يعمق الأزمة المعيشية.. إلى أي مدى وصل الصراع الليبي على المعابر؟

مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلنت السلطات الليبية إعادة فتح رأس جدير أهم معبر حدودي ليبي (غربا) مع تونس. وزارة الداخلية الليبية أعلنت في بيان إن إعادة فتح المنفذ جاء بناء على الاتفاق مع الجانب التونسي من قبل لجنة التعاون الأمني مع تونس.
واستمر إغلاق المعبر الحدودي منذ 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب ما اعتبره الجانب الليبي "المعاملة السيئة التي يتعرض لها المواطن الليبي من قبل الجانب التونسي، ولعدم الاستجابة من جانبهم لتسهيل وتسريع الإجراءات الخاصة بالمسافرين".
هذا الإغلاق المتكرر للمعبر، يؤثر بأشكال متفاوتة على الوضع الاقتصادي في المنطقة الحدودية من الجانب التونسي، وكذلك على الغرب الليبي الذي يعيش منذ مدة صراعا مسلحا أثّر بشكل كبير على حركة التوريد والتصدير وحركة الليبيين عبر مطار طرابلس والموانئ البحرية.
رأس جدير
ساهم معبر رأس جدير -إلى جانب معبر الذهيبة وازن- في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين تونس وليبيا، خاصة عقب فرض الحظر الاقتصادي على ليبيا في عام 1992 من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب قضية لوكربي.
كما ساهم في فترة الثورة الليبية وما بعدها من أزمات، في السماح بتدفق اللاجئين وتوفير الحاجيات الأساسية لليبيين في المنطقة، وهو نفس الدور الذي لعبته المعابر الحدودية الثلاثة، الدبداب، وطارات، وتين الكوم، بين الجزائر وليبيا، إلا أن سيطرة قوات حفتر على بعضها وخوضها لحرب واسعة على الحدود الجنوبية الغربية، جعل الحركة البرية بين الحدود تقتصر على المعابر مع تونس.
صراع الحدود
بداية مارس /آذار 2019، أعلنت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة على الحدود الجنوبية مع الجزائر ضمن عملية أعلن عنها في يناير/كانون الثاني الماضي للقضاء على ما اعتبره "العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية" التي تنشط في الجنوب.
حينها أعلن أحمد المسماري المتحدث باسم قوات حفتر، السيطرة على مدن وبلدات في الجنوب اعتبرها ناشطة في مجالات التهريب والهجرة غير القانونية والاتجار بالبشر.
ورغم ادعاء قوات حفتر سيطرتها على الحدود مع الجزائر، إلا أن ذلك فيه الكثير من المبالغة بالنظر إلى أن الحدود تمتد على 1000 كلم من جنوب غرب مدينة مرزق إلى غاية مدينة غدامس، في حين أن دخول حفتر مدينة "غات"، لا يعني سوى وقوع جزء من هذه الحدود الطويلة تحت نفوذه.
ووصول قوات حفتر، لأول مرة إلى الحدود الجزائرية، يعيد التذكير بتهديداته السابقة التي قال فيها: "نحن يمكن أن نحول الحرب نحوهم (أي الجزائر) في لحظات"، حسب تسريب مصور بثته قناة الجزيرة، قبل أن يحتوي الطرفان الأمر سياسيا، لكن الجيش الجزائري بعدها بأيام قام بمناورات قرب الحدود الليبية، فسرت على أنها تحذير لحفتر من أي مغامرة غير محسوبة.
رغم الدعاية التي تحاول قوات حفتر ترويجها، عن سيطرتها على جميع الحدود الليبية باستثناء الحدود التونسية (غربا)، إلا أن المتابع لتموقع القوات المتصارعة يوضح أن هذه القوات لم تسيطر بعد على بلدة تومّو، ومعبرها الحدودي مع النيجر، وكذلك بلدة الويغ، التي تقع على الطريق المؤدي إلى المعبر الحدودي مع تشاد، التي تمتد حدودها مع ليبيا على طول 1400 كلم.
وعليه فإنه يمكن القول أن قوات حفتر تسيطر على المعابر الحدودية مع مصر والسودان ومعبر حدودي واحد مع الجزائر (من إجمالي 3 معابر)، أما معبري رأس جدير ووازن مع تونس، فلا يزالان خاضعين لقوات موالية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.
شريان التجارة
رغم الحالة المضطربة التي تعيشها الحدود الليبية التونسية، خاصة في جانبها الليبي، والذي شهد في عدد من المناسبات صراعات من أجل السيطرة على المعبر كان أكبرها هجوم اللواء أسامة الجويلي على أبو كماش، وهي بلدة ليبية قرب رأس جدير، إلى إغلاق المعابر الحدودية في كانون الثاني/ يناير 2018 لنحو 24 ساعة على الأقل، ودفع بعض مسؤولي الحدود الليبيين إلى اللجوء إلى تونس.
وبعد وقف إطلاق النار وأيام عدة من المفاوضات، توصل الجويلي وحكومة الوفاق إلى اتفاق تسلمت بموجبه الحكومة الرسمية زمام السيطرة على المعبر.
