يهدد تركيا.. من يقف وراء بقاء حزب العمال الكردستاني بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن تواجد حزب العمال الكردستاني ظاهرا في العراق، قبل اجتياح تنظيم الدولة لمحافظة نينوى شمال البلاد في يونيو/ حزيران 2014، وذلك بحجة الدفاع عن الأقلية الأيزيدية كواحدة من مكونات القومية الكردية.

لكن سرعان ما تحولت هذه الذريعة إلى وضع أول موطئ قدم في العراق للحزب القادم من تركيا، والذي تصنفه كل من أنقرة وبغداد وطهران بأنه منظمة إرهابية، مستغلا ضعف الدولة العراقية وحروبها ضد تنظيم الدولة.

وعلى الرغم من إعلان العراق في يوليو/ تموز 2017، انهاء تنظيم الدولة في نينوى (مركزها الموصل)، إلا أن حزب العمال الكردستاني بقي يملأ الفراغ الأمني عوضا عن القوات الرسمية العراقية في سنجار.

صدامات مع الجيش

وبين الحين والآخر تطفو قضية حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" على السطح، فقد وقعت في مارس/ آذار المنصرم صدامات عنيفة مع قوة من الجيش العراقي، قتل فيها عدد من الجنود العراقيين.

وقال الجيش العراقي في بيان، إن "اشتباكات مع مسلحي حزب العمال الكردستاني في سنجار، أدت إلى مقتل جنديين وإصابة خمسة مسلحين".

وأضاف، أن الاشتباكات وقعت بعد منع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من اجتياز نقطة تفتيش تابعة للجيش، مشيرا إلى أن المسلحين صدموا جنديا بسيارة وهاجموا نقطة التفتيش.

وبعد مضي ساعات من بيان الجيش، أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في مؤتمر صحفي، احتواء تطورات الاوضاع في قضاء سنجار، مؤكدا اتخاذ الاجراءات اللازمة، دون الكشف عنها.

ومع أن الجيش العراقي طالب حزب العمال الكردستاني بتسليم قتلة الجنود ومنحه مدة زمنية، إلا أن إعلان عبد المهدي التوصل إلى تهدئة أثار موجة من التساؤلات، حول التهدئة دون خضوع أي طرف لمطالب الآخر.

لكن وسائل إعلام محلية، ذكرت أن نائب رئيس قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس الرجل المقرب من إيران، وصل إلى سنجار في ساعة متأخرة من اليوم ذاته، قبل إعلان عبد المهدي في اليوم التالي.

ونقل موقع "الخليج أونلاين" عن مصدر مسؤول في محافظة نينوى قوله إن " دخول إيران على خط الوساطة لاحتواء الأزمة، أعاد الهدوء إلى سنجار".

وأضاف: أن "فريقا أمنيا إيرانيا وصل إلى العراق في الأيام الماضية، وأجرى اتصالات مكثفة مع جانبي النزاع، حيث التقى قيادات عليا في حزب العمال، الذي أكد للوفد رفضه تسليم عناصره الذين قتلوا الجنود".

وكشف الموقع أن "الوفد الإيراني قال لـ(العمال) إن الخيارات أمام الحزب ضيقة، وإن عليه دفع ثمن قتل الجنود العراقيين، وبخلاف ذلك سيكون الحل العسكري هو الخيار الأخير".

وأشار إلى أن "الإيرانيين توصلوا إلى حلٍّ يقضي بإيكال محاسبة القتلة إلى الحزب مقابل انسحابه من سنجار باتجاه مدينة السليمانية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الحليف التقليدي لإيران في المنطقة".

ورقة للضغط

وفي ضوء الصراعات الجاري في المنطقة، منها بين دول كبرى مثل أمريكا وروسيا، وتدخل فيها إيران وتركيا، ولاسيما المناطق التي تضم سوريا والعراق، يخل حزب العمال الكردستاني ورقة للغط بيد أطراف عدة.

