رؤساء أميركا يخالفون الدستور ويتجاوزون الكونغرس.. من يملك قرار شن الحرب؟

إسماعيل يوسف | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم أن الدستور الأميركي يمنح الكونغرس سلطة إعلان الحرب، طبقاً للمادة الأولى (القسم 8)، فإن رؤساء الولايات المتحدة اختاروا دوما اللجوء للمادة الثانية (القسم 2)، التي تعطيهم سلطة توجيه ضربة عسكرية، بصفتهم "القائد الأعلى".

ومع أن "الضربة العسكرية" المحددة بتوقيت زمني معين، تختلف عن  "الحرب" التي قد تستمر سنوات، مثل العراق (8 سنوات) وأفغانستان (20 عاما)، فقد قاد الرؤساء حروبا دون إذن من الكونغرس، معتمدين على سلطتهم التنفيذية أو مدعين وجود تهديدات للأمن القومي.

مثلما تجاهل الجمهوري جورج بوش الدستور والكونغرس وقاد حربا على أفغانستان ثم العراق، كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفس الحيلة، واتخذ قرار الحرب مع إيران، متجاوزا القوانين.

وقبل توريطه أميركا في الحرب بين إيران وإسرائيل، سعى نواب بالكونغرس لمنع ترامب من جر الولايات المتحدة إليها، حسبما أكدت مجلة "تايم" الأميركية في 17 يونيو/حزيران 2025.

ولم يصدر الكونغرس - بموجب السلطة التي يتمتع بها في ما يخص إعلان الحروب طبقا للدستور- أي أمر رسمي للحرب منذ الحرب العالمية الثانية.

وكان آخر إعلان حرب صدر من الكونغرس كان في يونيو 1942 ضد بلغاريا والمجر ورومانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

ومع هذا، شنت الولايات المتحدة عدة حروب، أبرزها حرب العراق وأفغانستان وأخيرا إيران، بدون قرار رسمي من الكونغرس.

من يتخذ القرار؟

بحسب مجلة "تايم" الأميركية، 17 يونيو 2025، تُقسم صلاحيات الحرب بين الكونغرس والرئيس، وفقا للدستور. 

فبينما يُسمى الرئيس "القائد الأعلى للجيش والبحرية"، فإن الكونغرس وحده يملك سلطة تقرير ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة خوض الحرب، سواءً كانت شاملة أو استخدامًا محدودًا للقوة. 

لكن الرئيس يحتفظ بصلاحيات دفاعية متأصلة لاستخدام القوة العسكرية دون إذن الكونغرس في حال تعرض الولايات المتحدة لهجوم.

 ولكن موافقة الكونغرس لا تزال ضرورية لحرب طويلة الأمد، لذا لا يمكن للرئيس الأميركي أن يعلن الحرب رسمياً ضد دولة أخرى دون موافقته.

غير أنه يمكنه استخدام القوات العسكرية في بعض الحالات دون إعلان حرب، وفق ما تنص عليه قوانين ودستور الولايات المتحدة.

إذ تنص المادة "1" من الدستور، قسم "8"، على أن: "الكونغرس هو الذي يمنح سلطة إعلان الحرب، وتجنيد الجيوش، وتمويلها"، و"لا يحق للرئيس، بمفرده، أن يعلن حربا على دولة أخرى".

لكن المادة "2"، القسم "2" من الدستور تحدد سلطته المسلحة فيما يلي: "يُمكن للرئيس، بصفته القائد الأعلى، أن يأمر بعمليات عسكرية محدودة أو ردود دفاعية لحماية الأمن القومي دون إعلان حرب".

وهي المادة التي تحايل أغلب رؤساء أميركا بإعلان أنها عمليات محدودة، ولكنها تحولت إلى وحل وحروب طويلة خاصة العراق وأفغانستان.

وتنص المادة على أنه "في حالة عدم وجود إعلان للحرب"، على الرئيس أن يقدم تقريرا إلى الكونغرس في غضون 48 ساعة بعد مشاركة القوات الأميركية فيها.

كما "يجب أن تنتهي في غضون 60 يوما، ما لم يسمح الكونغرس بخلاف ذلك". وبحسب موقع "المركز الوطني للدستور"، 18 يونيو 2025، تجاهل معظم الرؤساء، منذ عام 1973، أجزاءً من قرار صلاحيات الحرب، أو كليًا. 

