بكاء واستقالات.. ما الذي فعلته صفقة غزة في حكومة وجيش الاحتلال؟

"تايمز أوف إسرائيل: اتفاق الهدنة يعد فوزا واضحا لحماس"
مع بداية الهدنة ووقف إطلاق النار في غزm 19 يناير/ كانون الثاني 2025، تعرضت إسرائيل لهزة جديدة تمثلت في استقالة عدد من كبار المسؤولين في الحكومة وقيادات بالجيش.
وجاءت هذه الاستقالات لسببين، أولهما الفشل في منع عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والاتجاه نحو صفقة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وخاصة مع عدم تحقيق جيش الاحتلال أهداف الحرب المعلنة وأبرزها القضاء على حماس واسترداد الأسرى دون الاضطرار إلى عقد صفقة تبادل، فضلا عن مقترحات أخرى بالتهجير وإعادة الاستيطان للقطاع المحاصر.
ولكن لم تحقق إسرائيل أيا من أهدافها المعلنة، وهو الأمر الذي أربك حسابات وزراء ومسؤولي حكومة الاحتلال، وظهر في ردود الأفعال الرسمية والاستقالات.
دموع الصفقة
وفي 18 يناير 2025، أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن عددا من الوزراء وبعض الحضور بالإضافة إلى سكرتير الحكومة، قد انتابهم التأثر والبكاء خلال جلسة التصديق على صفقة تبادل الأسرى.
وفي اليوم التالي 19 يناير، الذي مثل أول يوم لبدء عملية الهدنة، أعلن حزب "القوة اليهودية"، برئاسة اليميني المتطرف، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، استقالة زعيمه ووزيرين آخرين من حكومة بنيامين نتنياهو، احتجاجا على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وكان بن غفير قد هدد، بأن حزبه سينسحب من الحكومة حال التصديق على اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بغزة.
وبدوره، أعلن وزير المالية الإسرائيلي "بتسلئيل سموتريتش" الذي يعد من أشد أوجه اليمين المتطرف في الحكومة، رفض محادثات غزة ومسودة اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي 13 يناير، وصف سموتريتش الهدنة بأنها "كارثة" على إسرائيل، مشددا على ضرورة العمل لاحتلال غزة بالكامل.
وقال إن "الاتفاق الذي يجرى العمل عليها كارثة على الأمن القومي للدولة"، وأضاف: "لن نكون جزءا من صفقة استسلام تشمل إطلاق سراح إرهابيين ووقف الحرب"، وفقا لوكالة "رويترز" البريطانية.
وعاد وزير المالية الذي يقود حزب الصهيونية الدينية المتطرف، وصرح مرة أخرى بعد إتمام الصفقة، في 19 يناير، حيث قال إنه اتفاق "سيئ وكارثي ويعرض إسرائيل للخطر".
بل وبلغ به الأمر أن توعد نتنياهو، عندما قال: "إنه سيسقط الحكومة إذا لم يعد الجيش للقتال بالقطاع بطريقة تسمح بالسيطرة الكاملة عليه وإدارته".
وتابع "علينا احتلال غزة وفرض حكم عسكري مؤقت لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لهزيمة حماس".
كذلك أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، عن إحباطه من الاتفاق، وصرح: "لم نحقق أهدافنا من الحرب، رغم الضربات القوية التي وجهناها لحماس".
استقالات عسكرية
وعلى الصعيد العسكري، أعلن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي استقالته من منصبه، تحملا لمسؤوليته عن “الفشل” خلال هجوم حماس.
وفي بيان الاستقالة التي ستدخل حيز التنفيذ في 6 من مارس/آذار 2025، كتب هيرتسي هاليفي لوزير الجيش يسرائيل كاتس، إنه "في صباح السابع من أكتوبر، فشلنا في مهمتنا لحماية مواطنينا".

وأضاف: "إن مسؤوليتي عن الفشل الذريع ترافقني كل يوم، ساعة بساعة، وستظل كذلك لبقية حياتي"، مؤكدا أن إسرائيل دفعت ثمنا باهظا من حيث الأرواح البشرية والمختطفين والجرحى "جسديا ومعنويا".
وأشاد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد باستقالة هاليفي، داعيا بنيامين نتنياهو إلى أن يحذو حذوه.
