لا أقنعة ولا تباعد.. مشاكل السودان مع كورونا أعقد من أي دولة أخرى

12

طباعة

مشاركة

توقعت صحيفة لوموند الفرنسية أن يواجه النظام الصحي في السودان موجة جديدة من تفشي وباء كورونا، ستكون أكثر عنفا من الأولى.

وتحدثت الصحيفة عن إيلاف عثمان التي تقول إنها أمضت 24 ساعة في وحدة العناية المركزة في مستشفى جبرا في الخرطوم.

تخلع الطبيبة الشابة عباءتها وتقول صارخة: "إذا كانت لدينا أماكن شاغرة هذا الصباح في العناية المركزة، فقد توفي بالأمس ستة مرضى". 

تذكّر لوموند أنه جرى علاج أول مريض مصاب بفيروس كورونا في السودان، في مستشفى جبرا في مارس/آذار 2020. 

بعد الموجة الأولى، جرى تحويل المؤسسة المتخصصة في الكسور/الرضوض إلى مركز عزل بفضل تمويل من الحكومة الدنماركية. 

يُعد المستشفى استثناء، مع 14 سريرا للعناية المركزة و6 أسرة مراقبة مستمرة. وفي أماكن أخرى، في المنشآت العامة، هناك نقص في المعدات والموظفين للتعامل مع الوباء. 

وتقول لوموند إن أوجه القصور هذه أكثر وضوحا حيث تكافح الخدمات الصحية بالفعل، في الأوقات العادية، لإجراء عمليات روتينية.

وتوضح أنه مع ما مجموعه 1807 حالة وفاة و27202 إصابة مؤكدة بالفيروس حتى 31 يناير/كانون الثاني 2021، يبدو للوهلة الأولى أن السودان قد نجا. 

وجرى اكتشاف ثلاثة أرباع المصابين في العاصمة الخرطوم، بينهم العديد من الحالات الوافدة من الخارج. 

لكن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أدت الموجة الثانية إلى وفاة نفس عدد الأشخاص الذين ماتوا في نصف وقت الموجة الأولى، وفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الصحة. 

فشل النظام الصحي 

قدرت دراسة نشرتها إمبريال كوليدج لندن (جامعة بحثية في العاصمة البريطانية) أنه تم تسجيل 2 بالمئة فقط من الوفيات المرتبطة بـ كوفيد-19 في السودان. 

يقول المدير الصيدلي لمستشفى جبرا الدكتور أحمد رشيد، متأسفا "الأرقام لا تمثل الواقع، هناك الكثير من الإصابات أكثر مما نعتقد، ليس لدينا قدرة كافية لعمل الاختبارات".

وسط ضجيج وصفير أجهزة التنفس، تولت الممرضة عِظام النسيق للتو واجبها. تقول عن الوضع "هنا، نحن مجهزون جيدًا، وقد جعلت الحكومة ذلك أولوية، ولكن لا يزال هناك نقص في أجهزة التنفس الاصطناعية، بعضها معطل، وليس لدينا قطع غيار". 

عانت إحدى المريضتين اللتين تراقبهما الممرضة من نقص الأوكسجين مما كاد أن يكلفها حياتها.  تقول الممرضة في ذات السياق "نحن نبذل قصارى جهدنا ولكن لدينا قيود مالية، البنية التحتية الطبية في حالة سيئة بسبب النظام السابق".

 بعد 30 عامًا من حكم عمر البشير، ورثت السلطات الانتقالية السودانية حالة اقتصادية مستنزفة. فالبلد مثقل بالديون ويعتمد إلى حد كبير على المساعدات الدولية منذ رفع العقوبات الأميركية.

استبعدت الحكومة إمكانية حدوث إغلاق كامل جديد، وهي تلعب في ذلك دورًا يوازن بين الإجراءات التقييدية وإنقاذ الاقتصاد. ومع ذلك، فقد بذلت جهود في الميزانية لمكافحة الوباء. 

كانت وزارة المالية قد أعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2020 عن خطة بقيمة 4.8 مليار جنيه سوداني (حوالي 72 مليون يورو) وقررت الحكومة دعم الأدوية بنسبة 60بالمئة، وهو ما وصفه وزير الصحة أسامة عبد الرحيم مبتهجا بأنه "دعم مالي تاريخي".

