تقرير الحالة العربية: فبراير/شباط 2021

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

  • العراق

  • السعودية

  • الأردن

  • لبنان

المحور الثاني: الحالة السياسية

  • القضية الفلسطينية (مباحثات القاهرة – ضغط لإقحام محمد دحلان في المشهد الانتخابي – تدخل من دولة الاحتلال – انتخابات داخلية في حماس)

  • الحالة الخليجية (تباين واضح في علاقات ما بعد المصالحة – علاقات الدوحة بأنقرة وطهران)

  • الحالة السعودية (إنهاء الدعم الأميركي لحرب اليمن- التقرير الاستخباري الأميركي عن مقتل خاشقجي)

  • الحالة المصرية (تواصل متأخر مع واشنطن – معارضة بشروط السيسي – جدل حول قانون الأحوال الشخصية)

  • الحالة الليبية (انتخاب سلطة ليبية جديدة – تحديات أمام السلطة الجديدة)

المحور الثالث: الاقتصاد العربي

  • تعويم الجنيه السوداني

  • الأزمة المالية والاقتصادية في الكويت

المحور الرابع: الحالة الفكرية

  • في وداع طارق البشري.. القاضي والمفكر والمؤرخ

  • اليوم الدولي للغة الأم، وواقع لغتنا العربية


مقدمة

شهدت الفترة الماضية أكثر من متغير على الساحة العالمية والإقليمية، ربما يكون أبرزها في هذا السياق هو صعود جو بايدن إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة. وبالطبع فإن لهذا الحدث الجوهري انعكاساته على المنطقة العربية. فعلى الساحة السعودية، سحبت الولايات المتحدة دعمها لحرب اليمن، كما أفرجت عن التقرير الاستخباري المتعلق بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي. 

وفي مصر، أفرج رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، عن بعض المعتقلين السياسيين البارزين، كذلك تأخر أول اتصال بين النظام المصري وإدارة جو بايدن.

وفي ليبيا، تم انتخاب حكومة جديدة، إلا أنه بانتظار هذه الحكومة العديد من التحديات. وعلى الساحة الفلسطينية، اتخذت الفصائل بعض الخطوات التي أعطت انطباعًا عن جديتهم في عقد الانتخابات العامة؛ إلا أن هناك محاولات من بعض الدول إلى جانب إسرائيل للتأثير على الانتخابات. 

نرصد لكم في هذا الملف الموضوعات السابق ذكرها بشيء من التفصيل. كما نلقي الضوء على ما وصلت إليه المصالحة الخليجية حتى الآن.

وفي الجانب الاقتصادي، نستعرض القرار الذي صدر عن الحكومة السودانية بتعويم العملة الوطنية، كما نحاول سبر أبعاد الأزمة الاقتصادية والمالية في دولة الكويت. أما على الجانب الفكري، فنلقي الضوء على مناقب المستشار طارق البشري، الذي وافته المنية مؤخرًا بعد حياة حافلة بالعطاء في مجالات القضاء والفكر والتاريخ. كما نستعرض واقع اللغة العربية، ولهجاتها المختلفة، ونتحدث حول كيفية الارتقاء بها؛ وذلك بمناسبة اليوم الدولي للغة الأم. 

كذلك يستمر تقرير الحالة العربية في رصد مستجدات فيروس كورونا في المنطقة العربية، من حيث حالات الإصابة والتعافي، وما تتخذه الدول العربية المختلفة من إجراءات للحد من انتشار الجائحة. 


المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

نرصد خلال هذا الشهر انتشار الوضع الوبائي في أربعة من أولى الدول العربية في ارتفاع معدل الإصابات هي، العراق والأردن والمملكة العربية السعودية ولبنان، ومدى اتخاذ الإجراءات الوقائية لكلٍ منها، إضافة إلى اللقاحات المتوفرة ومدى فاعليتها في حصر الوضع الوبائي.

  • العراق

يستمر تصاعد حالات الإصابة في العراق خلال شهر فبراير/شباط 2021، ويصل العدد التراكمي للإصابات بفيروس كورونا هناك إلى 695489، شفي منهم 635931، وتوفي 1340.

كما تتزايد الأعداد بشكل بالغ في ظل انتشار السلالة الجديدة بالعراق، حيث أعلن وزير الصحة حسن التميمي، 15 شباط/ فبراير، تسجيل أولى الإصابات في البلاد، بالسلالة الجديدة من فيروس كورونا.

وذكرت وزارة الصحة في بيان لها، في 28 شباط/ فبراير، أن المؤشرات العلمية والدولية تؤكد سرعة انتشار السلالة الجديدة من فيروس كورونا التي دخلت العراق. وأضافت أن السلالة الجديدة تسببت بارتفاع أعداد الإصابات والوفيات والحالات الحرجة لدى الأطفال والشباب بالخصوص.

كما أعلن وزير صحة إقليم كردستان، سامان برزنجي، أن أغلب الإصابات الجديدة في الإقليم هي بالسلالة المتحورة، فيما أشار إلى أن معدل الإصابات ارتفع مؤخرًا. وقال برزنجي في تصريحات لوسائل إعلام كردية، إن معدل الإصابات بفيروس كورونا ارتفع بحدود أربعة أضعاف خلال أسبوع واحد مقارنة بشهر كامل مضى.

وذكرت سهام موسى، عضو لجنة الصحة والبيئة في العراق، في 25 شباط/ فبراير، أن الفيروس المستجد بدأ يغزو الكثير من دول العالم، وأن دخوله للبلاد مبعث قلق كبير خوفًا من حدوث كارثة صحية يصعب السيطرة عليها في ظل عدم توفر الإمكانيات والبنى التحتية الكافية لمواجهته، مطالبةً الجهات الحكومية باتخاذ الإجراءات الصارمة في المنافذ الحدودية بمختلف أشكالها.

في ذات السياق، أعلنت وزارة التربية والتعليم في العراق عن مشروع التلفزيون التربوي "مدرستي"، وذلك دعمًا للطلاب لتجاوز هذه المرحلة الاستثنائية. وأوضحت الوزارة أن المشروع الجديد يعد بروتوكولًا تعليميًا مركزيًا يُعتمد من قبل جميع المدارس الحكومية والأهلية. ولفتت إلى أنه "سيتم تسجيل وبث الدروس التعليمية للمراحل الدراسية كافة طيلة أيام الأسبوع وعلى مدى 24 ساعة". 

وفيما يخص اللقاح، فقد أعلنت وزارة الصحة في منتصف شباط/ فبراير الحالي، عن توفر ثلاثة ملايين جرعة من اللقاح الصيني بحد أقصى نهاية الشهر. وبالطبع، فإن الأوضاع تتطلب جهدًا مستمرًا من الحكومة لتفادي هذه الأزمة التي تتضاعف يومًا بعد الآخر. 

  • السعودية

عقد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة السعودية، د. محمد العبدالعالي، مؤتمرًا صحفيًا، في 28 شباط/ فبراير أعلن خلاله أن منحنيات الإصابة بفيروس كورونا المستجد تشهد تذبذبًا، موضحًا أن عدد الذين تلقوا لقاح الوباء في المملكة وصل إلى 780667 شخصًا.

وأضاف المتحدث الرسمي، أن إجمالي عدد حالات الإصابة المؤكدة في المملكة 377383 حالة، من بينها 2584 حالة نشطة ما زالت تتلقى الرعاية الطبية، ومعظم حالاتهم الصحية مطمئنة، منها 481 حالة حرجة، مشيرًا إلى أن عدد المتعافين في المملكة بلغ 368305 حالات.

ونوه إلى أنه خلال الأسبوع الأخير من الشهر، تم ضبط 43428 مخالفة للإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية ضد فيروس كورونا؛ حيث كانت منطقة الرياض الأعلى بـ17789 مخالفة، تليها منطقة مكة المكرمة بـ 10388 مخالفة، ومن ثم المنطقة الشرقية بـ4819 مخالفة، وكانت منطقة نجران الأقل بـ155 مخالفة. 

وذكر أن هذه المخالفات تنوعت بين عدم التقيد بارتداء الكمامة، وعدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي، ومخالفة لائحة الحد من التجمعات، وقال إنه سوف يتم تطبيق التدابير الخاصة على أي نشاط يتهاون في تطبيق البروتوكولات المعتمدة للوقاية من الفيروس. 

وفي مستجدات اللقاحات المتوفرة، أكد المتحدث الرسمي للهيئة العامة للغذاء والدواء تيسير المفرج، أن الهيئة تعمل حاليًا على دراسة وتقييم 4 لقاحات، وفي حالة قبول أي منها سيتم الإعلان عنه في حينه.

وأضاف أنه بعد استيفاء كل البيانات التي تصل لعشرات الآلاف من الصفحات يتم عرض اللقاح والبيانات والنتائج على لجنة علمية متخصصة، لإجازة اللقاح وتسجيله، وبعده يصدر القرار ببدء استخدامه أو رفضه وإعادته للمصنع.

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة السعودية أن عدد متلقي لقاحات فيروس كورونا تجاوز 600 ألف شخص، مؤكدة أن الوتيرة ستكون أسرع خلال الأيام المقبلة. 

في ظل هذا التحسن النسبي، أعلن مصدر بوزارة الداخلية السعودية، أنه ابتداء من يوم الأربعاء الموافق 31 من شهر آذار/مارس 2021، سيتم السماح للمواطنين بالسفر إلى خارج المملكة، ورفع تعليق رحلات الطيران الدولية، بشكل كامل، وفتح المنافذ البرية والبحرية والجوية، مع أخذ التدابير الاحترازية.

  • الأردن 

وفقًا للإحصائيات الأخيرة في المملكة الأردنية، فقد بلغ إجمالي عدد حالات الإصابة في المملكة إلى 391,090 حالة فيما يبلغ عدد الحالات النشطة حاليًا 37,790 حالة. فيما ارتفعت حالات الوفاة إلى 4701 حالة.

تزايدت أعداد مصابي كورونا، في الأردن، خلال هذا الشهر حتى وصلت إلى معدلات مقلقة بحسب، وزارة الإعلام الأردنية، ما دعا الحكومة إلى إعلان تطبيق الحظر الشامل ليوم الجمعة من كل أسبوع.

على أن تطبق ساعات الحظر بدءًا من الساعة العاشرة ليلًا من يوم الخميس وحتى السادسة صباحًا من يوم السبت، من كل أسبوع "حتى إشعار آخر"، مع فرض عقوبات مالية مُغلظة على المخالفين، إضافة إلى غرامة بقيمة 60 دينارًا أردنيًا (نحو 84 دولارًا أميركيا) لمن لا يرتدي الكمامة. 

كما قررت الحكومة كذلك تمديد ساعات حظر التجول اليومي الذي كان يفرض بين الساعة 12 ليلًا إلى السادسة صباحًا، لتصبح من العاشرة ليلًا حتى السادسة صباحا، بعد 6 أسابيع من إلغاء هذه الإجراءات التي استمرت لنحو عام كامل.

كما شمل القرار العمل بالحد الأدنى من الموظفين، بما لا يتجاوز 30 في المئة، اعتبارًا من الأحد 28 شباط/ فبراير، في الدوائر والمؤسسات الحكومية.

من جانبه أعلن وزير الصحة الأردني، نذير عبيدات، أن سبب القرارات يعود إلى "منع حدوث انتكاسة خطيرة" وبائيًا، والحد من انتشار فيروس كورونا قدر الإمكان، لافتًا أن السلالة البريطانية باتت السائدة في العاصمة عمان، وفي عدة محافظات أخرى قريبة منها.

وأضاف عبيدات أن هذا واقع وبائي صعب، تطلب إجراءات سريعة وحازمة، داعيًا الأردنيين إلى الالتزام بأعلى درجات الالتزام والتقليل من النشاطات خارج المنزل.

  • لبنان 

بلغ العدد الإجمالي للإصابات في لبنان، 376938، بعد زيادة عدد المصابين مع نهاية شهر شباط/ فبراير إلى 77925. كما بلغ العدد الإجمالي لحالات الوفاة 4692. 

وفيما يتعلق بالتدابير الاحترازية فقد أعلنت وزارة الصحة في 27 شباط/ فبراير عن وصول الشحنة الثالثة من لقاح فايزر إلى لبنان وتحتوي على 42120 لقاحًا، بحيث بلغ مجموع لقاحات فايزر التي تسلمتها الوزارة حتى الآن 101790 لقاحًا.