ووفقا لدائرة أبحاث الكونغرس: "وسع الرؤساء منظور سلطة القائد العام في استخدام القوة العسكرية في الخارج، واستندوا في ذلك إلى مصادر السلطة وقوانين أخرى لا تشير تحديدا إلى قرار صلاحيات الحرب".

"وبالإضافة إلى ذلك، اعتمدوا على سلطة  القائد العام  نفسها، وسلطة الرئيس في الشؤون الخارجية بموجب المادة الثانية من الدستور".

وعقب حرب فيتنام، صدر قانون صلاحيات الحرب (War Powers Resolution) لعام 1973 الذي أقر تقييد قدرة الرئيس على خوضها دون إشراف الكونغرس.

 إذ نص على أنه "يحق للرئيس استخدام القوات المسلحة لمدة 60 يومًا (مع 30 يومًا إضافيًا للانسحاب) دون موافقة الكونغرس.

لكن القانون اشترط أن "يكون هناك هجوم مسلح على الولايات المتحدة"، أو "تهديد وشيك يستدعي تدخلاً فوريًا".

وفي كل الأحوال اشترط القانون "واجب الإخطار"، أي "يجب على الرئيس إبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة من أي استخدام للقوة العسكرية".

لذلك، دستوريا، لا يمكن للرئيس الأميركي إعلان الحرب دون موافقة الكونغرس، لكن يمكنه تنفيذ عمليات عسكرية محددة ومؤقتة بموجب قانون الصلاحيات الممنوحة له في هذا الأمر.

وهذا مشروط بالتزامه بإبلاغ الكونغرس ومراعاة المدة القانونية، وهو ما لا يحدث غالبا.

فوفق الترتيبات، لدى الكونغرس السلطة الوحيدة لإعلان الحرب ويمكن للرئيس استخدام القوة لكن استمرارها يتطلب موافقة الأول.

 ومع هذا خاضت أميركا حروبا طويلة في العراق وأفغانستان، وضربت إيران، دون موافقة الكونغرس وفق الدستور، بحجة أنها تواجه خطرا.

وفي كل مرة كان يتبين أنها حروب تشن وفق أهواء الرئيس والفريق المحيط به.

تفويضات مفتوحة!

وقد استغل الرؤساء أيضا "تفويضات الكونغرس" باستخدام القوة العسكرية، والتي تمنح الرئيس صلاحية اتخاذ إجراءات عسكرية محدودة ومحددة.

إذ استغل الرئيس جورج بوش منحه تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 1991 من أجل تحرير الكويت، بهدف ضرب العراق.

وبالمثل، استخدم القوة العسكرية عام 2002 لغزو العراق، بحجة الدفاع عن الأمن القومي للولايات المتحدة ضد "التهديد العراقي".

وفي عام 2011، أمر الرئيس وقتها باراك أوباما بتدخل عسكري في ليبيا دون طلب موافقة الكونغرس.

واستمرت القوات هناك نحو ثمانية أشهر، وجادلت إدارة أوباما بأن وجودها العسكري لا يندرج تحت قانون صلاحيات الحرب. 

وفي عام 2013 اتخذ أوباما أيضا خطوة غير مألوفة بطلبه موافقة الكونغرس على التدخل في الحرب السورية، بعد أن أشار في البداية إلى امتلاكه الصلاحيات الدستورية لإصدار أوامر بشن ضربات عسكرية محدودة دون موافقته. 

لكن الكونغرس أرجأ التدخل في سوريا، ومع هذا جادلت إدارة أوباما بأنها لا تحتاج لتفويض منه بموجب قانون استخدام القوة العسكرية لعام 2002.

في عام 2017، أمر ترامب بشن ضربات صاروخية على سوريا بعد هجوم كيميائي، ورأى مؤيدوه، بمن فيهم ميتش ماكونيل، أن ذلك جائز بموجب قانون تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2002.

وجادلت إدارة ترامب بأن الهجمات جائزَة بموجب صلاحيات الرئيس المنصوص عليها بالمادة الثانية لحماية "الأمن القومي ومصالح السياسة الخارجية". 

وفي عام 2020 أيضًا، استشهد ترامب بقانون تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2002 لدعم قراره بشن ضربة قاتلة بطائرة مسيرة ضد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

أيضا استشهد الرئيس السابق جو بايدن بقانون تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2002 ونفس الصلاحيات المنصوص عليها في المادة الثانية التي أكدتها إدارة ترامب الأولى في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق وسوريا واليمن.

وتعرضت هذه التفويضات لانتقادات لأنها منحت الرؤساء فعليًا صلاحية دخول حروب دون موافقة الكونغرس، بما يتجاوز نطاقها الأصلي المقصود. 

