بدلا من احتوائهم.. لماذا اختار النظام الأردني الصدام مع الإخوان المسلمين؟

"أظهرت نتيجة انتخابات برلمان 2024، أن الرأي العام داعم لجماعة الإخوان المسلمين"
بعد كل حشد للشارع الأردني ضد حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في غزة، أو عملية فدائية ينفذها أردنيون ضد مستوطنين إسرائيليين على الحدود، تُعاقب السلطات الأردنية جماعة الإخوان المسلمين.
فعقب سلسلة من عمليات الحشد أمام سفارة إسرائيل، ثم قتل سائق شاحنة أردني 3 إسرائيليين في معبر الملك حسين، في 8 سبتمبر/أيلول 2024، وتنفيذ أردنيين عملية جنوب البحر الميت، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024، شنت السلطات الأردنية حملة اعتقالات ضد الجماعة.
وجاء التصعيد الأكبر بإعلان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، في 23 أبريل/ نيسان 2025، "حظر جميع نشاطات جماعة الإخوان المسلمين" وعدها "غير مشروعة".
وذلك بعد تلفيق السلطات "مؤامرة" مزعومة للجماعة، باتهام 16 شخصا بالإعداد لمهاجمة أهداف داخل الأردن بصواريخ ومسيرات.
وهو ما نفى الإخوان أي علاقة بهم، وعدوها "تصرفات فردية تحت ذريعة دعم المقاومة لا علاقة لجماعة الإخوان المسلمين بها".
وصعدت السلطات ضد الجماعة وحركت قضايا جديدة تتعلق بتمويل منتسبين لها بعد قتل سائق شاحنة أردني جنديين إسرائيليين، في 18 سبتمبر/أيلول 2025.
وقرر المدعي العام في محكمة أمن الدولة، في 29 سبتمبر، تحويل عدد من القضايا المتعلقة بقيام "الإخوان" بجمع تمويلات، إلى النائب العام وفق ما ذكرته قناة "المملكة" الرسمية، في محاولة لتجفيف منابع الجماعة عبر محاكمات مرتقبة.

تصعيد مستمر
بعد 11 يوما من قتل السائق الأردني، عبد المطلب القيسي، جنديين إسرائيليين في منطقة المعبر الحدودي، فاجأ المدعي العام لمحكمة أمن الدولة في الأردن، جماعة الإخوان، بإحالة قضايا تتعلق بجمعهم أموال تبرعات إلى النائب العام.
الخطوة التصعيدية الجديدة الموجهة ضد 10 أشخاص معتقلين على ذمة التحقيق، استهدف ما أسمته "شبكة مالية" تجمع الأموال بطريقة مخالفة للقانون وصُرف منها على نشاطات الجماعة.
وتم توجيه اتهامات لهؤلاء العشرة ترتبط بـ "أنشطة غير قانونية والعمل على إدارة شبكة مالية تتأتى مصادرها من جمع الأموال بطريقة مخالفة لأحكام القانون، والتي صُرف منها على نشاطات للجماعة المحظورة وأذرعها"، وفقا لقناة "المملكة".
وكانت وكالة الأنباء الرسمية "بترا" زعمت في منتصف يوليو/تموز 2025، أن مجموع الأموال التي حولتها الجماعة وأذرعها إلى جهات الإغاثة الرسمية بالمملكة بلغت نحو 413 ألف دينار (42 مليون دولار أميركي)، وهي تشكل نحو 1 بالمئة فقط من مجموع الأموال.
وسبق هذه الخطوة تنفيذ السلطات الأردنية، حملة ضد جمعيات خيرية بحجة تعاونها مع جماعة الإخوان وجمع تبرعات، ضمن سياسة تجفيف الينابيع.
فقد أحالت دائرة مراقبة الشركات "منتدى تدريب وتمكين المرأة والطفل"، وهي منظمة لدعم الأسرة، إلى المدعي العام بزعم عدم تقديمها البيانات المالية وعدم الإفصاح عن مالكها، وفقًا لوكالة الأنباء الأردنية "بترا".
كما أحالت وزارة التنمية الاجتماعية جمعية الهلال الأخضر الخيرية وجمعية العروة الوثقى للأطفال ومبادرة سواعد العطاء إلى المدعي العام بتهمة ارتكاب مخالفات إدارية وجمع تبرعات دون ترخيص.
وحلت جمعية زهرة البراري الخيرية نفسها بعد إجراءات قانونية لم تحددها ضدها، واتخذت إجراءات ضد مبادرة "سواعد العطاء"، وجمعية "براري فلاور" الخيرية.
