معهد إسرائيلي: تركيا تعزز مكانتها الإقليمية بشكل يهدد تل أبيب

12

طباعة

مشاركة

نشر معهد القدس للإستراتيجية والأمن الإسرائيلي ورقة بحثية استعرض فيها الباحثون كيف تمثل تركيا تحديا رئيسا لإسرائيل وجيرانها في القرن الحادي والعشرين وكيف تهدد تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، "استقرار المنطقة ومصالح إسرائيل أيضا"، وفق وصف المعهد.

وقال المعهد: "منحت نهاية الحرب الباردة تركيا، وهي دولة كبيرة ومهمة في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط، حرية أكبر في التصرف في سياستها الخارجية وقد ازداد هذا الأمر في ظل توجه الولايات المتحدة لتقليص مشاركتها في المنطقة وكان هذا الوضع متوافقا مع تطلعات أنقرة، لرفع مكانتها الدولية".

وفي عام 2002 وصل حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، إلى السلطة، وبدأ باستعادة الهوية الإسلامية للبلاد وعزز مكانتها الإقليمية والدولية، مع الإشارة الصريحة إلى مجد "الدولة العثمانية".

وأشار المعهد الإسرائيلي إلى أن "تركيا أعادت الدولة إلى طابعها الإسلامي، مع الانتقال إلى الحكم الاستبدادي، ورفع مكانتها الإقليمية والدولية، مع إظهار قوة الدولة العثمانية"، وفق تعبيره.

وفي السنوات الأخيرة، يقول المعهد: "سعت تركيا إلى الهيمنة الإقليمية وتقويض النظام السياسي القائم في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط ونشطت في الساحة الإسلامية العالمية، ولها وجود عسكري في العراق وسوريا والخليج ولها قاعدة عسكرية في قطر والصومال".

وتابعت الدراسة أن تركيا تحدت مؤخرا سيادة اليونان على بحر إيجة، ومنعت إمكانية الوصول النشط لإسرائيل ومصر وقبرص إلى الأسواق الأوروبية، كما تسعى إلى ترسيخ نفوذها في ليبيا، ولبنان، وغزة، فضلا عن أراضي البلقان التي خضعت يوما ما للحكم العثماني. 

وتعكس التغييرات السياسية في تركيا اتجاهات بعيدة المدى في المجتمع التركي والسياسة الخارجية، ولن تختفي بعد عهد أردوغان.

توصيات إسرائيلية

ويوصى الباحثون ومعدو هذه الورقة البروفيسور إفرايم إنبار، رئيس المعهد، والعقيد (احتياط) عيران ليرمان، نائب رئيس المعهد، والدكتور حي إيتان كوهين ياناروكاك، الخبير في شؤون تركيا الحديثة أنه يجب على إسرائيل توخي الحذر الشديد في تعاملها مع تركيا فلا مصلحة لها في تحويل أنقرة القوية إلى عدو فعال. 

ومما يذكر هنا أنه حتى في ظل قيادة أردوغان، تُظهر تركيا درجة معينة من البراغماتية تجاه إسرائيل ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية تماما وتحافظ أيضا على علاقات تجارية واسعة، إلى جانب علاقات الطيران مع تل أبيب التي تعتبر مهمة للسياحة والحفاظ على الوصول إلى القدس -المحتلة-.

ويقول الباحثون: "يجب على إسرائيل أن تميّز بين القائد والمجتمع التركي، من أجل الحفاظ على إمكانية تحسين العلاقات مع حكومة لا يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية في المستقبل، أو حتى مع دوائر أكثر اعتدالا في الحزب، الأوساط العلمانية في المجتمع التركي وكذلك أعضاء حركة غولن، فتركيا ليست إيران، وموقعها في المجموعة العشرين وجها لوجه مع الولايات المتحدة مهم لها".

وأكد الباحثون على أهمية الاستمرار بالتأكيد في إعلانات منتدى EMGF وفي اجتماعات القمة الثلاثية لقادة إسرائيل وقبرص واليونان على أن الغرض من التشكيل الإقليمي الجديد ليس استبعاد تركيا، بل ترك خيار التكامل إذا اختارت قيادتها التعاون.

وطالب معدو الورقة إسرائيل بتحديد أدوات النفوذ التي ستجعل من الممكن كبح طموح القيادة الحالية في تركيا، أولا وقبل كل شيء على المستوى الاقتصادي، الذي كان مصدر قوة أردوغان وأصبح نقطة ضعفه والهدف هو منعها من تشكيل تهديدات لمصالح تل أبيب الحيوية وشراكاتها في النظام الإقليمي (وخاصة على استقرار مصر). 

ويجب أن يركز النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي بشأن القضية التركية على واشنطن، من أجل دفع الولايات المتحدة إلى السعي بنشاط لكبح أردوغان، وفق تعبير المعهد.