وكانت السلطات اللبنانية قد فرضت حالة طوارئ صحية تشمل حظرًا جزئيًا للتجوال وإغلاق المحال التجارية من 25 يناير/كانون الثاني، إلى 8 فبراير/شباط جراء ارتفاع إصابات كورونا، وذلك قبل أن تعلن التخفيف التدريجي لإجراءات الإغلاق على 4 مراحل.

وبعد حالات الجدل التي ثارت خلال شهر يناير/كانون الثاني عن اللقاحات ومدى فاعليتها، أعلن وزير الصحة اللبناني، د.حمد حسن، خلال مؤتمر خطة التلقيح، في 27 شباط/ فبراير، الخطة موضحًا أن من أهدافها تحقيق مستويات عالية من التلقيح في المجتمع التي تصل إلى حدود 80 في المئة خلال عام 2021، وتشمل النقاط التالية:

أولًا: تخفيف التفشي، أي حماية ما أمكن من الفئات المستهدفة الأكثر عرضة للخطر من الإصابة، وهنا تم أخذ معيارين: المعطيات العالمية الصحية والخصوصية اللبنانية باستهداف بعض الفئات الأكثر عرضة من حيث عدد الإصابات والوفيات، ثانيًا: تخفيف ما أمكن من الإصابات وبالتالي تخفيف العبء عن القطاع الصحي خاصة بوحدات العناية الفائقة، وثالثًا تخفيف عدد الوفيات. 

أما المبادئ العامة التي اعتمدت في الخطة، تتضمن وفق المعايير والمواثيق الدولية حرية الشخص بعدم إلزامية اللقاح بعد إجراء قاعدة استبيانات ومعطيات علمية تعطي للمواطن والفرد حرية أخذ القرار من دون أن يتأثر بمعلومات مغلوطة لضمان تأمين التغطية التي تستهدفها من خلال الخطة الوطنية، كما تساعد الأفراد على اتخاذ القرار المستنير بشأن تلقي اللقاح. 

ثالثًا: اللقاح سيكون مجانيًا عن طريق وزارة الصحة العامة ولن يكون هناك أي رسم مالي للحصول عليه حتى في مراكز التلقيح الخاصة، وفقًا لما ذكره البيان.

كما نشرت وزارة الصحة مراحل توزيع اللقاح على الشكل الآتي: 

المرحلة الأولى:

1- العاملون في ​القطاع الصحي​

2- الفئة العمرية 75 وما فوق

3- الفئة العمرية 65 للـ 74

4- الفئة العمرية 55 للـ64 التي تعاني من مرض مزمن

5- العاملون بفرق الترصد الوبائي في ​وزارة الصحة العامة​

المرحلة الثانية:

1- الفئة العمرية 50 للـ64 التي لم يشملها التطعيم سابقا

2- الفئة العمرية 16 للـ54 التي تعاني من مرض مزمن

3- العاملون في قطاع الرعاية الصحية الأولية

المرحلة الثالثة:

1- المعلمون والعاملون في ​المدارس​ والحضانات

2- العاملون المعرضون لانتقال العدوى

3- عاملون آخرون في الرعاية الصحية الأولية

4- الذين يعتنون بِأفراد من عائلاتهم بأعمار 65 وما فوق أو يعتنون بذوي الحالات الخاصة.


المحور الثاني: الحالة السياسية

  • القضية الفلسطينية

كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قد أصدر في 15 يناير/ كانون الثاني 2021، مرسومًا رئاسيًا يعلن فيه مواعيد إجراء انتخابات عامة على الساحة الفلسطينية، على أن تجرى الانتخابات على 3 مراحل، تشريعية في 22 مايو/ أيار، ورئاسية في 31 يوليو/ تموز، وانتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/ آب.

وكان هناك تباينًا نسبيًا في الآراء بين مختلف أطراف الساحة الفلسطينية. ففي حين رحبت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالخطوة، وأشارت إلى أن لديها المرونة الكافية لتذليل العقبات، وتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات بحرية ونزاهة، اعتبرت حركتا الجهاد الإسلامي و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أن إصدار مرسوم الانتخابات قبل الحوار الوطني لا يُشكّل ضمانة لإنهاء الانقسام، وعزت ذلك إلى أن أسباب الانقسام وما ترتّب عليه من وقائع لم يجرِ معالجتها وطنيًا، معتبرة أن الحوار هو الخطوة الأهم في هذا السياق.

وفي العموم، كان الوضع على الساحة الفلسطينية مرحبًا بالانتخابات، لكن مع وجود حذر وتخوف من أن تتعطل المسيرة قبل أن يتم عقدها. لذلك كان من الضروري أن تكون هناك مقدمات في طريق الوصول إلى العملية الانتخابية، بحيث يبدي كل طرف حسن نيته وجديته في الالتزام بالمسار الانتخابي. ويمكن القول إن الأطراف الفلسطينية بدأت في اتخاذ خطوات بالفعل في هذا السياق، خلال شهر فبراير/ شباط.

فخلال الشهر التقت وفود ممثلة لأطياف المشهد الفلسطيني في العاصمة المصرية، القاهرة - وعلى رأسهم حركتا التحرير الوطني فتح والمقاومة الإسلامية حماس- لمناقشة تفاصيل متعلقة بإجراء الانتخابات المزمعة. 

وفي نهاية اللقاء الذي عُقد على مدى يومين، اتفق الحاضرون على 15 نقطة، على رأس هذه النقاط هو تجديدهم الالتزام بإجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة سلفًا، في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام وقبول نتائجها.

كذلك اتفقت الوفود المشاركة على حيادية الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة، وعدم تدخلها في الانتخابات أو الدعاية الانتخابية لأي طرف. وعلى أن تتولى الشرطة الفلسطينية دون غيرها في الضفة وغزة بزيها الرسمي تأمين مقار الانتخابات، وأن يكون وجودها وفقًا للقانون. كذلك اتفق المجتمعون على إطلاق الحريات العامة، وإشاعة أجواء الحرية السياسية، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلّق بحرية الرأي.

كما كان أحد أهم ما اتفقت عليه الفصائل هو تشكيل محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق، من قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تتولى هذه المحكمة حصرًا دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها والقضايا الناشئة عنها، وأن يصدر الرئيس الفلسطيني مرسومًا رئاسيًا بتشكيلها وتوضيح مهامها استنادًا لهذا التوافق وطبقا للقانون.

وتعهد الحاضرون بتوفير فرص متكافئة في أجهزة الإعلام الرسمية دون تمييز لجميع القوائم الانتخابية، وإطلاق الحريات العامة، وإشاعة أجواء الحرية السياسية التي كفلها القانون، وضمان حق العمل السياسي والوطني للفصائل الفلسطينية كافة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إلى هنا يبدو أن هناك جوًا إيجابيًا آخذًا في الازدياد ولو نظريًا، ويبدو أن هناك عزمًا فلسطينيًا على إحراز تقدم، وإجراء هذه الانتخابات التي غابت قرابة 15 عامًا. ومما زاد من هذه الأجواء الإيجابية، هو إصدار الرئيس عباس مرسومًا يقضي بتعزيز الحريات العامة. حيث نص المرسوم على "تعزيز مناخ الحريات العامة في أراضي دولة فلسطين كافة، بما فيها حرية العمل السياسي والوطني". 

كما أكد "حظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال وكافة أنواع المساءلة خارج أحكام القانون، لأسباب تتعلق بحرية الرأي والانتماء السياسي". وتضمن المرسوم الذي جاء في 9 مواد، بندًا يتضمن "إطلاق سراح المحتجزين والموقوفين والمعتقلين، والسجناء على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي، أو لأسباب حزبية أو فصائلية". كذلك ورد فيه "توفير الحرية الكاملة للدعاية الانتخابية بأشكالها التقليدية والإلكترونية كافة، والنشر والطباعة وتنظيم اللقاءات والاجتماعات السياسية والانتخابية وتمويلها".

في المقابل، طلب رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، من حماس أن تفرج عن معتقلين سياسيين في قطاع غزة، لافتًا إلى أن عددهم 85 معتقلًا. وجاءت الاستجابة سريعًا من الحركة الإسلامية، حيث أطلقت وزارة الداخلية في قطاع غزة سراح 45 سجينًا ينتمون لحركة فتح. 

لكنها في الوقت ذاته، أكدت بشكل قاطع أنه لا يوجد لديها أي معتقل سياسي، أو سجين رأي أو على خلفية عمله التنظيمي أو الحزبي، وأشارت إلى أنها "ملتزمة فقط بحماية الأمن والاستقرار في قطاع غزة وحماية ظهر المقاومة".

وفي السياق ذاته، أكدت حركة حماس أن هذا الإجراء "أتى تعبيرًا عن حرص الحركة والأجهزة الحكومية في غزة على تهيئة المزيد من المناخات الإيجابية في ظل الاستعداد للانتخابات العامة". 

وبذات اللهجة طالبت حماسُ فتحًا بتهيئة مناخ إيجابي لتسيير الانتخابات بسلام، ووقف كل أشكال الملاحقة والتضييق والاستدعاءات، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، ورفع الحظر عن ممارسة الحريات الإعلامية.

ورغم هذا الجو الإيجابي، إلا أن هناك تخوفات من وجود العديد من الملفات المسكوت عنها، والتي قد تفخخ أي اتفاق بين الحركتين. ويقول مراقبون إن رغبة فتح وحماس في إنجاح الحوار بأي ثمن دفعتهما لتأجيل ملفات سياسية إشكالية معقدة لمناقشتها لاحقًا، مثل الانقسام وإصلاح منظمة التحرير. وأكد قانونيون أن بيان الفصائل لم ينجح في إزالة الألغام القانونية من الطريق، بل عمل على تسكينها ليس أكثر، دون أي ضمانات قانونية حقيقية.

ومن أهم النقاط الملغمة التي ذكرها المحللون هي النقطة العاشرة في البيان الذي أُصدر عقب مباحثات القاهرة، والتي نصت على تشكيل لجنة بالتوافق، تقدم تقريرها للرئيس، الذي يحيله لحكومة ما بعد انتخابات المجلس التشريعي للتنفيذ، وذلك لمعالجة إفرازات وترسبات الانقسام. إذ يرون أنه بدلًا من أن تكون الانتخابات مدخلًا لإنهاء الانقسام، فإنه قد تم تأجيله إلى ما بعد إجرائها.

وتقول إحدى وجهات النظر إن الانتخابات قد تعمل على تعميق الانقسام الفلسطيني وليس إنهائه، وبالتالي فإنه من المطلوب أن تعمل الأطراف المختلفة على ألا تقصي غيرها، حتى وإن كانت لها الغلبة في الانتخابات، حتى لا تتكرر تجربة انتخابات 2006، التي كانت سببًا رئيسًا في الخلافات الفلسطينية والاقتتال الداخلي. 

لكن من الضروري أيضًا الأخذ في الاعتبار أن الملفات متعددة، وأن هناك اختلافًا في الإستراتيجيات بين الفصيلين، كما أن الثقة ضعيفة بينهما. وبالتالي، فإن البدء بالملفات الأكثر خلافية قد يعطل الحوار من الأساس وينهيه في وقت مبكر. وربما الأكثر واقعية هو أن تتخذ خطوات تدريجية بين الطرفين لزيادة الثقة، وقطع الخطوات شيئًا فشيئًا على الطريق الطويل للمصالحة.

ضغط مصري أردني لإقحام دحلان

في سياق متصل، يبدو أن هناك خطة من أطراف عربية خارجية للتأثير على حركة فتح في إستراتيجيتها لخوض الانتخابات القادمة. حيث ذكر مصدر دبلوماسي عربي لموقع "عربي 21" أن مصر والأردن والإمارات يمارسون ضغوطًا على الرئيس عباس من أجل التصالح مع خصمه محمد دحلان، المطرود من حركة فتح، والذي يعمل حاليًا كمستشار لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ويريدون أن تتم هذه المصالحة قبل الانتخابات.

وذكر المصدر أن "زيارة مديري المخابرات الأردنية والمصرية في 17 يناير/كانون الثاني إلى رام الله ولقاءهما عباس، كانت تصب في هذا الإطار"، لافتًا إلى أن الزيارة كانت بعد يومين فقط من صدور المراسيم الرئاسية بإجراء الانتخابات.

