هل تقود مليشيا "الحرس الوطني" السويداء نحو الانفصال والفوضى؟

مصعب المجبل | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

يتكشف يومًا بعد يوم دور مليشيا "الحرس الوطني"، التي شكلها رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية، الشيخ حكمت الهجري، في قمع واعتقال المعارضين لمحاولات عزل المحافظة عن الوطن الأم سوريا.

وفي أحدث انتهاك بحق المدنيين، أعلنت قيادة مليشيا "الحرس الوطني" إلقاء القبض على شخصيات وصفتها بـ"الخونة والمتآمرين"، في عملية أمنية وصفتها بأنها "دقيقة" و"سريعة" و"حاسمة" في محافظة السويداء جنوب سوريا بتاريخ 29 نوفمبر 2025.

مؤامرة "دنيئة" 

زعمت قيادة مليشيا "الحرس الوطني" في بيان أصدرته أنها كشفت مؤامرة "دنيئة" وخيانة "عظمى"، وفق تعبيرها، تورطت فيها مجموعة من "المتخاذلين والعملاء الذين باعوا ضمائرهم بالتنسيق مع حكومة الإرهاب في دمشق وبعض الأطراف الخارجية".

وأضاف البيان أن "المؤامرة"، التي كشفتها قيادة الحرس الوطني، تهدف إلى تنفيذ خرق أمني داخلي "خطير"، حسب زعمها، ويمهد لهجوم "بربري" يستهدف السويداء وأهاليها، مقابل حفنة من الأموال "الملوثة بالخيانة"، وفق ما جاء في البيان.

خلال الحملة، اقتحمت مليشيا "الحرس" منزل أسرة مدير الأمن الداخلي في مدينة السويداء، سليمان عبد الباقي (معين من قبل دمشق ويقيم خارج السويداء)، وذلك وفق تسجيل مصور بثه عبد الباقي عبر حسابه على فيسبوك يظهر لحظة اقتحام المنزل وبداخله نساء وأطفال.

كما ذكرت مصادر محلية أن "الحرس الوطني" اعتقل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، بينهم خمس شخصيات معروفة في السويداء، من بينهم الشيخ رائد المتني، شخصية دينية بارزة كان مكلفًا رسميًا من قبل الهجري بحفظ الأمن والدفاع عن حقوق المواطنين.

ويُذكر أن الشيخ المتني كان أحد مسؤولي ما يسمى بـ"المجلس العسكري" الذي تشكل عقب سقوط نظام بشار الأسد في السويداء، مما يطرح تساؤلات حول الخلافات الداخلية المتزايدة، خصوصًا مع اعتقاله من قبل المجموعة نفسها التي كان جزءًا منها.

وتداولت منصات التواصل الاجتماعي تسجيلًا مصورًا يُظهر تعرض الشيخ المتني للإهانة والضرب أثناء اعتقاله على يد عناصر مليشيا "الحرس الوطني"، ما أثار حالة من الغضب والاستنكار في الشارع السوري.

وبعد يومين فقط من حملة الاعتقالات، أُعلن عن مقتل الشيخ رائد المتني والشيخ ماهر فلحوط، وذلك بعد تعرّضهما للتعذيب خلال احتجازهما على يد مليشيا "الحرس الوطني".

وكشفت المعاينة الطبية للجثتين في المستشفى الوطني بالسويداء عن آثار تعذيب واضحة، ما أثار موجة غضب واسعة داخل المحافظة وفتح الباب أمام أسئلة حول ظروف وفاتهما والمسؤوليات المترتبة على ذلك.

وقال عبد الباقي: إن الجهات الرسمية قادرة على دخول مدينة السويداء وبسط الأمن والاستقرار، إلا أن هذا الخيار لم يُتخذ حتى الآن لتجنب سفك الدماء ومنع تكرار أحداث سابقة شهدت انتهاكات وثارات داخل المحافظة.

وأوضح سليمان عبد الباقي، في تصريحات له عقب اقتحام منزل أقاربه في السويداء، أن سياسة “الصبر وضبط النفس” تُتبع احتراماً للمدنيين وحفاظاً على أرواحهم.

وأضاف عبد الباقي أن الانتهاكات التي تحدث داخل السويداء يقودها "عصابات خطف ومجموعات مسلحة"، محذراً من خطورة استمرار هذه الأوضاع على أمن واستقرار المحافظة.

“الحرس الوطني”

أعلنت فصائل محلية في السويداء، في 23 أغسطس 2025، عن تشكيل مليشيا تُسمى "الحرس الوطني"، تحت قيادة رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في المحافظة، الشيخ حكمت الهجري.

يضم هذا التشكيل العسكري نحو 30 فصيلاً محلياً، ويهدف بحسب بيانها إلى تعزيز الدفاع عن المنطقة وحمايتها. كما أشار البيان إلى التزام الفصائل العسكرية بقرارات القيادة الروحية، ممثلة بحكمت الهجري، عادين إياه الممثل الشرعي للطائفة الدرزية في السويداء.

وصفت الفصائل نفسها بالاندماج ضمن "الحرس الوطني" بصفته المؤسسة العسكرية الرسمية للطائفة الدرزية في المحافظة.

وعين الهجري العميد السابق في قوات النظام السوري المخلوع، جهاد نجم الغوطاني، مسؤولاً عن مليشيا "الحرس الوطني". ينحدر الغوطاني من قرية طربا في ريف السويداء، وارتقى إلى رتبة عميد عام 2019 بعد مشاركته في عمليات عسكرية ضد المدنيين في ريف دمشق وإدلب.

