تطبيق ألعاب يصنع حراكا شعبيا في المغرب .. ما قصة "ديسكورد" مع جيل زد؟

“ديسكورد” منصة تواصل صوتي ونصي ومرئي، تُتيح إنشاء مجموعات صغيرة أو كبيرة وإدارة ذاتية من قبل مشرفين
أصبح تطبيق جروب "ديسكورد" (Discord) الذي يستخدمه شباب جيل "زد" في المغرب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، كرة ثلج تكبر كل يوم وتلعب دورا في نقل غضب الشباب من الفساد وغلاء المعيشة من شاشات التليفونات إلى الشارع.
“ديسكورد” الذي استعمله الشباب في المغرب ونيبال ومدغشقر وكينيا وغيرها، لتنظيم الاحتجاجات تحول من تطبيق للألعاب إلى منصة جديدة تقود الحراك الشعبي ويهدد بإسقاط حكومات.
أصبح أداة محورية في ثورات "جيل زد" الحديثة، خصوصًا في المغرب ونيبال، لتنسيق الاحتجاجات بشكل سريع، وتنظيم داخلي جماعي، ورقمنة المطالب والمشاركة الحقيقية للشباب.
ورغم أنه ليس وسيلة مثالية (هناك مخاطر التقطيع والتشويه والابتزاز السياسي) إلا أن تأثيره كبير في تغيير طبيعة الاحتجاجات الشبابية، سواء في شكلها أو في سرعتها أو في مطالبها، ما دعا أنظمة عربية لبحث حظره أو مراقبته خشية انتقال إشارات الغضب إليها.

ما هو "ديسكورد"؟
“ديسكورد” هو منصة تواصل صوتي ونصي ومرئي، تُتيح إنشاء "سيرفرات"، وفيها قنوات موضوعية، مجموعات صغيرة أو كبيرة، وإدارة ذاتية من قبل مشرفين، وتتميز بخصوصية أكبر من وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية الأخرى.
وبدأت قصة "ديكسورد" عن طريق رجل الأعمال الأميركي "جيسون سيترون"، كتطبيق فيديو للألعاب دشنته شركة صغيرة اسمها Open Feint تقوم بعمل أدوات للألعاب على الموبايل، في 2011 بحسب مجلة "نيوزويك" الأميركية في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2025.
وفي 2012، فكر "جيسون" في عمل لعبة فيديو جديدة بالتعاون مع صديقه ستان فيشنيڤسكي اسمها Fates Forever، وكانت لعبة قتال جماعي على الآي باد.
ولأن مشكلة اللعبة كانت الحاجة للاعبين بالدردشة مع بعض أثناء اللعب، اخترع جيسون وستان غرفة دردشة داخل اللعبة نفسها تكون سهلة وسريعة، ولا تحتاج تطبيقات خارجية كي يتواصل اللاعبون مع بعضهم البعض بشكل أسهل.
والمفارقة أنه مع حلول عام 2015، لم تنجح لعبة Fates Forever، لكن نجحت غرفة المحادثات الخاصة بها واستمرت، فقرر أصحاب اللعبة تصميمها في تطبيق مجاني منفصل هو "ديسكورد"، على الكمبيوتر والموبايل وسهلة الاستخدام.
وتقوم فكرة التطبيق الأساسية على إنشاء غرف دردشة صغيرة اسمها "سيرفرات" وكل سيرفر أشبه بغرفة في فندق، يشارك فيه مجموعة أشخاص مهتمون بنفس فكرة النقاش، ويتبادلون عبره الرسائل أو يتحدثون صوتيا.
ومع انتشار التطبيق عبر "جيل زاد" زاد عدد متابعيه، وأصبحت قيمة التطبيق حاليا تُقدر بـ 15 مليار دولار وعدد مستخدميه وصل لأكثر من 150 مليون مستخدم ورفضوا بيعها لشركات كبيرة مثل ميكروسوفت رغم العروض الكبيرة. بحسب وكالة "رويترز".
وتُقدر منصة ديسكورد عدد مستخدميها النشطين شهريا حول العالم بأكثر من 200 مليون، ويشاركون مجتمعين في أكثر من 1.9 مليار ساعة لعب وتحاور.
وتتمتع المنصة بخوادم ومجتمعات ضخمة، حيث يضم خادم "ميدجورني"، الذي يُعد من أكبر الخوادم، أكثر من 20.4 مليون عضو.
وكانت بداية انتشار وتوسع هذا التطبيق خلال وباء كورونا وفتح الأسر والعائلات والأصدقاء والمجموعات الطلابية والموسيقية وغيرها غرف للدردشة خاصة بسبب الخصوصية العالية التي تميزه وعدم وجود إعلانات مزعجة.
