأ من سابقه في جانبين"، وفق ما يؤكده الباحث في معهد الشرق الأوسط.

الأول، أن القانون الجديد أبطأ من حيث سرعة الإجراءات الحكومية؛ لتضمين مشروع جديد تحت قانون الاستثمار.

والجانب الثاني، أن "القانون الحالي يسمح بالاستيراد وذلك استثناء من أحكام منع وحصر الاستيراد وشرط بلد المنشأ لمستلزمات الإنتاج التي لا يوجد ما يماثلها في الإنتاج المحلي فقط".

وتجدر الإشارة إلى أن حكومة النظام أصدرت قرارات عدة منذ بدء الثورة السورية في مارس/آذار 2011 تمنع استيراد مواد كثيرة للحفاظ على العملة الأجنبية.

ووفقا لتقرير مشترك صادر عن الأمم المتحدة ومركز الدراسات السورية بجامعة "سانت آندروز" الإسكتلندية، في 23 سبتمبر/أيلول 2020 بعنوان "سوريا: بعد 8 سنوات من الحرب"، فإن سوريا تكبدت خسائر اقتصادية تقدر بنحو 442 مليار دولار خلال 8 سنوات أتت على الأخضر واليابس، وكلفت البلاد مكاسبها الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت بشق الأنفس".

وكشف التقرير الذي يغطي الفترة الممتدة من 2011 وحتى 2019، أن 82 بالمئة من الأضرار الناجمة تراكمت في 7 من أكثر القطاعات كثافة في رأس المال وهي الإسكان والتعدين والنقل والأمن والتصنيع والكهرباء والصحة.

بيئة غير استثمارية

وفي السياق، أكد الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي السوري، رفعت عامر، لـ"الاستقلال" أن "سوريا اليوم هي بيئة غير قابلة للاستثمار وغير مستقرة سياسيا واقتصاديا ولا يتوفر فيها الحد الأدنى من البيئة الجاذبة لسببين". 

أولا، عوامل خارجية متمثلة في قانون العقوبات الأميركي (قيصر) التي تمنع الشركات الأجنبية من الاستثمار في سوريا؛ لموانع كثيرة يفرضها القانون، والذي يعاقب أيضا كل من يستثمر في مجالات اقتصادية تخدم نظام الأسد.

ثانيا، استحالة الحديث عن استثمار حقيقي في ظل "غياب المناخ السياسي والتشريعات والقوانين، وهنا أقصد القضاء"، وفق عامر.

وتساءل: "كيف سيتم حل المنازعات التجارية؟" موضحا: "لا يمكن تصور دخول مستثمر أجنبي على بلد في بيئة غير مستقرة على الأقل قانونيا، وخاصة في الحالة السورية التي لا يوجد فيها فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تخضع جميعها لرئيس النظام".

ومن القضايا الطاردة للاستثمار الأجنبي في سوريا، بحسب الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي، "البيئة الداخلية المتمثلة بوجود أمراء الحرب والمافيات والاستثناءات".

ويذهب عامر إلى أن "المرسوم هو دعائي وإعلامي، وخاصة أن النظام يعاني من غياب الاستثمار الأجنبي وهروب رؤوس الأموال السورية للخارج، وغياب استقرار الليرة الذي ينعكس بشكل مباشر على المستثمر".

إضافة إلى أن "الاستثمارات الإنتاجية التي نص عليها المرسوم الجديد هي ذات عائد طويل الأمد، وبالتالي لا يمكن في هذه الحالة انتظار استثمار حقيقي في البنية التحتية أو القطاع الإنتاجي"، وفق الأستاذ الجامعي.

وعلى مدار الـ10 سنوات الأخيرة، سلم النظام السوري إدارة مقدرات الشعب واقتصاد السوق السلعي إلى ما بات يعرف في سوريا بـ"اقتصاد الظل"، وهم طبقة التجار الكبار المحسوبين على الدائرة الضيقة من الأسد.