ورداً على ذلك، أعرب القيادي الدرزي الشيخ ليث البلعوس، ممثل "شيخ الكرامة" في السويداء، عن رفضه وطعناته في هذا التشكيل، واصفاً بعض فصائله بأنها كانت معروفة سابقاً بعمليات الخطف والسرقة والنهب وابتزاز النساء. وأشار البلعوس إلى ارتباط بعض هذه الفصائل بضباط سابقين في نظام بشار الأسد المخلوع، وعد تسمية "الحرس الوطني" مستنسخة من "الحرس الثوري الإيراني".

منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، منع الهجري ومجموعاته المسلحة دخول مؤسسات الدولة السورية الجديدة إلى السويداء، وبدأوا يعملون وفق مصالح خاصة، وصلت حد المطالبة بعزل المحافظة عن سوريا وطلب الدعم من إسرائيل، رافضين أي مشروع سياسي وطني مع دمشق.

يتعقد المشهد الأمني والسياسي في السويداء يوماً بعد يوم، حيث يتحول دور مليشيا "الحرس الوطني" من قوة محلية شكلت لحماية المنطقة إلى ذراع قمع واعتقال يمارس السيطرة الأمنية الموازية، ويعزل المحافظة عن محيطها السوري.

وفي رسالة وجهها الهجري إلى الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدولي في 11 أكتوبر 2025، استخدم مصطلح "جبل باشان" بدلاً من التسمية المعروفة "السويداء" أو "جبل العرب". ويُعد مصطلح "جبل باشان" اسماً عبرياً يعود إلى "أرض مستوية أو ممهدة"، وهو اسم تاريخي لمقاطعة في أرض كنعان، شرق الأردن.

ترافق هذا مع استنجاد الهجري بإسرائيل لمنع محاولات الدولة السورية من إعادة فرض سيادتها في المحافظة، وهو ما أعطى إسرائيل ذريعة لتمرير مشاريع إمبريالية في المنطقة.

في 13 يوليو/تموز 2025، تقدمت قوات الأمن السورية نحو السويداء عقب اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريف المحافظة، في محاولة لإعادة الاستقرار.

وفي إطار مساعيه لعزل السويداء عن دمشق، أصدر الهجري في 16 يوليو 2025 بياناً رسمياً طلب فيه من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو "إنقاذ السويداء"، في استقواء علني على الدولة السورية.

وأجابت إسرائيل على دعوات الهجري بشن عدوان واسع على سوريا في نفس اليوم، حيث نفذ الجيش الإسرائيلي غارات جوية استهدفت أكثر من 160 موقعاً في أربع محافظات، منها السويداء ودرعا وريف دمشق ودمشق، مستهدفة مقار هيئات عسكرية ورئاسية في العاصمة.

"دولة مستقلة"

تسلط التطورات الأخيرة في محافظة السويداء، لا سيما الحملة الأمنية التي شنتها مليشيا "الحرس الوطني"، الضوء على التوترات المتصاعدة والانقسامات العميقة بين الشارع والقيادة الروحية للطائفة الدرزية.

في حين تتهم المليشيا معارضيها بالتنسيق مع دمشق، تتصاعد الاتهامات المضادة التي تصف "الحرس الوطني" كقوة منفلتة تعتمد على خطاب تخويني وتسعى لفرض سلطة أمر واقع. في الوقت ذاته، تحذر أصوات رسمية من مخاطر منزلقات قد تقود المحافظة إلى موجة جديدة من العنف والثارات.

يقول العقيد أحمد حمادة، محلل وخبير عسكري وإستراتيجي، في حديث لـ"الاستقلال" إن "مليشيات حكمت الهجري متهمة بتهريب الأسلحة والكبتاغون، وفرض إرادتها بالقوة على من يخالفها، خاصة الدعوات المناهضة للانفصال وعزل السويداء ودعم مشاريع خارجية، في ظل غياب واضح لسلطة الدولة".

ويضيف حمادة: "اعتقال الحرس الوطني لمعارضين يعكس تصرف الهجري وكأنه يدير دولة مستقلة تمارس سلطتها بالقوة في المنطقة".

ويشير إلى أن "المليشيات تحولت إلى أداة قمع في السويداء، وسط استياء شعبي من سياسة الهجري وتردي الأوضاع المعيشية، وحالة خوف من اندلاع حرب طائفية".

ويعتبر حمادة أن ما تقوم به مليشيا "الحرس الوطني" من انتهاكات هو محاولة لفرض إرادتها على السكان بلا قانون أو ولاية شرعية.

ويختم بالقول: "أهالي السويداء ينتظرون ساعة الصفر لإنهاء عمل هذه العصابة واستعادة الأمن والنظام، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات".

ويرى مراقبون أن استمرار التصعيد من جانب الهجري دون وجود بدائل واضحة أو خريطة طريق قد يفاقم التوتر في المنطقة.

في الوقت نفسه، تواصل القوات الحكومية تطويق المحافظة، مع فتح دمشق مسار تفاوضي غير مباشر مع الهجري، بهدف دفعه للتراجع عن مشروع الانفصال.

إلا أن استهداف شخصيات بارزة في الطائفة الدرزية يعكس تصاعد حالة الصدام المجتمعي والسياسي، مع محاولات تيار الهجري فرض السيطرة على مفاصل القرار في السويداء.

مقابل هذا الواقع، لا تتوانى إسرائيل عن استغلال الانقسامات الطائفية في المحافظة، عبر دعم التيارات الانفصالية واستغلال الانقسام بين من يسعون للاندماج في الدولة السورية الجديدة، ومن يروجون لمشاريع انفصالية تستقوي بالاحتلال الإسرائيلي.