جيوش مصر والمغرب ونيجيريا ورواندا.. كيف تعيد رسم المشهد الإفريقي؟

تُعد مصر من كبار المساهمين في قوات حفظ السلام بإفريقيا
في تحول لافت لأدوارها، رصدت مجلة فرنسية كيف أصبحت جيوش أربع دول هي مصر والمغرب ونيجيريا ورواندا أدوات فعالة للقوة الناعمة، تُوظَّف لتعزيز النفوذ الإقليمي والدولي، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
وتستعرض مجلة جون أفريك الأدوار غير التقليدية التي باتت تلعبها هذه الجيوش من خلال تصدير الخبرات العسكرية والمشاركة في عمليات حفظ السلام وبناء شراكات إستراتيجية داخل القارة.
وإلى جانب ذلك، تتناول المجلة الفرنسية الخصوصيات الوطنية لكل من هذه الدول، وتبرز كيف توظف قدراتها العسكرية كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية وإستراتيجية تتجاوز الوظيفة الدفاعية التقليدية.

رواندا والدبلوماسية العسكرية
منذ أوائل الألفية الجديدة، أدرك رئيس رواندا بول كاغامي، كيف يمكن توظيف القوة الصلبة لخدمة القوة الناعمة لبلاده. ويشكل "الجانب العسكري أحد أهم الأدوات التي يعتمد عليها لتوسيع نفوذ بلاده على المستوى الإفريقي".
ومع وجود 5900 عنصر من الجنود والشرطة في مهمات دولية، تحتل رواندا المرتبة الثانية عالميا -بعد نيبال- والأولى إفريقيا بين الدول المساهمة في قوات الأمم المتحدة. علاوة على ذلك، باتت رواندا منذ عام 2020، خيارا مفضلا كبديل عن التدخلات الدولية في بؤر النزاع.
وتوضح المجلة أنه "لا يبدو أن دبلوماسيتها العسكرية تتأثر حاليا بالاتهامات المتعلقة بدعمها المزعوم لحركة M23 (مجموعة 23 مارس) المتمردة في شرق الكونغو الديمقراطية، والتي يُقدر عدد المقاتلين الروانديين المنخرطين فيها حوالي 4 آلاف عنصر".
فرغم هذه الاتهامات، جدد الاتحاد الأوروبي دعمه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 للبعثة الأمنية الرواندية في كابو ديلغادو، عبر تمويل بلغ 20 مليون يورو، رغم اعتراض بعض الدول مثل بلجيكا.
وبسبب مساهمتها في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تحظى رواندا بتقدير كبير في نيويورك؛ حيث تشيد الأوساط الدولية باحترافية قواتها. ومن ناحية أخرى، تشير المجلة إلى أن هذا البلد يعد فاعلا محوريا في مجال تصدير الخبرات الأمنية.
وفي 7 مارس/ آذار 2025، زار رئيس أركان القوات البرية الرواندية اللواء فنسنت نياكاروندي، معسكر "كاساي" في بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، لتهنئة 438 جنديا محليا أنهوا تدريبا استمر ستة أشهر بإشراف مدربين روانديين.
وبهذا يرتفع عدد الجنود الذين تلقوا تدريبات كهذه في إفريقيا الوسطى إلى نحو 1700 عنصر، فيما يتلقى 600 آخرون تدريبا مماثلا حاليا في موزمبيق.
ويوجد الجيش الرواندي في كلا البلدين بموجب اتفاقات ثنائية. ففي شمال موزمبيق، يتولى أكثر من 4 آلاف جندي رواندي مسؤولية الأمن في إقليم كابو ديلغادو، الذي يواجه تهديدات إرهابية منذ 2021.
ويشمل دورهم -وفق المجلة الفرنسية- حماية منشآت الغاز الطبيعي المسال التابعة لشركات مثل "توتال إنرجيز" و"إيني" و"إكسون موبيل".
وإلى جانبها، برزت دول أخرى مثل كينيا، بقيادة وليام روتو، التي أرسلت أكثر من 800 شرطي إلى هايتي، إضافة إلى إثيوبيا وغانا والسنغال، التي تُسهم بدورها في دعم قوات الأمم المتحدة.
