"بالون مخابراتي".. ما سر توقيت شن أبواق من نظام الأسد هجوما على إيران؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أثارت تصريحات لأحد أبواق النظام السوري بشار الأسد الإعلامية الاستغراب، بعدما انتقد الوجود الإيراني في سوريا، محملا طهران "وزر القتل" في هذا البلد منذ اندلاع الثورة عام 2011.

وأطلق بشار برهوم الناشط المعروف بولائه لرأس النظام والمنحدر من الطائفة العلوية التي ينتمي لها الأسد، جملة من الاتهامات بحق إيران التي تدخلت عسكريا عام 2012 لمنع سقوط النظام.

مهاجمة إيران

وفي لقاء مثير على قناة "المشهد" التي تبث من الإمارات، ظهر برهوم متحدثا من مدينة اللاذقية معقل نفوذ نظام الأسد، في مقابلة تلفزيونية أجراها معه مدير القناة طوني خليفة وبثت في 30 أبريل/ نيسان 2024.

وقال برهوم حرفيا خلال المقابلة إن "إيران ومليشياتها هي من تدخلت وحرّفت بوصلة الثورة السورية وقتلت الشعب السوري وهي الآن سبب معاناته الاقتصادية".

ووصف برهوم كل من يعمل مع المليشيات الإيرانية من السوريين بأنه "خائن".

وحينما سأله المذيع عن الاغتيالات لقادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا من قبل إسرائيل خلال الفترة الأخير قال برهوم: "لم تسنح لي الفرصة كي أتشرف بأن أخبر إسرائيل بمواقع قيادات الحرس الثوري في سوريا".

ورأى أن الاغتيالات لقادة الحرس الثوري في سوريا "مفبركة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة".

ومضى يقول: "نحن لا نلتقي والمشروع الفارسي، وما جرى في غزة فضح إيران الكاذبة".

وادعى برهوم أن "الشارع السوري في مناطق نفوذ الأسد اكتشف حقيقة الدور الإيراني بعد الحرب على غزة"، مضيفا أنه يمثل "نبض الشارع وليس له علاقة بالقيادة السورية".

وشكل اصطفاف إيران إلى جانب بشار الأسد لقمع الثورة عام 2011، الباب الواسع لبدء طهران تنفيذ مشروعها وحلمها في الوصول إلى مياه البحر المتوسط وربط إيران وسوريا ولبنان بريا عبر المليشيات.

وتمتلك إيران في الوقت الراهن نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا.

وأدى قمع نظام الأسد للثورة إلى سقوط أكثر من نصف مليون قتيل وتهجير أكثر من 15 مليون سوري داخليا وخارجيا من أصل 25 مليون نسمة، فضلا عن تدمير المدن بقصف الطائرات والبراميل المتفجرة.

ولم يكن نظام الأسد ليصمد أمام الثورة لولا تدخل إيران، وبعدها روسيا عام 2015 حيث قلبت المعادلة العسكرية على الأرض عبر استعادة مساحات كبيرة من سيطرة المعارضة.

ولهذا فإن لإيران ومليشياتها دور كبير في قتل السوريين، إلا أن هذا لا يغير من صفة "القاتل الأول" وهو نظام الأسد.

كما أن وثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، كشفت أن طهران أنفقت ما يزيد على 50 مليار دولار خلال 10 سنوات على الحرب في سوريا، تعدها ديونا واجبة السداد، بحسب وثيقة نشرتها مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" الإيرانية المعارضة بعد اختراقها موقع الرئاسة الإيراني، وتداولتها وسائل الإعلام في 10 أغسطس/آب 2023.

وعلى المستوى الرسمي لنظام الأسد، فإن علاقته وثيقة في حليفته إيران التي منحها عشرات الاتفاقيات والعقود على الأراضي السورية خلال العقد الأخير، وقد زار الأسد طهران أكثر من مرة عقب عام 2011، 

كما أن الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي زار دمشق في 3 مايو/أيار 2023، في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس إيراني لهذا البلد منذ عام 2010.

إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها موالٍ للنظام السوري على الإعلام ويهاجم إيران من داخل مناطقه وينتقدها بهذه الجرأة وبكل وضوح ويضع أصبعه في عين طهران.