وحسب المصدر، فإن هدف القاهرة وعمان وأبو ظبي من هذا الضغط، هو جعل عباس يخوض الانتخابات بقائمة موحدة، بما يضمن عدم انقسام حركة فتح على قائمتين، إحداهما على رأسها عباس، والأخرى يقودها دحلان. 

وبالتالي، فإن هذه القائمة الموحدة، ستعمل على تقوية موقف فتح، وإضعاف حظوظ حماس في الفوز. حتى إن المصدر عبر بالقول إن هذه الدول تعمل بشكل واضح على إدخال دحلان وتياره إلى الحياة السياسية، وتريد لهم أن يشاركوا في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهذا "ربما يؤدي إلى سحق حماس".

والحقيقة أن ضغوطًا كهذه متوقعة من الأطراف المذكورة سابقًا، حيث إنهم يعتبرون حركة حماس امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين، التي يحابونها في بلدانهم. لكن هناك شكوكًا حول مدى رضوخ عباس لمثل هذا الطرح. وفيما هو ظاهر، لم يستجب الرئيس الفلسطيني حتى الآن لهذه الضغوط، وربما يستمر على هذا الرفض لسببين.

الأول هو أن دحلان إذا عاد للساحة الفلسطينية الداخلية، فإنه سيشكل خطرًا على عباس نفسه، وعلى مستقبله ومستقبل تياره في السيطرة على مقاليد السلطة الفلسطينية؛ لذلك فإن خوف عباس من انقلاب دحلان عليه إذا أتيحت له الفرصة يمنعه من القبول بهذا الطلب. 

والسبب الآخر، هو أنه –فيما يبدو- أن هناك انطباعًا عامًا لدى فتح على وجه الخصوص، أن تكرار المشهد الذي حدث بعد انتخابات 2006 بات مستبعدًا، وأن حماسًا - حال فوزها- لن تُقدم على الانفراد بالمشهد وتنحية فتح، فضلًا عن أن قدرتها على فعل ذلك محل شك، بطبيعة الحال.

لكن تبقى الساحة السياسية الفلسطينية مفتوحة على كافة الاحتمالات، خصوصًا وأنه ما زال هناك قرابة الـ 3 أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية، المزمع عقدها في  22 مايو/أيار 2021. وقد تحدث تغيرات غير متوقعة تأخذ المشهد برمته في اتجاه آخر؛ لأن ما تم إنجازه حتى الآن ليس قائمًا على أساس قوي، يمنعه من الانهيار إذا تعرض للاختبار.

تدخل من دولة الاحتلال في الانتخابات

وبالطبع، فإن خطوة الانتخابات لم تكن لتمر بدون وجود عرقلة من دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي لا ترغب أن يتوحد الشعب الفلسطيني، أو أن يختار ممثليه. 

إذ شنت قوات الاحتلال، منذ يناير/كانون الثاني 2021 حملة اعتقالات واستدعاءات تطال قياديين وكوادر في حركة حماس، في الضفة الغربية، وذلك رغبة في إثنائهم عن الترشح في الانتخابات المزمعة.

من ذلك، جاء اعتقال القياديين البارزين في حركة حماس في الضفة الغربية، ياسر منصور، وعدنان عصفور، بعد مداهمة منزليهما. ثم اقتحام منزل وزير الأوقاف الفلسطيني الأسبق والقيادي بالحركة، نايف الرجوب. ورغم أن سلطات الاحتلال لم تعتقل الأخير، إلا أنها حذرته من الترشح في انتخابات المجلس التشريعي القادم.

وأفصح الرجوب للإعلام عن جزء من حواره مع ضابط المخابرات الإسرائيلي، حيث قال: إنه "أوصل لي رسالة، بأن ديمقراطية الاحتلال تسمح له بأن يزوّر صندوق الاقتراع وينتخب من يشاء بلا قيود، وأنا ممنوع من الترشح، وممنوع من تزكية أحد لذلك، أو العمل في الدعاية الانتخابية".

وصل التهديد كما يروي الرجوب، حتى إلى منعه من المشاركة بأي قائمة انتخابية حتى لو كانت عائلية، ويقول: "أَخبرتُ ضابط المخابرات بأنني أطمح للترشح، أنا وشقيقي جبريل الرجوب، في قائمة واحدة بتزكية من عائلتي، برفقة شخصيات من عوائل أخرى، فأتت إجابة الضابط: لجبريل الرجوب –أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح- أن يفعل ما يشاء، أما أنت فممنوع أن تترشح منعًا باتًا سواء مع الأحزاب أو العائلات".

في هذا السياق، أصدرت "حماس" بيانًا تستنكر فيه أفعال الاحتلال، واتهمته فيه بالسعي لإفساد الانتخابات. حيث جاء في البيان: "إن مواصلة الاحتلال حملة الاعتقالات بحق قيادات الحركة وأبنائها يؤكد نيته المبيتة لتعطيل الانتخابات ومحاصرة نتائجها قبل حدوثها، وهو ما يستوجب موقفًا وطنيًا وتدخلًا من الدول الضامنة لمسار الانتخابات".

وبعد مضي نحو أسبوع، أصدرت الحركة بيانًا مماثلًا، تتهم فيه الاحتلال بالسعي "لتفصيل الانتخابات الفلسطينية، ونتائجها على مقاسه". وفيما هو واضح حتى الآن، فإن حركة حماس تبدو وحيدة حتى الآن في معركتها هذه مع دولة الاحتلال، وربما تسعى الحركة لاستجلاب دعم دولي –من روسيا مثلًا، التي تعتبر أحد الضامنين لهذه الانتخابات- للضغط على الكيان الصهيوني لوقف هذه الحملة؛ إلا أنه ليس متوقعًا أن يرضخ الاحتلال لمثل هذه الضغوط إن حدثت.

انتخابات داخلية في حركة حماس

وكما أن هناك إعلانًا عن انتخابات فلسطينية عامة قادمة، فإن هناك انتخابات داخلية جارية في صفوف حركة حماس، في هذه الفترة. وقد أعلنت الحركة في 23 من شهر فبراير/ شباط الماضي، أنها انتهت من المرحلة الأولى منها.

وكان مصدر في الحركة قد كشف منتصف يناير/ كانون الثاني أن رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس يتنافس عليها 3 مرشحين، وهم رئيس المكتب السياسي الحالي إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، ورئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل.

ووفق المصدر، فإن هناك توافقات داخلية، لا سيما بين قيادات حماس في قطاع غزة والضفة الغربية تقضي بانتخاب هنية لدورة ثانية، في رئاسة المكتب السياسي للحركة، بينما يتم إسناد قيادة الحركة الإسلامية في الخارج إلى مشعل، واستمرار العاروري في الإشراف على الحركة في الضفة الغربية، وبالتالي استمراره في منصب نائب رئيس المكتب السياسي وفق النظام الداخلي للحركة.

والأيام القليلة القادمة كفيلة بإثبات صحة ما نقل هذا المصدر من عدمه؛ حيث إن "حماسًا" تطمح إلى أن تسرع إنجاز انتخاباتها الداخلية، كي يتسنى لها الاستعداد للانتخابات العامة.

  • الحالة الخليجية

بالتزامن مع توقيع الأطراف المشاركة في الأزمة الخليجية على "بيان العلا" في الرابع من يناير/ كانون الثاني، كانت هناك شكوك حول وحدة آراء رباعي دول الحصار (السعودية – مصر – الإمارات – البحرين) فيما يخص خطوة المصالحة مع قطر. وكانت هذه الشكوك لها ما يبررها؛ حيث إن اللهجة الإعلامية حينها كانت متباينة بشكل واضح، بين النوافذ الإعلامية التابعة لكل دولة. 

ففي حين جاء الإعلام السعودي مرحبًا بالتطورات الإيجابية في هذا الملف، وأوقف بشكل شبه تام أي انتقاد لدولة قطر، كان الإعلام المصري والإماراتي يتحينان الفرص لمهاجمتها، من باب أنها لم تنفذ المطالب الـ 13 التي قدمتها لها دول الحصار عند بدء الأزمة في 5 يونيو/ حزيران عام 2017.

أُضيف إلى ذلك مستوى الشخصيات التي حضرت من كل دولة للتوقيع على بيان العلا، ففي حين حضر عن قطر أميرها تميم بن حمد آل ثاني، وحضر عن السعودية ولي العهد محمد بن سلمان، تغيب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وأرسل بدلًا منه حاكم دبي محمد بن راشد. 

كما لم يحضر الملك البحريني حمد بن عيسى، وأرسل بدلًا منه ولي عهده، سلمان بن حمد آل خليفة. كذلك تغيب رئيس النظام في مصر عبد الفتاح السيسي، وحضر عنه وزير خارجيته سامح شكري.

هذا الحضور أعطى انطباعًا حينها أن الموقف السعودي، يختلف عن مواقف باقي دول الحصار، وأنه ربما توجد أسباب أجبرت باقي الدول على مجاراة المملكة في سياستها الرامية لإنهاء ملف الأزمة الخليجية. الآن، وبعد مرور نحو شهرين على توقيع بيان العلا، يمكن القول إن ما حدث خلال هذه الفترة يؤكد أن القاهرة وأبو ظبي ليستا على ذات الخط مع الرياض في هذا الملف.

فحتى الآن، عُقد لقاءان بين مسؤولين قطريين، وآخرين سعوديين. الأول كان في الدوحة، بين وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، سلطان بن سعد المريخي، مع القائم بالأعمال بسفارة السعودية لدى الدوحة علي سعد علي القحطاني. واللقاء الثاني عُقد في مدينة نيويورك الأميركية وجمع بين مندوب المملكة لدى الأمم المتحدة، عبد الله بن يحيى المعلمي، ونظيرته القطرية، علياء آل ثاني.

وحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، فإن الطرفين استعرضا خلال اللقاء العلاقات الثنائية، وسبل تعزيز التعاون والتنسيق في القضايا المشتركة بأروقة الأمم المتحدة. كذلك جرى اتصال هاتفي مؤخرًا بين الشيخ تميم، ومحمد بن سلمان، بعد أن أجرى الأخير عملية جراحية بالمنظار لاستئصال التهاب الزائدة الدودية.

وحسب بيان صادر عن الديوان الأميري القطري، فإن الشيخ تميمًا أكد "دعم دولة قطر الراسخ للسعودية حكومة وشعبًا، وعلى كل ما من شأنه تعزيز أمن واستقرار وسيادة المملكة الشقيقة، واعتبار استقرارها جزءًا لا يتجزأ من استقرار الدوحة ومنظومة مجلس التعاون الخليجي". كذلك أرسل الشيخ تميم برقية إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، هنأه فيها بنجاح العملية الجراحية لولي عهده، كما أرسل برقية مماثلة إلى ابن سلمان.

في المقابل، يظهر اختلاف الوضع إلى حد بعيد عند الحديث عن مصر والإمارات والبحرين. فإلى الآن، لم يجتمع أي من المسؤولين القطريين والبحرينيين، للتباحث حول الخطوات التفصيلية التي من المفترض أن تُبنى على بيان قمة العلا. وقد صرح وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني، في هذا السياق، أن قطر "لم تستجب" لدعوة وجهتها بلاده لبحث "القضايا العالقة"، معربًا عن استعداد المنامة لبدء "مباحثات جادة" مع الدوحة.

وحول أسباب تأخر اللقاء، قال الزياني في وقت لاحق: " اتضح من خلال المراسلات مع الأمين العام لمجلس التعاون، أن سبب تأخر الرد القطري، هو الإعلان إعلاميًا عن الدعوة الموجهة إلى وزارة الخارجية بدولة قطر لإرسال وفد رسمي لعقد المباحثات الثنائية بين البلدين في أسرع وقت تنفيذًا لما نص عليه بيان العلا".

وبجانب تأخر انعقاد أي اجتماع بين الطرفين بعد المصالحة، وجه مستشار ملك البحرين للشؤون الدبلوماسية خالد بن أحمد آل خليفة، انتقادًا طويلًا لدولة قطر في سلسلة تغريدات له عبر "تويتر". 

واستعرض المسؤول البحريني أحداثًا تاريخية عديدة، وجه من خلالها اتهامات لدولة قطر بتعطيل مسيرة مجلس التعاون الخليجي، إلى أن زعم أن الدوحة حاليًا تقتل وتصادر أملاك الصيادين البحرينيين.

