نوم عميق.. لهذا غابت الصين عن حرب غزة وتوترات الشرق الأوسط

موقف الصين أدنى بكثير من مواقف دول لا تحظى بنفس القوة والتأثير
يثير الغياب الصيني عن أكبر أزمة حالية في الشرق الأوسط علامات استفهام كبيرة وسط حضور مكثف من خصمها الرئيس، الولايات المتحدة الأميركية.
وتغط الصين في نوم عميق، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وما يرتبط به من تحذيرات بشأن توسيع الحرب من قبل إيران ووكلائها ووسط تواصل الحشد العسكري الأميركي بالمنطقة لصالح تل أبيب.
فما إستراتيجية الصين في التعامل مع العدوان على غزة وتوترات المنطقة؟ وما أسباب صمتها وعدم اتخاذها مواقف قوية ضد إسرائيل التي تأبى إنهاء الحرب؟
تحميل المسؤولية
منذ بداية عملية طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تبنت الصين إستراتيجية تحويل المسؤولية وإلقائها على مجلس الأمن دون اتخاذ مواقف فردية.
ورأت الصين مرارا أن المجلس هو المسؤول الرئيس والأكبر عن تنفيذ حلّ الدولتَين وإنهاء الصراع، واستئناف المفاوضات، وتسهيل المساعدات الإنسانية، ووقف الاستيطان والحرب.
ورغم تبني المجلس قراراً أميركيا بوقف العدوان في يناير/كانون الثاني 2024، إلّا أنّه فشل في إلزام إسرائيل بذلك.
وهو ما أكد عدم فاعلية هذا المجلس الدولي عموماً في الصراع، وفشل النهج الصيني على وجه التحديد.

وعلى الرغم من تحميلها للمسؤولية إلى مجلس الأمن، لوحظ كذلك عدم تقديم الصين أي مقترحات لوقف العدوان مثلما فعلت روسيا والبرازيل والجزائر وغيرها من الدول الأقل نفوذا وتأثيرا.
كما لم تتخذ أي موقف سياسي أو دبلوماسي أحادي للضغط على إسرائيل واكتفت بتصريحات عامة تكرر فيها دعمها للجهود الدولية لإنهاء الصراع عبر حل الدولتين.
وأمام هذا العجز بالتأثير في مُجريات الحرب، ووقفها تحديداً، بحثت بكين عن مسألة حسّاسة وجوهرية وذات تأثير إقليمي ودولي، كالمصالحة الفلسطينية، سعياً وراء دور ما يُغطّي ضعف تأثيرها في هذه الأزمة.
ففي 23 يوليو/تموز 2024، أعلنت وزارة الخارجية الصينية، عن اتفاق الفصائل الفلسطينية على تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة بوساطة بكين، وذلك بعد حوالي عقدين من الخلافات والاتفاقات التي لم تفض إلى إنهاء الانقسام.
وبينت الوزارة أن الفصائل اتفقت على إنهاء الانقسام بينها وتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة، إذ جرى التوقيع على إعلان الصين في الحفل الختامي لحوار مصالحة بين 14 فصيلا فلسطينيا استضافته بكين من 21 إلى 23 يوليو.
لكن لم يكن هذا التحرك سوى خطوة شكلية، حيث تستمر الانتقادات والتراشقات الإعلامية بين حركة المقاومة الإسلامية حماس والسلطة الفلسطينية التي تريد طرد الأولى من غزة والعودة إلى الحكم في القطاع.
وتحمل السلطة الفلسطينية حركة حماس المسؤولية عن “تدمير غزة”، في وقت تنتقد الأخيرة ملاحقة الأولى للمقاومة في الضفة الغربية وتهاجم نهجها التفاوضي السلمي.
ومن هنا فإن ملف المصالحة الذي حاولت الصين من خلاله إبقاء نفسها حية في الصراع بعد فشل مجلس الأمن في وقف العدوان، لم يأت بنتيجة فعلية.