علما أن مخابرات النظام تشترط على أي محلل في الشأن السياسي في مناطق نفوذه الحصول على موافقة أمنية للظهور الإعلامي بعد توضيح طبيعة موضوع النقاش ومحاوره، ما يعني أن ما تكلم به برهوم كان بضوء أخضر من “مخابرات الأسد" حيث يتهم بأنه يتبع لها.

رسالة غير مباشرة

ولهذا فإن برهوم المعروف في الأوساط الإعلامية داخل مناطق النظام بنشاطه التهكمي وتعليقه على مجريات الأحداث السورية، لدرجة تصل إلى انتقاد حكومة النظام دون التعرض لشخص الأسد حيث يحملها ما يسميه "الفساد الداخلي".

لكن السماح مخابراتيا لمثل هذه التصريحات بأن تخرج من شخص مثل برهوم لها دلالاتها على المستوى الداخلي والخارجي، كونها تأتي بعد تحول المدن السورية بما فيها العاصمة دمشق، لنقاط استهداف متكررة من قبل إسرائيل لضرب مواقع وشخصيات إيرانية.

وآخرها، قصف إسرائيل مقر القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع أبريل 2024، مما أدى إلى مقتل 13 شخصا، بينهم العميد محمد رضا زاهدي، القيادي في "فيلق القدس" -الفرع الخارجي لـ"الحرس الثوري الإيراني.

وسبق ذلك استهداف إسرائيل منازل سكنية بسوريا يتضح لاحقا أن القتلى بداخله هم ضباط من "الحرس الثوري" والتي تنعاهم طهران بشكل رسمي وتتوعد بالانتقام لهم.

ولهذا يرى بعض المراقبين أن تصفية قادة الحرس الثوري في سوريا، دعا إيران إلى اتباع احتياطات أمنية بمعزل عن أجهزة نظام الأسد أو التنسيق معها حول تحركاتهم بالمدن السورية في المرحلة المقبلة.

على الجانب الآخر، تأتي تصريحات برهوم، في خضم محاولات النظام السوري للاندماج عربيا، لا سيما عقب منحه مقعد دمشق في الجامعة العربية في مايو 2023 بعد سحبه منه في نوفمبر 2011 لقمعه ثورة السوريين بالحديد والنار.

إلا أن علاقة النظام السوري مع إيران بقيت هي الملف الأكثر تعقيدا في ملف عودة العلاقات العربية معه بصورتها الطبيعية، إذ ما يزال كثير من الدول ينظر إلى الوجود الإيراني بسوريا على أنه مهدد للمنطقة.

وكثيرا ما دعا بعض المسؤولين العرب نظام الأسد، إلى إنهاء الوجود الإيراني في هذا البلد.

وأمام ذلك، فإن سماح النظام السوري لبعض أبواقه الإعلامية بـ"انتقاد" إيران في هذا التوقيت لها دلالات، خاصة أن برهوم عمد قبل لقاء "المشهد" إلى مهاجمة طهران عبر تسجيلات مصورة وقال: "أنا مع أي قوة تخلصنا من إيران".

وخطاب برهوم تجاوز كل الخطوط الحمراء في سب وشتم إيران ومليشياتها المستجلبة، بل ووصل إلى حد السخرية من شعاراتهم المتعلقة بدعم القضية الفلسطينية.

كما رأى أن إيران دمرت سوريا تحت هذه الشعارات، وأنها في طريقها للعمل على تدمير بلدان عربية أخرى، تحت يافطة الشعارات ذاتها.

وضمن هذا السياق، رأى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، أن "حديث برهوم عن مشروع صفوي وفارسي في سوريا، يتماهى كثيرا مع حديث الأنظمة العربية ضد إيران، وهذا قد يكون بداية لانعطاف جدي من نظام الأسد تجاه الجوار العربي".

وأوضح جلو لـ"الاستقلال" أن "أهم رسالة في هذه المداخلة لبرهوم هي أن نظام الأسد جاهز للتعامل مع إسرائيل وأميركا حتى لضرب إيران لتعزيز موقفه لدى الإدارة الأميركية وإسرائيل، والذي بدا أخيرا عبر عدم توقيع إدارة الرئيس جو بايدن على قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، مكافأة لموقف الأخير تجاه حرب غزة".