وأنهى خالد بن أحمد تغريداته بأنه "إن أرادت قطر المحافظة على مسيرة المجلس وتطويرها، فعليها الالتزام بالمعاهدات التي وقعت عليها مع أشقائها، والكف عن تكرار مخالفتها، قبل أن تطالب باتفاقات جديدة ليس لها داع إلا إلغاء ما سبق وإضعاف مسيرة المجلس".

وفيما يخص مصر، عُقد اجتماع وحيد مؤخرًا بين وفد مصري وآخر قطري، لكنه لم يُعقد في القاهرة أو في الدوحة، بل تم عقده في الكويت. وحسب الخارجية القطرية، فإن الوفدين اجتمعا لوضع آليات وإجراءات المرحلة المستقبلية بعد بيان قمة العلا بالسعودية. 

وحسبما ورد في البيان، فإن الجانبين "رحبا بالإجراءات التي اتخذها كلا البلدين بعد التوقيع على بيان العلا، كخطوة على مسار بناء الثقة بين البلدين الشقيقين".

وبالطبع، فإن هناك دلالة لا تخفى من عقد اللقاء في الكويت، دون عقده في القاهرة أو الدوحة. لكن ما كان أكثر وضوحًا في هذا السياق، هو تصريح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن بلاده "ترصد وتوثق بشكل يومي كل ما يذاع على القنوات الإعلامية في دولة قطر حتى تكون محل مراجعة".

وبالطبع، فإن تصريحات شكري تشير إلى ضعف الثقة لدى القاهرة في إمكانية أن تحقق المصالحة ما يريده النظام المصري من الدوحة. وبالضرورة، فإن هذه التصريحات تعكس أيضًا قناعة النظام بأن فترة الحصار لم تؤت أكلها في جعل الدوحة تقبل بشروط الرباعي العربي.

وعن الإمارات، فإن الوضع شبيه إلى حد كبير بمصر، حيث اجتمع مسؤولون إماراتيون وآخرون قطريون مرة واحدة منذ توقيع اتفاق العلا في الرابع من يناير/ كانون الثاني. كما عُقد الاجتماع في الكويت أيضًا. 

ووفق وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام)، فإن الوفدين أكدا على "أهمية المحافظة على اللحمة الخليجية وتطوير العمل الخليجي المشترك بما يحقق مصلحة دول مجلس التعاون ومواطنيها، وتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة".

علاوة على ذلك، فإن الإعلام الإماراتي والمصري، ما زالا مستمرين في هجومهم على دولة قطر بشكل أو بآخر، وإن كان الأمر بوتيرة أعلى في القاهرة.

في المقابل، فإنه يمكن اعتبار أن نبرة الإعلام القطري لم تتغير تجاه مصر والإمارات، بينما أصبحت أهدأ نوعًا ما تجاه السعودية. وربما هذا يفسر أولويات صانع القرار القطري في ملف المصالحة. 

علاقات قطر مع تركيا وإيران

كان أحد الشروط الـ 13 التي اشترطتها دول الحصار على قطر لإعادة العلاقات إلى طبيعتها هو إغلاق القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية، وإلغاء التعاون العسكري مع تركيا. لكن من الملاحظ - حتى الآن – أن التعاون العسكري بين أنقرة والدوحة لم يتوقف، بل ربما تنامى خلال الشهرين الماضيين.

إذ أجرت قوات الشرطة العسكرية القطرية تمرينًا مشتركًا مع القوات المسلحة التركية، استمر لمدة 4 أسابيع. وذكرت وزارة الدفاع القطرية أن "التمرين استهدف رفع القدرات القتالية وتبادل الخبرات وتعزيز التعاون العسكري المشترك بين الجيش القطري ونظيره التركي".

وعلى المستوى الدبلوماسي، ما زالت العلاقات كذلك مستمرة، ولا يظهر أي تأثير سلبي للمصالحة الخليجية عليها، حتى الآن. 

وزار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الدوحة مؤخرًا خلال جولته الخليجية، التي شملت الكويت وسلطنة عمان أيضًا. وخلال الزيارة أجرى الوزير التركي نقاشات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. كما اجتمع بالشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الخارجية القطري.

وخلال اللقاء، أشاد الوزير القطري بالعلاقات الثنائية والتعاون الإستراتيجي بين الدوحة وأنقرة على كافة الأصعدة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أوغيرهما، كما وجه الشكر لتركيا لدعمها للمصالحة الخليجية. وفي المقابل، صرح تشاووش أوغلو من هناك بأن قطر قد "خرجت من الأزمة الخليجية أقوى"، وأكد على عمق العلاقات بين الطرفين، وأنها تزداد قوة وتطورًا.

وبخصوص العلاقات القطرية-الإيرانية، ففيما يبدو، ليس هناك تغير كبير على الجانب السياسي، حيث زار وزير الخارجية القطري، إيران منتصف شهر فبراير/ شباط حاملًا معه رسالة من الأمير تميم بن حمد إلى طهران. وخلال الزيارة، التقى الوزير بنظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، وبالرئيس الإيراني، حسن روحاني.

وحسب بيان للخارجية الإيرانية، فإن الجانب القطري نقل استعداد الدوحة لأداء دور لحل "القضايا العالقة (بين إيران والولايات المتحدة) ضمن مبادرات إقليمية".

وعلى هذا، يبدو أنه من الواضح حتى الآن أن قطر أبرز الرابحين من المصالحة الخليجية؛ حيث لم تُجبر الدوحة على التغيير من سياستها الداخلية أو الخارجية. لكنها في الوقت ذاته تعمل على تفعيل جوهر المصالحة مع السعودية، في الوقت الذي تسير فيه الأمور أبطأ فيما يخص الإمارات ومصر، وربما المسار الأبطأ في هذا السياق هو مع البحرين.

  • الحالة السعودية

لعب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الدور الأبرز خلال السنوات الماضية، في حماية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في أكثر من ملف. أبرز هذه الملفات هي اتهامه في جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية عام 2018، وحرب اليمن التي تحولت إلى كارثة إنسانية كبرى، وانتهاكات حقوق الإنسان في الداخل السعودي.

ومن الواضح أن هذه الحماية قد رُفعت –ولو جزئيًا- بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، إلى البيت الأبيض. فقد بدأ التوتر مبكرًا في العلاقات الأميركية-السعودية، وبدا أن الضغط الأميركي على ابن سلمان جاء سريعًا.

ففي ملف حرب اليمن، أعلن بايدن، سحب دعم بلاده للحرب بعد أن كان هذا موجودًا خلال فترة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، ومن بعده دونالد ترامب. وحسب تصريح لمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، فإن القرار يمس دعم واشنطن للعمليات الهجومية في الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين، ويشمل بيع الذخيرة الموجهة بدقة للسعودية والإمارات.

بعد ذلك بساعات، وفي توضيح للقرار بشكل أكبر، صرح المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، أن الدعم الذي أوقفته الولايات المتحدة هو "كل الدعم غير القتالي، بما في ذلك الاستخبارات وبعض الاستشارات والدعم التكتيكي"، هذا بالإضافة إلى حظر بيع الأسلحة، التي قد يتم استخدامها في الحرب اليمنية.

وفيما بدا أنه استباق من ابن سلمان، قبل أن يطاله الضغط الأميركي في ملف حقوق الإنسان، أفرجت السلطات السعودية عن الناشطة لجين الهذلول، التي اعتقلت في أيار/مايو 2018، قبل أسابيع قليلة من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، الأمر الذي كانت تطالب به الناشطة.

استقبلت الولايات المتحدة خبر الإفراج عن "الهذلول" بإيجابية، وعلق الرئيس بايدن على الحدث قائلًا إن إطلاق سراح لجين هو "الفعل الصحيح للقيام به"، مؤكدًا أنها أخبار مرحَّب بها. كما كتب جيك سوليفان، على تويتر: "مسرور للإفراج عن لجين الهذلول. هذا شيء جيد".

لكن ربما تكون المعضلة الكبرى في هذا الإطار، هي اتهام ابن سلمان، في جريمة قتل خاشقجي. حيث أفرجت الإدارة الأميركية الجديدة مؤخرًا عن التقرير الاستخباري حول مقتل الصحفي.

 واحتوى التقرير اتهامًا لولي العهد السعودي بأنه أمر بخطف أو قتل الصحفي المغدور، حيث جاء فيه: "نحن نقدر أن الأمير محمد بن سلمان وافق على عملية في إسطنبول بتركيا لاعتقال أو قتل جمال خاشقجي".

وأضاف: "نحن نبني هذا التقييم على سيطرة ولي العهد على صنع القرار في المملكة، والمشاركة المباشرة لمستشار رئيس وأعضاء من رجال الأمن الوقائي لمحمد بن سلمان في العملية، ودعم ولي العهد لاستخدام الإجراءات العنيفة لإسكات المعارضين في الخارج، بما في ذلك خاشقجي".

وربما لم يتضمن التقرير دليلًا ماديًا مباشرًا على أن ابن سلمان هو الآمر بقتل خاشقجي، وربما يكون كذلك من الصعب الوصول لمثل هذا الدليل؛ إلا أن التقرير تضمن استنتاجات مباشرة، مبنية على حقائق واقعية.  

من ذلك أن التقرير ذكر أن "الفريق السعودي المكون من 15 شخصًا، الذي وصل إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018 ضم مسؤولين عملوا أو كانوا مرتبطين بالمركز السعودي للدراسات وشؤون الإعلام بالديوان الملكي". وأنه "في وقت العملية، كان يقود المركز سعود القحطاني المستشار المقرب لمحمد بن سلمان، الذي ادعى علنًا منتصف عام 2018 أنه لم يتخذ قرارات دون موافقة ولي العهد".

كما ذكر التقرير أن "من ضمن هذا الفريق 7 أعضاء من نخبة عناصر الحماية الشخصية لمحمد بن سلمان، والمعروفة باسم قوة التدخل السريع، وهي مجموعة فرعية من الحرس الملكي السعودي، تتولى مهمة الدفاع عن ولي العهد، وتستجيب له فقط، وشاركت بشكل مباشر في عمليات قمع سابقة للمعارضين في المملكة وخارجها بتوجيه من ولي العهد". 

وأضافت الاستخبارات: "نحن نحكم أن أعضاء قوة التدخل السريع لم يكونوا ليشاركوا في العملية ضد خاشقجي دون موافقة محمد بن سلمان".

وبعد الإفراج عن هذا التقرير الاستخباري، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على قوة التدخل السريع السعودية المعروفة بـ"فرقة النمر"، التي تتبع ابن سلمان بشكل مباشر، وطالت العقوبات أيضًا، أحمد عسيري، النائب السابق لجهاز المخابرات السعودي. كما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حظر منح تأشيرات لـ 76 سعوديًا متهمين بـ"تهديد معارضين في الخارج".

وأوضح بلينكن أن الأشخاص السعوديين الـ 76 الخاضعين لقيود التأشيرات "يُعتقد أنهم شاركوا في تهديد المعارضين في الخارج، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر مقتل خاشقجي". كما أضاف أن الولايات المتحدة "لن تتسامح مع السعودية في انتهاكها لحقوق الإنسان".

ورغم ذلك، لا ترغب الإدارة الأميركية في خسارة المملكة كحليف إستراتيجي لها في المنطقة، وربما هذا ما يفسر أن العقوبات لم تشمل شخص ابن سلمان، رغم أن التقرير الاستخباري يتهمه بشكل واضح.

لكن هذا أيضًا لا يعني أن ملف قضية خاشقجي قد أغلق تمامًا بالنسبة لواشنطن، فاحتمال فرض عقوبات على ابن سلمان ما زال موجودًا، حتى وإن لم يتم حاليًا، خصوصًا وأن دوائر نفوذ في الولايات المتحدة ترى فيه أنه عامل فوضى لا استقرار؛ وذلك بسبب تدخلاته الخارجية المتهورة خلال السنوات الماضية. 

كذلك فإن بروز شخصيات من الأسرة السعودية المالكة، تطرح نفسها كبديل محتمل لابن سلمان، قد يساعد واشنطن على اتخاذ خطوات ضد ولي العهد. لكن على أي حال، فمن المؤكد أن الإدارة الأميركية ستستمر في الضغط على النظام السعودي خلال الفترة القادمة، وبالأخص في الملف الحقوقي في المملكة.

  • الحالة المصرية

التواصل المتأخر بين واشنطن والقاهرة  

بعد مرور أكثر من شهر على تولي الرئيس الأميركي جو بايدن، السلطة رسميًا، جاء الاتصال الرسمي الأول بالقاهرة من خلال مكالمة بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن.