وقال لابيد: "الآن حان الوقت كي يتحملوا المسؤولية ويستقيل رئيس الوزراء وحكومته الكارثية بأكملها".
وحفزت استقالة هاليفي، قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، يارون فينكلمان، الذي أبلغ رئاسة هيئة الأركان بالاستقالة.
كما أعلنت المسؤولة عن النيابة العسكرية بالجيش، اللواء يفعات يروشلمي، الاستقالة من منصبها.
وسبق ذلك، استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أهارون هاليفا، الذي تحمّل مسؤولية شخصية عن الإخفاق الأمني الذي أدى إلى عملية طوفان الأقصى.
وفي خضم هذه التطورات، تسود تقديرات بأن المزيد من كبار الضباط بالمؤسستين العسكرية والأمنية وأجهزة الاستخبارات، سيقدمون استقالتهم.
ويشمل ذلك قائد سلاح الجو تومر بار، وقائد سلاح البحرية، ديفيد ساعر، ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، رونين بار.
آراء أخرى
حتى خارج نطاق الحكومة وكبار المسؤولين، لم يختلف الأمر كثيرا، على مستوى السياسيين والإعلاميين الإسرائيليين.
فقد صرح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق "غيورا آيلاند"، بأن "الاتفاق إخفاق هائل وفظيع لا يمكن استيعابه، ولا أستطيع تصديق ما حدث".
فيما قال "عميت هليفي" عضو هيئة الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي): "الاتفاق سيئ، والثمن الذي يطلب منا دفعه باهظ وله عواقب خطيرة".
وأوضح المحلل الإسرائيلي "تسفيكا يحزقيلي" أن الاتفاق "جاء بتنازلات كبيرة، ودون تحقيق الأهداف العسكرية المنشودة، ودون أي إنجازات كثيرة على الأرض".
وشن جنرال الاحتياط الإسرائيلي المتقاعد "يفتاح رون طال" عبر القناة "14" العبرية هجوما شديدا على حكومة نتنياهو وقادة الجيش.
وقال: “نحن نرى الآن صورا من مدينة غزة، بعد أن دخل الجيش عدة مرات، ومع ذلك لم يضمن سيطرة كاملة، ولم يقدر على احتلال تلك المدينة الملعونة”، على حد وصفه.
وتابع: “هذا أمر يجب أن يتغير، وفي الحقيقة حان الوقت لاستبدال القيادات العسكرية”.
وأردف: "هذه القيادة مسؤولة عن 7 أكتوبر، والجمهور يتوقع منها تسليم المفاتيح لقيادة بديلة، برئاسة رئيس أركان جديد، يعمل على بناء الجيش".

سب "نتنياهو"
الأمر الآخر الذي مثل إهانة وهزيمة تفاوضية لحكومة تل أبيب، هو الطريقة التي قبل بها رئيس وزراء الاحتلال، صفقة وقف إطلاق النار.
ففي 16 يناير 2025، كشفت مجلة "نيوزويك" الأميركية، أن "ستيفن ويتكوف"، مبعوث الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الجديد إلى الشرق الأوسط، أجبر نتنياهو، على إبرام الاتفاق.
ووصفت المجلة ويتكوف بأنه "مبعوث دبلوماسي لا يتكلم بلسان دبلوماسي".
وأضافت: "لقد فعل ويتكوف في اجتماعه الوحيد مع نتنياهو لدفع إسرائيل نحو التوصل إلى اتفاق، أكثر مما فعله (الرئيس الأميركي السابق جو) بايدن طوال العام" 2024.
وأضافت: "أولا أجبره على لقائه يوم السبت (العطلة الدينية لليهود والرسمية في إسرائيل) رغم محاولات تأجيل اللقاء لليوم التالي".
وتابعت: "رد فعل ويتكوف فاجأ المساعدين الإسرائيليين، إذ أوضح لهم بلغة إنجليزية حادة أن يوم السبت لا يهمه".
وذكرت المجلة الأميركية أنه "في خروج غير معتاد عن الممارسة الرسمية، حضر رئيس الوزراء إلى مكتبه لعقد اجتماع رسمي مع ويتكوف، الذي عاد بعد ذلك إلى قطر لإتمام الصفقة".
