تقرير الحالة العربية: سبتمبر/أيلول 2020

12

طباعة

مشاركة

المحتويات
مقدمة
المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي
  • العراق
  • السعودية
  • قطر
المحور الثاني: الحالة السياسية
  • الحالة الفلسطينية
  • الحالة اليمنية
  • الحالة الليبية
  • الحالة المصرية
  • الحالة اللبنانية
  • الحالة السورية
المحور الثالث: الاقتصاد العربي
  • إفلاس أرابتك واستمرار انهيار الشركات الكبرى بالإمارات
  • تراجع الإنفاق بالسعودية في 2021، والعجز يصل إلى 12% في 2020
  • مصر وتونس تعانيان من أداء قطاع السياحة
المحور الرابع: الحالة الفكرية 
  • معركة الشعوب بين الوعي وتزييف الوعي
  • الأستاذ الإمام محمد الغزالي (في ذكرى ميلاده)
خاتمة

مقدمة

كل شيء يتسم بعدم الاستقرار في المنطقة العربية، بسبب غياب الديمقراطية، وسيطرة الاستبداد، ووجود خرائط سياسية واجتماعية، وجغرافية غير معبرة عن رغبات الشعوب، ولكنها من صنع قوى إقليمية ودولية، وكذلك بمساهمة من حكام وساسة تأسرهم مصالحهم الضيقة.

وفي حين طال الحراك الشعبي في بيروت على مدار فترة اقتربت من عام، دون الوصول إلى نتائج إيجابية تنتشل لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية، واستمرار دوامة عدم الوصول لتشكيل حكومة يمكنها العبور بالبلاد إلى بر الأمان، أتى حراك مصر الذي انطلق في 20 سبتمبر/أيلول، متجاوزا التوقعات من حيث المشاركون فيه، أو المناطق التي انطلق منها، ليضع سيناريوهات مفتوحة تجعل المتابع للشأن المصري لا يسلم بتوقعات معينة، ولكن تظل الأوضاع تحمل في طياتها سيناريوهات ربما لا يتوقعها أحد، قد تشبه ما حدث في يناير 2011.

في هذا الشهر، حرص تقرير الحالة العربية على متابعة أوضاع فيروس كورونا في المنطقة العربية، وأداء بعض الحكومات تجاه الجائحة، كما تناول محور الحالة السياسة النقاط الساخنة، والتي تشكل حالة من الاستمرارية في الأداء السلبي، كما هو الحال في سوريا وليبيا ولبنان ومصر وغيرها من الدول التي تناولها المحور.

أما الاقتصاد العربي، فلم يكن أحسن حالا، فما الاقتصاد إلا مرآة للواقع السياسي، وقد تناول المحور ثلاث قضايا مهمة، هي إفلاس شركة أرابتك الإماراتية، وكذلك تنبؤات أداء الاقتصاد السعودي في عام 2021، حسبما تضمنها البيان التمهيدي للميزانية السعودية لذات العام.

وأخيرا أشار المحور الاقتصادي إلى مشكلات قطاع السياحة في كل من مصر وتونس. وتضمن محور الحالة الفكرية موضوعين مهمين، هما الوعي وتزيفه في معارك الشعوب، وذكرى ميلاد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله. 

المحور الأول: كورونا في الوطن العربي

بمرور نحو ما يزيد عن 9 أشهر منذ ظهور (COVID-19) المعروف باسم فيروس كورونا، ضربت الجائحة معظم دول العالم، وبلغت عدد الإصابات المكتشفة ما يربو على 34 مليون حالة حول العالم منذ بداية الأزمة في ديسمبر/ كانون الأول 2019 حتى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2020، توفي منهم ما يربو على مليون و17 ألفا و 406 إنسان.

كان نصيب العالم العربي من هذه الإصابات نحو مليون و522 ألف إصابة، بنسبة قدرها 4.46% من مجمل الإصابات المكتشفة حول العالم، وبلغت الوفيات في الدول العربية نحو 28246 وفاة، أي بنسبة بلغت 2.78% من إجمالي وفيات العالم جراء هذا الفيروس (كل الأرقام التي وردت، وسترد، في هذه الورقة، مستمدة من موقع "Worldometer" الإحصائي العالمي).

وبما أن نسبة سكان الوطن العربي إلى سكان العالم تبلغ نحو 6.6%. فإن هذه الأرقام تعني -نظريا- أن العالم العربي في حال أفضل من الأقطار الأخرى، أو أن منظومته الصحية قد استطاعت السيطرة على المرض بشكل كبير.

بيد أنه من المعلوم في الإحصاء أن الأرقام والإحصاءات لا تعبر -بالضرورة- وحدها عن الواقع، بل قد تبدو -أحيانا- مغايرة لما عليه الواقع، فلا بد من النظر وراء هذه الأرقام حتى نستطيع النظر ما إذا كانت دلائل هذه الأرقام صحيحة أم لا.

ومن المعلوم أن عدد الإصابات -على وجه التحديد- لا يعبر عن نجاح أو فشل الدولة أوالمنظومة الصحية في مواجهة الفيروس، بل إنه العامل الأقل أهمية على الإطلاق في التقييم، حيث تتعدد العوامل التي تمثل أهمية أكبر بالنسبة للتقييم، فنسبة الوفيات إلى المفحوصين، عدد الفحوصات اليومية، نسبة الفحوصات المجراة إلى عدد السكان، الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة قبيل انتشار المرض وبعده، كذلك نسبة المصابين إلى المفحوصين، كل هذه العوامل وغيرها لا بد أن توضع في الميزان حتى يكون التقييم أكثر انضباطا وواقعية.

تحاول هذه الورقة استكمال ما بُدئ في الأشهر الماضية من رصد وتحليل للأرقام المعلنة من قبل الحكومات العربية حول فيروس كورونا ومدى انتشاره في بلدانهم.

بشكل عام، فإن عدد الإصابات المكتشفة في الدول العربية تصاعد خلال شهر سبتمبر/ أيلول بنحو 283,869 حالة مكتشفة، ففي أغسطس/آب، بلغ عدد الحالات المكتشفة نحو مليون و 238 ألف مصاب، إلا أن الرقم تجاوز المليون و520 ألف مصاب هذا الشهر.

كما أن الوفياتِ تصاعدت بنحو 28% خلال نفس الفترة الزمنية. وبلغت نسبة الوفيات إلى المصابين في العالم العربي نحو 1.9% خلال سبتمبر/أيلول، بينما بلغت نفس النسبة خلال الشهر الماضي نحو 2%.

يظهر أن نسبة الوفيات هذا الشهر في المنطقة العربية مساوية لنظيرتها العالمية، حيث بلغت نحو 1.9%.

تبدو نسبة الوفيات العربية إيجابية نسبيا بالنسبة للمعدل العالمي، إلا أنه لا ينبغي إغفال أن عدد الوفيات أو الإصابات المكتشفة يتأثر بشكل كبير بعدد فحوصات الـ PCR التي تجريها كل دولة، حيث إن السبيل الوحيد لحساب الإصابات أو الوفيات من هذا الفيروس هو اكتشاف حامليه عن طريق هذا التحليل، ففي حالة عدم إجراء الفحوصات، قد يموت الكثيرون دون معرفة السبب الحقيقي وراء موتهم، سواء كان كورونا أو غيره.

لمحاولة رصد ما وراء هذه الأرقام، سواء كانت إيجابية أو سلبية، سيحاول التقرير البحث في الأرقام الصادرة عن كل دولة على حدة. وسيعتمد على الترتيب التنازلي من حيث عدد الإصابات، وسيكتفي بأخذ الدول أصحاب المراكز الثلاثة الأولى من حيث أعداد الإصابات.

العراق:

استمر تصاعد الحالات في العراق، حتى احتلت المركز الأول في عدد الإصابات المكتشفة في المنطقة العربية لأول مرة منذ ظهور الجائحة، كما ارتفع ترتيبها عالميا لتصل إلى السادس عشر.

 بلغ عدد الحالات المكتشفة -حتى كتابة السطور- منذ بداية الأزمة 362,981 حالة، بزيادة قدرها نحو 132 ألف حالة عن الشهر السابق، وهي الزيادة الأكبر منذ ظهور الجائحة.

 كما بلغت حالات الوفاة نحو 9,181 حالة، بزيادة قدرها 2,222 حالة عن سابقه، أي أن نحو 25% من وفيات كورونا في العراق حدثت خلال الشهر الأخير، وهو سبتمبر/ أيلول 2020، مما يشير إلى حجم التصاعد الدراماتيكي في حدة الفيروس هناك.

تبلغ نسبة الوفيات نحو 1.7% من إجمالي الحالات الإيجابية المكتشفة خلال هذا الشهر، وهي نسبة جيدة مقارنة بالنسبة العالمية خلال نفس الفترة الزمنية، والتي تقدر بنحو 1.9%. بينما تبلغ نسبة الوفيات الإجمالية منذ بداية الأزمة نحو 2.5% من إجمالي الحالات المكتشفة خلال نفس المدة، وهي كذلك نسبة معقولة.

أجرى العراق نحو 2 مليون و 266 ألف فحص منذ بداية الأزمة (منهم 679,029 فحصا خلال هذا الشهر فقط)، وهو الرقم الأكبر بالنسبة للبلد منذ بداية الجائحة، كما زادت خلال هذا الشهر نسبة عدد المفحوصين من كل مليون نسمة إلى 56,043 فحصا، ولا تزال هذه النسبة صغيرة نسبيا مقارنة بالنسب العالمية.

إلا أن جميع المؤشرات تشير إلى استمرار التحسن في أداء المنظومة الصحية في العراق مقارنة بالأشهر الماضية، بيد أن ذلك لا ينفي أنها لا تزال منظومة ضعيفة نسبيا مقارنة ببقية الدول، وذلك بفعل الحروب والفساد الذي تعاني منه البلاد منذ عشرات السنين.

السعودية:

لأول مرة منذ ظهور الجائحة في الوطن العربي، تتراجع السعودية عن المركز الأول، لتحل المملكة ثانيا على مستوى الوطن العربي من حيث عدد الحالات الإيجابية المكتشفة، وكذلك تراجع ترتيبها لتصل إلى المركز السادس عشر عالميا.

وبلغ إجمالي مصابي المملكة منذ بداية الأزمة 334,981 مصابا، بزيادة قدرها نحو 20 ألف مصاب، وهو رقم جيد نسبيا مقارنة بوضع السعودية من ذي قبل، حيث بلغت الزيادة في الشهر السابق نحو 40 ألف مصاب، والشهر الذي سبقه نحو 92 ألف مصاب، مما يشير بشكل واضح إلى تراجع معدل زيادة الانتشار في المملكة.

وبلغ إجمالي الوفيات 4,768 منهم نحو 898 وفاة خلال سبتمبر/أيلول، ويجدر الذكر أن عدد الوفيات خلال أغسطس/آب فقط كانت تقدر بنحو 1,028، والشهر الذي سبقه كانت الوفيات خلاله نحو 1300، وهو ما يشير أيضا إلى انحسار الخطورة بشكل نسبي في المملكة.

ورغم إيجابية المؤشرات السابقة، إلا أن نسبة الوفيات هذا الشهر تمثل نحو 4.5% من إجمالي عدد الحالات الإيجابية المكتشفة، وهي نسبة سيئة مقارنة بالنسب العالمية.

ومن حيث فحوصات الـ PCR، أجرت المملكة نحو 6,491,493 فحصا منذ ظهور الفيروس لديها مطلع مارس/ آذار 2020، منهم نحو مليون ونصف فحص خلال هذا الشهر فقط، ليصل بذلك عدد المفحوصين لكل مليون نسمة 185,758 فحصا، وهي نسبة جيدة مقارنة بنسب المنطقة العربية، وكذلك ببقية دول العالم.

قطر:

احتفظت قطر بالمركز الثالث عربيا من حيث عدد الإصابات المكتشفة، لكنها تراجعت 4 مراكز لتصل إلى المركز 30 عالميا. بلغ عدد الإصابات منذ ظهور الفيروس فيها مطلع شهر مارس/ آذار نحو 125,760 مصابا، أي بزيادة قدرها 7,158 مصابا عن الشهر السابق.