وقال قائمقام قضاء سنجار العراقي محما خليل في تصريح لـ"الاستقلال" إن "عناصر حزب العمال الكردستاني لازالوا موجودين ويتحركون في سنجار، وطالبنا الحكومة العراقية بضرورة انهاء تواجدهم لما يسببه من مشاكل للمدينة".

وأوضح أن "عدم الاستقرار الأمني في سنجار سببه تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني سواء الذين جاؤوا من خارج الحدود، أم الموالين لهم من المواطنين بالداخل الموالين لهم والمنخرطين في صفوفهم تحت ذريعة سوء الظروف المعيشية، وقد تكون بسبب مرحلة للدفاع عن المنطقة".

ورأى المسؤول العراق أن "المرحلة اليوم تتطلب رحيل هؤلاء من سنجار، ومسكها من قوات الجيش العراقي والبيشمركة الكردية، لإعادة اعمار المدينة وعودة النازحين والمنظمات المسؤولة عن الاعمار".

وبخوص تاريخ تواجدهم في العراق، قال خليل: "لم يكن لهم وجود علني قبل عام 2004، ربما كانت لهم خلايا نائمة، لأن كل الأحزاب في المنطقة لها امدادات على شكل خلايا نائمة بسبب وجود مكون يدعون بالانتماء إليه (الأكراد)".

ولفت قائمقام سنجار إلى أن "دول المنطقة تستخدم هذه الأوراق (حزب العمال) فيما بينها، فقد تستخدمها إيران ضد تركيا أو العكس، فالصراع نعم موجود، صراع روسي أمريكي أيضا".

وأكد خليل أن "كل الجهات تسعى لاستثمار وجود حزب العمال الكردستاني وكذلك استغلال حالة عدم الاستقرار في سنجار لتحقيق مكاسب لها".

وأردف: "استثمرت قضايا الابادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم الدولة بحق أهالي سنجار، للدخول في قضايا أخرى. ونحن نرفض أن تستخدم مناطقنا معبرا لتصفية الحسابات السياسية، والحكومة العراقية ملزمة بالدفاع عنها وحمايتها".

صفقة إيران الرابحة

من جهته، قال محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، إن "حزب العمال الكردستاني، له دور كبير في عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى العراق وسوريا ومنها إلى الخليج العربي".

ورأى النجيفي أن "حزب العمال يعد بمثابة الصفقة الرابحة لطهران ولا يمكن التخلص منهم بهذه السهولة"، مشيرا إلى أن "إيران رفضت خروج الجناح العسكري للحزب (بي كاكا) من سنجار وبعض المناطق الأخرى التي يتواجد بها".

ونقلت وكالة "بغداد اليوم" عن النجيفي قوله، إن "وجود حزب العمال في تلك المناطق سبق وجود داعش، واستقوى في فترة دخول داعش بناء على خطة مسبقة، وحصل على فرصة كبيرة ليتغلغل في تلك المناطق".

وأضاف أن، "بعض الجهات العراقية وبدعم ايراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي - كردي على حساب الوطن، ايمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية".

وأكد محافظ نينوى السابق، أن "وجود الحزب في سنجار والمناطق الاخرى ينعكس سلبا على مجمل الوضع العراقي"، لافتا إلى أن، "هناك جهات تستفيد من وجود العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي العراقي السوري، لاستخدامهم في الصراع الإيراني الأمريكي في المنطقة، وأن المتضرر الوحد هو العراق".

تهديد لتركيا

ويشكل تواجد "العمال الكردستاني" في شمال العراق على الحدود مع تركيا، "شوكة خاصرة" لأنقرة، والتي تهدد على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان بتنفيذ عملية عسكرية في سنجار العراقية حفاظا على أمنها القومي.

وقال أردوغان في أكثر من مناسبة، إن أنقرة سوف لن تسمح بتحويل منطقة سنجار بشمال العراق إلى جبل قنديل ثان والذي يتمركز فيه أفراد تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".