تناولت المكالمة تأكيدًا على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتفاهم بشأن بعض القضايا الإقليمية، كما أبدت الخارجية الأميركية مخاوفًا بشأن ملف "حقوق الإنسان في مصر"، وأشارت إلى أن هذا الملف سيكون محوريًا في العلاقة بين البلدين.

وسبق أن أعلن وزير خارجية مصر سامح شكري، أن الموقف الأميركي لم يتضح بعد حيال بعض القضايا، مؤكدًا على العلاقة القائمة على نحو مستقر منذ عقود بين البلدين سواء في ظل إدارة جمهورية أم ديمقراطية

وهو ما عبر عن قلق وتحسب من القاهرة، ودعَّم هذا الخوف تأخر التواصل بين البلدين، وكون بايدن، نائب الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الذي كانت علاقته متوترة بالقاهرة معظم الوقت، بسبب الملف الحقوقي.

تناول الاتصال كذلك حديثًا حول ملف محاربة الإرهاب في سيناء، ودعم السلام في ليبيا، كما أبدت الخارجية الأميركية قلقها بشأن شراء مصر المحتمل لطائرات (سو ـ 35) من روسيا. 

وتتطلع مصر كذلك إلى دور أميركي فاعل في ملف سد النهضة، والذي يبدو أن الإدارة الأميركية قد أعادت النظر فيه، إذ أبطلت واشنطن قرار ترامب بتعليق المساعدات لإثيوبيا على خلفية سد النهضة.

العلاقات المصرية الأميركية لا شك متشابكة، وليس من السهل على أي طرف منهما انقطاعها بشكل كامل. لذلك، يبدو أن الإدارة الأميركية تحاول أن تحقق توازنًا بين مصالحها مع مصر، وبين المبادئ التي تعلن عنها، من تمكين للمجتمع المدني، وحفظ حقوق الإنسان، ونشر الثقافة الديمقراطية. 

وفي المقابل، يحاول النظام المصري أن يتجنب الصدام مع البيت الأبيض، وربما هذا يفسر الإفراج عن بعض معتقلي الرأي مؤخرًا كصحفي الجزيرة محمود حسين، وأستاذ العلوم السياسية حازم حسني. 

لكن في الوقت ذاته، يحاول النظام ألا يسمح بمساحة للمعارضة الجادة؛ حيث من الواضح أن من يسيطرون على الأمور الآن في القاهرة يعتقدون أن مثل هذه المساحة سوف تقود إلى مشهد مشابه لثورة يناير، وهو ما يعملون على تعطيله بكل تأكيد.

ويُتصور أن تستمر العلاقة بين البلدين في الفترة المقبلة، على خلفية المراقبة الأميركية لتطور الحياة السياسية في مصر ومدى فتح منافذ جديدة بها، وقدرة النظام أيضًا على خلق حالة معارضة- ولو غير حقيقية - من التدافع السياسي أو الحرية في الرأي، وليس من المنتظر أن يحدث تصعيدًا كبيرًا ما بين البلدين على المدى القريب.

معارضة بشروط السيسي

منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى سدة الحكم، فُتحت في أروقة الإعلام المصري أحاديث عن المعارضة ودورها وكيفية حلحلة الجمود السياسي في مصر، وهو ما يعكس تفاعل السلطة مع مستجدات المرحلة. وخرج رأس النظام الانقلابي في مصر ليناقش الأمر، لكنه –كالعادة- أخرج الحديث عن سياقه الطبيعي.

توجه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بحديث عن المعارضة ورؤيته لممارستها، منتصف شباط/ فبراير 2021 ، محددًا بحديثه شروطًا لمن يعارض، إذ يرى أن الحديث عن حقوق الإنسان ينبغي أن يكون حول حاجات الإنسان المادية، كما أن الأولوية –في نظره- ليست في عمل سياسي تعددي حقيقي.

وفي الحقيقة، فإن الإعلام المصري يعمل منذ فترة على تغيير مفهوم "حقوق الإنسان"، بحيث تنحصر الحقوق في المأكل والمسكن فقط. وبالطبع، فإن هذه الأمور وكافة المرافق هي حقوق إنسانية يجب أن تكفلها الدولة، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل غير ذلك من الحقوق الأصيلة كحرية التعبير واختيار الحكام، أو على الأقل منع الاعتقال التعسفي، والقتل خارج إطار القانون.

لم يكتف السيسي بتقييد حرية الرأي والعمل السياسي، بل قيد كذلك ما أباحه من الحديث عن سبل تحسين حياة المواطنين بقوله "يكون فاهم هو بيقول أيه". بمعنى أنه حتى في الجانب المعيشي -الذي يريد للشعب أن يركز عليه دون غيره- يضع قيودًا في الحديث حوله.

المتابع لتصريحات السيسي وخطاباته يجد أنه يجيد الهروب إلى مساحات أخرى غير التي ينبغي التوقف عندها. فعلى سبيل المثال، عندما تم ذكر الوضع الحقوقي في مصر أثناء لقاء له مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تهرب السيسي بمحاولة تصدير مفهومه الخاص عن حقوق الإنسان، الذي يحصره في الحاجات المعيشية للشعب. 

وفي المقابل، عندما سأل البعض عن تردي الحياة المعيشية للشعب، تذرع بالقول إن الكثافة السكانية هي السبب في عدم رؤية الإنجاز. من ذلك مثلًا، أن الحكومة قد اشتبكت مع الرأي العام خلال الفترة الماضية، في عدة قضايا منها، قضية التصالح على مخالفات البناء، وتسجيل العقارات بالشهر العقاري، وزيادة الأسعار، وضعف المنظومة التعليمية، وتردي قطاع الصحة. إلا أن إعلام النظام رفع من نبرته في الهجوم على الكثافة السكانية، ومعدل الإنجاب.

وبالطبع، فإن سياسة النظام في التهرب من الإجابة على أسئلة الشعب الرئيسة والملحة، تزيد من الغضب الشعبي تجاهه، والذي ربما يترجم لأفعال إذا سنحت له الفرصة.

وفي ظل وجود هذا الخط العام للنظام في التهرب من المشكلات، فإنه من الصعب وجود معارضة حقيقية للنظام أو حتى معارضة ورقية. 

والمتابع لمجلس النواب المصري في تشكيلته الجديدة، ومدى وجود معارضة في الهيئة المنتخبة الممثلة للشعب المنوط بها مراقبة الحكومة، يجد أن حزب مستقبل وطن -الممثل للسلطة- مستحوذ بشكل تام على أغلب المقاعد، حيث حصد 315 مقعدًا من إجمالي 560، غير ما حصل عليه المعينين من قبل السيسي. 

ما يعني أن الأحزاب الباقية الداخلة في تشكيل المجلس البالغ عددها 13 حزبًا لم يحصلوا سوى على فتات المقاعد، الأمر الذي يدلل على أن ملامح الفترة القادمة لن تختلف كثيرًا وفق هذه المعطيات الحالية.

جدل حول قانون الأحوال الشخصية

تقدمت الحكومة المصرية نهاية فبراير/شباط بمشروع قانون عن الأحوال الشخصية لمجلس النواب، وتضمن تعديلات على مسائل الحضانة، والرؤية، والخطبة، والحالات التي لا يجوز فيها الزواج، والعقوبات الجديدة المقررة على مخالفة القانون.

أبرز ما أثار جدلًا في الشارع المصري وفي الأوساط العلمية والإعلامية مسألة الزواج الثاني وإلزام الزوج ـ فبحسب القانون، يلزم الزوج بتقديم إقرار بحالته الاجتماعية حال الزواج الثاني، ويعاقب بالسجن والغرامة أي زوج يخفي زواجه الأول إذا أقدم على زيجة أخرى، ومعاقبة المأذون كذلك حال عدم إخباره الزوجة الأولى. 

أثار القانون مسألة مهمة وهي دور الأزهر، وهو المنوط به الفصل في الشؤون الدينية بحسب الدستور المصري، والتي من أهمها لا شك الأحوال الشخصية التي تنص عليها نصوص معتمدة في الشريعة الإسلامية، ما دفع البعض إلى القول أن مثل هذا القانون يجب أن يصدر عن مؤسسة الأزهر حصرًا، كما هاجم القانون عدد من علماء الأزهر وتوعدوا بالمقاضاة من أجل إبطاله. 

في غضون ذلك، أعلنت اللجنة الدينية بمجلس النواب مؤخرًا، إرسال مشروع القانون إلى الأزهر لمراجعته وأخذ الرأي في كافة التشريعات الجديدة، وسيتضح خلال الأيام القادمة ما سيدور بشأن هذا القانون ومدى قدرة الحكومة على تمريره رغم ما به من مخالفات شرعية وفق علماء الأزهر.

ويبدو أن نظام السيسي مصمم على تهميش دور الأزهر، وتنظيم حياة الأسر المصرية وفق رؤيته الخاصة، فعلى مدار سنوات طرح السيسي رأيه بشأن قضايا شرعية كالطلاق الشفهي، وسرعان ما استجابت له منصات تشريعية وإعلامية، غير أن المؤسسة الأزهرية كانت لها آراء مخالفة حول هذه الموضوعات، ومن الواضح أن سياسته تلك ستستمر خلال الفترة المقبلة.

  • الحالة الليبية

انتخاب سلطة تنفيذية جديدة برعاية أممية 

انتهى أعضاء ملتقى الحوار الليبي من مهمتهم بشأن اختيار السلطة التنفيذية المؤقتة، المنعقدة في جنيف برعاية الأمم المتحدة، بالإعلان عن فوز القائمة الثالثة، من بين القوائم الأربع المقدمة، والتي تضم كلًا من محمد يونس المنفي رئيسًا للمجلس الرئاسي، وموسى الكوني وعبد الله حسين اللافي كنائبين له، بينما يكون عبد الحميد محمد دبيبة، رئيسًا للحكومة.

انتُخبت القائمة الثالثة، بعد إعادة التصويت بين القائمتين الثالثة والرابعة، وذلك بعد فشل قائمة بعينها على حسم التصويت من الجولة الأولى والحصول على نسبة 60 بالمئة.

 وبعد إعادة التصويت حصلت القائمة الثالثة التي يترأسها المنفي، على 39 صوت من أصل 73 وهو إجمالي الأصوات. وحسب رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، فإن على رئيس الحكومة تشكيل حكومته في غضون 21 يومًا وعرضها على البرلمان. 

لاقت السلطة التنفيذية الجديدة ترحيبًا دوليًا وإقليميًا، حيث رحبت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا باتفاق الليبيين على السلطة التنفيذية، ووصفوا في بيان مشترك أعلنته الولايات المتحدة، اختيار سلطة موحدة بـ"الخطوة الحاسمة" نحو التوصل إلى حل سياسي تفاوضي وشامل، كما شددوا على ضرورة تحقيق الاستقرار وسحب القوات المرتزقة من البلاد.

كذلك أعربت ثمانية دول بينهم مصر والسعودية والإمارات، عن دعمهم السلطة الجديدة، وقالت الخارجية المصرية في بيان لها، إنها ترحب بنتائج التصويت وتأمل للتعامل مع الحكومة الجديدة لحين انتخاب السلطة الجديدة في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021. واعتبرت وزارة الخارجية التركية أيضًا أنها خطوة هامة على طريق الاستقرار في ليبيا. 

تحديات أمام السلطة الجديدة 

تواجه السلطة الليبية الجديدة تحديات على المستوى الداخلي، تتمثل في قدرتها على احتواء كافة أطراف المشهد الداخلي الليبي، وتوحيد الجيش تحت راية واحدة، وتثبيت وقف إطلاق النار، وإخراج المليشيات من الأراضي الليبيبة، كما أنها تواجه خلال مدة زمنية قصيرة مهمة الإعداد للانتخابات الشاملة المقرر انعقادها نهاية العام 2021. 

في هذا السياق دعا رئيس الحكومة الليبية المنتخب، عبد الحميد دبيبة، جميع الأطراف الليبية إلى الالتفاف حول الحكومة الجديدة، لخلق حالة استقرار وإنهاء النزاع وصولًا إلى انتخابات ديمقراطية نهاية العام، معربًا أنه على استعداد للتواصل والاستماع إلى الجميع.