كما بلغت وفيات الدولة منذ بداية الأزمة نحو 214 وفاة، منهم 17 حالة وفاة فقط خلال هذا الشهر، أي بنسبة 0.2% من إجمالي الوفيات خلال الشهر، وهي نسبة جيدة جدا مقارنة بالنسب العربية والعالمية.

ويجدر الذكر إلى أن الوفيات خلال أغسطس/آب كانت تزيد عن سابقها بـ 26 وفاة، وهو ما يشير كذلك إلى التحسن النسبي في وضع الجائحة في دولة قطر.

ومن حيث فحوصات PCR، أجرت الدولة نحو 775,914 فحصا، منهم 151,305 فحصا خلال سبتمبر/أيلول فقط، ليصل بذلك عدد المفحوصين لكل مليون نسمة 276,342  فحصا، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بنسب المنطقة العربية، وكذلك هي من أعلى النسب على مستوى العالم، وهو مؤشر جيد، وبلا شك ساهم في تحقيق المؤشرات الإيجابية للمرض في قطر.


المحور الثاني: الحالة السياسية

شهد شهر سبتمبر/ أيلول 2020 أكبر انتكاسة علنية تجاه القضية الفلسطينية، فدولتان من أثرى دول المنطقة -الإمارات والبحرين- سارعتا إلى تطبيع كامل للعلاقات مع دولة الكيان المحتل، في مسعى لإنشاء تحالف إقليمي جديد على حساب الفلسطينيين.

ولاستكمال المخطط، يبدو أن هناك جهات تدبر لاستبدال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بمحمد دحلان، المقرب من أبوظبي وتل أبيب. في أثناء ذلك، يحاول الفلسطينيون برعاية تركية استجماع شتاتهم ويسيرون نحو مصالحة فلسطينية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني.

بينما تبقى اليمن على حالها، فلا يزال التوتر العسكري والميداني سيد الموقف بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك رغم إعلان السعودية نهاية يوليو/ تموز 2020 آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض الأول.

بينما الكارثة الإستراتيجية تتشكل في الجنوب اليمني، وتحديدا في جزيرة سقطرى، حيث تحاول أبوظبي تعزيز سيطرتها على الجزيرة، وسط أنباء عن تعاون استخباراتي كبير بين الإمارات وإسرائيل في الجزيرة.

ويستمر الهدوء الليبي المؤقت، في ظل عدة جولات تفاوض بين الأطراف المتصارعة، في المغرب وروسيا. إلا أن كثيرين يشككون فيما إذا كانت هذه الجولات ستستطيع التوصل إلى حل شامل للأزمة الليبية.

وفجر تلويح فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، بالاستقالة، أفكارا وتساؤلات حول دوافع هذا القرار، وكذلك حول الآثار المترتبة عليه بالنسبة للحكومة الشرعية بشكل خاص، وللصراع الليبي بشكل عام.

كان العنوان السياسي الأبرز في مصر هو حراك 20 سبتمبر/أيلول الذي دعا إليه الفنان والمقاول المصري، محمد علي. استمر الحراك أكثر من 8 أيام متتالية، في سابقة هي الأولى من نوعها من أحداث انقلاب يوليو/ تموز 2013.

وفي لبنان، اعتذر مصطفى أديب، رئيس الحكومة المكلف، عن مهمة تشكيل الحكومة طبقا للمبادرة الفرنسية التي أطلقها إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، عقب انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020. وأصابع الاتهام تُوجَّه إلى الطائفة الشيعية، بمكونَيْها السياسيين الرئيسيين، حركتي "حزب الله" و "أمل". وهو ما ساهم في إشعال فتيل صراع إقليمي حول البلدة المنكوبة.

بينما يستمر الوضع السوري على حاله، توترات ومناوشات دائمة، دون تغيير كبير في المشهد، إلا أن هناك محاولات روسية تستهدف الضغط على تركيا لتعديل بنود الهدنة المنعقدة بين الطرفين في مارس/ آذار 2020.

الحالة الفلسطينية

  • تحالف إقليمي جديد على حساب القضية الفلسطينية

تتعرض القضية الفلسطينية منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي في 1948 لمحاولات مختلفة لإنهائها بشتى السبل، وكان من الطبيعي أن يكون الكيان الإسرائيلي هو رأس الحربة في ذلك.

لكن الجديد هو اشتراك بعض الدول العربية -وبشكل علني- في محاولة لتصفية القضية التي تُعتبر الأولى بالنسبة للعرب على مدار عقود طويلة.

ففي الخامس عشر من سبتمبر/أيلول 2020، وقعت كل من الإمارات والبحرين "اتفاق سلام" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو.[1]

ورغم أن الإمارات ليست الدولة الأولى التي توقع اتفاق تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، حيث سبقتها مصر عام 1979، والأردن عام 1994، إلا أن الكثير من المراقبين –بمن فيهم الإسرائيليون- اعتبروا أن ما فعلته أبوظبي على وجه التحديد مختلف عما فعلته القاهرة وعمَّان في السابق.

فالعلاقات بين أبوظبي والاحتلال لم تشهد حروبا وتوترا كما كان الأمر في حالة مصر والأردن، كي يدفعها ذلك لعقد اتفاق سلام. كذلك فإن الاحتفاء الإماراتي الواسع بالتطبيع- والتي تعمل الحكومة الإماراتية على أن يأخذ طابعا شعبيا- لم يكن حاضرا في الحالة المصرية والأردنية.

لذلك لا تُعتبر الخطوة الإماراتية-الإسرائيلية تطبيعا عاديا، بل هي تحالف كامل بين الإمارات ودولة الاحتلال، وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في المنطقة.

والأمر ليس خفيا، حيث لم يترك مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي مجالا للتكهنات، فصرح أن اتفاق الإمارات وإسرائيل هو تحالف لمواجهة إيران[2]. لذلك أعلنت طهران بُعَيد الاتفاق رفضها القاطع له، وحذرت "الحكومات المطبعة" من تحمل "عواقب" ما وصفته بأي "مساس" إسرائيلي لأمن المنطقة، معتبرة أن الدول المطبعة شريكة للاحتلال في جرائمه.

تركيا ليست بعيدة أيضا عن التحالف المعلن عنه حديثا، حيث نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالا لمدير تحريره ديفيد هيرست، يدلل فيه على أن تركيا هي الهدف من "تكالب الدول العربية في الخليج على التصالح مع إسرائيل". واستشهد هيرست بالتحالف العربي المكون من (مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين) والذي يعارض الدور التركي برمته في المنطقة.

وذكر سلسلة من التصريحات – التي وصفها بالمنسقة بدقة- الصادرة عن الزعماء العرب الذين التقوا في الجامعة العربية، والتي زعموا فيها أن الغازي الأجنبي الجديد الذي يهدد العالم العربي ليس إيران ولا حتى روسيا، وإنما تركيا[3].

الأمر الذي يؤكد ما ذهب إليه "هيرست"، هو أنه ولأول مرة أدرجت الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" (أمان) أنقرة لأول مرة على قائمة التهديدات للأمن القومي في تقريرها السنوي[4]. كما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن رئيس جهاز الموساد يوسي كوهن –الذي زار أبوظبي مؤخرا- قوله: "إن تركيا أخطر على إسرائيل من إيران"[5].

يأتي التحالف الجديد في وقت أصعب ما يكون على الشعب الفلسطيني وقضيته، حيث سبقه الإعلان عن ما يسمى "صفقة القرن"، التي قوبلت بالرفض من كل أطياف الحركات السياسية والشعبية الفلسطينية، والتى تهدف إلى تجريد الفلسطينيين من أي أمل لقيام دولة لهم ذات سيادة، مقابل خطة استثمارية بقيمة 50 مليار دولار[6]. كما أن هناك خطة الضم التي تحاول من خلالها دولة الاحتلال اقتطاع أراض جديدة من الضفة الغربية وضمها تحت سيادتها[7].

وهناك دلالة واضحة ينطوي عليها توقيت إعلان اتفاقات التطبيع الحالية، والاتفاقات المتوقع حدوثها قريبا. ففي حلقة من برنامج "ما خفي أعظم" الذي تبثه قناة الجزيرة، تحت عنوان "الصفقة والسلاح"، ذكر عامي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، أن إسرائيل لا تستطيع نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بنفسه، لأنها –حسب وصفه- عقيدة، قبل أن تكون حركة مقاومة[8].

لذلك قال "أيالون": إن الاحتلال الإسرائيلي اتجه إلى محاولة "خلق واقع سياسي مختلف" يمكنه من نزع سلاح المقاومة الفلسطينية على المدى البعيد. ولا يخفى- بطبيعة الحال- أن الواقع الجديد المراد فرضه هو نزع القضية الفلسطينية من الحالة الشعبية العربية عامة.

في هذا السياق، يمكن فهم سبب حملات الترويج التطبيعية التي تشنها قنوات كثير من الدول العربية، والتي تصور الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي كإنجاز تاريخي يجب الاقتداء به[9].

صحيفة "هآرتس" العبرية أيضا قالت: "إن الفلسطينيين يظهرون الآن كأكبر الخاسرين من الاتفاق". ودللت على ذلك بالجفاء المتزايد من الأنظمة العربية نحو القضية الفلسطينية، كتجاهل الجامعة العربية التعهد بتحويل 100 مليون دولار شهريا للسلطة، ووقف الضغوط السياسية على الكيان من قبل مصر والسعودية، والهدوء النسبي المصاحب لنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بضم هضبة الجولان.

وأضافت الصحيفة العبرية أن المبادرة العربية -التي تمت المصادقة عليها عام 2002، والتي كانت تشكل أملا للفلسطينيين في قيام دولتهم- لفظت أنفاسها الأخيرة بعد خطوة الإمارات، وعدم معارضة السعودية لها[10].

  • رغبة في استبدال عباس بدحلان

في خضم هذه الضغوطات على الفلسطينيين، قيادة وشعبا وحركات مقاومة، نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال، ديفيد فريدمان، تصريحا أثار غضبا فلسطينيا، حيث قال: إن واشنطن تسعى لاستبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس واختيار محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقيم في الإمارات".

ورغم تعديل الصحيفة للتصريح لاحقا، بوضعه في صيغة النفي، إلا أن التنديد الفلسطيني كان واسعا[11]. ربما لأن جوهر ما قاله السفير الأميركي ليس جديدا، حيث إن محاولات "دحلان" للرجوع للساحة السياسية الفلسطينية لم تنقطع، وربما لأن الصحيفة التي نقلت الخبر مقربة من "نتنياهو"، ومن الصعب أن يخرج مثل هذا التصريح على سبيل الخطأ.

كذلك فإن هناك مراقبين لم يقتنعوا بالتعديل الذي قامت به الصحفية الإسرائيلية، التي يعتقدون أنه جرى توظيفها لنقل رسائل تحذيرية للسلطة الفلسطينية. ورأى بعضهم أن الحديث عن بديل لعباس ما هو إلا وسيلة تستعملها الإدارة الأميركية للضغط على السلطة الفلسطينية ومطالبتها بمزيد من التنازلات[12].

وأيا يكن الأمر، فإن "دحلان" مناسب لخطط الاحتلال وداعميه لتصفية القضية الفلسطينية، حيث لعب في العام 2019، دورا مهما في الترويج لـ"صفقة القرن"، كما سهل عدة اجتماعات بين مسؤولين إماراتيين مثل مستشار الأمن القومي "طحنون بن زايد"، ورئيس الموساد الإسرائيلي "يوسي كوهين"، ومسؤولين إسرائيليين آخرين[13].