وأوضح الرئيس التركي، إنه سيتم توسيع نطاق عملية درع الفرات التي كانت قد بدأت في الرابع و العشرين من أغسطس/آب 2016 بقيادة تركيا في شمال سوريا.

وتطرق إلى مكافحة الإرهاب في العراق، قائلا "سنواصل هذا الكفاح في كركوك والموصل و تلعفر وسنجار. وثمة مسعى لتحويل سنجار إلى جبل قنديل ثاني لتنظيم (بي كا كا). غير أننا سوف لن نسمح بذلك".

تشير التقديرات الصحفية إلى أن ألفا من مقاتلي حزب العمال جاؤوا من جبال قنديل؛ حيث معقله التقليدي بالمثلث العراقي التركي الإيراني إلى سنجار، إذ تخشى أنقرة من تحوله إلى قنديل آخر.

ونكاية بتركيا، كان ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، قد طالب الحكومة العراقية في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بالسماح لحزب العمال الكردستاني "بي كا كا" بافتتاح مكاتب له في بغداد والمحافظات.

وقالت عواطف نعمة، النائبة عن الائتلاف في بيان لها، إن "حزب العمال الكردستاني لا يشكل أي خطر على أمن العراق ولا علاقة له بالشأن العراقي بتاتا. ومن جهة أخرى فهو يخوض حربا ضد تنظيم الدولة المدعوم من حكومة أردوغان".

ولفتت إلى أنه "تم إغلاق مقرات هذا الحزب في بغداد في السنوات السابقة بضغط أمريكي تركي دون مبرر.. أما في إقليم كردستان، فما زالت سلطات الإقليم تمنع هذا الحزب من ممارسة أي نشاط سياسي وتقمع عناصره وتعتقلهم وخصوصا في أربيل ودهوك".

وكان حسن سعيد، قائد "وحدات مقاومة سنجار" في حزب العمال الكردستاني، قد أعلن في كانون الثاني/ يناير 2016، أن حكومة بغداد تزود عناصره بالرواتب الشهرية والاحتياجات اللوجستية للمقاتلين، كما أنها وافقت على طلب تزويدهم بالدبابات والمدافع والأسلحة الثقيلة.

وقال في تصريحات له، إنه تم الاعتراف بقوتهم (التابعة لحزب العمال الكردستاني التركي) رسميا من قبل الحكومة العراقية في شهر تموز/ يوليو 2016، وإنهم حاليا قوة عراقية في إطار الحشد الشعبي.

صراع يحصد الآلاف

شن حزب العمال الكردستاني، الذي نشأ في بدايته بأيديولوجية ماركسية لينينية، صراعا مسلحا ضد الحكومة التركية منذ عام 1984 وذلك في إطار مساعيه للحصول على دولة مستقلة للأكراد في تركيا.

وبحسب تقرير لـ"بي بي سي"، فقد لقي أكثر من 40 ألف شخص حتفهم منذ اندلاع الصراع بين الطرفين الذي وصل إلى ذروته أواسط تسعينيات القرن الماضي.

ودُمرت آلاف القرى الكردية في جنوب شرقي وشرقي تركيا، مما اضطر مئات الآلاف من الأكراد للنزوح إلى أجزاء اخرى من تركيا.

غير أن حزب العمال تراجع عن مطلبه الأولي باستقلال المناطق الكردية داخل تركيا، وصار يدعو إلى حصول الأكراد الأتراك على الحكم الذاتي.

وتلقى الحزب ضربة قاصمة عام 1999 باعتقال زعيمه عبد الله أوجلان، وسجنه في تركيا بتهمة الخيانة. وطلب أوجلان في عام 2013 بوقف إطلاق النار وحث الحزب على الانسحاب من المناطق التركية، في إعلان وصفه "بالتاريخي".

لكن وقف اطلاق النار انتهى عام 2015 عندما شنت تركيا غارات جوية ضد معسكرات حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، بعد قيام حزب العمال الكردستاني بقتل اثنين من رجال الشرطة في بيتيهما.