الجيش يتربص.. هل يسرع غضب السودانيين بإسقاط حكومة حمدوك؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتصاعد حدة الأصوات المعارضة في السودان والمطالبة بالإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك، الذي لجأ بدوره إلى القوى السياسية التي شاركت في الثورة على نظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، لإنقاذه من الغضب الشعبي المتزايد جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة والإخفاقات السياسية المتوالية.

ويحاول حمدوك نزع فتيل أزمة تتزايد ملامحها في الميدان مع إطلاق التحذيرات التي وجهتها قوى سياسية للتظاهر بدءا من 30 يونيو/حزيران 2021، للإطاحة بالحكومة وإعادة هيكلة العملية السياسية برمتها.

ما زاد من تخوفات حمدوك ونظامه، شبه انعزالية الشق العسكري ضمن مكونات الحكم عن التفاعل مع ما يدور في المشهد العام، وترتيب أنفسهم من جديد.

وظهر ذلك في الاجتماع الشامل للقيادات العسكرية في 23 يونيو/حزيران 2021، معلنة أنها تحت إمرة القائد العام (عبدالفتاح البرهان)، خلال اللقاء الذي حضره كل قادة الوحدات والفرق العسكرية، بمن فيهم نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فيما لم تتم دعوة حمدوك للقاء.

هذا اللقاء جعل المشكلة معقدة ومركبة أمام رئيس الوزراء، ما صعب التحديات الجسام التي يواجهها نظامه، من تخوفات الانقلابات العسكرية إلى تخوفات ثورة مضادة أكبر وأشمل تعصف بهم، كما عصفت بنظام البشير من قبل.

دعوات للسقوط 

بشكل يومي، تشهد العاصمة ومدن سودانية متفرقة، مظاهرات دعت لها قوى شعبية ولجان وتنسيقيات محلية، رافعة شعار "تسقط بس"، في إشارة إلى حكومة "قوى الحرية والتغيير" (المعروفه بـ”قحت“) والتي تقود المرحلة الانتقالية برئاسة حمدوك، كشريك للمكون العسكري الحاكم تحت مظلة مجلس السيادة. 

المظاهرات التي ترتفع وتيرتها أيام الجمعة تطالب الحكومة بالاستقالة أو الإقالة، وذلك منذ دخول قرار رفع الدعم عن أسعار الوقود حيز التنفيذ مطلع يونيو/حزيران 2021، وتخللها اضطرابات واشتباكات مع عناصر أمنية وقوى تنفيذية تابعة لحمدوك، حاولت اعتقال بعض المتظاهرين.

ومنذ 10 يونيو/حزيران 2021، بدأت بالخرطوم وعدة ولايات، حملة واسعة لجمع توقيعات 10 ملايين سوداني؛ للمطالبة بإسقاط الحكومة.

وانطلقت التوقيعات تحت مسمى "الحملة السودانية لوقف الانهيار"، تطالب برحيل الحكومة، وسط دعوات لمليونية عاصفة في 30 يونيو/حزيران.

السياسي السوداني، محمد عبد القادر، كتب في موقع "النيلين" في 12 يونيو/ حزيران 2021، مقالا تحت عنوان "فشلتم يا حمدوك"، وصف من خلاله حجم الأزمة التي يواجهها حمدوك. 

وقال عبد القادر: "لم يعد فشل حكومة ما بعد التغيير محل خلاف أو تشكيك، أخفقت (قحت) تماما في التعامل مع قضايا المواطن الملحة، تأزمت الأوضاع السياسية والاقتصادية للحد الذي توقفت فيه الحياة تماما، وباتت الصفوف والأزمات هي الملمح الأساسي في حياة السودانيين". 

وأضاف: "أزمة في الوقود والغاز والكهرباء والخبز والمياه وفي كل شيء، ارتفاع قياسي في الأسعار، الصفوف (الطوابير) تزداد يوما بعد يوم، ولا يبدو أن هناك ضوءا في آخر النفق، الاحتقان السياسي وصل مداه، والهشاشة الأمنية باتت تغري بانتهاك سيادتنا، وقد توزع أمر بلادنا بين الدول، وباتت مرتعا لحراك الأطماع وتقاطعات الأجندة". 

وتأسف عبدالقادر من "محاولة البعض دفن رؤوسهم في الرمال إنكارا لما يحدث من باب المكابرة وتصفية الحسابات مع الكيزان، أو بدافع التعصب السياسي لحكومة قحت التي خذلت مناصريها قبل أن تفجع السودانيين بأداء باهت لم يرق لطموحاتهم وأحلامهم في التغيير".

وطالب السياسي، حمدوك بـ"الاستقالة"، قائلا: "بصراحة أكبر استفزاز للمواطن الآن هو استمرار الحكومة بحالتها الراهنة وكأن شيئا لم يحدث". 

محاولات حمدوك

منذ 23 يونيو/ حزيران 2021، تصاعدت الأحداث وطالبت تنسيقية "صوت الشعب" في الخرطوم، الحكومة الانتقالية بـ"الرحيل فورا"، معلنة أنها فقدت مشروعيتها بعد "فشلها الكبير" في ظل غياب "هيبة" الدولة والتردي في كافة جوانب الحياة، بالإضافة إلى تخبط سياسي مستمر. 