وهذه الدول تمثل وجوها جديدة في ساحة النفوذ العسكري، التي لطالما هيمنت عليها منذ عقود دول مثل المغرب ومصر ونيجيريا، وذلك بفضل امتلاكها أكاديميات عسكرية ذات مستوى دولي في مدن مكناس والقاهرة وكادونا، وفقا للمجلة الفرنسية.
أما جنوب إفريقيا وأنغولا، فتقول إنهما “كانتا سابقا من بين أبرز أعضاء هذا النادي الحصري، لكن تراجع قدراتهما العملياتية وتردي جودة معداتهما الدفاعية جعلهما بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل، ما أدى إلى انحسار دورهما الإقليمي”، وفق المجلة.
وهنا، تنوه إلى أنه على الرغم من أن الجيش الجزائري يُعد نظريا ثاني أقوى جيوش القارة بعد المصري، فإنه يلتزم بعقيدة عدم التدخل خارج الحدود الوطنية.
وفي الوقت نفسه، تلفت إلى أن الجيش التشادي كان قد أظهر فعالية كبيرة في مالي ونيجيريا، قبل أن يعيد تمركزه داخل البلاد، وذلك -ربما- لتركيز جهوده على تأمين الحدود مع السودان بدلا من الانخراط في مهام خارجية.
ورغم هذا الانكفاء، تقول: إن "العسكرية التشادية لا تزال تحظى بالتقدير؛ حيث من المنتظر أن تنضم وحدة صغيرة من الجيش التشادي قريبا إلى صفوف الحرس الرئاسي في بوركينا فاسو".
القاهرة ومكافحة الإرهاب
وبالحديث عن مصر، تبرز المجلة أنه "في بلد يقوده رئيس برتبة مشير وتمسك فيه المؤسسة العسكرية بمفاصل الاقتصاد، يصعب فصل النفوذ العسكري عن السياسي"؛ "إذ تمتلك مصر قوة عسكرية ضخمة تضم نحو 450 ألف جندي وسلاح جو حديثا وأسطولا بحريا بعيد المدى، ما يجعلها القوة العسكرية الأولى في إفريقيا وواحدة من أقوى القوات بالشرق الأوسط".
وهنا، لفتت الصحيفة إلى أن "مصر شهدت تراجعا دبلوماسيا في عهد (رئيس النظام الأسبق) حسني مبارك، مما سمح للأجهزة الأمنية بهيمنة أكبر على السياسة الخارجية، وفقا لتقدير الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية عمرو عبد الرحيم.
وتابع: "بعد تعليق عضويتها في الاتحاد الإفريقي إثر انقلاب 2013، كثفت مصر جهودها لاستعادة مكانتها القارية؛ حيث يحرص رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على حضور القمم الإفريقية والدولية".
وأردف: "كما تُعد مصر من كبار المساهمين في قوات حفظ السلام، لا سيما في إفريقيا الوسطى ودارفور".
وتشارك القاهرة أيضا في تدريبات عسكرية متعددة الأطراف، وتدرب عسكريين من 45 دولة إفريقية عبر مؤسساتها المتخصصة، كما تسعى لتصدير خبرتها في مكافحة الإرهاب إلى دول الساحل.
ورغم ذلك، يواجه النفوذ المصري تحديات واضحة؛ إذ عجزت القاهرة عن فرض موقفها في أزمة سد النهضة الإثيوبي، ولم تحقق تأثيرا فعالا في ملفات ليبيا والسودان والصومال.
ووفق المجلة، تحاول مصر أيضا لعب دور قوة إقليمية من خلال تحالف ثلاثي مع العراق والأردن، لمواجهة النفوذ الإيراني والتركي، لكن طموحاتها تصطدم بتبعية اقتصادية لدول الخليج التي ترى فيها شريكا ضعيفا.
وتبرز "جون أفريك" أن هذا الاعتماد يتجلى في اتفاق 2016، حين تخلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية مقابل دعم مالي.

المغرب والتدريب العسكري
وفيما يخص المغرب، رأت أنه على مدى سنوات طويلة، جعلت الرباط من خبرتها العسكرية أداة فعالة في سياسته الدبلوماسية تجاه القارة الإفريقية.