ونتيجة لذلك تدهورت الليرة من 50 ليرة قبل عام 2011 إلى أكثر من 3 آلاف ليرة للدولار الواحد عام 2021؛ مما انعكس على القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع أسعار المواد الأساسية إلى 33 ضعفا.

وبالتالي، لم يعد الراتب الشهري للموظف والعامل السوري في مناطق نفوذ النظام، يكفي المستحقات الشهرية المطلوبة للعائلة إلا بضعة أيام.

وفي 29 يونيو/ حزيران 2020، قال مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة دافيد بياسلي، في تصريحات لموقع "بي بي سي عربي"، إن "نصف السوريين تقريبا ينامون وهم جوعى، بينما يهدد شبح المجاعة نحو مليون شخص". 

مقاس روسي إيراني 

الباحث الاقتصادي عامر، لفت إلى أن "الاقتصاد الموجود في سوريا هو اقتصاد حرب، ويتبع لأمراء المقاطعات والمافيات الذين يحصلون على ذات الامتيازات الممنوحة من مشغليهم، وبالتالي لم يبق شيء من الإنتاج المحلي".  

وأضاف أن "هؤلاء يفضلون الربح السريع على استحقاق التعافي والتنمية الاقتصادية للمدى البعيد، بمعنى تأمين متطلبات السوق بحيث يتم استيراد رأس المال خلال فترة قصيرة من 3 إلى 6 أشهر، بعكس الربح الإستراتيجي طويل الأمد الذي يبحث عن استقرار العملة وخاصة في الحالة السورية التي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمصير الليرة".

وألمح عامر إلى أنه "عمليا لا يوجد سوى روسيا وإيران قادرتين على الاستثمار في سوريا بموجب هذا المرسوم، وقد يكون هذا المرسوم أيضا لجذب أو تحفيز الاستثمارات الصينية التي باعتقادي لن تغامر بسبب العقوبات الدولية".

وأردف أن "الروس والإيرانيين في ظل هدف الاستثمار السريع سيعملون على إيجاد متعاونين محليا، وكذلك إعادة تدوير لرجالات الأعمال، بحيث يكونون عونا للنظام في استيراد المواد الممنوعة بسبب العقوبات".

ووفق مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2021 الذي تصدره مؤسسة "هيريتدرج فاوندايشن" الأميركية، فإن سوريا "جاءت خارج التصنيف تماما بسبب نقص البيانات".

كما أن سوريا تحتل المرتبة 178 عالميا ضمن قائمة أسوأ الدول في الفساد، حسب التقرير السنوي الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية"، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد في 180 دولة.

وأمام هذه المعطيات، تبدو آفاق الانتعاش الاقتصادي في سوريا ضعيفة في ضوء اشتداد العقوبات الأميركية والانهيار المالي في لبنان المجاور، وخاصة أن الأسد اعترف أواخر 2020 أن الأزمة المصرفية اللبنانية حالت بين المودعين السوريين وأموالهم المودعة فيها.

وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، بقوله: "ليست مشكلة المستثمر هي الضريبة والإعفاء الضريبي، بل هي البيئة الاستثمارية الآمنة والقضاء المستقل والشفافية والإعلام الحر، إضافة إلى الأمن ومستوى معيشة المستهلكين التي تلعب دورها في جذب الاستثمارات الأجنبية".

وأشار القاضي لـ"الاستقلال" إلى أن "سوريا حتى على مستوى مؤشر الحرية الاقتصادية عام 2011 أي قبل الثورة السورية كانت في ذيل قائمة العالم، إضافة إلى أن القانون (رقم 10) والمراسيم التشريعية التي تجاوزت الألف لم تستطع جذب الاستثمارات بل على العكس نفرتها".

واستعرض رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، جملة من المعوقات التي تجعل سوريا اليوم خارج دائرة الدولة الجاذبة للاستثمارات وهي، "وجود جيوش أجنبية لها قواعد عسكرية رسمية، وهروب الصناعيين والحرفيين والمهنيين والزراعيين، ووقوع 90 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، إضافة إلى التضخم الهائل".