ودعت التنسيقية في مؤتمر جماهيري حاشد، إلى مليونيات تعقد كل الجمعة وتنطلق في كافة أنحاء العاصمة، تحت شعار "يا نحن يا الحكومة الفاشلة"، بحسب كلمة عضو التنسيقية وداد درويش، فيما شددت الأمانة العامة للتنسيقية أن "التصعيد والتتريس (الاعتصام) في الشوارع يكون سلميا حتى رحيل الحكومة".

بعدها مباشرة، حاول حمدوك من خلال إجراء استباقي، استيعاب الغضب وتجاوز الخطر، مطلقا في 22 يونيو/حزيران 2021، مبادرة من أجل "تحصين المسار الديمقراطي"، الذي أعقب الإطاحة بنظام البشير (1989- 2019).

وخلال مؤتمر صحفي في العاصمة الخرطوم، أعلن حمدوك مبادرته لمواجهة ما أسماه "تحديات كبيرة"، كالتدهور الاقتصادي والانفلات الأمني، إلى جانب غياب العدالة والخلافات بين القوى السياسية نفسها، علاوة على بطء تنفيذ اتفاق السلام مع الحركات المسلحة.

وقال حمدوك: إن "البلاد تعيش واقعا معقدا، وتشهد أزمة وطنية شاملة نجمت عن الفشل في تحقيق الإجماع الوطني الشامل منذ استقلال البلاد عام 1956"، مؤكدا أن "الشراكة تواجه تحديات وتشظيا عسكريا". 

ورجحت وسائل إعلام محلية بأن حمدوك لجأ لتلك المبادرة "بعد حالة خوف ويأس انتابته من الخلاف الداخلي للسلطة الذي يعيق حركته، ويعصف بمستقبل منظومته السياسي". 

كما أراد أيضا، وفق متابعين، تحميل المسؤولية لكل طرف، خصوصا للعسكر فيما يتعلق بالاضطرابات الأمنية والنزاعات القبلية، وللمدنيين فيما يخص عدم اكتمال هياكل السلطة، بما فيها البرلمان الانتقالي والمفوضيات المستقلة التي نصت عليها الوثيقة الدستورية في 2019.

واعتبروا أن هدف حمدوك وفريقه من ذلك أن "لا يجدوا أنفسهم أمام السيناريو المنتظر، الذي واجه نظام البشير عند عزله، ووضعه رموز حكمه في سجن كوبر بالخرطوم". 

إشارات العسكر  

الذي زاد من المصير المبهم لحكومة حمدوك، هو رد فعل المكون العسكري على حديث رئيس الوزراء، الذي ذكر وجود خلافات بين الجيش و"الدعم السريع" (تتبع الجيش ويقودها حميدتي).

وفي 23 يونيو/حزيران 2021، عقد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، البرهان، بمعية نائبه وقائد قوات الدعم السريع، حميدتي، اجتماعا بكبار الضباط.

ونفى البرهان وحميدتي، خلال الاجتماع، وجود أي خلافات بين القوتين، فيما صنف البرهان، أي حديث غير ذلك "كنوع من أنواع بث الشائعات وزرع الفتن بين مكونات المنظومة الأمنية"، فيما أوضح حميدتي أن الجيش والدعم السريع كلاهما تحت إمرة القائد العام و"عليهما مسؤولية تاريخية في الخروج بالبلاد إلى بر الأمان".

تصريحات البرهان وحميدتي كانت رسالة "تكذيب" واضحة لما جاء على لسان حمدوك بشأن القوات المسلحة، حيث تضامن مع هذه "الرسالة" أحزاب وقوى سياسية معارضة لحكومة "قحت"، وأبرزهم حزب "الأمة" بقيادة مبارك الفاضل المحسوب، وكذلك حزب"البعث"، واعتبرا في بيانين منفصلين، مبادرة رئيس الوزراء "عنوانا كبيرا لفشل الحكومة".

وقال حزب "الأمة" إن "الحلول التي اقترحها حمدوك جاءت قاصرة، ولا تتناسب مع حجم وعمق الأزمة السياسية والاقتصادية"، مطالبا بإعادة تأسيس السلطة الانتقالية "وفق اصطفاف وطني ينهي حالة الاستقطاب الحاد في السلطة السياسية بين مكونات الحرية والتغيير والقوى السياسية الأخرى".

كما دعا الحزب إلى "التوافق على ميثاق سياسي واقتصادي، ومهام محددة للفترة الانتقالية، وعلى إجراء انتخابات عامة في فترة لا تتعدى نهاية 2022، وتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة الحالية".

يذكر أن هيكلة القوات النظامية هي أحد مهام السلطة في فترة انتقالية بدأت في 21 أغسطس/آب 2019، وتستمر 53 شهرا تنتهي بانتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركت مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاقا للسلام، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وبدأت هذه المرحلة في أعقاب عزل قيادة الجيش، في 11 أبريل/نيسان 2019، لعمر البشير من الرئاسة، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية‎، وهي نفس الحالة المستمرة تحت مظلة حكومة حمدوك، بعد مرور أكثر من عامين.