لكن تبقى مقدرة داعمي "دحلان" لتنصيبه على رأس السلطة الفلسطينية محل شك في ظل المعطيات الحالية، فقد أكد بعض المسؤولين الفلسطينيين أنه إذا عاد "دحلان" إلى الضفة الغربية فسيحاكم بتهمة الفساد. بينما يقول مراقبون آخرون بأن رجوعه للعب دور سياسي في فلسطين لن يكون سهلا، لكنه احتمال يظل قائما على أية حال[14].

بدورها، شنت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية حملة اعتقالات واسعة، تستهدف ناشطين في "تيار الإصلاح الديمقراطي" التابع لدحلان.

ورغم نفي الناطق باسم قوى الأمن في الضفة الغربية اللواء عدنان الضميري أن تكون الاعتقالات على خلفية سياسية، وتأكيده أنها أتت فقط بناء على "مخالفات قانونية"، صرح مصدر قيادي في حركة فتح للجزيرة نت، أن الاعتقالات جاءت "غضبا" من السلطة على دور دحلان في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وبناء على تعليمات مباشرة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس[15].

  • خطوات جادة نحو المصالحة الفلسطينية

في الأثناء، أخذت الفصائل الفلسطينية خطوات لمواجهة محاولات حصارها وتصفية قضيتها. أهمها –حتى هذه اللحظة- الحديث عن محاولات جادة لتحقيق المصالحة الوطنية التي طال انتظارها بين حركتي فتح وحماس.

وكما ذكر عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حسام بدران، فإن "الحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية أمام صفقة القرن والهرولة إلى التطبيع، عجلت من التوصل إلى اتفاق بين حركتي فتح وحماس، من أجل مواجهة هذه المخاطر"[16].

واحتضنت مدينة إسطنبول لقاءات بين حركتي فتح وحماس، انتهت بالإعلان عن الاتفاق على "رؤية"، ستقدم لحوار وطني شامل، بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات: "إن اجتماعات حركتي التحرير الوطني "فتح" والمقاومة الإسلامية "حماس"، في تركيا، تركزت على إجراء الانتخابات العامة في أراضي السلطة الفلسطينية"[17].

وحسب بيان صحفي صدر في 24 سبتمبر/أيلول بعد اجتماع عقد في القنصلية الفلسطينية في إسطنبول، فإن فلسطين ستشهد 3 انتخابات خلال الأشهر المقبلة.

ستجرى الانتخابات التشريعية، حيث جرت الأخيرة في عام 2006 وأسفرت عن فوز "حماس" بأغلبية المقاعد وتشكيل حكومة "إسماعيل هنية" التي لم تدم طويلا.

وتتضمن الخطة بعد إجراء الانتخابات التشريعية في الضفة الغربية وغزة وشرق القدس، تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة. يتبع ذلك انتخابات رئاسية. وصرح "عباس" مرارا وتكرارا أنه ليس لديه أي خطط للترشح للمنصب مرة أخرى[18].

وفيما يبدو فإن هناك حالة من التفاؤل حول الاتفاق، حيث وصف رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إسماعيل هنية، الاتفاق بـ"الإيجابي الذي يمهد الطريق أمام الحوار الوطني الشامل"[19]. بينما قال حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح": إن الحوار بين حركته، وبين "حماس" إيجابي ومثمر وبناء[20].

وتبين مجريات الأحداث، أن الأطراف الفلسطينية باتت أقرب إلى تركيا منها إلى الدول العربية التي اعتادت على التوسط بين الفرقاء في فلسطين، كمصر والسعودية، حيث طلب "عباس" مؤخرا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم التوجه الفلسطيني نحو تحقيق المصالحة والذهاب للانتخابات[21].

ولا يخفى أن سبب هذا التقارب هو موجة التطبيع الحالة التي باركتها كثير من الدول العربية سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي. في حين تبنت تركيا القضية الفلسطينية، من خلال تذكير العالم بمعاناة الشعب الفلسطيني وحقه في حريته واستقلاله، وتقديم الدعم له، ولو ما زال محدودا في بعض جوانبه[22].

الحالة اليمنية

  • آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض لا تعمل

بعد مرور نحو 60 يوما على إعلان السعودية تطبيق ما أسمته "الآلية الجديدة لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض"[23]، لا تزال الأوضاع السياسية والميدانية متشابكة على حالها دون تغيير يُذكر.

فرغم أن الآلية الجديدة اقتضت أن تُنجَز مهمة تشكيل حكومة الكفاءات بالتناصف بين الشمال والجنوب خلال مدة أقصاها 30 يوما من تاريخه[24]، فإن المدة انتهت، وانتهت مثيلتها كذلك، ولا تقدم يلوح في الأفق، بينما تبقى التوترات هي سيد الموقف.

إذ صعد المجلس الانتقالي الجنوبي -المدعوم إماراتيا- ضد السعودية بسبب عدم صرف مرتباتهم ومستحقاتهم للشهر السادس على التوالي[25]، وذلك رغم أن هذه المستحقات كانت مشروطة بتنفيذ بنود اتفاق الرياض الأول الذي عقد في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وأهمها هو دمج قوات الانتقالي الانفصالية -والمقدر عددها بنحو 90 ألف مقاتل- تحت لواء الحكومة الشرعية النظامية، وهو بالطبع ما لم يحدث حتى اللحظة.

وهدد الانفصاليون -حال عدم صرف مستحقاتهم- بـ "إغلاق حدود المحافظات الجنوبية مع المحافظات الشمالية"، وكذلك منع دخول الوافدين إلى العاصمة المؤقتة عدن، كما لُوِّح بالسيطرة على السيطرة على المصادر الإيرادية بالعاصمة عدن والمحافظات الجنوبية، في إشارة ضمنية إلى إعادة تفعيل ما يسمى بـ "الإدارة الذاتية" التي تراجع عنها الانتقالي في 29 يوليو/ تموز 2020. هذا بالإضافة إلى احتجازهم لمرتبات متقاعدي الجيش الموالي للشرعية أثناء نقلها من عدن إلى محافظة تعز[26].

وإبرازا لمظاهر التوتر الميداني والسياسي المتصاعد حتى اللحظة، لا تزال قوات الانفصاليين المدعومة إماراتيا تحشد قواتها العسكرية في محافظة أبين الجنوبية، مسرح العمليات الحكومية ضد الحكومة الشرعية منذ مايو/ أيار 2020 [27]، فقد شوهدت نحو 40 مدرعة وعربة عسكرية تمر من العاصمة المؤقتة عدن باتجاه أبين.

وعليه، فلا تزال المناوشات والمعارك هي المهيمنة على المشهد المضطرب في محافظة أبين بين الشرعية والانتقالي، وذلك رغم أن السعودية أرسلت لجنة رفيعة المستوى إلى عدن في منتصف أغسطس/ آب 2020 لمراقبة تنفيذ بنود الاتفاق[28].

  • جزيرة سقطرى في يد إسرائيل

من ناحية أخرى، يبدو أن أمرا ما يدبر بليل في جزيرة سقطرى، فالإمارات التي ساعدت قوات الانتقالي الجنوبي على الانقلاب ضد قوات الحكومة الشرعية في جزيرة أرخبيل سقطرى الإستراتيجية في يونيو/ حزيران 2020، هي هي ذاتها التي تعمل اليوم على استبعاد عناصر الانتقالي من الجزيرة، وتضع بدلا منهم قوات إماراتية أو مرتزقة تابعين لها بشكل مباشر لوجستيا وولائيا وميدانيا، ولا علاقة لهم من قريب أو بعيد من أي طرف يمني.

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر في الحكومة الشرعية وأخرى في سقطرى بأنه في إطار تركيز الإمارات على تعزيز سيطرتها ونفوذها في الجزيرة، وصلت 3 دفعات من الجنود خلال الشهر بإشراف ضباط من الاستخبارات الإماراتية.

ووفق المصادر، يتراوح عدد الجنود ما بين 500 - 600 فرد حتى الوقت الحالي. كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين في السلطة المحلية بأن الجزيرة أصبحت منطقة أمنية إماراتية خاضعة للتنصت على الجميع من دون استثناء، إضافة إلى ترحيل من تشتبه فيهم الإمارات من سكان الجزيرة[29].

موقع "آر تي عربي" نقل عن موقع jforum (المنتدى اليهودي) الفرنسي تقريرا يضم معلومات تفيد بأن أبوظبي توفر لإسرائيل موطئ قدم في اليمن عبر جزيرة سقطرى، حيث سمحت الإمارات بإنشاء مرافق عسكرية واستخباراتية بالتنسيق بينها وبين الكيان المحتل، كما أفاد الموقع أن هذه المرافق ستخصص لرصد تحركات البحرية الإيرانية في المنطقة، وتحليل الحركة البحرية والجوية جنوب البحر الأحمر.

وأشار الموقع إلى أن إسرائيل بدأت منذ عام 2016 بناء أكبر قاعدة استخباراتية في حوض البحر الأحمر في جبل أمباساريا الواقع في إريتريا في المنطقة الإستراتيجية المطلة على مضيق باب المندب.

وبحسب الموقع، تجري إسرائيل والإمارات كافة الاستعدادات اللوجستية لإنشاء قواعد استخباراتية لجمع المعلومات في جميع أنحاء خليج عدن من باب المندب وصولا إلى جزيرة سقطرى التي تسيطر عليها الإمارات[30].

وتأكيدا على هذه المعلومات، نقلت صحيفة الاستقلال عن موقع ساوث فرونت الأميركي أن إسرائيل جلبت وفدا من الضباط الإسرائيليين لجزيرة سقطرى، وذلك من أجل إجراء مسح  لإنشاء محطات استخباراتية إسرائيلية إماراتية مشتركة، لمراقبة الحركة الملاحية في خليج عدن وبحر العرب وباب المندب، وتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني[31].

يبدو أن الإمارات تستغل أبناء اليمن وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي فيها لتنفيذ مآرب قد لا تضر في النهاية بمصلحة اليمنيين فقط، بل بالأمن القومي العربي بشكل كامل، حيث إن سيطرة إسرائيل على منطقة هامة جنوب شبه الجزيرة العربية، تمنحها تفوقا إستراتيجيا نوعيا على المنطقة العربية، حيث تسيطر من الجنوب عبر التنسيق في سقطرى، وكذلك من خلال القرب من مضيق باب المندب الإستراتيجي، إضافة إلى وجودها بذاتها في الشمال بالأراضي الفلسطينية المحتلة.

الحالة الليبية

  • مفاوضات بين المتصارعين.. هل ستفضي إلى مخرج؟

منذ أن حررت قوات حكومة الوفاق –المعترف بها دوليا- كامل الغرب الليبي من سيطرة مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، هدأت حدة المعارك بشكل شبه تام، وبدأ الحديث عن حل سياسي ليبي-ليبي برعاية دولية.

أكد ذلك ما جاء في البيانين الصادرين عن رئيس المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، ورئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق، عقيلة صالح، حيث أعلن الطرفان وقف إطلاق النار، والشروع في محادثات هدفها الوصول لحل سياسي[32].

وحسب خالد المشري، رئيس مجلس الدولة الليبي، فإن المسارات المتخذة في الحوار السياسي هي المسار الدستوري، ومسار السلطة التنفيذية، وثالث يتعلق بالمناصب السيادية.

المساران –الأول والثاني- مؤجلان، أما الثالث فقد بدأت المحادثات حوله بين وفد من المجلس الأعلى للدولة ونظير له من مجلس نواب طبرق، في منتجع بوزنيقة جنوبي العاصمة المغربية الرباط[33].

تمحورت هذه المحادثات حول "المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية الليبية بهدف توحيدها". والمناصب المعنية هي: محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورؤساء ديوان المحاسبة، وجهاز الرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد، وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، والمحكمة العليا، والنائب العام[34].

مفاوضات المغرب وإن كانت خطوة على طريق الحل السياسي، حيث تمخضت عن اتفاق الطرفين على مسودة نهائية لآلية تولي هذه المناصب الهامة، فإن مراقبين يشككون في فرص نجاحها. فالمفاوضات جرت حول مبادئ عامة قد يحصل الاتفاق عليها، لكن الاختلاف سيبرز عند تحديد أسماء من يشغلون هذه المناصب، وخصوصا منصب محافظ ليبيا المركزي الذي من الصعب أن يتنازل عنه أي طرف[35].