ومن أهم التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، التعامل مع الدول التي انخرطت في النزاع الليبي خلال الفترة الماضية. فعلى سبيل المثال، ورغم ترحيب النظام المصري بالإدارة الليبية الجديدة، إلا أن التخوفات من الدور المصري في دعم الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، ما زالت قائمة، خصوصًا وأن العديد من التقارير كانت تشير إلى أن القاهرة دعمت في التصويت رئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، الذي يُعد الوجه السياسي لحفتر.

كما يعتبر البعض أن الظرف الإقليمي أقوى من أن يسمح للقاهرة بمعارضة التقدم الجاري على الساحة الليبية نحو الحل السياسي. 

من ذلك تصريح مدير مركز البحوث العربية والإفريقية، مصطفى الجمال، أن الترحيب المصري بالإدارة الجديدة جاء على مضض، ليتماشى مع الاتجاه الدولي، وخاصة موقف الولايات المتحدة بعد انتخاب جو بايدن رئيسًا.

لا شك أن مصر تمثل لاعبًا أساسيًا في ليبيا، حاليًا ومستقبلًا، حيث إنها – بحكم الجغرافيا- جزء من الأمن القومي المصري. وفي المقابل، تعد القاهرة جزءًا من أمن طرابلس.

 وبالتالي فإن من مصلحة الطرفين التواصل مع بعضهما، وربما تكون الحكومة الليبية أكثر حاجة لذلك في هذه الفترة، حيث إن الهدوء على الساحة الداخلية الليبية، وتقبل دول الجوار للعملية السياسية عامل مهم في إنجاز الانتخابات العامة القادمة. 

كما تواجه الحكومة تحديًا جادًا يتعلق بإخراج المرتزقة من الأراضي الليبية. فحسب إحصائيات، يتواجد حاليًا 20 ألف مرتزق، ولم يسجل منذ ذلك الوقت أي دليل على مغادرتهم للبلاد. ووفق إفادة مصدر من اللجنة المشتركة (5+5)، جاري البدء في نزع الألغام في ليبيا تمهيدًا لفتح الطريق الساحلي، وخروج المرتزقة والقوات الأجنبية بشكل نهائي.

لكن يبدو من المبكر الحديث عن خروج المرتزقة، نظرا لتجمد المسار العسكري مقارنة بالسياسي. ورغم المطالبات المتكررة بخروج المرتزقة، إلا أنه لا توجد خطة لانسحابهم، كما أن إشكالية تعريف "المرتزقة" وتحديدهم على وجه الدقة، ما زالت موجودة بين الشرق والغرب الليبي. وعلى ذلك يبدو أنه لا يوجد اختراق قريب فيما يخص هذا الملف، الذي يبدو أن القدرة على تحقيقه، تتجاوز إمكانيات الحكومة الجديدة.

وعلى هذا، يمكن القول إنه بعد عشر سنوات من النزاع في ليبيا، تعتبر هذه الخطوة عاملًا هامًا للدخول في مرحلة جديدة من البناء، ويتبقى مسؤولية أطياف الشعب الليبي المختلفة، هي الاتفاق على سياسة رشيدة للعبور بالبلاد نحو الانتخابات الشاملة نهاية العام، وتجاوز ما قد يعرقل هذه المسيرة.


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

الأزمة الاقتصادية العالمية تلقي بظلالها على المنطقة العربية، بسبب حالة التبعية التي تعيشها الاقتصاديات العربية للخارج منذ عقود، ولا يزال انخفاض سعر النفط في السوق الدولية، وكذلك التداعيات السلبية لأزمة جائحة كورونا تحيط باقتصاديات المنطقة.

وعلى الرغم من التحسن الطفيف في أسعار النفط بالسوق الدولية، حيث بلغ سعر البرميل قرابة 65 دولارًا، فإن التداعيات المالية والاقتصادية السلبية، تحول دون إمكانية أن تستعيد اقتصاديات المنطقة العربية حالة التعافي، بسبب الاختلالات الهيكلية للبنى الاقتصادية للدول العربية، وعدم امتلاك الاقتصاديات العربية للإستراتيجيات لمواجهة تقلبات الاقتصاد العالمي.

وخلال شهر فبراير/شباط، أمكن رصد حدثين مهمين، في المنطقة، وهما قرار البنك المركزي السوداني بتعويم سعر صرف الجنيه، وكذلك استمرار الأزمة المالية والاقتصادية في الكويت.

  • تعويم الجنيه السوداني تمهيدًا لاتفاق مع صندوق النقد الدولي

اتخذ البنك المركزي السوداني قرارًا بتعويم العملة المحلية، في إطار ما يعرف بالتعويم المدار، وذلك يوم 21 فبراير/شباط 2021، حيث تضمن بيان البنك المركزي الإعلان عن هذه الخطوة، والمبررات التي دفعت إليها، وكذلك الثمار المنتظر تحقيقها.

ووصف وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم اقتصاد بلاده، بأنه يعاني من اختلالات هيكلية مزمنة، تتمثل في العجز الكبير بالموازنة العامة، وكذلك العجز المستمر في ميزان المدفوعات، وهو ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم، وتآكل سعر العملة الوطنية، مقابل العملات الأجنبية.

ولم تكن خطوة تعويم الجنيه السوداني، أو توحيد سعر الصرف كما سماه البعض، مفاجئة، فكان المخطط لها أن تنفذ في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، إلا أن حالة عدم الاستقرار السياسي حالت دون ذلك.

وفي الساعات الأولى بعد إعلان البنك المركزي لقرار تعويم العملة الوطنية، تم تحديد سعر صرف استرشادي من قبل البنك المركزي، بنحو 375 جنيه للدولار، بينما قبل قرار التعويم، كان سعر الصرف بالبنوك 55 جنيه، في حين أن السعر بالسوق السوداء، أو الموازية كان بحدود 400 جنيه للدولار.

ويعاني السودان منذ فترة طويلة من أزمة اقتصادية حادة، تتمثل مظاهرها في نقص حاد في الخبز والوقود والكهرباء والدواء، في بلد يصل عدد سكانه إلى نحو 45 مليون نسمة، وترتفع فيه معدلات التضخم بسبب هذه الأزمة إلى ما يزيد عن 300 بالمئة.

إلا أن كلًا من محافظ البنك المركزي الفاتح زين العابدين، ووزير المالية جبريل إبراهيم، يأملان بأن تحقق خطوة تعويم العملة آثارًا إيجابية تتمثل في تحويل العملات الصعبة من السوق السوداء إلى السوق الرسمية في البنوك المختلفة، والحد من المضاربات على سعر الصرف، وكذلك جذب تحويلات المغتربين من أبناء الشعب السوداني.

 والتي كانت تتدفق إلى السوق السوداء مستفيدة من فارق سعر الصرف الكبير، وكذلك يأمل السودان في أن تؤدي خطوة تعويم العملة الوطنية، إلى جذب الاستثمارات الأجنبية.

وفي هذا الإطار أشار محافظ البنك المركزي، إلى أن السودان سيسمح للجهاز المصرفي أن يعمل في إطار نظام مزدوج، إسلامي وغير إسلامي، من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، وتلبية احتياجات الشركات القادمة من الخارج.

وحسب بيان البنك المركزي السوداني وضعت مجموعة من الضوابط للتعامل في النقد الأجنبي، من بينها السماح للمسافرين بحمل مبلغ ألف دولار نقدًا فقط، وينتظر أن تؤدي الخطوة التي اتخذها البنك المركزي بتعويم سعر صرف العملة الوطنية، إلى زيادة العرض من النقد الأجنبي، وبالتالي تهدئة المضاربات، وإمكانية الوصول لسعر صرف مستقر، وإن كان يعكس ارتفاعًا كبيرًا لسعر صرف الدولار أمام الجنيه السوداني، وثمة توقعات بأن يصل احتياطي النقد الأجنبي للبلاد إلى 5 مليارات دولار.

إلا أن هذه الخطوة أتت وفق شروط المانحين من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وأميركا، وذلك من أجل حصول السودان على المنح وبرامج المساعدات، وكذلك حتى يمكن استفادة السودان من مبادرة "الدول الفقيرة المثقلة بالديون" وهي قضية مهمة.

إذ تقدر ديون السودان الخارجية بنحو 60 مليار دولار، أكثر من 50 بالمئة منها عبارة عن فوائد متأخرة، بسبب عجز الخرطوم عن سداد ديونها، على مدار 3 عقود مضت.

وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت عن تبني برنامج لدعم الفقراء، لمواجهة التداعيات السلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي بسبب الأزمة الاقتصادية.

 ويأتي هذا البرنامج من خلال مبادرة "ثمرات" والتي يخطط لها أن تغطي نحو 80 بالمئة من الشعب السوداني، ويفترض أن تبدأ في 4 ولايات فقط، من بين ولايات السودان البالغة 18 ولاية. ويقدر أن يصرف لكل فرد نحو 5 دولارات شهريًا.

ويلاحظ أن الأرقام المذكورة تعكس العديد من المؤشرات السلبية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي في السودان، منها: ارتفاع معدلات الفقر بشكل كبير، فكون عدد المستفيدين من هذه المبادرة يمثل 80 بالمئة من سكان البلاد فهذا يعني أن هذه هي النسبة الحقيقية للفقر هناك.

مخاوف التعويم

ثمة تخوفات عدة جراء اتخاذ البنك المركزي السوداني قرارًا بالتعويم المدار للعملة الوطنية، وأولها ما يتعلق من عدم توفير غطاء كاف من النقد الأجنبي يمكن البنك المركزي من تنفيذ آلية التعويم المدار، إلا أن البعض يتحدث عن اتفاقيات للمنح والمساعدات تقدر بنحو 5 مليارات دولار، ولكن حقيقة الأمر أن هذه المبالغ الخاصة بالمنح والمساعدات مجرد وعود، لم تدخل حيز التنفيذ بعد.

الأمر الثاني أن قرار التعويم، سيرفع فاتورة الواردات بشكل كبير، وهو ما يعني أن معدلات التضخم، مرشحة للمزيد، لتتجاوز المعدلات الحالية المقدرة بنحو 300 بالمئة، وفي ضوء ذلك تصبح مبادرة "ثمرات" لدعم الفئات الفقيرة، بلا جدوى، ولن تغطي سوى نسبة ضئيلة من احتياجات المواطنين. 

وثمة تخوفات أيضًا من أن تؤدي خطوة التعويم المدار للجنيه السوداني إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وبخاصة تلك التي تتعلق باستيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج، وقد يؤدي ذلك إلى ركود داخل هذه القطاعات، وتسريح العمالة، وما يتبع ذلك من ارتفاع معدلات الفقر.

وقد يكون من المناسب هنا أن الدول التي استفادت بشكل كبير من انخفاض قيمة عملتها في تحسين وضعها في التجارة الدولية، كانت معدلات تخفيض عملتها بنسبة لا تتجاوز الـ 40 بالمئة مثلًا على اقصى تقدير، كما حدث في أزمة دول جنوب شرق آسيا في عام 1997.

 ولكن الوضع في الخرطوم شهد تخفيضًا كبيرًا يتجاوز نسبة 500 بالمئة، ومن الصعوبة بمكان أن يكون لدى السودان مقدرة إنتاجية وتصديرية تتسم بالمرونة التي تؤهلها للتأقلم مع هذا التعويم.

فالأمر كان يحتاج لفترة انتقالية، لبناء قواعد إنتاجية تستفيد من الفرصة، لكي لا تتحول إلى أزمة، وبخاصة أن السودان الآن يعاني من عجز تجاري سنوي يقترب من 6 مليارات دولار.

ومن أهم المخاوف التي تثار في السودان، ما يتعلق بأصحاب الدخول الثابتة، والذين يغلب عليهم العاملون بالحكومة والقطاع العام السوداني، حيث لن تستطيع الحكومة تعويضهم بشكل مناسب في المرتبات بشكل يتناسب مع حجم التخفيض الذي تم في قيمة الجنيه، بسبب التعويم.

 فهؤلاء حتى تتحقق لديهم حالة من التوازن المالي في ظل التعويم، ينبغي على الحكومة أن ترفع رواتبهم بنسبة لا تقل عن 350 بالمئة، وهو أمر مستحيل في ظل الأوضاع المالية والاقتصادية التي يمر بها السودان الآن.  

وقد يكون من المفيد في ختام تناول الشأن الاقتصادي السوداني، أنه من الأهمية بمكان، أن يصاحب ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي، مكافحة حقيقية للفساد، حيث إن السودان يصنف على أنه ضمن أكبر 10 دول فسادًا في العالم، وذلك منذ سنوات.. يتطلب هذا الأمر رقابة مالية شديدة، وسيادة دولة القانون وحياة ديمقراطية حقيقية.