وتشير تجربة السنوات الأخيرة إلى أنه على الرغم من مظاهر الازدراء، إلا أنه (أردوغان) كان حذرا من الوصول إلى مواجهة مباشرة مع واشنطن.

وفي الوقت نفسه، يوصي المعهد بالعمل مع مصر واليونان والإمارات لتقوية المحور الذي يحاول "احتواء" تركيا، فيما يتعلق بالتحركات الحالية لفرنسا، التي تم حشدها لحملة سياسية وحتى للوجود العسكري في شرق البحر المتوسط وعملياتها في ليبيا ولبنان

ونوه معدو الدراسة إلى "وجوب توسيع الوعي في أوروبا بسلوك تركيا الإشكالي لأن دول البلقان عانت أيضا من العبء العثماني في الماضي، ويخشون أن تطرق رومانيا وبلغاريا (الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي)، وصربيا وكوسوفو أبواب تركيا كشركاء طبيعيين".

واستطرد الباحثون أنه لا يمكن لإسرائيل أن تلتزم بعمل عسكري ضد تركيا "بالتأكيد ليس عندما تكون المواجهة مع إيران والشركات التابعة لها وشيكة"، ويجب شرح ذلك لشركائنا في شرق البحر المتوسط. 

ومع ذلك، يدعو الباحثون إلى إبلاغ الجميع بأن إسرائيل لن تتردد في استخدام قوتها ضد الأعمال التي تضر بشكل مباشر بمصالحها الحيوية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن احتواء أسطول "مافي مرمرة" (الذي توجه في 2010 إلى غزة) منع المزيد من الأساطيل.

أما في الجانب الجماعي والبحثي، وفي مكونات بناء القوة، قال المعهد: "يجب على المؤسسة الدفاعية ومجتمع المخابرات التكيف مع الواقع الذي يشكل فيه السلوك التركي مخاطر على إسرائيل ومصالحها الحيوية ويجب فحص الآثار المترتبة على التكثيف البحري للبحرية التركية بعناية، ولا بد من متابعة التطورات في المجال النووي في تركيا ويجب أن تتم مراقبة أنشطتها في القدس، وتبذل جهود لتحييد نفوذها في شرق المدينة".

وهناك مجال لفحص مخصص لما إذا كان بإمكان موسكو المساعدة في كبح التطلعات التركية، الأمر الذي قد يؤدي عاجلا أم آجلا إلى إثارة الاضطرابات حتى بين الأقليات المسلمة الكبيرة في روسيا. وعلى إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار حساسيات الجالية اليهودية في تركيا، التي تتمتع بحماية الحكومة، وفق المعهد.

 طموحات تركيا

ويصف الباحثون تركيا، التي كانت في العهد العثماني القوة المهيمنة في المنطقة بأسرها، وقوة عالمية، من أكبر وأهم دول الشرق الأوسط، فعدد سكانها يعادل تعداد سكان إيران الذي يتجاوز 84 مليون نسمة وهو ثاني أكبر تعداد سكاني في المنطقة بعد مصر ويعتبر اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد بعد السعودية، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 744 مليار دولار، وهو ما يجعلها عضوا في مجموعة العشرين.

وأيضا موقعها الإستراتيجي في غرب آسيا، عند المشارف الجنوبية الشرقية لأوروبا، على شاطئ شرق البحر المتوسط والبحر الأسود وسيطرتها على مضيق البوسفور يمنحها أهمية إستراتيجية إضافية، كذلك تُعد قواتها العسكرية ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بعد الولايات المتحدة.

ويشير الباحثون إلى أنه على الرغم من بقائها عضوا في الناتو (الذي يفتقر إلى آلية إصدار تحالف متمرد)، فقد ابتعدت تدريجيا عن الغرب، بعد محاولة فاشلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي استخدمها الحزب الحاكم كذريعة لتحييد السلطة السياسية للجيش.

ولفت معدو الدراسة إلى أن حزب العدالة والتنمية، يمكن وصفه بأنه النسخة التركية من جماعة الإخوان المسلمين، رغم وجود أصوات أكثر اعتدالا في صفوفه، يكمن مصدر قوتها في المناطق التقليدية للقرية، وكذلك في النمو الاقتصادي الذي نقل ملايين الأتراك إلى صفوف الطبقة الوسطى، ومن هنا حذر أردوغان من الإجراءات التي يمكن أن تضر بالاقتصاد التركي الموجه للتصدير والمندمج في النظام الاقتصادي العالمي والذي يعتمد على صناعة السياحة.

في بداية حياته المهنية، نأى أردوغان بعناية وبعد ذلك بقوة أكبر، عن تراث مصطفى أتاتورك العلماني، الذي فرضه مؤسسو الجمهورية على تركيا منذ عام 1937، وتحت قيادته، لا تهتم تركيا بإخفاء ظلال العثمانيين الجدد والإسلاميين، وينعكس ذلك في السياسة الخارجية والأعمال الرمزية، مثل تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد.