وبسبب انتقادات الكونغرس والصدام مع الرؤساء لخرقهم الدستور وقوانين صلاحيات الحرب، بُذلت محاولات عديدة فاشلة من كلا الحزبين لإلغاء قانوني 2001 و2002 لترخيص استخدام القوة العسكرية.

ورغم انتقادات أعضاء من كلا الحزبين لهذا النطاق الواسع من الصلاحيات الذي يمنح السلطة التنفيذية قدرة على اتخاذ القرارات التي تقع على عاتق الكونغرس، غير أن الانقسام الحزبي لم يسمح بإلغاء هذه القوانين.

ففي 2023 رفض مجلس النواب إلغاء التفويض المسبق رغم نجاح تمريره في مجلس الشيوخ بمشاركة السيناتور آنذاك جي دي فانس، الذي أصبح نائبا للرئيس الحالي.

حرب بدون تفويض

بسبب خرق كل الرؤساء الأميركيين للدستور وقوانين صلاحيات الحرب قانوني 2001 و2002 لترخيص استخدام القوة العسكرية، توقع محللون أميركيون أن يفعل ترامب المثل، خاصة أنه تجاهل خلال فترة رئاسته الأولى الكونغرس.

فقد تحدث ترامب عن توجيه ضربة لإيران ودخول الحرب مع إسرائيل دون أن يشير للكونغرس أو القوانين التي تقيده في ذلك، ثم تحرك بشكل مفاجئ دون أخذ تفويضه أو رأيه.

وحتى حين أعلنت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد أن إيران لا تنتج قنبلة نووية، وبخها ترامب وقال إنها “مخطئة”.

وقال مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية لشبكة ABC News، في 18 يونيو، إنه يدعم فكرة تنفيذ هجوم عسكري يستهدف منشأة فوردو النووية الإيرانية، وهو ما فعله.

ومع أنها ضربة سريعة، وسربت الإدارة الأميركية لإيران أنها "واحدة"، يتوقع محللون أن يمارس ترامب نفس السياسة التي استخدمها لتبرير ضربته الجوية التي قتلت قاسم سليماني، ويعد العدوان "ضرورة لحماية المصالح الأميركية".

أو يستغل قانون تفويض الحرب إذا قرر الاستمرار لمدة أطول، لكن حربا عسكرية طويلة قد تواجه تحديات قانونية ودستورية دون موافقة الكونغرس.

وتقول شبكة "سي إن إن" 19 يونيو 2025: إن تصرفات ترامب المتهورة تمثل مشكلة لأنه يتخذ قرارات حاسمة بشأن الأمن القومي "تنطوي على عيوب خطيرة".

وكان هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، هو الدافع لإصدار الكونغرس تفويضا للرئيس، بسلطة استخدام القوة العسكرية ضد مسؤولين أو جماعات أو كيانات تؤوي إرهابيين (تشمل الدول).

وفي العام التالي للهجوم، أصدر الكونغرس قرارا آخر أجاز استخدام القوة العسكرية ضد العراق بسبب مخاوف انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتي ثبت لاحقا عدم وجودها.

واستخدم هذان التفويضان لاحقا لتبرير مجموعات واسعة من الإجراءات العسكرية منذ ذلك الحين بما في ذلك حملة الرئيس الأسبق باراك أوباما ضد تنظيم الدولة عام 2014.

أين الكونغرس؟

قبل هجوم ترامب على إيران، سارع مشرعون جمهوريون وديمقراطيون للتحرك للحد من قدرته على شن الحرب.

وجادلوا بأن قرار المشاركة في الحرب (مع إسرائيل ضد إيران) لا يجب أن يكون متروكاً للرئيس. 

وقدم النائبان توماس ماسي (جمهوري من كنتاكي) ورو خانا (ديمقراطي من كاليفورنيا)، في 17 يونيو، مشروع قرار في مجلس النواب يمنع ترامب من تنفيذ عمل عسكري في إيران دون موافقة الكونغرس. 

ووقعت النائبتان التقدميتان ألكسندرا أوكاسيو كورتيز (ديمقراطية عن نيويورك) وإلهان عمر (ديمقراطية عن مينيسوتا)، على مشروع قرار النائبان، إلى جانب 12 ديمقراطيًا آخرين، وفقًا لمكتب ماسي.