في وقت متزامن، جرت جولة تفاوضية أخرى بين الأطراف الليبية في مدينة جنيف بسويسرا من 7 إلى 9 سبتمبر/أيلول بحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا[36]. ورغم تعدد الجلسات الحوارية بين الطرفين، إلا أنها لا تعكس حقيقة الخلافات العميقة التي قد تقف حائلا دون الوصول لحل سياسي نهائي للنزاع.

فبحسب تعبير "المشري"، هناك مساحة كبيرة من "عدم الثقة" بين الأطراف، بسبب عدم القدرة على تجاوز الحواجز الموضوعة منذ سنوات. لذلك فإن الحكومة الليبية الشرعية تتفاوض "بحذر"، خشية تكرار الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، عدوانه على طرابلس[37].

بعيدا عن عدم الثقة، هناك نقاط جوهرية مختلف عليها بين الطرفين، وتنازل أي منهما عنها ليس سهلا. فحكومة الوفاق ترى في "حفتر" مجرم حرب، انقلب على الاتفاقات السياسية السابقة ولا يؤمن جانبه، لذا لا بد أن يكون خارج المشهد تماما. ورغم ظهور "عقيلة صالح" في معظم ما يخص جولات المفاوضات كممثل عن الشرق الليبي، فإن "حفتر" بشخصه لا يزال حاضرا في المشهد، بدعم إماراتي ومصري على وجه التحديد.

فقد صرح "صالح" غير ذي مرة أن هناك تنسيقا مع حفتر فيما يخص المجريات الحالية على الساحة الليبية[38]، وأنه مع حفتر في نفس المسار لحل الأزمة الليبية[39]. كذلك استقبلت القاهرة الرجلين نهاية سبتمبر/أيلول لمناقشة وقف إطلاق النار والمفاوضات الجارية[40].

كما أن القوة العسكرية ما زالت تحت إمرة حفتر، بل وقامت قواته بخروقات لوقف إطلاق النار بشكل متكرر[41]. كل هذه الوقائع والإشارات تدل بشكل واضح على أن المطلب الأساسي –إن جاز التعبير- لدى حكومة الوفاق، لن يلقى صدى في معسكر الشرق الليبي، وأن إزاحة حفتر عن المشهد ستشكل عقبة كبيرة في طريق الوصول لحل سياسي شامل.

ومن ناحية حفتر وداعميه، فإنهم يرون في قوات حكومة الوفاق مليشيات مسلحة غير شرعية، ويزعمون أن التدخل التركي الداعم للحكومة الشرعية احتلال يجب أن يخرج من الساحة الليبية.

لكن الوقائع تقول إن قوات الوفاق والدعم التركي الرسمي المقدم لها، هما ما جعلا كيان الحكومة الشرعية "حكومة طرابلس" قائما على الأرض حتى الآن. وبالتالي، فليس من المتوقع أن تتخلى الحكومة عن أسباب قوتها ووجودها. هذا فضلا عن أن قدرة "الوفاق" على فعل ذلك محل شك. لهذه الأسباب، يصعب القول إن نهاية هذه المحادثات ستشكل حلا شاملا للنزاع.

ترعى المؤسسات الدولية والدول الأوروبية الفاعلة –كألمانيا- المفاوضات الليبية-الليبية الجارية[42]، لكن على الجانب الآخر، هناك محادثات جارية بين تركيا وروسيا.

تهدف هذه الاجتماعات أيضا إلى تثبيت وقف إطلاق النار ودعم العملية السياسية. وصرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن بلاده اقتربت من اتفاق مع روسيا حول هذا الأمر[43].

ويصعب التأكد من تفاصيل المفاوضات التركية-الروسية، لكن تحاول تركيا تحييد مرتزقة "فاجنر" الروسية، حتى تؤمن على طرابلس من تجدد الهجوم، كما أنه بإخراج المرتزقة الروس من المعادلة، يتحلحل الوضع الليبي المعقد شيئا ما.

ورغم شح المعلومات، يصعب القول إن مسار تركيا في تفاوضها مع روسيا قد يتعارض مع مسار حكومة الوفاق الوطني في تفاوضها مع برلمان طبرق. فالحليفان –طرابلس وأنقرة- تربطهما مصالح وثيقة متبادلة، تُرجمت إلى اتفاقيات عسكرية واقتصادية، تتنامى بمرور الوقت.

كما أن تحقيق مصلحة كل طرف يعتمد بشكل رئيسي على وجود الطرف الآخر في المعادلة. ولذلك يمكن اعتبار المسارات التفاوضية المختلفة –من وجهة نظر الشرعية وداعميها- وسائل متنوعة للوصول إلى أهداف مشتركة، وهي إضعاف جبهة حفتر، وتأمين معسكر الشرعية وتثبيت أقدامه.

  • استقالة السراج.. الدوافع والآثار

في خضم هذه الجولات التفاوضية، أعلن رئيس المجلس الرئاسي في حكومة “الوفاق الوطني”، فايز السراج، استعداده لتقديم استقالته من منصبه وتسليمه السلطة بنهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول[44].

عدم ذكر السراج لأسباب استقالته المزمعة فتح الباب واسعا أمام التكهنات حول دوافع قراره، حيث قال بعض المراقبين: إن عزمه على ذلك تحصيل حاصل، وأنه أتى استباقا لما قد تتوصل إليه المفاوضات الجارية بين الفرقاء الليبيين من تغيير للحكومة الليبية القائمة[45]. بينما ذهب آخرون إلى أن دولا –أوروبية على وجه الخصوص- طلبت ذلك لتسهيل العملية التفاوضية الجارية[46].

لكن بعض المراقبين أكدوا أن السراج لم يتعرض لضغوط، بل يريد الخروج من المشهد لأسباب شخصية، حيث إنه يريد التنحي منذ فترة[47]. كذلك لم تكن التظاهرات التي شهدتها العاصمة الليبية، طرابلس، مؤخرا  ضد الحالة المعيشية، بعيدة عن الأسباب التي ذكرها المراقبون[48].

قد يكون سبب من هذه الأسباب، أو أكثر من سبب، هو ما دفع السراج لهذا الإعلان، لكن أيا تكن دوافعه، فإن عزمه الاستقالة أثار تساؤلات حول مستقبل حكومة الوفاق، وإلى أي مدى ستكون استقالته مؤثرة على الساحة الليبية عموما، وعلى معسكر الشرعية تحديدا.

في هذا السياق، جاء تصريح عضو المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق محمد عماري، أن شرعية الحكومة ليست مرتبطة بأي شخص مهما كان منصبه[49]. وحسب المادة الرابعة من الاتفاق السياسي فإن أحد نواب رئيس الحكومة هو من يتولى مكانه حال استقالته أو وفاته مع تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال. وعلى هذا، يكون النائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، هو المرشح الرئيسي لخلافة السراج[50].

وبرز "معيتيق" في الأسابيع الماضية من خلال إجرائه عدة زيارات خارجية، بدأها بروسيا ثم تركيا، وفي الأخيرة التقى بعدة مسؤولين على رأسهم وزير الدفاع خلوصي أكار، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لتقديم نفسه بديلا عن "السراج" حال استقال فعلا[51].

بينما يرى محللون أن غياب "السراج" المتوقع وتولي "معيتيق" سيولد حالة من الانقسام في معسكر الغرب الليبي السياسي والعسكري، كون "معيتيق" لا يلقى قبولا لدى قطاع كبير من الساسة والعسكريين هناك، خاصة مع وجود وزير الداخلية، فتحي باشاغا، المعروف بشعبيته الكبيرة، ومطالبة البعض بتوليه رئاسة الحكومة كبديل مقبول.

بينما يرى آخرون أنه لا يوجد احتقان في الغرب الليبي ضد معيتيق، وأن استقالة السراج –حال حدوثها- ستكون بداية جيدة لمحاولة تحسين أداء الحكومة[52][53].

الحالة المصرية

  • حراك 20 سبتمبر

على إثر دعوة وجهها الفنان والمقاول المصري محمد علي، اندلعت عدد من التظاهرات والاحتجاجات في الشارع المصري. كانت الدعوة قاصرة في البداية على يوم 20 سبتمبر/ أيلول، إلا أن المشاركة الشعبية مثلت دافعا لتجدد دعوات النزول في الأيام التالية، وهو ما حدث بالفعل.

لا شك أن حراك 20 سبتمبر/ أيلول 2020 يعد حدثا بارزا ينبغي لأي مراقب مهتم بالشأن المصري رصده ودراسته وتحليل دوافعه وآثاره ومآلاته، حيث يمكن القول: إن ما بعد 20 سبتمبر لن يكون كما قبله، كما يمكن القول: إن طبيعة الحراك وأعداده وأماكن انتشاره ونوعية المشاركين فيه، كل ذلك كان مفاجئا للكثيرين من المراقبين للحالة المصرية، بل وللكثير من الفاعلين فيها كذلك.

كما أن أهمية دراسة الحراك تكمن في أنه الحادث الأول من نوعه منذ أحداث انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، حيث إنه الحراك الأول ذو الصبغة الشعبية غير المؤدلج الذي يستمر أكثر من 8 أيام على التوالي.

  • توصيف الحراك

تميزت التظاهرات باتساع رقعتها الجغرافية، حيث نزل المتظاهرون في نحو 150 نقطة موزعة على 16 محافظة مصرية، حتى كتابة هذه السطور[54]. ومما يلاحظ أن غالب هذه النقاط كانت في القرى والنجوع ومناطق الريف المصري، وهي من مفاجآت هذه الموجة الاحتجاجية، حيث إنه من النادر أن تتحرك التظاهرات في الريف والمناطق المتطرفة وتنأى بعيدا عن المدن الكبرى والمناطق المؤثرة.

كما أن مظاهر المحتجين وملابسهم ولهجاتهم تشي بأن الفئات الرئيسة في الحراك هي فئة الريفيين المصريين البسطاء، مما يعطي للاحتجاجات طابعا أكثر شعبية وأقل نخبوية، فغالب أهل مصر هم أولئك البسطاء.

تفاوتت أعداد المتظاهرين بين منطقة وأخرى، إلا أن الأعداد -في غالبها- قدرت بالمئات، ولم تتخط الألف إلا نادرا، وهي أعداد منطقية في ظل حالة القبضة الأمنية القمعية الشديدة التي يفرضها النظام، كما لوحظ أن المتظاهرين لم يواجهوا أي رفض جماهيري أثناء مرورهم، وهو ما يشير إلى حالة الرضا الشعبي عن هذه التظاهرات، حتى وإن لم يشاركوا فيها لعدة اعتبارات.

المحتجون ركزوا في هتافاتهم على عدة شعارات؛ أبرزها: "ارحل يا بلحة" ، "ارحل يا سيسي" ، "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، السيسي عدو الله"[55]، وهي شعارات سياسية واضحة محددة المطلب، تشي بأن حجم الغضب الدفين بين المحتجين وصل إلى نقطة أنهم يرفضون النظام بشكل كامل، فقد تجاوزت الشعارات المطالب الفئوية والمصالح الخاصة، واتسعت لتشمل رأس النظام وممارساته بشكل رئيس.

 كما غلب على المشاركين أنهم من حديثي السن، حيث كان الشباب والأطفال (تحت 15 سنة) هم الفئة البارزة في الحراك. كما شهدت بعض المناطق مشاركة نسائية محدودة في الاحتجاجات.

ومشاركة هذه الشرائح العمرية يمثل -بلا شك- خطرا على أي نظام قمعي، حيث يغلب عليها الاندفاع والحماس والإصرار على تحقيق الأهداف التي يرنون إليها، كما يقل في هذه الشرائح الخوف من الخسارة، فلا شيء لديهم ليخسروه، على خلاف أولئك الذين قد يبالغون في حساب المغارم والمكاسب وغير ذلك، مما قد يضيع عليهم عددا من الفرص، أو يسهل إمكانية إرهابهم وتخويفهم.