لكن مع جذبه لشباب جيل زد وانتشار التعامل معه عبر مجموعات شبابية تطالب بمطالب اجتماعية عادية تحولت لمصالح سياسية، بدأت صحف العالم تشير لتحوله من لعبة فاشلة لـ "برلمان افتراضي للشباب". بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
وقد تمّ استخدام التطبيق في تسريب وثائق سرية، وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا عن ذلك عام 2023 تحت عنوان "ديسكورد ليكس"، مشيرة لتسرب وثائق عسكرية سرية بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية معلومات من الاستخباراتية الأميركية.
ومع بدء استخدامه في المغرب عبر مجموعة GenZ212 ظهرت سيرفرات ديسكورد، ومناقشات حول تنظيم مظاهرات ضد الفساد والإنفاق على كأس العالم 2030 بدل الصحة والتعليم.
وزاد حجم هذه السيرفرات من 3 آلاف عضو إلى 190 ألف خلال أيام، وبدأت المظاهرات والاعتقالات.
وبسبب حظر حكومة نيبال 26 منصة سوشيال ميديا، في سبتمبر 2025، تحولت ثورة شباب زد Gen Z ضد الفساد لاستخدام ديسكورد حتى أن 160 ألف عضو من هؤلاء الشباب أسسوا برلمانا افتراضيا عليه وصوتوا لاختيار قاضية كرئيسة وزراء مؤقتة جديدة.
وبسبب شهرته استخدمه شباب أيضا في أميركا من أجل مناقشة من اغتال الناشط الأميركي اليمني المتطرف "تشارلي كيرك"، حيث اعتراف قاتله الشاب تايلور روبنسون في جروب محادثة في محادثات ديسكورد أنه هو من نفذ العملية.
وزاد من شعبية التطبيق أن أصحاب هذه التطبيقات بدأوا يربطون أصحاب المكالمات مباشرة فيما بينهم دون المرور عبر المركز لتجويد المكالمات أو تسريعها.
ثم تمّ تشفير المكالمات بين المستخدمين مباشرة دون أن يتدخل فيها المركز لضمان سرية المكالمات.
لكن من مشكلات هذا التطبيق: غموض القيادة، وربما نشر شائعات ورسائل متطرفة عبره أو تشويه رسالة الشباب الذي ينشد الاحتجاج السلمي، من جانب الجماعات المتطرفة أو العنيفة.
من مخاطره أيضا، التطرف المعلوماتي، ونشر أخبار كاذبة، ففي السيرفرات الكبيرة يصعب التأكد من كل ما يُنشر، وقد يتم تسلل بيانات مضللة.
ومن التحديات التي واجهت القائمين عليه من شباب زد كان الانقسام الداخلي، كما حدث في المغرب، فقد اقترح بعض الشباب تحويل الحركة إلى حزب سياسي قابل للنقد من بعض الأعضاء بسبب الخوف من الاستحواذ السياسي أو التأطير الحزبي، ورفض آخرون، حسبما يوضح موقع "هسبريس" المغربي، 5 أكتوبر 2025.
أيضا هناك شكوك في المصداقية والتوثيق، فمن الصعب جدًا التأكد أن كل الأعضاء في السيرفر من الشباب المحلي أو أنهم فعليًا مشاركون ميدانيا، كما أن التصويت الافتراضي لا يقابله دوما التزام ميداني بالتنفيذ.

لماذا أصبح مهمًا لجيل زد؟
يُفضله شباب جيل زد، لأنه يُتيح نقاشا غير مقيد، ويضمن تنظيما سريعا لهم يسهل حشد المظاهرات، كما يتيح تواصلا لا مركزيا، وقد يستخدمه لتجاوز الرقابة أو الحظر أو التشويش على المنصات الكبيرة.
ومن مزايا هذا التطبيق أنه يجعل الحركة عليه أكثر حرية وغير مرتبطة بأي قوى سياسية، ما جعل الشباب لا يحتاجون، كما جرت العادة، لتحرك الأحزاب أو النقابات نيابة عنهم، أي قلص من دور الوساطة التقليدية للقوى الحزبية.
ومع هذا فقد صوت شباب زد في المغرب من داخل السيرفر لاختيار شخصية مؤقتة يُنظر إليها كزعيم مؤقت أو رئيس وزراء، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية، 5 أكتوبر 2025، رغم التعتيم على أسماء جميع أعضاء "جيل زد" على موقع "ديسكورد".