وقبلها بيوم، اقترح السيناتور تيم كين (ديمقراطي من فرجينيا) مشروع قرار مماثل، واستشهد المشرعون بقانون "قرار صلاحيات الحرب" لعام 1973 كمصدر لسلطة الكونغرس في تقييد صلاحيات الرئيس.

كما قدم السيناتور بيرني ساندرز (مستقل) مشروع قانون منفصل، شارك في دعمه السيناتور إليزابيث وارن (ديمقراطية) وكريس فان هولين (ديمقراطي).

وذلك لحظر استخدام الأموال الفيدرالية "لأي استخدام للقوة العسكرية في إيران أو ضدها" دون موافقة الكونغرس، باستثناء الدفاع عن النفس.

وسعى قرار صلاحيات الحرب الذي أقره الكونغرس عام 1973، رغم اعتراض الرئيس ريتشارد نيكسون حينئذ، إلى ضمان دور المشرعين في الموافقة على النزاعات المسلحة التي تدخلها الولايات المتحدة، ولم تُعلن رسميًا فيها حالة الحرب.

وقد أكد موقع "أكسيوس" الأميركي، 17 يونيو، أن زعماء مجلس الشيوخ يتجنبون الإجابة المباشرة على ما إذا كان ترامب يحتاج إلى موافقة الكونغرس قبل اتخاذ أي إجراء عسكري ضد إيران .

أضاف: يتردد الكونغرس في التشكيك في القائد الأعلى قبل أن يُجيز الضربات، لكن الديمقراطيين يشعرون بعدم ثقة عميق بترامب.

وأردف أن "فصيلا متناميا في الحزب الجمهوري (تيار ماغا) يُبدي شكوكا عميقة تجاه التدخلات العسكرية الأجنبية".

لكن العديد من المنظمات الحقوقية والحريات والجماعات السياسية والدينية بعثت برسائل لترامب والكونغرس للتأكيد على ضرورة موافقة الأخير على أي قرار للحرب وفق الدستور.

خرق الدستور

ولأنه تجاهل الدستور والقانون، وأمر بالهجوم على منشآت نووية داخل إيران، تفجرت عاصفة سياسية في الكونغرس، ووجهت اتهامات مباشرة لترامب بـ"خرق الدستور" وتجاوز صلاحياته باستخدام القوة العسكرية دون تفويض تشريعي.

نواب ديمقراطيون بارزون اعتبروا أن قرار ترامب ينتهك المادة الدستورية التي تحصر حق إعلان الحرب بالكونغرس.

وشددوا على أن الرئيس "اتخذ خطوة خطيرة دون مشاورة البرلمان، أو تقديم مبررات واضحة، أو عرض خطة إستراتيجية لما بعد الضربة".

زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، قال في بيان رسمي: "لا يجوز لرئيس أن يجر البلاد إلى حرب بهذا الحجم دون موافقة الكونغرس".

 ووصف ما جرى بأنه "تهور بلا استراتيجية ويُضعف من موقع أميركا بدلًا من أن يعززه".

وقالت عضو مجلس النواب نانسي بيلوسي إن ترامب تجاهل الدستور من خلال إشراك الجيش الأميركي من جانب واحد دون إذن من الكونغرس، وطالبت بإجابات بشأن العملية التي تعرِّض الأميركيين للخطر وتزعزع الاستقرار.

وانتقد السيناتور بيرني ساندرز قرار ترامب بقصف إيران ودخول الولايات المتحدة في الحرب، وقال: إنه مخالف للدستور بشكل صارخ.

أكد أن الكيان الوحيد الذي يملك سلطة جر هذا البلد إلى الحرب هو الكونغرس بموجب دستور الولايات المتحدة، وأن الرئيس لا يملك هذا الحق.

وقال زعيم الديمقراطيين في الكونغرس حكيم جيفريز في بيان "لقد ضلل ترامب البلاد بشأن نيته، ولم يحصل على إذن من (المؤسسة التشريعية) لاستخدام القوة العسكرية، ما يهدد بتورط أميركا في حرب كارثية محتملة في الشرق الأوسط".

وقالت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين: إن ترامب ضلل البلاد بشأن نياته وفشل في طلب تفويض من الكونغرس لاستخدام القوة، ووعد بجلب السلام للشرق الأوسط، لكنه فشل في الوفاء بهذا الوعد.

رغم أن بعض النواب الجمهوريين سارعوا إلى دعم قرار ترامب، وعدوه "ضروريا لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي"، لم تغب التحفظات عن صفوف الحزب، ممن أعربوا عن قلقهم من غياب خطة متكاملة لما بعد الهجوم.