موقف ضعيف
وفي تقييمها لموقف بكين الحالي وحال تصاعد التوتر، تقول الباحثة في الشؤون الصينية رزان شوامرة إن الصين “ستمارس نفس هذه الإستراتيجية في حال اندلاع حرب إقليمية، وستكتفي بإلقاء المسؤولية على المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن”.
وأوضحت في حديث لـ"الاستقلال" أن “كلّ ما دعت إليه الصين خلال الحرب لا يختلف عمّا دعت إليه الدول الأخرى، خاصّة الغربية، في سياق دعم حلّ الدولتَين ووقف الحرب".
بل رأت أن سقف موقف الصين أدنى بكثير من مواقف دول لا تحظى بنفس قوة ومكانية وتأثير بكين على الصعيد العالمي.
وهنا تحضر روسيا على سبيل المثال التي صعدت لهجتها ضد إسرائيل منذ بدء العدوان، رغم انشغالها بالحرب المتواصلة في أوكرانيا.
كما تحضر تركيا التي تؤدي أدوارا سياسية ودبلوماسية وإنسانية من أجل إنهاء العدوان، وتبرز كذلك دول أصغر وأقل قوة وتأثيرا.
وتابعت شوامرة: “لم تلجأ الصين مثلاً إلى مواجهة إسرائيل بالانضمام إلى الدول التي تحاكمها في محكمة العدل الدولية".
كما "لم تقطع علاقاتها معها أو تطرد سفيرها كما فعلت مثلاً بوليفيا وكولومبيا وجنوب إفريقيا والبرازيل وتشيلي، ولم تستدع سفيرها كما هو حال هندوراس وتشاد وغيرها”.
وأخيراً، تجاهلت الصين كلّياً عسكرة واشنطن لإسرائيل خلال الحرب في تصريحاتها وفي وثيقتها التي نشرت في أبريل/ نيسان 2024.
واستعرضت الوثيقة المذكورة تاريخ المساعدات الخارجية الأميركية المالية والعسكرية، منذ أربعينيّات القرن الماضي، وتسبّبها في كوارث إنسانية ودولية قوضت الأمن والاستقرار الدوليَين.
وقد أمل الكثيرون أن تستغل الصين موقفها كدولة صديقة للجميع في الشرق الأوسط لتسهيل إنهاء العدوان وما قد يصاحبه من توسع للصراع في المنطقة، وذلك بعد نجاحها في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية في مارس/آذار 2023.
ويقول موقع “الصين أوبزيرفرس” إن اتفاق إيران والسعودية رفع التوقعات بشأن مشاركة دبلوماسية أكبر من جانب بكين في المنطقة، لكن رد فعلها بعد السابع من أكتوبر، حطم هذه التوقعات.
وأضاف في يناير/كانون الثاني 2024 أنه خلال الصراع، حافظت بكين على موقف صامت بشكل ملحوظ يتناقض بشكل مباشر مع التحرك الأميركي القوي والتأييد المطلق لإسرائيل.
وأردف: “وافقت الصين على العمل مع الدول العربية والإسلامية لوقف تصعيد العنف في غزة، ومع ذلك، لم تترجم هذا بعد إلى إجراءات ملموسة".
فعلى الرغم من دعوات الصين المتكررة لحل الدولتين وجهودها الرامية إلى التعامل مع اللاعبين الإقليميين، تفتقر بكين إلى إستراتيجية وساطة ملموسة، وبالتالي، لم تنجح في تحويل شبكتها من الصداقات الإقليمية إلى مورد للمفاوضات الجوهرية.

ما الأسباب؟
وعن الأسباب، تقول شوامرة إنه “بالرغم من أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لبكين، فإنها كدولة صاعدة، تتمثل أولويتها تتمثل في إقليمها الجغرافي، جنوب شرق آسيا وخاصة فيما يتعلق بمسألة تايوان وبحر الصين الجنوبي”.
فمثلا في خضم الحرب، جرت انتخابات في تايوان التي تعدها الصين جزءا من أراضيها، ما أدى إلى توتر سياسي وعسكري في الإقليم، وتهديدات متبادلة بين واشنطن وبكين.
وهنا ركزت السياسة الصينية بأعلى مستوياتها بشكل كبير على الانتخابات، وبقيت الحرب على غزة مسؤولية سفيرها في الأمم المتحدة (فو كونغ)، وفق شوامرة.
وتابعت: “يرافق عدم القدرة الصينية في التأثير على الأحداث، عدم الرغبة بممارسة دبلوماسية حقيقة لوقف الحرب، لعدة أسباب أولها مصالحها مع إسرائيل”.
وطورت الصين خلال العقد الماضي التعاون مع إسرائيل في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية خاصة بعد إصدارها عام 2010 إستراتيجية جديدة أطلقت عليها اسم "الخطة الخمسية الثانية عشر" التي ترافقت مع وصولها إلى ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.
وخلال العقد الأخير، جذبت الصين إسرائيل لمشاريعها الإستراتيجية التي أنشئت بالأساس لمواجهة الأحادية القطبية عالميا، وأولها مبادرة الحزام والطريق التي يمر طريقها البري والبحري من تل أبيب.
كما تبرز أهمية إسرائيل للصين كمنفذ للوصول إلى التكنولوجيا الغربية خصوصا في ظل اشتداد الحصار الأميركي على هذا القطاع في العلاقة مع بكين، وفق ما قالت مجموعة التفكير الإستراتيجي في مقال للكاتب وليد عبد الحي خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وثاني الأسباب، عدم رغبة بكين بالتصعيد مع واشنطن في ملف لا يرتبط بمصالحها الحيوية المباشرة.
وبينت شوامرة أن الصين كدولة صاعدة لن تستنزف مواردها في حل صراعات جانبية بعيدة نسبيًا عن مصالحها الرئيسة.
ويضيف موقع “الصين أوبزيرفرس” سببا آخر وهو أن “دليل السياسة الخارجية لبكين يستند إلى حد كبير في تفاعلاتها مع الدول الأخرى على مبدأ عدم التدخل ومنظور يركز على الربح”.
وعلى هذا النحو، بدلاً من الانحياز المباشر إلى أي جانب في الحرب الحالية، تعطي الصين الأولوية للأهداف الاقتصادية والفوائد طويلة الأجل.
وإلى جانب ذلك، ترى الباحثة شوامرة أن الصين تستفيد بشكل كبير من الحرب لأنها تستنزف منافسيها وأبرزهم الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا مع تراجع سمعتهم وقوتهم الناعمة.
وهو ما يقلل فرق القوة النسبية بينها وبين واشنطن على وجه الخصوص، ويعزز صعودها دوليا.
وتخلص إلى أن الحرب “أظهرت بشكل جلي الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط ومحدودية التأثير الصيني على مختلف الأطراف، سواء إسرائيل أو الفلسطينيين بما يشمل السلطة وحركة حماس”.