  • الأزمة المالية والاقتصادية في الكويت

على الرغم من أن الكويت تعتبر من الدول النفطية التي تتمتع بوضع مالي جيد، بسبب التدفقات النفطية، على مدار السنوات 2003 - 2014، والتي كانت سببًا في تراكم أصول رأسمالية في صندوقها السيادي فاقت الـ 500 مليار دولار، إلا أنها تعرضت لأزمة عنيفة شملت الجانب المالي والاقتصادي، في ظل الأزمة المزدوجة لانهيار أسعار النفط، وجائحة كورونا.

وفي إطار مواجهة الأزمة في بداية عام 2020، تم تسريح نسبة كبيرة من العمالة الوافدة للبلاد، كما جرى تقليص كبير للنفقات العامة المتعلقة بالاستثمار، وإغلاق كامل لفترات طويلة، أثرت بشكل كبير على مختلف مظاهر النشاط الاقتصادي بالكويت، باستثناء قطاعي الغذاء والدواء.

كما أوقفت الحكومة الكويتية، ما يتعلق بإلزامها بتحويل أموال إلى صندوق الأجيال القادمة، واضطرت إلى سن قانون، يعفيها من الالتزام بعمليات التحويل المالي المنتظم إلى هذا الصندوق، إلا إذا تحقق فائض في الميزانية.

وبطبيعة الحال، فإن الإيرادات النفطية للكويت تأثرت بشكل كبير منذ بداية عام 2015، وزادت بشكل كبير في ضوء، سياسات أوبك بالالتزام بتخفيض سقف الإنتاج من أجل الحفاظ على المعروض بالسوق من النفط، حتى لا تشهد السوق الدولية للنفط، المزيد من الانهيار.

 والمعلوم أن الكويت تم تخفيض حصتها من الإنتاج إلى 2.2 مليون برميل يوميًا بعد أن كان 3.12 مليون برميل يوميًا. 

ولم يقتصر الأمر على مجرد تخفيض حصة الإنتاج، ولكن كان هذا مقرونًا بانخفاضات حادة خلال عام 2020، بسبب كورونا، وكذلك حرب الأسعار التي شهدتها السوق بين روسيا والمملكة العربية السعودية، مما أدى إلى تأثير سلبي كبير على الإيرادات النفطية للكويت.  

وتمثلت الأزمة المالية بالكويت في عدة مظاهر، منها تصريح وزير المالية الكويتي خليفة حمادة في مطلع شهر فبراير/شباط 2021، بأن بلاده تعاني من اختلالات هيكلية تتعلق بالإيرادات والمصروفات السنوية أدت إلى قرب نفاد السيولة في خزينة الدولة. وكان ذلك التصريح في إطار تعليقه على ما نشرته وكالة "فيتش" من تراجع التصنيف الائتماني للدين السيادي للكويت من مستقرة إلى سالبة.

وحسب ما نشرته وسائل الإعلام عن الوضع التمويلي في العام المالي 20/2021، والذي ينتهي في 31 مارس/آذار 2021، قد شهد مسحوبات من صندوق احتياطي الأجيال بنحو 24.7 مليار دولار، وذلك لتغطية العجز بالميزانية العامة للبلاد، والذي قدر بنحو 17.8 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي

وقد لا تختلف الكويت في هذا الأمر عن باقي الدول النفطية الخليجية، حيث لجأت جميعها إلى السحب من صناديقها السيادية لتمويل عجز الميزانيات العامة، بل لجأت كذلك إلى الاستدانة من السوق الدولية للسندات.

 وهو ما لجأت إليه الكويت أيضًا حيث أصدرت سندات بنحو 14.1 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2020، والذي يعتبر من أكبر معدلات إصدار السندات من بين دول الخليج خلال تلك الفترة.

ولم يكن هذا هو التصريح الوحيد لوزير المالية الكويتي حول تراجع الوضع المالي لبلاده، ولكن في الأسبوع الأخير من فبراير/شباط 2021، صرح كذلك بأن بلاده تتوقع عجزًا تراكميًا خلال السنوات الخمس القادمة (20/2021 – 24/2025) يفوق الـ 55 مليار دينار كويتي (ما يعادل 181.5 مليار دولار).

 وقدر أن تكون المصروفات خلال هذه الفترة بنحو 114.1 مليار دينار كويتي، منها ما يخص الرواتب والدعم بنحو 81 مليار دينار كويتي.

ومن خلال تصريحات الوزير يظهر لنا مدى الخلل في الهيكل المالي للميزانية الكويتية، فنحو 71 بالمئة من إجمالي المصروفات نفقات جارية، ولا بد أن نأخذ في الاعتبار طبيعة المعادلة الاجتماعية التي تحكم العلاقة بين حكومات الدول النفطية ومواطنيها ومن بينها الكويت.

إذ أن الدولة حريصة على تقديم رواتب جيدة لمواطنيها، سواء كانوا في وظائف حقيقية أو صورية، كما أنها تحرص على تقديم الدعم لكافة السلع والخدمات، من تعليم وصحة، والمياه والغاز والكهرباء.  

غياب الشفافية

لم تكن الكويت استثناء من دول العالم أجمع، من حيث مرورها بأزمة مالية واقتصادية في ظل الأزمة المزدوجة لانخفاض أسعار النفط، وجائحة فيروس كورونا، ولكن المثير للانتباه هنا، هو غياب الشفافية في معالجة الوضع المالي في الدولة الخليجية، وبخاصة فيما يتعلق بوضع الصندوق السيادي.

فالأصل أن تفصح الدول عن وضعها المالي، لتبين ما تعرضت له من أزمات، وكيف سيتم معالجتها، من خلال السياسات والبرامج المطلوبة، أسوة بغالبية الدول التي تظهر وضع صناديقها السيادية من حيث تحقيقها لأرباح أو خسائر، كما تفعل النرويج كل عام، وهي صاحبة أكبر صندوق سيادي في العالم.

ولكن الوضع في الكويت مختلف، على الرغم من أنها تعيش تجربة برلمانية ملفتة للنظر، ولكن وضع الميزانية العامة للدولة، يناقش في برلمان الكويت في جلسة مغلقة، مما يؤدي لعدم إلمام المواطن الكويتي بحقيقة الوضع المالي.

فالمفترض أن الصندوق السيادي لديه مرونة عالية في تسييل بعض أصوله، بحيث لا يعرض البلاد لأزمة مالية، مثل تلك التي مرت بها الكويت، للدرجة التي يتم الحديث فيها عن وجود أزمة في توفير السيولة اللازمة لدفع الرواتب، أو تلك التي تدفع مؤسسة "فيتش" لتخفيض التصنيف الخاص بوضع الدين السيادي للكويت من حالة مستقرة إلى حالة سالبة. 


المحور الرابع: الحالة الفكرية

يتناول المحور الفكري هذا الشهر، موضوعين؛ الأول: في وداع طارق البشري.. القاضي والمفكر والمؤرخ

المستشار طارق البشري علامة مضيئة في حياة الأمة المصرية والعربية والإسلامية، انتقل إلى رحمة الله تعالى، في شهر فبراير/شباط، بعد حياة حافلة بالعطاء في مجالات: القضاء والفكر والتاريخ. 

أثرى المكتبة العربية والحياة الفكرية والثقافية، بكتبه ومحاضراته، ومواقفه، وتربَّع في قلوب الناس بما اتصف به من أخلاق وعلم وفكر وكفاح. أيّد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وعارض الانقلاب العسكري.

والثاني اليوم الدولي للغة الأم وواقع لغتنا العربية، حيث اختارت منظمة اليونسكو 21 فبراير/ شباط من كل عام للاحتفال باللغات الأم، ودعمت التنوع اللغوي وشددت عليه.

جاء ذلك بعد ما تعرضت له بنغلاديش بشأن لغتها البنغالية، وبهذه المناسبة ما هو واقع اللغة العربية؟ وكيف نرتقي بها في ظل تحديات اللغات الأجنبية، واللهجات المحلية في الوطن العربي؟ 

أولاً: في وداع طارق البشري.. القاضي والمفكر والمؤرخ

رحل عن عالمنا، يوم الجمعة الموافق 26 فبراير/شباط 2021، المستشار الجليل طارق البشري - القامة العظيمة - بعد حياة مليئة بالعطاء؛ فهو الفقيه الدستوري، والمفكر الألمعي، والمؤرخ ذو البصيرة والرؤية، الذي استطاع أن يستخدم التاريخ بكفاءة لبلورة القضية الوطنية. 

أثرى الحياة القضائية والثقافية والعامة بمؤلفاته ومحاضراته. وهو من الشخصيات الفكرية الوطنية الوازنة. وصفه محبوه وتلامذته بالحكيم البشري، وهو صاحب مشروع "التيار الأساسي للأمة"، الذي أراد به توحيد جهود كافة القوى السياسية على اختلاف مشاربها. 

نسبه وتعليمه ومنصبه

هو سليل عائلة عرفت بالاشتغال بالعلوم الإسلامية والقانون؛ فجده هو الشيخ سليم البشري، الذي تولى مشيخة الأزهر، من عام 1906 حتى وفاته عام  1916. ووالده هو المستشار عبد الفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته عام 1951. وكان أحد أعمامه وهو عبد العزيز البشري أديبا.

ولد طارق عبد الفتاح سليم البشري في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1933، بحي الحلمية في القاهرة، وينحدر من أسرة البشري التي ترجع إلى "محلة بشر" في مركز شبراخيت بمحافظة البحيرة.

وتخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1953، وعيِّن بعدها في مجلس الدولة، واستمر به حتى تقاعده عام 1998. بعد أن ترك إرثا من الفتاوى والآراء الاستشارية. وشغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الدولة المصري، ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع عدة سنوات، ورئيس لجنة التعديلات الدستورية في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. 

بدأ تحوله إلى الفكر الإسلامي بعد هزيمة 1967، وكانت مقالته "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي" أول ما كتبه في هذا الاتجاه.

عهد ووفاء

روى عن نفسه - في درس بليغ مؤثر- أنه بقي سنتين بعد تعيينه في مجلس الدولة يتحسس طريقه ليرى أيكون قاضيا صالحا أم لا؟ أيؤدي – أو يستطيع أن يؤدي- في مهنة القانون شيئا نافعا أم لا؟ 

قال: "وحين بلغت الثانية والعشرين كنت قد اطمأننت على مسيرتي، فخرجت ذات يوم من مكان عملي إلى مسجد السادة المالكية، حيث قبر جدي الشيخ سليم البشري، وصليت هناك- في المسجد- ركعتين، ودعوت الله أن يوفقني، وعاهدته بعهد موسى عليه السلام:" ربِّ بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين" (القصص:17).

الملامح العامة لفكرة التيار الأساسي في الأمة (المشروع الوطني العام للأمة):

قدَّم المستشار طارق البشري – رحمه الله – ملامح المشروع الوطني للأمة. تجتمع عليه كل القوى الوطنية في مصر، وبخاصة التياران الإسلامي والقومي.

 يقول عنه: " إن التيار الأساسي ليس فكرة عرضية مسقطة، وإنما هي نتاج لاستقراء تجربة سياسية واسعة، ذات مكونات وعوامل متنوعة. إن فكرة التيار الأساسي فكرة يستعصي تحقيقها من خلال المبادرات الفردية لكونها تولد من رحم التفاعلات السياسية والفكرية المتنوعة، حيث لا معنى لها مع غياب تعدد ينتهي إلى صناعتها وطرحها

ويوضح فكرة التيار الأساسي للأمة؛ بأنها فكرة أساسها - فيما تصوَّرته - أن هناك ما يوحدنا، وهناك ما نتنوع بشأنه ونتعدد، إن هناك إطارا عاما يضمُّنا ويحمينا ويحمي هذه الخصائص المتنوعة المتعلقة بنا، وعلينا أن نحفظه من المخاطر الخارجة عليه، ومن توغل التوازنات الداخلية بشأنه، حتى لا تقضي فكرة على فكرة أخرى مما هو موجود.

إن التيار الأساسي، فيما أراه، يقوم بدور الطليعة ويحركه تياران تاريخيان هما : التيار الإسلامي والتيار القومي؛ فهذان التياران مرشحان تاريخيا وثقافيا للقيام بهذا الدور، وأتصور أنهما من الناحية التاريخية ينهلان من نفس النبع.