أيضا أطلقت السلطات الأردنية في يوليو 2025 حملة سياسة ضد من قالت إنهم "المتسترون على أملاك الإخوان" بهدف "تجفيف التمويل الخفي والبنية المالية للجماعة".
واستدعت النيابة العامة أشخاصا قيل إنهم يتسترون على أملاك جماعة الإخوان، ودعتهم إلى تسوية أوضاعهم حتى 14 يونيو/حزيران 2025، قبل أن تحيل الملف إلى القضاء، وفق ما أفاد به مصدر لوكالة بترا.
وكان الحساب الخاص بالمراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين، وأمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، مراد العضايلة، أشار لاعتقاله يوم 23 يونيو/حزيران 2025، لكن أفرج عنه في اليوم نفسه بعد تقديم أقواله إلى المدعي العام في قضية التمويلات.
وقالت السلطات: استدعى مدعي عام محكمة أمن الدولة، المهندس العضايلة، "للتحقيق في قضية أموال الإخوان".
ونقلت صحيفة الرأي الأردنية أن الاتهام الموجه له هو أنه "يدير شبكة مالية لها امتدادات خارجية" وفق مزاعم السلطات.
والعضايلة هو أول مراقب عام للجماعة يعتقل منذ نشأتها في الأردن، ويعد أعلى شخصية إخوانية يتم اعتقالها وإطلاقه بعد شهرين من قرار حظر الجماعة في الأردن في أبريل/ نيسان 2025.
كما أعلنت جبهة العمل الإسلامي في بيان لها اعتقال نائب أمينها العام، جميل أبو بكر، لأسباب مجهولة.
وأدان الحزب الاعتقال، واصفًا إياه بأنه جزء من "مسعى أوسع لتقييد جبهة العمل الإسلامي في إطار حملة قمع على الناشطين السياسيين والحريات العامة".
وأضاف الحزب أن "هذا يأتي في وقت تحتاج فيه البلاد بشدة إلى تعزيز الجبهة الداخلية وتوحيد الصف الوطني في ظل التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية التي تواجه الأردن، وفي مقدمتها التهديد الصهيوني".

تداعيات مستقبلية
في أعقاب حظر جماعة الإخوان وما تلاه من عمليات تضييق وتجفيف الينابيع، حذر مراقبون من أن استهداف ذراعها السياسي ممثلا بحزب "جبهة العمل الإسلامي"، قد يثير غضب الأردنيين، بحسب موقع "المونيتور" الأميركي في 9 يوليو 2025.
وحذر تقرير لمعهد "تشاتام هاوس" البريطاني، في الثاني من مايو/ أيار 2025، من أن النظام الأردني يخاطر بالصدام مع الإخوان لأول مرة.
أكد أنه لو جرى حظر حزب جبهة العمل الإسلامي، الفائز بـ 34 مقعدا في انتخابات 2024، "سيُخاطر النظام بإثارة استياء واسع النطاق في لحظة حساسة للمملكة".
وقال محللون: إن امتداد حظر جماعة الإخوان إلى جبهة العمل الإسلامي الحزب الذي يمثلها في البرلمان والحياة السياسية، معناه حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات جديدة.
لذا أشارت تقارير غربية إلى أن هذا التصعيد يأتي في وقت حساس، حيث تشهد المنطقة توترات سياسية وأمنية، خاصة حرب غزة.
وأكدت أن السلطات مشغولة حاليا بالوضع الخارجي أكثر من الداخلي، ولا وقت لانتخابات جديدة حاليا، على فرض وجود نوايا للتصعيد للنهاية وحل حزب جبهة العمل الإسلامي.
وأكد "تشاتام هاوس" أن خطوة حل الجماعة والسعي لتجفيف ينابيعها "تهدف إلى تقويض جاذبية الإخوان المسلمين شعبيا، ولكنها محفوفة بالمخاطر في ظل التوترات المتزايدة بشأن غزة والسياسة الأميركية غير المؤكدة".
وجاء حظر الجماعة في أعقاب حشدها ضد إسرائيل بسبب غزة، ودعوتها للاحتجاج أمام سفارة تل أبيب وتنظيم مسيرات باتجاه الحدود الإسرائيلية، ودعمها حركة المقاومة الإسلامية حماس، بحسب موقع "المونيتور".
ويرى معهد تشاتام هاوس أن خطوات حظر الأردن جماعة الإخوان والتضييق عليها "مدروسة بعناية وتهدف إلى وقف الدعم الشعبي المتزايد للحركة في الوقت الذي تواجه فيه المملكة تداعيات إقليمية صعبة".
وأوضح أن القرار الأردني بتضييق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين "يُبرز قلق المملكة المتزايد تجاه أي شكل من أشكال التعبئة والحشد الإسلامية، لا سيما في ظل التغيرات الإقليمية وعدم اليقين المرتبط بالسياسة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب".