وفي الأصل كانت تسيطر أحد المجموعات المسلحة الأمازيغية من مدينة زوارة على المعبر، وتدين بالولاء لحكومة الوفاق في طرابلس، وهو ما يظهر للمسافر عبر المعبر من خلال رفع العلمين الليبي والعلم الثقافي الأمازيغي.
وحسب تقرير لمركز كارنيغي للشرق الأوسط من إعداد الباحث الأمريكي فريدريك ويري، لايعتبر العديد من السكان التونسيين والليبيين القاطنين على طرفي الحدود توسّع الجهود الأمنية تطورا إيجابيا.
فعلى سبيل المثال، قال الكثير ممن استطلعت آراؤهم في عام 2016 في بلدتي الذهيبة وبنقردان التونسيتين الحدوديتين، اعتبروا أن إحكام القيود وغياب التنمية المحلية يشكلان خطرا أكبر من الإرهاب وهذا يعود إلى أن 90.2 %من السكان في بنقردان و89.6 % من قاطني ذهيبة يعتبرون الحدود موردا ماليا أساسيا.
المعابر لا تنحصر أهميتها في البلدات المطلة عليها فقط، ففي ظل تنامي وتكرار أزمة المطارات في طرابلس والمنطقة الغربية عموما الخاضعة لسيطرة قوات الوفاق، خاصة بعد إطلاق حفتر حربه على العاصمة وتعمد استهدافها، تحولت المعابر الحدودية مع تونس إلى طريق رئيسي ووحيد أحيانا لمرور الجرحى والمرضى الذين يتلقون علاجهم في تونس.
وحسب بيانات رسمية لوزارة الصحة التونسية للعام 2019، فإن نحو 380 ألف مريض أجنبي يعالجون سنويا في تونس، منهم 320 ألف ليبي، وحسب غرفة المصحات الخاصة بتونس بلغت ديون الليبيين الذين يتلقون خدمات صحية عبر البطاقة الائتمانية الليبية في تونس نحو 83.3 مليون دولار.
كما يسجل المعبر في وضعه العادي نسبة تدفق كبيرة للمسافرين والعربات، حيث أكد المرصد التونسي لحقوق الإنسان الذي يرأسه مصطفى عبد الكبير أحد أبناء مدينة بن قردان الحدودية، أن عدد المسافرين الذين يعبرون المنفذ يوميا يفوق الـ2500 مسافر وعدد العربات يتجاوز 650 عربة يوميا، فيما تخطى عدد الشاحنات الكبرى والعابرة للقارات 100 شاحنة خلال اليوم الواحد.
كما أعلنت الحكومة التونسية، في مارس/ آذار الماضي، عزمها إنشاء منطقة للتبادل التجاري الحر على الحدود التونسية مع ليبيا، ومن المنتظر أن ينطلق العمل بها أواخر عام 2020.
الاقتصاد الموازي
هذه المحاولات القليلة التي تطرح من فترة لأخرى لإيجاد حل لأزمات الحدود بين تونس وليبيا، تقابل بتنامي الاقتصاد الموازي، وعمليات التهريب الضخمة التي يشهدها جانبا الحدود وفي الاتجاهين.
حيث يمثل الاقتصاد غير الرسمي التونسي أو ما يطلق عليه بالموازي، وفق تقارير محلية ودولية، ما بين 39 و50 % من الداخل المحلي الإجمالي، بينما يتركز أكثر من نصف العملة المتداولة في ليبيا في القطاع غير الرسمي حسب منظمة "مرسي كور".
وبذلك تحولت التجارة الثنائية غير الرسمية عاملا مهما لكلا البلدين، حيث قدرها البنك الدولي بنحو 498 مليون دولار في العام 2015، بينها زهاء 200 مليون دولار للسجائر، و148 مليون دولار للوقود، و150 مليون دولار لسلع أخرى.
وفيما تراجع تهريب بعض السلع الاستهلاكية مثل الإلكترونيات، والملابس، والأدوات المنزلية، إلا أن تهريب التبغ والوقود شهد زيادة كبيرة خلال الفترة نفسها.
ويعتقد أن 40 % من لفائف السجائر المهربة التي يتم استهلاكها سنويا في تونس، تأتي من ليبيا، فيما شكل الوقود المهرب عبر الحدود 17 % من استهلاك تونس في العام 2014.
ولا يملك المواطنون التونسيون والليبيون سوى الانتظار أو الاحتجاج من فترة لأخرى على جانبي الحدود، في انتظار تحقيق المسؤولين في بلديهما لوعودهم، بإنشاء سوق تجارية حرة على الحدود، وتطوير البنية التحتية للمعابر الحدودية وبسط الأمن لمنع التهريب خاصة الأسلحة والمخدرات وتهريب البشر.
المصادر
- وزارة الداخلية تعلن إعادة فتح معبر رأس اجدير
- رأس جدير.. معبر حدودي ساخن بين تونس وليبيا
- معبر "رأس جدير" بين تونس وليبيا.. شريان حياة "بنقردان" المسدود
- 11 معبرا بريا.. بوابات تونس إلى ليبيا والجزائر
- المسماري : الجيش الليبي يسيطر بشكل كامل على الحدود مع الجزائر
- الحدود التونسية- الليبية: بين أُمنيات الأمن والحقائق الاجتماعية- الاقتصادية
- رأس جدير.. بوابة مشاكل لم تجد لها الحكومة التونسية حلًا