  • دوافع الحراك

هذا المشهد الاحتجاجي الشعبي له دلائل ودوافع عدة؛ أولها أن شعور الغضب ضد النظام استشرى ليشمل معظم تلك الفئات البسيطة الكادحة، وهم الغالبية الكاسحة من شعب مصر.

هذا الغضب ناتج عن سياسات يُدَّعى أنها إصلاحية، إلا أنها لا تضر في النهاية إلا الطبقة الكادحة، كما أن سياسات النظام خلال السنوات السبع الماضية تصادمت مع غالب فئات الشعب بشكل مباشر دون أن يشعر المواطن بأي مكسب يعود عليه جراء هذه السياسات، وكان آخرها قانون هدم المنازل المخالفة وإيقاف إصدار تراخيص البناء، والذي تضررت بسببه نحو 5 مليون أسرة في مصر.

علاوة على أن النظام لم يترك للشعب وسيلة للتعبير عن هذا الغضب الدفين إلا التظاهر والاحتجاج، حيث أُغلقت كافة المنابر الإعلامية التي تعبر عن الشعب بشكل حقيقي، كما أن المجالس النيابية التي من المفترض أنها ممثلة عن الشعب باتت لا تعدو كونها بوقا من أبواق النظام، يصدق على كل ما يأتيه من السيسي ولا يمارس أي دور رقابي حقيقي على الحكومة.

وهو ما سبَّب شعورا لدى قطاعات واسعة من الشعب بالتهميش وعدم وجود قنوات يستطيعون من خلالها إيصال أصواتهم ومطالبهم، ويعبر عن حاجياتهم.

وعليه، يبدو أن شعور الغضب لدى البعض قد تفوق على الخوف الذي يفرضه النظام بأجهزته الأمنية، وهو ما كان سببا مباشرا للأحداث التي جرت خلال الأيام الماضية. وجدير بالذكر أن سياسات النظام -حتى اللحظة- لم تستهدف تهدئة هذا الغضب بشكل كامل، إلا أنها تحاول تبريده فقط.

  • تعامل الأجهزة الأمنية

كل هذه السمات جعلت من الحراك مفاجئا للكثيرين، حتى أن النظام نفسه بدا متفاجئا به.

فعلى خلاف ما دأب النظام على فعله في مثل هذه الحالات، لم يستخدم سياسة العنف المفرط تجاه التظاهرات، بل إن غاية ما فعله هو مواجهة المظاهرات بالغاز المسيل للدموع والخرطوش، مع عدم المبالغة في الاستخدام كذلك، إضافة إلى أن ذلك لم يكن في كل التظاهرات.

بل إن تصرف النظام كان سلبيا في عدة مواقف، فوصل الأمر إلى حرق سيارة شرطة في قرية الكداية بمحافظة الجيزة دون أن يفعل الأمن أي شيء، كما استولى المتظاهرون على مدرعة، وأحرقوا أخرى في مكان آخر، علاوة على حرق استراحة المحافظ بأسوان، كما قطع متظاهرو منطقة طرة بالقاهرة طريق الأوتوستراد.

لم تواجه هذه التصرفات الخشنة ومثيلاتها من قبل قوات الأمن إلا بالترقب والصمت، أو الرد البسيط غير المتوافق مع حجم الحدث، وكذلك غير المتناسب مع الصورة الذهنية التي يحاول النظام تصديرها للشعب منذ وصول السيسي إلى السلطة.

ومع ذلك، فإن عنف الشرطة الفردي -ليس ضمن سياسة جماعية- أدى إلى مقتل رجلين، أحدهما أصيب بخرطوش قوات الأمن جنوب القاهرة، والآخر خلال مداهمة للشرطة في مدينة الأقصر جنوبي البلاد.

يبدو أن خروج هذه الفئات الجديدة بهذه الروح الجديدة في تلك الأماكن غير المألوفة أربك النظام وجعله يحار في السياسة الأنسب للتعامل مع هذه التظاهرات.

فرغم أن استخدام القوة الغاشمة ضد المحتجين الريفيين غير المؤدلجين قد يخيف البقية ويرهبهم، إلا أنه قد يستفز روح القبلية والثأر لدى ذوي هؤلاء كذلك، ومن ثم ستكون تبعات وخيمة قد لا يستطيع النظام السيطرة عليها أو تحسب عواقبها.

على الناحية الأخرى، فإن التراخي مع المتظاهرين قد يحفز انضمام فئات أخرى إليهم، مما سيساهم في توسيع دائرة الحراك إلى قدر قد لا يستطيع النظام السيطرة عليه بعد ذلك. كما أن إظهار قدر من التنازل قد يكسب المحتجين شعورا بالنصر، وهو ما قد يجرؤهم أكثر على النظام لجلب مزيد من الانتصارات.

وعليه، يبدو أن النظام اختار أن يتوسط في استخدام العنف للدرجة التي يحاول فيها ألا يستنفر روح الغضب بشكل أكبر، ويضمن في ذات الوقت أن يحافظ على سياسة الردع ضد المتظاهرين، حتى ولو كان بشكل محدود.

كما أنه لم يقدم تنازلا كبيرا يعطي للمتظاهرين دفعة معنوية تجعلهم أكثر جرأة في مواجهة النظام، ولكنه في ذات الوقت قدم عددا من التنازلات البسيطة يحاول بها إظهار عدم الصدام مع الشعب، حتى لا يستنفر فئات وشرائح أخرى، إلا أن هذه التنازلات لم ترق إلى درجة إشعار المتظاهرين بنشوة النصر.

  • ردود الفعل الدولية والمحلية

على المستوى الدولي، لم تحدث -حتى اللحظة- أي استجابات مباشرة تجاه الحراك المستمر في مصر منذ أكثر من أسبوع.

لم يحدث سوى أن الخارجية الألمانية علقت على الاحتجاجات المتكررة بأنها أوضحت بشكل متكرر للجانب المصري ضرورة وأهمية ​حرية التعبير​ وحرية التظاهر، مؤكدة أنها تتوقع من الجانب المصري احترام حق التظاهر والتعبير عن الرأي بحرية والحقوق المدنية[56]. جدير بالذكر أن تصريح ألمانيا جاء في اليوم الثامن للحراك.

هذا بالإضافة إلى سؤال غير مباشر وُجه إلى المتحدث الرسمي باسم منظمة الأمم المتحدة، استيفان دوجاريك، حول الصمت الأممي إزاء الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان في مصر، وما إن كان هذا الصمت يعد "تفويضا" للنظام المصري بالمضي قدما في سياسته القمعية، فكانت إجابة دوجاريك إجابة عمومية لم يتطرق فيها إلى مصر بشكل مباشر، حيث قال: "لا (نمنح تفويضا بالقمع) أيا كان البلد الذي نتحدث عنه، لا ينبغي لأحد أن يحصل على تفويض مطلق لخنق (حرية) التعبير العام أو التعبير السياسي"[57].

وبالتالي، لم يلق الحراك -حتى اللحظة- زخما دوليا كبيرا يمنح المحتجين رافعة أو دعما خلال الأيام القابلة. ويبدو أن القوى الدولية -كعادتها- تنتظر تطور الأحداث بشكل أكبر على الصعيد الداخلي حتى تتزحزح عن مواقفها بشكل أو آخر.

من ناحية أخرى، لم يلق حراك سبتمبر دعما محليا سياسيا كبيرا حتى اللحظة، سواء من الأحزاب والقوى المعارضة في الداخل أو في الخارج، وذلك لعدة اعتبارات.

فالقوى المعارضة في الخارج حذرة من أن تدعم الحراك بشكل كامل وعلني خوفا من أن يستخدم النظام هذا الدعم ذريعة لادعاء أدلجة الحراك، مما قد يساهم في تسهيل القضاء عليه، كما أن ذلك قد يثير حفيظة عدد من الموجودين في الشارع أو العازمين على النزول، مما قد يؤدي إلى عزوف شرائح بعينها نكاية في معارضة الخارج.

وبالتالي، فإن القوى المعارضة بالخارج اختارت الدعم "السلبي القوي" للحراك، إلا أنهم يتجنبون إعلان ذلك بشكل علني رسمي. وسلبيته في عدم الإفصاح عن الدعم، بينما قوته تتمثل في الدعم والتغطية الإعلامية الكبيرة من قنوات المعارضة في الخارج للحراك، علاوة على الاستعداد الكامل للنزول ومشاركة المحتجين حال كانت الفرصة سانحة لذلك.

أما قوى الداخل، فلم يتحرك أي منها لدعم الحراك سوى حزب الدستور[58] والاشتراكيين الثوريين[59]، بينما بقية القوى السياسية تتراوح مواقفها بين التزام الصمت تجاه الأحداث أو معارضة الحراك.

لا شك أن أدلجة الحراك أو تسييسه قد يضر الحراك ولا يفيد، إلا أنه لا ينفي أن المظاهرات تحتاج إلى رافعة سياسية تتبنى مطالبها وتعبر عن مواقفها، بيد أن ذلك لا بد أن يكون في مرحلة متقدمة قليلا، حسب وجهة نظر القوى والأحزاب المعارضة كما يبدو.

من الممكن القول: إن الصمت الدولي والمحلي -حتى الآن- لا يعني على الإطلاق دعم هذه القوى للنظام، إلا أن ذلك قد يعني أن هذه القوى تترقب لحظة سانحة لإعلان الدعم بشكل أو بآخر. وهو ما يضع على عاتق الحراك مسؤولية أكبر، فهو وحده القادر على تطوير الحدث للدرجة التي يستجلب فيها تحرك القوى الدولية أو المحلية.

  • السيناريوهات المتوقعة

في ظل هذا الحراك المتسع في رقعته الجغرافية والمتنوع في فئاته العمرية والممتد إلى فئات أكثر شعبوية وأقل نخبوية، أفرط كثيرون في التفاؤل بأن هذه التظاهرات ستكون بمثابة الضربة القاضية لنظام عبدالفتاح السيسي.

في مقابل ذلك، فإن ضعف أعداد المشاركين ونأي الاحتجاجات عن العاصمة والمدن الكبرى والمناطق الحيوية المؤثرة، وكذلك تماسك أركان النظام الظاهري، واستعداد السلطة لاستخدام القوة الغاشمة ضد المتظاهرين، كل ذلك جعل آخرين يقللون من أهمية ما حدث، مع الاعتقاد بأن ذلك لن يغير من الواقع شيئا.

وبعيدا عن الإفراط في التشاؤم، أو المغالاة في التفاؤل، يحاول التقرير دراسة السيناريوهات المتوقعة في السطور القادمة.

  • اتساع رقعة التظاهرات

استمرار التظاهرات لمدة 8 أيام متتاليات، مع وجود رضا شعبي عن هذه الاحتجاجات، في ظل غياب البطش الأمني السافر، كل ذلك يعضد من إمكانية استمرار التظاهرات واتساعها لتشمل شرائح مختلفة. إلا أن الثبات النسبي في أعداد المشاركين منذ اليوم الثاني أو الثالث لبداية الحراك يجعل من الأهمية بمكان حدوث شيء ما يستطيع بدوره إثارة الأحداث لتُستنفر بذلك قطاعات إضافية من الشعب.

حتى هذه اللحظة، يبدو أن نظام السيسي يحاول جاهدا الحيلولة دون وقوع أي أحداث مفاجئة تساهم في تفجير الوضع وخروجه عن السيطرة. وبالتالي، ما لم تحدث مفاجآت قدرية، يبدو أن التظاهرات لن تصل إلى حد الاتساع القادر على إحداث تغييرات دراماتيكية في الحالة السياسية المصرية، على الأقل على المدى القصير.