ويستعرض هذا المقال التغييرات العميقة في النظام السياسي التركي وسياسته الخارجية بالقول: "حتى لو انتهى عهد أردوغان فليس من المتوقع أن يختفي كل ذلك، وفي ظل هذه التطورات هناك مخاطر على المصالح الإسرائيلية".

وأشار الباحثون إلى أن السياسة الخارجية التركية تستند إلى الشعور بالسلطة الوطنية للنخبة السياسية والأمنية، والتي كانت موجودة على مستويات متفاوتة، حتى قبل عهد أردوغان. 

ولعبت القوة العسكرية التركية دورا في تحقيق الاستقرار خلال الحرب الباردة، وقاتلت القوات التركية جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة في كوريا (ولكن ليس في فيتنام) وأفغانستان. 

وأدت عضوية الناتو، التي كان لتركيا فيها وزن عسكري وجيوسياسي كبير، إلى تكثيف هذه المشاعر. 

ومن العوامل الموضوعية الأخرى التي تعزز أهمية تركيا، من وجهة نظرها الذاتية وفي الخطاب الدبلوماسي مع أوروبا، أنها "جسر طاقة" من الشرق، إضافة إلى قدرتها على تنظيم الهجرة الجماعية غير المرغوب فيها. 

اكتشاف حقل غاز في البحر الأسود، على الرغم من أن حجمه لا يزال غير واضح وسيستغرق استغلاله وقتا، تم تقديمه بالفعل كمورد سيجعل البلاد مستقلة بقوة، وربما أيضا لاعبا مهما في سوق الطاقة الدولية.

على المستوى الأيديولوجي، ترافق منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وبشكل أكبر في السنوات الأخيرة، بتطلعات لترسيخ مكانة تركيا كزعيم طبيعي للعالم الإسلامي إلى حد الدعوات في دوائر معينة لتجديد الدعاوى. 

 تغير الهوية

وتطرق الباحثون إلى أتاتورك وخلفائه الذين عملوا بقوة على علمنة التاريخ ومحوه في ظل هذه الخلفية، حيث أصبحت تركيا نشطة في منظمة الدول الإسلامية (OIC). 

في عام 2004، تم تعيين ممثل تركي سكرتيرا للمنظمة وعمل في هذا المنصب لمدة 10 سنوات واستضافت تركيا أيضا قمتين في عضوية المنظمة (2016، 2017).

حتى أن أنقرة حاولت إدارة منظمة تعاون اقتصادي كما تنبأ بها رئيس الوزراء التركي الإسلامي السابق نجم الدين أربكان (1996-1997) وهناك منظمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، تُعرف باسم D-8 والتي تضم 8 دول إسلامية رئيسية (إندونيسيا، إيران، بنغلاديش، ماليزيا، مصر، نيجيريا، باكستان وتركيا).

وأشار الباحثون بالمعهد إلى أنه خلال عهد أردوغان، انضمت تركيا إلى القوة المالية القطرية لدعم الحركات الإسلامية (بما في ذلك حماس) على الرغم من التنافس مع إيران في عدد من المجالات، والفجوة في تصور الإسلام بين التطرف الشيعي والسني.

ورغم ذلك، قالوا: إن أنقرة لم تتردد في استضافة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد (الذي يعتبر شخصا غير مرغوب في الغرب) ولا يزال يساعد بلاده، لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، على الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي. 

ولفت معدو الدراسة إلى أن موقف تركيا من تنظيم الدولة كان غامضا في أحسن الأحوال، حيث كانت القوة الرئيسية التي حاربت في البداية ضد الزخم التوسعي للتنظيم هي الأكراد في شمال سوريا، وفق المعهد.

وانعكس دعم أردوغان لحركة المقاومة الإسلامية حماس (كذراع فلسطيني للإخوان المسلمين) في رد فعله الغاضب على عملية الرصاص المصبوب (العدوان على غزة) في ديسمبر/كانون الأول 2008 -يناير/كانون الثاني 2009، حيث عمل مع قطر لإنهائها، ثم هاجم علنا الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس، في حادث دافوس. 

حتى بعد الاعتذار واستعادة العلاقات عام 2013 عقب حادثة سفينة مافي مرمرة، استمر الدعم الواضح من تركيا لحركة حماس، رغم حرص أردوغان على عدم الإضرار بالعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، والتجارة مع الأردن والخليج عبر ميناء حيفا. 

وخلص الباحثون إلى أن تركيا تستضيف ناشطي حركة حماس، ومنحت مؤخرا الجنسية التركية لكبار أعضاء الحركة، كما اتخذ أردوغان خطا عدائيا ضد التطبيع بين إسرائيل والإمارات، وفق وصف المعهد.