ومنتصف فبراير/ شباط 2024، أقر مجلس النواب الأميركي مشروع "قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد"، بتأييد كبير من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلا أن إدارة بايدن لم تدرجه في حزمة المساعدات التكميلية التي وقع عليها الرئيس الأميركي نهاية أبريل 2024.

وألمح جلو، إلى أن "الأنظمة الشمولية والدكتاتورية تستخدم الشخصيات المؤثرة إعلاميا في أدوار التقريب بين الدول، وإرسال رسائل سياسية عبرها".

ومضى يقول: "ومنها يمكن قراءة تصريحات برهوم برسالة من قبل نظام الأسد، أو على الأقل أحد الأجنحة ضمن هذا النظام، تجاه طهران، لاستخدامها لاحقا من قبل الدبلوماسيين كوسيلة ضغط لتحقيق مكاسب معينة، عبر القول إن هناك ضغوطا شعبية حول الوجود الإيراني ودوره في سوريا وخاصة مع استباحة إسرائيل لكل شبر في سوريا دون رادع".

ذراع مخابراتي

بدوره، قرأ المعارض السوري يحيى العريضي، تصريحات برهوم بقوله: "إذا كان لتغطية وشاية النظام السوري بالقادة الإيرانيين لإسرائيل، فهو ثبّت الوشاية أكثر، والنتيجة وخيمة".

وأضاف العريضي الذي كان عضوا في "هيئة التفاوض السورية" المعارضة بالقول عبر حسابه على منصة "إكس" مطلع مايو: "إذا كان كلام برهوم لتبرئة النظام من دم السوريين ووضعه بعنق إيران، النتيجة وخيمة، فكلاهما واحد".

وزاد قائلا: "إذا كان برهوم يتصرف من رأسه، فهو فضح النظام، وثبّت إجرامه وإجرام إيران بحق الشعب السوري".

ويعد برهوم ذراعا إعلاميا مخابراتيا، تبعث الأخيرة من خلاله رسائل للداخل السوري، وقد لعب هذا الدور طيلة سنوات، إذ إن السقف الذي يتحدث فيه من انتقاد لمؤسسات الدولة ومسؤولي حكومة النظام، "ليس معهودا" في مناطق نظام الأسد من قبل حتى الإعلاميين.

بالمقابل، بات ينظر الشارع المعارض إلى حالة برهوم على أنها "عامل تنفيس" للموالين لا أكثر، وخاصة أنه لم يمس شخص الأسد الذي يتحمل وزر الجرائم بحق السوريين وجلب مليشيات إيران “ثمنا لبقائه في السلطة” وهذا ما لم يذكره برهوم.

وتعج منصات وسائل التواصل الاجتماعي برجال دين شيعة يتبعون لإيران، يقولون بشكل صريح إنه "لولا تدخل إيران بسوريا لسقط الأسد خلال أيام".

اللافت في "ظاهرة برهوم"، أنه خلال الفترة الماضية، جرى مطاردة أصوات من داخل مناطق النظام، كانت تنتقد الوضع المعيشي والأمني هناك وبقي برهوم وحده يتحدث بصوت "معارض مفصل في أقبية المخابرات".

ففي أحد مقاطع برهوم المصورة، قال: إن “هناك قوتين في الدولة السورية، الأولى تتكون من بشار الأسد وعائلته والإدارة الخاصة به، والثانية هي فئة منغمسة بدوائر الحكومة والدولة، تعدّ أخطر على الشارع والوطن من المنشقين (ضباط، مدنيين، رئيس حكومة) الذين خرجوا خارج سوريا وباتوا معروفين، على عكس المنغمسين الذين يقومون بأدوارهم في الخفاء”، وفق قوله.

وفي قراءة سابقة لمواقف برهوم، رأى المحلل الاقتصادي السوري إياد جعفري، أن "التفسير الأكثر ترجيحا، هو أن الهدف مما يقوله برهوم هو تنفيس غضب الشارع حيال النفوذ الإيراني في مناطق سيطرة النظام".