  • الانحسار التلقائي

رغم أن عددا من القرى شاركت في التظاهرات بشكل مستمر لمدة 8 أيام متتالية، فإن ذلك لم يكن هو النمط السائد بشكل عام، فغالب القرى تظاهرت يوما أو يومين من مجمل الأيام الماضية، وهو ما يلقي بظلال الشك حول قدرة الحراك على الاستمرار بنفس الوتيرة، فضلا عن قدرته على التوسع والتصعيد.

يبدو أن تعامل السيسي مع الحراك يهدف إلى ما يمكن أن نسميه "التبريد التلقائي"، معتمدا في ذلك على عامل الزمن.

فالنظام يحول دون حدوث مفاجآت، ويقتصد في استخدام آلته القمعية بشكل ملحوظ، لكنه لم يلغها، فهو مستمر في استخدامها في حدود معينة، كما أنه يحاول تقديم عدد من التنازلات، في نطاقات ضيقة دون توسع، حتى لا يمنح المتظاهرين نصرا معنويا يحثهم على الإصرار والاستمرار، كما أن سياسة عدم التوسع في تقديم التنازلات قد ترسخ لدى الكثيرين عقيدة "مفيش فايدة"، وهو المبدأ الذي يفيد النظام بلا شك.

وبالتالي، فإن تراجع مؤشر كثافة التظاهرات اليومية، علاوة على العوامل المذكورة آنفا، قد يجعل من الانحسار التلقائي للتظاهرات احتمالا ممكن الحدوث، بل وقد يصل إلى أنه احتمال راجح الحدوث.

ولكن الانحسار التلقائي لا يعني على الإطلاق استقرار الوضع السياسي للنظام، أو أن هذا الحراك قد انحسر بغير رجعة، بل إنه قد يعني أن الظروف الآن لم تكن مواتية بالشكل الكافي لإخراج هذا الغضب الكامن. وفي الوقت المناسب، قد يرى الغاضبون أن الفرصة مواتية لإظهار هذا الغضب في موجة احتجاجية أخرى قد تكون أوسع وأشمل من سابقاتها.

ومما يدعم هذه الفرضية أن الطبيعة العشوائية للحراك تجعل من مهمة تعقب المحتجين والقبض عليهم أو تحييدهم أمرا صعب المنال بالنسبة للنظام. وبالتالي، تتلاشى قدرة النظام على استخدام الخيار الأمني أمام هذا الحراك.

  • الانحسار القسري

رغم أن النظام يحاول -حتى اللحظة- الابتعاد عن استخدام القوة الباطشة، إلا أن ذلك لا يمنع أن يتم استخدامها في الأيام القابلة حال عدم انحسار التظاهرات، خصوصا مع وجود توجه لدى عدد من أركان النظام بضرورة استخدام العنف المفرط كما حدث سابقا.

 ورغم اعتقاد الكثيرين بأن ذلك قد يؤدي إلى استثارة شرائح أوسع من الشعب، فإن هناك رأيا آخر يعتقد أن استخدام القوة الباطشة سيؤدي إلى تصعيد شعور الخوف ليتجاوز شعور الغضب، مما قد يؤول في نهايته إلى انحياز الناس إلى ما يضمن أمنهم وسلامهم الشخصي. أي أن النظام سيجبر الحراك على التوقف من خلال استخدام آليته القمعية.

إلا أن ذلك الخيار قد يبدو مستبعدا حتى اللحظة، خصوصا أن وقود الحراك في الشارع حتى الآن هم الشباب والأطفال، واستخدام العنف معهم قد لا يكون هو الوسيلة الأكثر نجاعة، كما أن تطرف الاحتجاج وبعده عن المدن الكبرى يصعب قليلا من القدرة على استخدام هذا الخيار من قبل النظام.

علاوة على الاحتمالية القائمة بأن استخدام العنف المفرط ضد هذه النوعية من المحتجين قد يستجلب تحركات دولية قد لا يكون نظام السيسي مستعدا لمواجهتها في هذه الآونة.

وعليه، يبدو هذا الخيار مستبعدا بعض الشيء، إلا أنه ليس مستحيلا.

الحالة اللبنانية

  • تعثر تشكيل الحكومة.. والشيعة متهمون

مضى نحو شهرين على وقوع حادث انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020[60]، والذي خلف بدوره نحو 170 قتيلا و أكثر من 5000 جريح، علاوة على تشريد نحو 300 ألف مواطن لبناني[61].

هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي مُنيت بها المدينة جراء الانفجار، والتي قدرت بـ 3 مليار دولار -كحد أدنى- من قبل خبراء اقتصاديين، بينما قدرها آخرون بنحو 15 مليار دولار. كما أن الليرة اللبنانية وصل سعر صرفها في السوق السوداء إلى 9000 ليرة مقابل الدولار الواحد، وذلك بعد استقرار نسبي على سعر 7000 ليرة.

يبدو أن كل هذا التدهور لم يمثل دافعا كافيا للنخبة السياسية اللبنانية لكي تتوافق فيما بينها على تغليب المصلحة العليا للبلاد والتوافق على مرحلة استقرار سياسي يكون فيها الهم الأول بالنسبة لهم تحسين معيشة المواطن اللبناني، بعيدا عن التحزبات الحزبية أو العصبيات المذهبية والطائفية.

فبعد نحو 3 أسابيع من تكليف مصطفى أديب، السفير اللبناني لدى ألمانيا، بتشكيل حكومة مهمات جديدة خلال 15 يوما من تاريخ تشكيلها[62]، إلا أن هذه المهلة قد مُددت لاستكمال المباحثات والمشاورات، ومع ذلك لم تستطع النخبة السياسية التوافق وتشكيل الحكومة، مما حدا بأديب أن يعتذر عن إكمال المهمة بدعوى أن "التوافق الذي قبلت من أجله المهمة الوطنية لم يعد قائما"، حسب تصريحه في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه الاعتذار عن تشكيل الحكومة[63].

وتداولت الأنباء بأن السبب الرئيس لعرقلة مسار المفاوضات حول تشكيل الحكومة أن حركتي أمل وحزب الله الممثلتين للطائفة الشيعية أصرتا على "تسمية" وزراء الطائفة الشيعية، وخصوصا وزارة المالية، ورغم أن رئيس الوزراء السابق ورئيس حركة "تيار المستقبل"، سعد الحريري، قد قرر مساعدة رئيس الوزراء المكلف بتقديمه اقتراحا بأن يُختار وزير مالية مستقل من الطائفة الشيعية[64]، إلا أن الأخبار أظهرت أن الحركتين رفضتا هذا الاقتراح، وكان الإصرار على الاحتفاظ بحق تسمية الوزراء، وليس فقط أن يكون الوزراء من الطائفة[65].

  • صراع إقليمي

من ناحيته، شن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هجوما حادا على القادة اللبنانيين بشكل عام، وعلى "حزب الله" بشكل خاص، فقد أعلن في مؤتمر صحفي عقد في الإليزيه بتاريخ 27 سبتمبر/ أيلول 2020 أنه "أخذ علما بالخيانة الجماعية" للطبقة السياسية التي "تخلت عن التزاماتها أمام فرنسا من أجل مصالحها الخاصة"[66].

ثم وجه انتقادات صريحة إلى "حزب الله"، قائلا: إنه يجب على الحزب "ألا يعتقد أنه أقوى مما هو عليه"، كما أشار إلى أن الحزب الذي يحارب إسرائيل، وينشئ مليشيات في سوريا، لا يمكن أن يكون في الوقت ذاته حزبا محترما في لبنان[67].

هذه التصريحات الحادة أثارت -بلا شك- حفيظة "حزب الله" الموالي لإيران مما دفع حسن نصر الله، أمين عام الحزب إلى تدويل القضية وجعلها كما لو كانت حرب أطراف دولية على أرض لبنان، فقد اتهم الولايات المتحدة والسعودية بإفشال مبادرة الرئيس الفرنسي[68].

 وقد أشار نصر الله في حديثه إلى خطاب الملك سلمان أمام الأمم المتحدة يوم 24 سبتمبر/ أيلول 2020، والذي قال فيه: إن انفجار مرفأ بيروت "وقع نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح"[69].

بالتأكيد لم تمر التصريحات الفرنسية والسعودية على الإيرانيين مرور الكرام، فدخلوا هم كذلك على خط الصراع، حيث دعت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها، سعيد خطيب زاده، فرنسا إلى إبداء "نوايا طيبة" بخصوص تدخلها في لبنان ومسألة تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكدا أنهم يميزون ما بين "التدخل" في الشؤون الداخلية للدول من جهة، و"المساعدة" من جهة أخرى[70].

ولكن يبدو أنه لا أمل يلوح في الأفق لإنهاء حالة التأزم السياسي والتدهور الاقتصادي الذي تعيشه لبنان، فما دامت النخبة السياسية اللبنانية مسلمة زمامها إلى الخارج في الشرق أو الغرب، فلن تكون الأولوية لمصلحة الشعب على الإطلاق. الأزمة اللبنانية تحتاج من السياسيين أن يكون ولاؤهم الأول والأخير للشعب اللبناني، أو أن يستبدلهم الشعب بنخبة أخرى قادرة على الاتفاق والعمل لصالحه.

الحالة السورية

  • ضغط روسي لتعديل بنود هدنة مارس/ آذار 2020

ما زالت هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جرى التوصل إليه بين روسيا وتركيا، في مارس/ آذار 2020، آخذة في الازدياد. فرغم أن خروقات النظام السوري وحليفته روسيا لم تتوقف –تقريبا- منذ إعلان الهدنة، إلا أنها جاءت هذه المرة بوتيرة أشد، ومزامنة لاجتماعات بين أنقرة وموسكو وصفت بـ"المتعثرة".

وصرح مسؤولون في قوات المعارضة السورية أن روسيا نفذت أعنف قصف لها على محافظة إدلب منذ اتفاق وقف إطلاق النار[71]. كما أقر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن الاجتماعات التي تعقدها بلاده مع روسيا "ليست مثمرة للغاية"[72].

وذكرت تقارير إعلامية روسية أن موسكو ركزت في المباحثات الأخيرة على خفض مستوى الوجود العسكري التركي في إدلب، إضافة إلى اقتراحات بشأن تقليص عدد نقاط المراقبة للجيش التركي في المحافظة.

وأضافت المصادر أن الجانبين عجزا عن التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن، إذ أصر المسؤولون الأتراك على الحفاظ على الوجود العسكري التركي بشكله الحالي. في المقابل، رفضت موسكو مقترحا قدمته أنقرة، يقضي بتسليم مدينتي منبج وتل رفعت بريف حلب للجيش التركي[73].

وبحسب وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري، فقد ذكرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحفي في موسكو، أن "أنقرة تماطل في التزاماتها المنصوص عليها في المذكرة الروسية التركية[74]. ويبدو على أرض الواقع أن طلبا روسيا كهذا لن تنفذه أنقرة بسهولة.

فرغم أن عدد النقاط العسكرية التركية لم يزد طيلة شهر أغسطس/آب واستمر عند 66 نقطة، فلا يزال الجيش التركي يرسل تعزيزات عسكرية لتدعيم نقاط المراقبة الخاصة به في منطقة خفض التصعيد الرابعة في محافظة إدلب. ووصل عدد الأرتال العسكرية التركية التي دخلت إلى إدلب، منذ بداية أيلول/سبتمبر وحتى وقت كتابة هذه الأسطر، 22 رتلا[75].

ويرى مراقبون أن طلب موسكو إعادة انتشار نقاط المراقبة وتبديل أماكنها أو سحب بعضها، سيؤثر على ترابطها وتنسيقها الزماني والمكاني، الأمر الذي سيسهل على روسيا السيطرة على إدلب في مرحلة لاحقة بأقل الخسائر.

بينما رجح آخرون أن يبقى الوضع الميداني في منطقة إدلب على حاله، وأن ما ينشره النظام السوري من كواليس للمحادثات التركية-الروسية يأتي في إطار السردية التي يحاول ترسيخها وهي وعده لمن يواليه بالسيطرة على كامل سوريا[76].