ومع ذلك، فإن التضخم الجامح يجعل من الصعب على السلطات التعامل مع الموجة الثانية من الوباء.

توضح مديرة وحدة الطوارئ ومكافحة الأوبئة بوزارة الصحة الدكتورة تهاني أمين أن شراء الإمدادات الطبية مكلف للغاية، عندما نخطط لميزانيتنا فإن الدولار يساوي 55 جنيهاً سودانياً بالسعر الرسمي أما في السوق السوداء فهو يساوي 300 جنيهاً”. 

تستقبل المستشفيات الخاصة المجهزة بشكل أفضل معظم المرضى في السودان، لكن أسعار العلاج فيها باهظة وبعيدة عن متناول الكثير من السودانيين، بتكلفة 200 ألف جنيه سوداني، أي أكثر من الراتب السنوي لطبيب بالخرطوم.

وبحسب الدكتور رشيد، يفضل البعض عزل أنفسهم في المنزل أحيانًا باستخدام أسطوانة أوكسجين أو أدوية تقليدية. 

الاقتناع بفائدة التطعيم

يوضح الدكتور في هذا السياق "لا يقول الكثيرون إنهم مصابون بالفيروس - إنهم يخفون ذلك خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تشويه سمعة في الحي، يأتي الأشخاص إلى العناية المركزة في ظروف حرجة لأنهم انتظروا وقتًا طويلاً للحديث عن أعراضهم، لدينا صعوبة بالغة في إنقاذهم". 

وفقًا لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، يعد معدل وفيات كوفيد -19 في السودان من أعلى المعدلات في القارة حيث يبلغ 6.6 بالمئة.

في مواجهة إخفاقات النظام الصحي واستحالة فرض إغلاق جديد، تعتمد الحكومة على حملة التطعيم القادمة. ولكن، مرة أخرى، هناك العديد من التحديات للتغلب عليها. 

أعلنت وزارة الصحة أن السودان سيتلقى دفعة من 8.4 مليون جرعة بحلول أبريل/نيسان 2021 عبر كوفاكس، مبادرة منظمة الصحة العالمية  لضمان الوصول العادل لجميع الدول للقاحات ضد كوفيد-19. 

يقول مستشار وزارة الصحة الدكتور مجدي صباح الزين، حول إستراتيجية التطعيم "إنه رهان آمن على أن لا يتم تأجيل التسليم"، مضيفا أنه "لن يغطي حتى 10 بالمئة من سكان السودان".

تتمثل المشكلة الكبرى، وفقًا للزين وهو أستاذ في جامعة الأحفاد، في ضمان الوصول العادل للقاحات للأشخاص في المناطق النائية واللاجئين والنازحين الذين يعيشون في المخيمات في السودان. 

وهو قلق من أن "الخدمات اللوجستية ستكون مشكلة كبيرة في مثل هذا البلد الكبير حيث أن درجات الحرارة في الصيف وانقطاع التيار الكهربائي سيجعل تخزين اللقاحات أمرًا معقدًا حقًا".

التحدي الرئيس الآخر هو إقناع السودانيين بفائدة التطعيم، إذ يقول الزين "يرى الكثيرون أنه لا جدوى من ذلك، كما هو الحال في أي مكان في العالم، هناك عدم ثقة، بل إننا نواجه ذلك مع حملة التطعيم ضد شلل الأطفال، وهناك العديد من حالات الرفض".

في الوقت الذي لا تزال المدارس في الخرطوم مغلقة والتجمعات محظورة، فإن شوارع العاصمة تشهد احتجاجات يومية ضد غلاء المعيشة. 

بالنسبة لمعظم السودانيين، فإن فيروس كورونا بعيد كل البعد عن الأولوية لأن نقص الوقود والخبز وانقطاع التيار الكهربائي أمر شائع. 

في الشارع المجاور لمستشفى جبرا، لا يرتدي المارة الأقنعة ولا يُفرض التباعد الاجتماعي، تختم الصحيفة الفرنسية.