ويرى المعهد الأميركي أن ما شجع الأردن على اتخاذ هذه القرارات مواقف حلفائه في الخليج، السعودية والإمارات "اللتين لطالما عدتا جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا".

الصدام بدل الاحتواء
في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 10 سبتمبر/أيلول 2024، فاز حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان بـ 34 مقعد برلماني، من أصل 138.
من هذه المقاعد، 18 على المستوى الوطني العام، و16 على مستوى الدوائر، ومع هذا اصطدم معه النظام بعدما حرك الشارع، وهو خط أحمر، أقلق المسؤولين الحكوميين والأجهزة الأمنية
هذا التحول في التعامل الرسمي مع الإخوان جاء عكس المراحل التاريخية السابقة، حيث فضل النظام الملكي احتواء الجماعة واستقطابها بدلاً من القضاء عليها كلياً، خوفاً من أن تملأ الجماعات المتطرفة الفراغ.
وقد جعلتها جذورها الراسخة في المجتمع المدني، من خلال الجمعيات الخيرية والمهنية وصناديق الرعاية الاجتماعية، شريكاً لا غنى عنه، وحرص الإخوان المسلمين على العمل "كقوة معارضة مخلصة وليس قوة ثورية"، كما يصفها موقع "تشاتام هاوس".
لكن مع تصاعد التوتر الإقليمي والانقسام الداخلي خاصة في قضية غزة وفلسطين الحيوية التي تمس أمن المملكة الأردنية، وتولي الجماعة تحريك الشارع، اتخذت الحكومة إجراءات للحد من قدرة الإخوان على الحشد تارة بالاعتقالات وتارة بتلفيق القضايا.
وقد تكرر هذا الأسلوب أوقات الأزمات، حيث قمعت السلطات الجماعة خلال النزاعات السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين أو خلال الحرب في العراق.
لكن منذ عام 2016، زاد الضغط والصدام حين أغلقت السلطات مكتب الإخوان المسلمين، المقر الرئيس وصادرت الحكومة أصولها، ونقلت ممتلكاتها إلى فرع تابع لها يُسمى "جماعة الإخوان المسلمين" أيضا، دون حلها، مستفيدة من انقسامات بالجماعة.
ثم قررت السلطات القضائية الأردنية في 16 يوليو/تموز 2020 حل جماعة الإخوان المسلمين في المملكة "لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية"، إلا إن السلطات ظلت تغض النظر عن أنشطتها.
لكن ظل حزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الجماعة السياسي) قوة سياسية، واحتفظ بوضعه القانوني كحزب سياسي.
واستطاع شق طريقها عبر مساحة سياسية آخذة في الضيق من خلال العمل كحزب قانوني مستقل، رغم صلاته الأيديولوجية والتنظيمية الواضحة بجماعة الإخوان.
وعكس الموقف الرسمي، أظهرت نتيجة انتخابات برلمان 2024، أن الرأي العام داعم لجماعة الإخوان المسلمين، وداعما لصلاتها القوية بحماس ودفاعها عن القضية الفلسطينية خاصة بعد إعلان الجماعة دعمها لحماس وترحيبها بطوفان الأقصى.
ويتوقع أردنيون، أنه لو سار نهج الحكومة التصعيد ضد الجماعة وجناحها السياسي، خاصة بعد إحالة قضايا تمويل الجماعة للنيابة ومن ثم القضاء، أن تلجأ الحكومة لحل حزب جبهة العمل الإسلامي أيضا.
وذلك لو استمر التصعيد في غزة واستمرت خطط إسرائيل وأميركا لتهجير أهالي غزة لمصر والأردن، وحشد الجماعة وحزبها للشارع.
ولو تم استهداف الحزب فسيكون على الملك عبد الله أن يحل البرلمان، مستغلاً صلاحياته الدستورية، لكن النظام يتريث على ما يبدو لسببين:
الأول: انتظارا لما سيؤول إليه ملف إبادة غزة، خاصة بعد خطة ترامب، والثاني، خشية أن يثير هكذا قرار سخطا شعبيا وربما مظاهرات ويأتي بنتائج عكسية واضطرابات في الأردن.
المصادر
- أمن الدولة تحيل ملفات قضايا "أموال جماعة الإخوان المحظورة" إلى نائب عام عمّان
- Jordan targets charities for alleged Muslim Brotherhood ties: What to know
- Jordan’s ban on the Muslim Brotherhood is no surprise but comes against a dangerous backdrop
- Jordan bans Muslim Brotherhood after arrests over attack plots