وقد تقرر روسيا التصعيد في الفترة المقبلة، لكن لن يهدف الأمر –بطبيعة الحال- إلى اقتحام إدلب بشكل كامل، فهذا ليس بمقدور النظام السوري وروسيا حاليا، أو يمكن القول: إن السياسة الروسية لن تغامر بكامل علاقتها مع تركيا باقتحام إدلب بشكل كامل.

وقد يحاول الروس فرض واقع جديد على الأرض، بحيث يُجبر المسؤولين الأتراك على تعديل الاتفاق الموقع، وتنفيذ بعض مطالب نظرائهم الروس، من تقليص عدد القوات التركية في المنطقة، وسحب الأسلحة والمعدات العسكرية منها. إلا أن نجاح أمر كهذا يبدو أنه لن يكون سهلا، في ظل التحشيد العسكري التركي المستمر في المنطقة.


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

تستمر حالة التراجع الاقتصادي على مستوى الدول العربية بشكل عام، إلا أن واقعها يزداد سوءا في الدول النفطية، بسبب الاعتماد على النفط بشكل رئيس في هذه الدول، وبخاصة دول الخليج، كما أن الآثار السلبية لجائحة كورونا، لا تزال تلقي بظلالها السلبية على الأداء الاقتصادي لكافة الاقتصاديات العربية.

فعلى سبيل المثال، تؤثر حركة السياحة والسفر، بشكل كبير على دولة الإمارات التي تراجع ناتجها المحلي الإجمالي في الربع الثاني من 2020 بشكل كبير، كما أنها تكبد اقتصاد كل من مصر وتونس خسائر كبيرة، نظرا لاعتماد البلدين على عوائد السياحة، لتدفق النقد الأجنبي.

كما أن السعودية تعيش أزمتها الاقتصادية والمالية، في ظل العديد من العوامل السلبية، وعلى رأسها استمرار أزمة انخفاض أسعار النفط، وكذلك التأثيرات السلبية لجائحة كورونا، ثم كابوس استمرار الحرب في اليمن، والتي لم يعرف لها نهاية بعد، وهي حرب تكبد السعودية مليارات الدولارات شهريا، فضلا عن استمرار حالة التوتر الأمني والعسكري على الحدود مع اليمن، ومناطق أخرى تطالها الطائرات المسيرة للحوثيين.

بشكل عام تستجلب الدول العربية لنفسها المزيد من المشكلات، لتضاعف أعباءها، بجانب ما تفرضها الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العالم، فنجد ليبيا تعيش أزمة الغلق المتكرر لآبار النفط من قبل المنقلب حفتر للتأثر على الإيرادات العامة هناك، وهو ما يؤثر بشكل كبير على ما تبقى من احتياطيات النقد الأجنبي التي بلغت 76 مليار دولار في أبريل 2020[77]، وكذلك العراق الذي تستمر فيه حالة الفساد المستشري، وفقدان الأمل في الاستقرار، الذي يمكن أن يساعد في تحقيق تنمية حقيقية هناك. ويتناول التقرير ثلاث قضايا اقتصادية تخص بلدانا عربية:

إفلاس أرابتك واستمرار انهيار الشركات الكبرى بالإمارات

في نهاية سبتمبر/أيلول 2020 صوت أعضاء الجمعية العمومية لشركة "أرابتك" على تصفية أعمال الشركة، بعد عرض تقرير خسائر النصف الأول من عام 2020، والتي بلغت نحو 794 مليون درهم[78] (205 ملايين دولار)، وبذلك تكون خسائر الشركة التراكمية قد بلغت 1.45 مليار درهم، وبما يمثل 97.2% من إجمالي رأس المال البالغ 1.5 مليار درهم.

وقد أعلن عقب قرار الجمعية العمومية، بتصفية الشركة، عن إفلاسها، كما سيتم تصفية أصولها من خلال المحكمة، وبإشراف أعضاء مجلس الإدارة، وسيكون سداد مستحقات الدائنين أولا، ثم تأتي الديون الممتازة ثم العادية، ثم حملة الأسهم، وقد تم إيقاف التداول على سهم الشركة في البورصة.

دلالة التصفية لم تعد تخص حالة واحدة يشهدها الاقتصاد الإماراتي، حيث شهدت أبوظبي الفترة الماضية أزمة في "أبراج كابيتال" التي انهارت مؤخرا، ووجهت اتهامات لمؤسس الشركة عارف نقفي باستيلائه على 385 مليون دولار[79]، وذلك بعد أن مرت الشركة برحلة تعثر من عام 2014 – 2018، ليكون 2019 هو عام المواجهة من قبل المساهمين لوضع القائمين على أمر الشركة أمام مسؤوليتهم القانونية.

وهناك أيضا شركة إن إم سي هيلث "NMC Health" التي ورطت بنوكا إماراتية وخليجية وأجنبية في قروض بنحو 6.6 مليار دولار[80]، حيث اقترضت هذا المبلغ من نحو 75 بنكا. وتواجه الشركة مشكلات متعددة، أدت إلى تجميد حسابات مؤسساتها وبعض كبار موظفيها، بموجب قرارات من محكمة دبي.

وتبقى القضية في حالة تكرار الإفلاس أو التعثر المالي التي تنال من الشركات الكبرى، التي كانت الإمارات تعتبرها واجهة تجربتها الاقتصادية والتنموية، ولكن الأزمة المالية التي تمر بها الإمارات مع باقي الدول النفطية منذ منتصف عام 2014، بسبب انهيار أسعار النفط، وكذلك تداعيات أزمة كورونا، كشفت عن هشاشة اقتصاديات هذه الشركات.

وأثبت الواقع أن الإمارات لا تزال تعيش بشكل حقيقي على الريع النفطي، وأن معظم المشروعات الكبرى التي كانت تصدرها كصورة زاهية للتجربة، كشف في الواقع عن هشاشة هذه الشركات وعن خلل كبير في نظام الرقابة المالية الداخلية لها، وكذلك داخل نظم الرقابة الحكومية، وأن القطاع البنكي، لم يكن يدرس أوضاع هذه المؤسسات بشكل صحيح.

ويأتي أداء الاقتصاد الكلي في الإمارات ليعكس تراجعا أكثر مما كان متوقعا، حيث أعلن تقرير مصرف الإمارات المركزي عن نتائج الربع الثاني من عام 2020، ليحقق القطاع الاقتصادي غير النفطي تراجعا بنسبة 9.3%.

وأرجع التقرير حالة الانكماش في الناتج المحلي إلى الحظر الذي شهدته البلاد، والقيود المفروضة على قطاع السياحة والسفر، إلا أن التقرير توقع أن تسفر نتائج الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات بنهاية عام 2020 بتراجع يقدر بنسبة 5.2%[81].

تراجع الإنفاق بالسعودية في 2021، والعجز يصل إلى 12% في 2020

في ضوء محاولات تحسين أوضاع الشفافية في السعودية، تصدر وزارة المالية للعام الثالث على التوالي البيان التمهيدي لميزانية عام 2021، حيث أعلن عن هذا البيان على موقع الوزارة في نهاية سبتمبر 2020.

ويتضمن مؤشرات أداء الاقتصاد العالمي والسعودي خلال عام 2020، وكذلك أداء الاقتصاد السعودي، وأداء مؤشرات المالية العام في 2020، والإشارة إلى أهم ملامح الميزانية في عام 2021. والمتعارف عليه أن الميزانية السعودية تعتمد ميزانياتها في ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وبالتالي فالبيانات الواردة في البيان التمهيدي للميزانية، قابلة للتعديل.

ومن أهم ما ورد في البيان التمهيدي، تأثير أزمة انخفاض أسعار النفط، وكذلك جائحة كورونا على الاقتصادين العالمي والمحلي، وتوقع البيان فيما يتعلق بأداء الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2020 أن ينكمش الناتج بنسبة 3.8%، وهي نسبة أفضل بكثير من توقعات صندوق النقد الدولي الذي توقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 6.8% بنهاية 2020 [82]. كما توقع البيان أن تصل معدلات التضخم بنهاية عام 2020 إلى نسبة 3.7%، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار السلع المستوردة، في ظل ظروف الإمداد والتوريد في ظل أزمة كورونا، التي فرضت قيودا غير مسبوقة على حركة التجارة الدولية[83].

أما عن أداء المالية العامة السعودية خلال النصف الأول من عام 2020، فقد أشار البيان إلى أن الإيرادات العامة تراجعت إلى 326 مليار ريال، مقارنة بـ 506 مليارات ريال في الفترة المناظرة من عام 2019، أي أن الإيرادات العامة تراجعت بنسبة تصل إلى 35.6%.

كذلك، وصلت النفقات العامة خلال النصف الأول من عام 2020 إلى 469 مليار ريال، متراجعة بنسبة 8.3% عما كانت عليه في الفترة المناظرة من عام 2019، وارتفع الدين العام خلال نفس الفترة ليصل إلى 820 مليار ريال بزيادة قدرها 30% عما كان عليه في الفترة المناظرة من عام 2019، حيث كان الدين العام بحدود 628 مليار ريال.

وأخيرا انخفضت الاحتياطيات الحكومية بنسبة 15.4% خلال النصف الأول من عام 2020 مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، حيث وصلت الاحتياطيات الحكومية إلى 420 مليار ريال، بنهاية يونيو 2020. ومن المؤشرات المهمة التي أوردها البيان ما يتعلق بالعجز بالميزانية بنهاية 2020، حيث توقع البيان أن يصل عجز الميزانية إلى نسبة 12%.

أما ما يتعلق بتوقعات عام 2021، فقد حملت حالة من التفاؤل، حيث أشارت إلى تحسن أداء الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021، ليصل إلى معدل إيجابي بنسبة 3.2%، وكذلك الحال بالنسبة للتضخم، فتوقع البيان أن تنخفض معدلات التضخم إلى 2.9% في عام 2021. كما توقع ارتفاع الإيرادات العامة إلى 846 مليار ريال، مقارنة بـ 770 مليار ريال في 2020.

 أما النفقات فقد جاء التوقع حولها سلبيا، فسوف تنخفض إلى 990 مليار ريال، مقارنة بنحو 1068 مليار ريال. وفي ضوء حالة التفاؤل التي أشار إليها البيان حول تقديرات المالية العامة السعودية في 2020، توقع البيان أن ينخفض عجز الموازنة إلى 5.1% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن توقعات الدين العام، جاءت مضاعفة ليصل إلى 941 مليار ريال في 2021، مقارنة بـ 854 مليار ريال في 2020.

ومن خلال قراءة هذه المؤشرات، نلاحظ أن الاقتصاد السعودي لا يزال رهن أداء أسعار النفط، فهذه التوقعات الإيجابية بنيت على أساس وجود تحسن في الاقتصاد العالمي، وزيادة الطلب على النفط، وبالتالي تحسن أسعاره..

ولكن ما تزال هناك حالة شك في ظل عدم وجود علاج أو الوصول للقاح موثوق به بشأن جائحة كورونا، بل يذهب البعض بأن الخريف قد يحمل أنباء غير سارة، من حدوث موجة ثانية من تفشي الفيروس، قد تؤدي إلى حالة إغلاق تام للكثير من الاقتصاديات.

ومن التحديات التي تواجه حالة التفاؤل التي ذهب إليها البيان بشأن الاقتصاد السعودي في 2021، استمرار الحرب في اليمن وعدم الوصول لحل سياسي، ينهي هذه الحرب.

فكلما حملت وسائل الإعلام تصريحات أو توقعات بقرب انتهاء الحرب في اليمن والوصول إلى حل سياسي، يحدث اشتعال للمواجهات مرة أخرى، أو أن يصوب الحوثيون طائراتهم المسيرة نحو أهداف داخل المملكة العربية السعودية.

مصر وتونس تعانيان من أداء قطاع السياحة

كانت كل من مصر وتونس تعتمدان على الإيرادات من قطاع السياحة بشكل ملحوظ، وبخاصة ما يتعلق بتدفقات النقد الأجنبي، ودورها في استقرار سعر الصرف، وكذلك مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، ودوره في توفير فرص عمل بشكل مباشر وغير مباشر، نظرا لما يرتبط بقطاع السياحة من أنشطة اقتصادية وخدمية أخرى، تقدر بنحو 80 نشاطا اقتصاديا.