"فقد أصبحت عملية تدريب الضباط الأجانب تقليدا راسخا منذ عام 1969، حين استقبلت الأكاديمية الملكية العسكرية في مكناس أول دفعة من الطلبة العسكريين القادمين من السنغال".
وتابعت: "لا تزال مؤسسات التدريب العسكري في القنيطرة والدار البيضاء ومراكش وبن جرير تستقبل سنويا مئات الضباط المتدربين من إفريقيا جنوب الصحراء".
جدير بالإشارة إلى أن "عددا كبيرا من هؤلاء قد تولوا مناصب قيادية في بلدانهم، مما رسخ علاقات وثيقة مع المغرب".
وفي هذا الصدد، توضح المجلة أن "الدبلوماسية العسكرية المغربية تعتمد على نهج القوة الناعمة الأمنية، حيث يركز المغرب، الذي ستبلغ ميزانيته الدفاعية 133 مليار درهم في عام 2025، على تصدير خبرته بدلا من استعراض القوة".
وتجرى مشاركة هذه الخبرات من خلال برامج تدريب متخصصة، غالبا في إطار تعاون ثنائي، خاصة مع دول الساحل مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
علاوة على ذلك، تضيف المجلة الفرنسية أن “اتفاقيات التعاون العسكري تزداد مع دول مثل السنغال وساحل العاج والغابون والكاميرون، وتشمل تبادل الخبرات وتدريبات مشتركة ودعما لوجستيا".
بالإضافة إلى ذلك، تنوه إلى أن "القوات المسلحة الملكية، التي تضم حوالي 200 ألف عنصر نشط، تلعب دورا مهما دوليا، فهي شريك أساسي للولايات المتحدة في مناورات الأسد الإفريقي".
كما أنها تشارك بفعالية في عمليات حفظ السلام؛ حيث ينتشر نحو ألف و700 جندي مغربي حاليا في إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان.
وفي عام 2023، أطلق المغرب "المبادرة الأطلسية" لربط دول الساحل غير الساحلية بموانئه.
وبذلك، يجمع المغرب بين الأمن والخدمات اللوجستية والنفوذ الإقليمي، إلى جانب تطوير صناعته الدفاعية، حيث بدأ في إنتاج معداته العسكرية، من الطائرات المسيرة بالشراكة مع إسرائيل، إلى العربات المدرعة بالتعاون مع شركة "تاتا" الهندية.
نيجيريا وحفظ السلام
وبالانتقال إلى نيجيريا، تقول المجلة: إنها تُعد صاحبة أكبر جيش في منطقة غرب إفريقيا.
إذ بلغ عدد الأفراد النشطين في قواتها المسلحة وشبه العسكرية نحو 223 ألفا في عام 2020، بحسب بيانات البنك الدولي.
وعلى الرغم من انشغال الجيش داخليا بمواجهة التهديدات الإرهابية، لا سيما في الشمال الشرقي، فإنه يُوظف أيضا كـ "وسيلة للقوة الناعمة من خلال تقديم برامج تدريب عسكرية لدول الجوار، بل ولعدد من الدول الأبعد".
وبحسب المجلة، من خلال كلية الدفاع الوطني في أبوجا، يتلقى ضباط سامون من نحو عشرين بلدا، بينها الكاميرون وتشاد وبنين وغانا، تدريبا متقدما.
وهو ما يعزز التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية والدفع بالمصالح النيجيرية خارج حدودها.
إضافة إلى ذلك، تلفت "جون أفريك" إلى أن "نيجيريا اضطلعت بدور دبلوماسي، لا سيما تجاه النيجر، بهدف تسهيل إعادة دمجها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وفي الترتيب الأمني الإقليمي المعروف بالقوة المشتركة متعددة الجنسيات".
ومن ناحية أخرى، تذكر المجلة أن "نيجيريا لعبت كذلك دورا رئيسا في دعم جهود الاندماج الإقليمي وحفظ السلام في غرب إفريقيا"؛ إذ أنفقت ما يزيد على 8 مليارات دولار في بعثات حفظ السلام بليبيريا خلال الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي.
كما نشرت خلال العقود الستة الأخيرة أكثر من 200 ألف جندي في 41 عملية لحفظ السلام حول العالم، في إطار شراكات مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة "إيكواس".