أيضا برزت أهمية استخدام جيل زد لهذا التطبيق في أنه يتغلب على الحظر أو القيود على وسائل التواصل الاجتماعية الأخرى، كما أن به نقاط قوة متصلة بدوره في الحشد للثورات.
فمن نقاط القوة: السرعة في التنظيم، إذ يمكن فتح قنوات وقرارات تصويت وتنظيم احتجاجات بسرعة كبيرة.
ومنها الخصوصية النسبية: فالسيرفرات الخاصة أو المغلقة تقلل من الرقابة المباشرة مقارنة ببعض المنصات الاجتماعية الأكثر شهرة.
من نقاط قوته أيضا التي تدفع الشباب للجوء إليه: المرونة والعمل بدون قيادة رسمية، فالحركة لامركزية، مما يصعب قمعها؛ لأنه لا توجد قيادة مركزية.
أيضا تتميز منصات ديسكورد بالتنظيم الداخلي والمشاركة، فالشباب يمكنهم مناقشة المطالب، واقتراح الإجراءات، والتصويت على الخطوات القادمة، وكل ذلك داخل سيرفر واحد أو عدة سيرفرات.
أيضًا، أظهر استخدامه أن الشباب لا يكتفي بالمطالب الاجتماعية فقط، بل يطالب بالشفافية والمساءلة وبالعمل السياسي الحقيقي.
وكان قد أثير جدل قيام تطبيق "ديسكورد بمعرفة عنوان IP الخاص بكل مستخدم، ومن ثم تهديد خصوصيته.
لكن مصطفى أديب، وهو ضابط سابق في سلاح الجو المغربي، ومهندس اتصالات كتب يقول: إن كل التطبيقات مثل واتس آب وتليغرام وماسينجر، بها نفس المشكلة لأنها تعتمد على تطبيقا مدمجا آخر اسمه "ويب آر تي سي" (WebRTC)
ونشأ جيل زد، المولود بين عامي 1997 و2012، ومع بلوغهم سن الرشد، واجهوا انقسامًا سياسيًا متفاقمًا، وأزمة مناخية متنامية، وعدم يقين اقتصادي، وجائحة كشفت عن تفاوتات عميقة.
ويقول أستاذ السياسة والاتصال في كلية لندن للاقتصاد، "بارت كاميرتس"، لشبكة CNN،4 أكتوبر 2025: إن هذا الجيل يشعر بأنه "لم يحصل على ما يستحقه"، وأن "مصالحهم لا تُمثل ولا تؤخذ في الحسبان".
ونتيجة لذلك، يتشكك هذا الجيل زد في الديمقراطية التمثيلية الليبرالية، وفي أن له مستقبلا، ويخرج للاحتجاج كتعبير عن هذا الشك، على الرغم من أنهم لا يزالون يقدرون المبادئ الديمقراطية واتخاذ القرارات الديمقراطية. وفق "كاميرتس".

هل اختلف شكل الثورات؟
امتازت ثورات الربيع العربي عام 2011 باعتمادها على الإنترنت ومواقع التواصل، مثل فيسبوك، لكن ظلت سيطرة التيارات الحزبية والنقابية عليها، هي الفيصل في الحراك الشعبي.
على العكس، أثر "ديسكورد" على شكل الثورات المعاصرة، كما حدث في المغرب ونيبال، حيث أتاح الفضاء الرقمي تجديدًا في صورة الحراك الشبابي، فجاء أقل حزبية، وأكثر طموحًا اجتماعيًا، وله مطالب واضحة ومركزة (التعليم، الصحة، الشغل، المساواة).
لذا بات يُطلق على ثورات الربيع العربي "ثورات فيس بوك" بينما ثورات المغرب ونيبال وغيرها التي شهدت تغييرا في شكل انتفاضة جيل زد، فأصبح يُطلق عليها "ثورات ديسكورد".
فقد قلل "ديسكورد" الحاجة إلى وسطاء سياسيين تقليديين مثل الأحزاب والنقابات وفتح الدخول للشباب عبر التكنولوجيا.
كما زاد الشعور بأن التغيير يمكن أن يُبدأ من القاعدة الشعبية، لا القيادات السياسية في أعلي سلم الهرم السياسي، ودون انتظار مبادرات الحكومة أو السياسيين الحزبيين، وهذا زاد من الضغط الشعبي المباشر.
وفي أواخر عام 2010، أصبح فيسبوك بمثابة المعيار الذهبي للتنظيم الثوري للربيع العربي؛ حيث انتشر في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد أن أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس.