ويكون التيار أساسا عندما تكون لديه القدرة والصياغات الفكرية والتنظيمية التي تمكن من تأليف أكثر ما يمكن تأليفه من خصائص كل القوى والفئات الثقافية والسياسية والاجتماعية فضلا عن الطوائف والمهن والجامعات ذات الثقل.

ويتابع الراحل: "أما الإطار الفكري العام لهذا التيار، فلا يكون مفروضا على الجماعة السياسية، ولا على أي من عناصرها الفرعية، وإنما يكون مستخلصا من المشترك العام لمصالحها الجماعية، وموظفا في تحقيق هذا المشترك العام لمصالحها الجماعية وموظفا في تحقيق هذا المشترك العام في ضبط إيقاع الخلافات بشأنه".

وفي ظنه أن المشروع الوطني الذي يصوغ التيار الأساسي السائد وتتبناه الجماعة الوطنية، يتلخص في:

  1. أساس الأمر كله هو استقلال الذات الحضارية للجماعة من حيث التكوين العقائدي والنفسي لها، وبما تبلورت به من رؤى ثقافية وأسس عقائدية وتاريخية، بدءا من النظر إلى الكون إلى تحديد العلاقات الاجتماعية والقيم.

  2. الاستقلال السياسي الذي يتمثل في تأكيد تحرير الإرادة السياسية للجماعة من الإملاء الخارجي عليها.

  3. الاستقلال الاقتصادي، بمعنى السعي لتوفير إمكانات التنمية الاقتصادية المعتمدة على الذات، وتجنب أكبر قدر من الضغوط الآتية من هذا الجانب.

  4. مراعاة اعتبارات الأمن القومي الإقليمي بالسعي لتحقيق التوازن السياسي والعسكري الذي يمنع التهديد الخارجي بما يشكله من ضغوط على الإرادة الوطنية.

أيَّد ثورة 25 يناير ورفض الانقلاب العسكري

في يوليو/تموز 2013، أطلق المستشار البشري تصريحات عبر صحيفة الشروق المصرية، نشرت تحت عنوان "الإطاحة بمرسي انقلاب على دستور ديمقراطي"، ثم كتب مقالا ضافيا ووافيا في العاشر من ذات الشهر بعنوان "الصراع القائم الآن هو بين الديمقراطية والحكم والانقلاب العسكري وليس بين الإخوان ومعارضيهم"، وأتبعه بمقال آخر بعنوان :"ما معنى الانقلاب العسكري؟"، انتهى فيه إلى أن ما جرى انقلاب مكتمل الأركان.

حملة شيطنة وتشويه

فتح الموقف السياسي للبشري، الرافض للانقلاب والداعم للديمقراطية مهما كانت ثغراتها، النار عليه من قبل أنصار الثورة المضادة، حيث جيًش الإعلام الداعم للسيسي أذرعه للهجوم على الفقيه الدستوري وتشويه صورته والتشكيك في مواقفه.

الحملة المسعورة ضده تجاوزت الهجوم الإعلامي إلى التعتيم ومنع نشر أي أخبار عنه، فبات على قائمة الممنوعين من الكتابة في الصحف أو الظهور على الفضائيات، بل تعدى الأمر ذلك إلى العمل على محو مقولاته وأفكاره السياسية المنتقدة لنظام ما بعد الثالث من يوليو/تموز من أرشيف الصحف ومواقعها الإلكترونية.

شهادات وتقريظ

يقول رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي: إن"طارق البشري" كان فقيها في مقاصد الشريعة، فقيها في واقع الأمة، إلى جانب فقهه في نصوص القانون، ثم الشجاعة في الحق، وهذه صفة نفتقدها، خصوصا عندما يكون القاضي في موقف يحتاج إلى قوة نفسية في مواجهة الضغوط الاجتماعية والسياسية. .

وأثنى عليه المستشار الدكتور فاروق عبد البر، قائلا: "لم تكن فقط همومه شخصية أو هموما متعلقة بمجلس الدولة ومحاولة التمكين له من القيام بدوره، لكنَّ همومه امتدت لتشمل هموم مصر كلها، وأمتيه العربية والإسلامية. وهذه سمة المثقف الحق. إنه لا يهرب من مواجهة مشاكل بلده وأمته، ولا يقف متفرجا عليها خشية العواقب، إنما يساهم بنصيب وافر في تشخيص مشاكلها والبحث عن الحلول الملائمة لها، غير مبال بما قد ينسب إليه من ترهات وأكاذيب، من أجل صرفه عن الانشغال بهذه المشاكل.

ومن بين كتب البشري ما يلي: 

الحركة السياسية في مصر في الفترة من 1945-1952

بين الجامعة الدينية والجامعة الوطنية في الفكر السياسي

المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية

الوضع القانوني المعاصر بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

الديمقراطية والناصرية

الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر

الديمقراطية ونظام 23 يوليو

ماهية المعاصرة

دراسات في الديمقراطية المصرية

قراءات فكرية وهموم مصرية

شخصيات تاريخية

التجدد الحضاري

القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء

مصر بين العصيان والتفكك

الحوار الإسلامي العلماني

ثورة 25 يناير والصراع حول السلطة

بين الإسلام والعروبة

نحو تيار أساسي للأمة

لقد جمع "البشري" بين العلم والعمل والتواضع، كان الإسلام ومصر هما عشقه واهتمامه الرئيس؛ فاجتهد لدينه منطلقا، يوسع ولا يضيق، وييسر ولا يعسر، ويفتح ولا يغلق، ويمد حبال الفهم وسبر الغور وتحرير المنازع وتصحيح المقصد وإصابة الغرض.

 واجتهد لمصر فأرادها كنانة محفوظة لا يريدها أحد بسوء أو غرض إلا قام يذب عنها ويحامي عليها ويحفظ بقاءها ووجودها، فكانت قضية استقلالها شغله الشاغل، وقضية ديمقراطيتها مناط كفاحه ومجال عمله الرئيس.

ثانيًا: اليوم الدولي للغة الأم وواقع لغتنا العربية

أعلنت اليونسكو اليوم الدولي للغة الأم في عام 1999. ويُحتفل بهذه المناسبة في 21 شباط/فبراير من كل سنة في شتى أنحاء العالم.  

تعود فكرة اليوم الدولي للغة الأم إلى اقتراح تقدمت به دولة بنغلاديش إلى اليونسكو، ويرمز اختيار تاريخ 21 فبراير/شباط من كل عام للاحتفال باللغة الأم إلى اليوم الذي فتحت فيه الشرطة في دكا عاصمة بنغلاديش النار على تلاميذ خرجوا متظاهرين للمطالبة بالاعتراف بلغتهم الأم -البنغالية- لغة رسمية في باكستان بشطريها الغربي والشرقي آنذاك.

وتعود تلك الأحداث إلى عام 1948، عندما قام مؤسس جمهورية باكستان محمد علي جناح بإعلان فرض "الأردية "لغة وطنية وحيدة، يتم التداول بها على الأراضي الباكستانية، باعتبارها اللغة الجامعة لأغلب العرقيات في باكستان.

وقالت منظمة اليونسكو إن حماية اللغات الأم وتعزيزها أساسان في تحقيق المواطنة العالمية والتفاهم الحقيقي. وذكرت أن القدرة على فهم عدة لغات والتحدث بها يؤديان إلى فهم أفضل لثراء التفاعلات الثقافية في العالم. وأكدت اليونسكو على أهمية دور اللغات في تأمين الانتفاع بالمعارف وتناقلها وتعددها. 

وخلافا للأفكار الموروثة، فإن اللغات المحلية تتمتع بكامل القدرة على تناقل أحدث المواد العلمية من رياضيات وفيزياء وتكنولوجيا. على غير ما هو شائع بشأن الترويج للتعليم باللغات الأجنبية، في ظل العولمة،وفرض ثقافة المحتل ولغته على المنطقة العربية والإفريقية.

فإذا ما تحولنا إلى العالم العربي نجد أننا أمام ما يعرف بالازدواج في اللغة، وهو وجود مستويين في الاستعمال اللغوي؛ فهناك الفصحى التي تكاد تكون مقصورة-تقريبا- على دور التعليم، وبعض وسائل الإعلام، والعامية التي تتحدث بها جميع الشعوب العربية. 

والازدواج اللغوي ظاهرة موجودة في كل اللغات؛ فهناك مستوى للغة الفصحى التي يكتب بها الأدب، ويدرس بها العلم في الجامعات، ولغة دارجة أو عامية، هي لغة الحياة اليومية. واللغة العربية ليست بدعا في ذلك.

غير أن علماء العربية دائما ما يحذرون من اتساع الفجوة بين الفصحى المعيارية واللهجات، بل إن وجود دعوات تطل برأسها كل فترة تدعو إلى استخدام العامية، هو ما يشكل خطرا على وحدة الأمة، وعلى تاريخها وتراثها.

لكن المصيبة العظمى التي تتعرض لها اللغة العربية هي اللغات الأجنبية التي تصارعها في عقر دارها في الوطن العربي. 

 لقد أخذ قناع العُجمة يغطي وجه الحياة على الأرض العربية شيئا فشيئا؛ من أجل ذلك نرى "الاستعجام" يزحف زحفا كاسحا من بلد وميدان إلى آخر ومن طبقة إلى أخرى بدءا بالمترفين في الأحياء الراقية من العاصمة والمدن الكبرى في ألفاظ أعجمية ممسوخة استبدلوها بالألفاظ العربية الجميلة النبيلة، وامتد إلى سائر طبقات "الأمة" في جميع مدنها وقراها، على أن أخطر ما في هذا التحول، هو ما يتعلق منه بلغة العلم والثقافة.

إن نهضة الأمة العربية والإسلامية مرهونة بالارتقاء باللغة العربية، وعلى الأخص نشر الفصحى وتقويتها وإعادتها إلى سالف العهد بها؛ وذلك بالأخذ بأسباب الحضارة الفكرية الحديثة.

 ونشر العلم وغرس طرق التفكير المنهجي، يكون بإغناء العقل والفكر والنفس بكل ذي قيمة من علم وأدب وفن، وبنشر أنماط الحضارة التي ترتبط تلقائيا بالفصحى والمستويات العليا من التعبير اللغوي.

واستحضار الفصحى يعني تفعيل دور الهيئات اللغوية سواء أكانت مجامع أو مراكز أو جامعات. وعلى سبيل المثال، تخويل مجمع اللغة العربية بالقاهرة سلطة تنفيذية وتغذيته بالكوادر اللغوية الشابة، والتنسيق بينه وبين المجامع اللغوية الأخرى في العالم العربي بما يعرف باتحاد المجامع، وإقامة المشروعات اللغوية النافعة ودعمها بكل ما أوتيت الحكومات من جهد.

وتنشئة الأطفال على لغة القرآن الكريم، وتعميم ذلك على المدارس الخاصة والحكومية، وبخاصة في المرحلة الابتدائية، فمن الخصائص التي تفردت بها اللغة العربية عن غيرها من اللغات أنها لغة القرآن. 

إن الوضع الراهن الذي تعيشه الأمة - إذا ما قورنت بغيرها من الأمم المتقدمة- ومحاولة فرض النظام الغربي على الحياة، بالإضافة إلى الاستبداد والظلم الواقع على الشعوب العربية، كلها معوقات تحول دون تحقيق هدف رفعة العربية الفصحى، لكنَّ الأمل يظل موجودا. 


خاتمة

ما زال تَوَجه الإدارة في البيت الأبيض أيًا كانت، من أهم العوامل المؤثرة على الحالة السياسية في منطقتنا العربية، وما زال حكام العرب يأخذون هذا العامل في حسبانهم أكثر من عوامل أخرى عديدة في داخل دولهم.

إذ إن قرارات الإدارة الأميركية الجديدة كانت هي الحدث الأبرز الذي أثر على معظم الأحداث التي تناولناها في الحالة العربية لشهر فبراير/ شباط.

لكن هذه المرة، يأمل البعض أن ينعكس هذا الضغط الأميركي على الحكومات العربية إيجابيًا، فينفرج وضع المعتقلين السياسيين في مصر شيئًا ما، ويوضع حد لحرب اليمن التي تحولت لمأساة إنسانية، وتستمر المصالحة الخليجية دون انتكاس. لكن بالتأكيد، يبقى العامل الأساس في أي تغيير جذري هو تحرك الشعوب نفسها.