فيما أوردت صحيفة "هآرتس" العبرية بعض التفاصيل الأخرى عن طبيعة الاجتماع، عندما كشفت أن ويتكوف وجه لنتنياهو "كلمات معدودة كانت أشبه باللكمات".
وفجرت مفاجأة عندما قالت: "لم يكن نتنياهو يتوقع أنه سيتعرض للسب والشتم، من طرف المبعوث الأميركي".
أشارت هآرتس إلى أن ذلك حدث بينما لم تتزحزح حماس عن موقفها بأن حرية الأسرى الإسرائيليين مشروطة بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين.
لكن استطردت أن "الجزء الصعب" حسب وصفها، يكمن في الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة.
كما كشفت القناة "14" الإسرائيلية، خلال تقرير في 16 يناير، أن أصوات سمعت داخل اجتماعات الحكومة، وهي تندب الاتفاق وتقول إن "ترامب ليس كما كنا نظن".

لماذا هزمت إسرائيل؟
الإجابة عن هذا السؤال جاءت بلسان الإسرائيليين أنفسهم، ففي 15 يناير 2025، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" مقالا للمحامي والسياسي الإسرائيلي "ديفيد ريس"، تحت عنوان "للمرة الأولى نخسر حربا".
وقال في مقاله: "اضطرت إسرائيل على مدى 60 عاما إلى خوض حرب تلو الأخرى للدفاع عن نفسها، وفازت في الحروب التي خاضتها في أعوام 1948 و1967 و1973 (هزمت في الأخيرة على يد الجيشين المصري والسوري)، وقاتلت حزب الله بتعادل كامل في عام 2006، ولكن هذا تغير الآن".
وأكمل: "فقد كان اتفاق السلام الذي أبرمته أخيرا مع حماس فوزا واضحا للحركة وخسارة لإسرائيل، ولا عجب إذن أن يهلل الناس في غزة لهذه الصفقة".
وفند السياسي الإسرائيلي الأسباب التي جعلته يقول بـ “انتصارات حماس”، ومما أورده: "أن ما انتصرت به الحركة في هذه الحرب هو، أنها قلبت الرأي العام العالمي ضدنا، وتفاوضت على إطلاق سراح المئات من الفلسطينيين، الذين حكم على العديد منهم بالسجن المؤبد".
وتابع: "لقد قتل بعض قادتها، لكن سيتم استبدالهم بقادة جدد، وفي حين قتل العديد من مقاتليها، فقد أعادت حماس، وفقا لتقارير صحفية، بناء جناحها العسكري، الذي يضم الآن 12 ألف جندي في غزة".
وأضاف: "لقد أثبتت حماس أن إسرائيل مستعدة للتخلي عن مبالغ ضخمة للحصول على مبلغ صغير في المقابل، والآن تستطيع الحركة أن تزعم بفخر أن المذبحة (عملية طوفان الأقصى) جلبت نتائج مذهلة، والواقع أننا الآن أصبحنا أضعف مما كنا عليه في 6 أكتوبر 2023".
ثم أتبع: "ستظل حماس تسيطر على غزة، بينما خلقت الحرب صدعا خطيرا بين إسرائيل والولايات المتحدة".
وذهب السياسي الإسرائيلي إلى بعد آخر، حين ذكر أن التكلفة التي تكبدتها تل أبيب من هذه الحرب هائلة، حيث زادت الدين القومي الإسرائيلي بشكل كبير وتضرر اقتصادها أيضا.
وقد قدر أن النشاط الاقتصادي الإسرائيلي انخفض بأكثر من 20 بالمئة، واختتم مقالته بهذه العبارة: "ما حصلت عليه إسرائيل منذ اندلاع الحرب وصولا إلى هذه النقطة، لا شيء".
المصادر
- For the fist time, Israel just lost a war
- For the fist time, Israel just lost a war
- هكذا أجبر مبعوث ترامب نتنياهو على قبول اتفاق وقف الحرب
- إذاعة الجيش الإسرائيلي: تأثر وبكاء خلال جلسة التصديق على صفقة تبادل الأسرى
- سموتريتش: مسودة اتفاق وقف إطلاق النار بغزة "كارثة"
- بسبب "اتفاق الاستسلام".. بن غفير يستقيل من حكومة نتانياهو
- الاتفاق إخفاقٌ هائلٌ وفظيع ولا يمكن استعيابه