وحين انتشرت الانتفاضات في المنطقة مع اشتعال الربيع العربي، توجه عشرات الملايين من السكان المحبطين إلى الإنترنت للتنسيق، وبرز موقع فيسبوك بصفته الأداة السائدة، خاصة في مصر وتونس.
حيث ساعد المنظمين على بث الدعوات إلى المظاهرات، وتوزيع مقاطع الفيديو، وربط الناس في جميع أنحاء البلاد للخروج والإطاحة بقادتهم.
لكن بعد خمسة عشر عامًا، اتجه الجيل الرقمي اليوم إلى ديسكورد لحشد الحركات المناهضة للحكومة، بحسب تحليل لمجلة "نيوزويك" 3 أكتوبر 2025.
حيث تتيح خوادم المنصة الخاصة للنشطاء تنظيم أنفسهم بعيدًا عن أعين الجمهور، وغالبًا بأسماء مستعارة، وتستفيد من ميزات الرسائل النصية والمكالمات، ما جعل هذا النظام يُهيئ حركات شابة ومرنة بلا قيادة.
لذا تضاعف أعداد الشباب المشارك سريعا، في المغرب، عبر قنوات (جيل زد 212) على تطبيق ديسكورد، بسبب سرعة التصويت على مواعيد المظاهرات، وتبادل الوثائق. حسبما أوضحت صحيفة "واشنطن بوست".

وسمح هذا الاستخدام الرقمي للشباب في مدن الأطراف بجنوب المغرب أن ينسقوا مشاركتهم عبر "ديسكورد" رغم ضعف التنسيق المحلي أو تقييد الحريات العامة في بعض الأحيان.
وقد بدأ شباب المغرب من جيل زد يستخدم "ديسكورد" في 18 سبتمبر/أيلول 2025، حين أنشأوا عليه سيرفر لحركة (GenZ 212)، حيث يرمز الرقم (212) إلى رقم مفتاح المغرب في الاتصالات الدولية.
بدأوا العمل على منصتهم الخاصة على تطبيق ديسكورد بعد ما سُمي "أزمة المستشفى"، حين توفيت عدة سيدات حوامل في مستشفى محلي في جنوب المغرب بسبب نقص الإمكانيات الطبية وتدهورها، ما أثار غضبا شعبيا.
وأنشأوا منصتهم الخاصة واستخدموا القنوات في "ديسكورد" للنقاش والتنسيق اليومي، والتصويت على خطوات التحرك الاحتجاجية، وتحديد المدن التي ستخرج فيها المظاهرات، حسبما يوضح تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، 4 أكتوبر/تشرين أول 2025.
وبسبب حالة الغضب والتفاعل مع منصة شباب زد على "ديسكورد" تكاثر الأعضاء بشكل سريع، من بضعة آلاف إلى أكثر من 130-180 ألف عضو في غضون أيام قليلة، حسبما رصدت صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأسهم التطبيق في سرعة انتشار حركة الاحتجاج وتنظيم الاحتجاجات في عدة مدن، وخلق منصة للنقاش الداخلي الدائم، والتصويت، وتعبئة الشباب.
ويرى الباحث المصري في الشؤون السياسية "هشام جعفر" أن "جيل زد" بالمغرب هو أول رد فعل شعبي ذي قيمة بعد طوفان الأقصى.
وأوضح أن احتجاجات هذا الجيل ستكون أحد الاتجاهات التي سترسم مستقبل هذه المنطقة فيما بعد العجز عن نصرة غزة.
وانعكست احتجاجات جيل زد على الداخل المغربي حين أعلن رئيس الوزراء استجابته لمطالب الشباب دون أن يحدد إجراءات معينة، وسط توقعات بإقالته.
وتوجه 60 شخصية مغربية، بينهم سياسيون ومثقفون إلى الملك محمد السادس، يوم 8 أكتوبر 2025، يدعونه فيها إلى إصلاحات اجتماعية ودستورية شاملة، في ظل تصاعد احتجاجات حركة "جيل زد 212" الشبابية المطالبة بتحسين التعليم والصحة ومكافحة الفساد.
المصادر
- Gen Z protests are shaking Morocco. Here's what to know
- From Morocco to Nepal, Gen Z Is Using Discord to Rise Up
- How Discord has become a tool for youth mobilization in Morocco and Nepal
- What is Discord, the versatile chat app that Nepal Gen Z protesters used to install Sushila Karki as the first woman PM?
- Discord-born Moroccan youth protests split over call to enter formal politics
- Morocco's unprecedented youth mobilization puts government to test
- From Morocco to Madagascar, Gen Z is taking digital dissent offline