وزادت معاناة قطاع السياحة في البلدين بسبب القيود المفروضة على حركة السياحة والسفر على مستوى العالم. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها تونس بشكل كبير لمواجهة كورونا، فإن الشكوى ما زالت قائمة من عدم عودة نشاط السياحة إلى ما كان عليه قبل الأزمة.

ولعل الوضع مختلف في مصر، حيث تصر الحكومة على بذل جهود كبيرة لمواجهة كورونا، إلا أن الأرقام التي تعلنها الحكومة محل شك، خاصة أن إمكاناتها المالية في قطاع الرعاية الصحية وأداء مؤسساتها الطبية لا تعكس حالة نجاح.

ومن أجل ذلك سعت الحكومة المصرية لتقديم دعم كبير، بل غير مسبوق لقطاع السياحة، فنشر مؤخرا أنها أجلت مطالبات خدمات الكهرباء والغاز والمياه للشركات والمنشآت السياحية والفندقية إلى نهاية عام 2020، كما قررت إعفاء السائحين من رسوم تأشيرة الدخول حتى نهاية أبريل/نيسان 2021.

وكذلك قررت الحكومة المصرية مد العمل ببرنامج تحفيز الطيران الحالي حتى نهاية 2020، وبدء برنامج جديد يستمر لنهاية أبريل/نيسان 2021. كما تم تخفيض رسوم الهبوط والإيواء والخدمات الأرضية بالمطارات[84].

وفي تونس سجل قطاع السياحة تراجعا بنسبة 60% خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2020، ويتوقع بنهاية العام أن تصل نسبة التراجع إلى نسبة 70%، وحقق القطاع عائدات خلال الشهور التسعة الأولى من 2020 بنحو 491 مليون يورو، وبشكل عام يمثل قطاع السياحة نسبة 14% من الناتج المحلي لتونس، لذلك يحظى القطاع باهتمام بالغ من قبل الحكومة. إلا أن أزمة قطاع السياحة هناك لا تزال عميقة، وتهدد بالإغلاق التام لبعض الفنادق[85].


المحور الرابع: الحالة الفكرية

يتضمن المحور الفكري لهذا الشهر موضوعين؛ هما: أولا: معركة الشعوب بين الوعي والتزييف،  فلا يستطيع أحد أن ينكر دور الوعي بالذات، وبالمجتمع، في الصراع المحتدم بين الحق والباطل، فالاستبداد يستخدم كل الوسائل التي تساعده على تزييف وعي الجماهير، حتى يظل متسلطا على تلك الشعوب أطول فترة من الزمن.

والاستبداد هو امتداد للاستعمار الخارجي، الذي يحول – دائما – بين الشعوب والأدوات التي تساعده على امتلاك حريته ؛ فالدول الكبرى ترتكب جريمة استلاب وعي الشعوب، وبخاصة شعوب العالم الثالث.

ثانيا: يتطرق المحور الفكري إلى الإمام محمد الغزالي (في ذكرى ميلاده) وهو أحد رواد الإصلاح في العصر الحديث، قدم فكرا نضيجا، تجلى فيما خلَّفه من مؤلفات ضخمة أثْرت العقلية الإسلامية والمكتبة العربية، وكذلك ما قدمه من محاضرات جاب بها العالم الإسلامي كله؛ فقد وقف نفسه على خدمة الإسلام، وقدم مدرسة متميزة للعالم الإسلامي، تربى عليها كثيرون، وتأثرت بها رموز إسلامية كثيرة.

أولا: معركة الشعوب بين الوعي وتزييف الوعي

ما مفهوم الوعي؟ ما الوعي الذي نحتاج إليه؟ ماذا يعني تزييف الوعي؟ لماذا يتم تزييف وعي الشعوب؟ وما الوسائل التي يتم بها ذلك؟  كيف نصنع الوعي لدى المجتمع ونحافظ عليه؟

 أسئلة كثيرة ومهمة يفرضها الواقع الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية، والذي نتطلع جميعا إلى تغييره.

مصطلح الوعي Consciousness ذو دلالات عديدة، ولكن أهم معانيه تتجلى من خلال علمين أساسيين: علم النفس، وعلم الاجتماع.

يشير علم النفس الحديث إلى أن مصطلح الوعي يعني حالة" اليقظة" العادية، ويلفت ثانيا إلى قدرة الإنسان المتميزة الخاصة على الشعور بذاته، وتمايز ذاته عن الآخرين، وعن الأشياء والكائنات الأخرى.

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر تقريبا، شرع علم الاجتماع والمدرسة التاريخية والبيولوجية - عموما- في التركيز على أن الوعي نتاج لتطور فسيولوجي لمخ الإنسان، ولقدرة الإنسان على العمل وابتكار اللغة، وأن الوعي بهذا الشكل يصبح النتاج المباشر لتفاعل المعرفة المكتسبة فرديا أو اجتماعيا مع الدماغ (المخ) [86].

وعن الوعي المناسب، يقول المفكر محمد شاويش: "الوعي كما أفهمه ليس مجرد توفر معلومات كافية عن الواقع (على أهمية المعلومات)، ولا هو مجرد حكم أخلاقي نطلقه على الواقع (فنرى مثلا أن من يصف الواقع القائم بأنه فاسد هو" إنسان واع") رغم أهمية الحكم الأخلاقي أيضا، ما أتكلم عنه في كتاباتي هو وعي يتميز بميزتين؛ الأولى: أنه معرفة كافية بالواقع القائم وبالجوانب( المركَّبات الاجتماعية) التي يلزم تغييرها فيه.

والثانية: أن هذا الوعي  من النوع العملي الذي يقترن بالسلوك المتوجه إلى تغيير هذه الجوانب المذكورة. إنه الوعي المقترن بالسلوك المتوجه إلى هدف معين تفرضه التحديات الوجودية التي تواجهها الجماعتان: العربية والإسلامية، وهو الذي أسميه" الوعي المناسب".

الوعي الذي نحتاج إليه

الوعي الذي نقصده هو وعي على مستوى الفرد والمجتمع. وعي أساسه الفهم السليم المبني على القيم وثوابت الإسلام، لمعرفة ذاتنا، ومعرفة الآخر، ثم العمل – بقوة – من أجل تغيير الواقع البئيس الذي نعيشه. وما يمكن تسميته "الوعي النهضوي".

إن أهم مركبات الوعي الذي يجب أن تحوزه الطليعة الواعية في الأمة، هو المعرفة الدقيقة بتكوين العالم والعناصر التي يتركب منها، وهذا الوعي الدقيق يتناقض مع الرؤية التي تقسم العالم إلى قسمين: أخيارهم نحن، وأشرارهم كل الناس غيرنا! [87].

ماذا يعني تزييف الوعي؟ ومن صانعه؟

يمكن تعريف تزييف الوعي بأنه: توجيه الوعي العربي والإسلامي في اتجاهات تجعل صاحبه في أحسن الحالات سلبيا تجاه القضايا التي تكرس الدونية وعقدة النقص لدى شعوبنا، وهزيمتنا في العالم المعاصر، وفي أسوأ حالاته تجعله فاعلا في مكافحة الوعي النهضوي وأهله، وساعيا إلى تدمير ما تبقى من مكونات صحية مناسبة عندنا لصالح العدو، إما عن قصد، وإما عن سوء وعي[88].

والفاعل الحقيقي وراء إفساد الوعي وتزييفه يتمثل في القوى الكبرى العالمية، أولا، وثانيا، في المستبدين بالسلطة في البلدان العربية والإسلامية؛ حيث تريد القوى العالمية تحويل الأمة العربية والإسلامية إلى شتات وغثاء، لا هدف لهم ولا مشروع نهضة يجمعهم، وإلى أحزاب متناحرة فيما بينها.

وينفذ المستبدون هذا التوجه بتغذية روح التناحر في المجتمع، والطبقية، والفقر، والمرض، والجهل، والتركيز على القضايا الهامشية للمجتمع وغيرها، والعمل على أن يبقى المجتمع بكل مركباته بعيدا عن "المجتمع الكفؤ" الذي نتطلع إليه.

كما أن كل من يحاول إيقاظ المجتمع والأخذ بيديه، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات الإصلاحية، يحارب بقسوة من هذه الأنظمة بفعل الديكتاتورية أو بتنفيذ ما تمليه الدول الكبرى، لتبقى هذه الدكتاتوريات أطول فترة في السلطة.

لماذا يتم تزييف الوعي؟

يستهدف النظام العالمي عقل الأمة العربية والإسلامية، حتى يحولها إلى ثقافته، وعاداته وتقاليده، فيما يعرف بـ"العولمة"، التي تسلب الهوية، وتقضي على الخصوصية الفكرية والثقافية للأمة، لتتحول بعد ذلك إلى تابع، غير قادر على إنهاض نفسه أو حضارته، فضلا عن التصدي للحضارة الغربية، التي تستهدفه في كل ما يملك. 

أما على مستوى السلطة المباشرة مع الشعوب، فإن السلطة غير الشرعية أو المستبدة لا تستطيع الاستمرار لفترات طويلة إلا إذا نفذت عمليات تزييف للوعي، فهي تريد أن تشكل هذا الوعي؛ لكي يقبل منظومة السلطة وتوجهاتها ومصالحها دون الحاجة إلى الإفراط في استخدام القمع الأمني الذي ربما يكلفها ثمنا سياسيا أو اجتماعيا كبيرا[89].

وسائل السيطرة على الشعوب وتزييف الوعي

لما كان العقل من أهم ما يملك الإنسان في هذا الصراع، كان السعي دائما إلى تغييب العقل وتزييف الوعي هدفا للقوى المستعمِرة،  وعملائها من المستبدين، وغيرهم من الذين لا يريدون لشعوبهم أن تنتبه، أو أن تستفيق من غفلتها، وذلك عبر عدة وسائل، لعل أبرزها الإلهاء.

وكما يقول المفكر علي شريعتي: "إن من وسائل الإلهاء: الدين (بالتركيز على المسائل الفرعية، وترك الأصلية، أو تطويع الدين كما يرغب الحاكم المتسلط)، والرياضة، والفن، والخير والشر، وما شاكلها من أدوات الاستحمار[90]. 

كذلك فإن تزييف الوعي يكون عن طريق خلق أعداء وهميين للإنسان بديلا عن أعدائه الحقيقيين، أو طرح أهداف أمامه يتعارض سعيه لتحقيقها مع مصالحه الأساسية[91]. ويصبح الإعلام هو الوسيلة المثالية التي تصب - ليل نهار- في العقل الجماعي الأفكار التي يريدها مزيفو الوعي.

وقد أعد عالم اللسانيات المفكر الأميركي نعوم تشومسكي قائمة بالطرق التي تسيطر بها الأنظمة والحكومات على الشعوب، تحت عنوان (إستراتيجيات التحكم في البشر والسيطرة على الجمهور). فيما عرف بــ "الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة"، والتي تتمثل في التالي:

  1. إستراتيجية الإلهاء.
  2. إستراتيجية المشكلات والحلول.
  3. إستراتيجية التدرج.
  4. إستراتيجية المؤجّل.
  5. مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار.
  6. استثارة العاطفة بدل الفكر.
  7. إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة.
  8. تشجيع الشعب على استحسان الرداءة.
  9. تعويض التمرد بالإحساس بالذنب.
  10. معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم.

كيف نصنع الوعي لدى المجتمع ونحافظ عليه؟

تنجح عمليات تزييف الوعي أكثر في المجتمعات ضعيفة الثقافة التي لا تملك عقلية نقدية تزن بها الأمور، تلك المجتمعات القابلة للإيحاء والاستهواء والتنويم والتغييب، أو المجتمعات العاطفية التي يسهل تحريك مشاعرها في الاتجاه الذي تريده الأدوات الإعلامية للسلطة[92]. ولصناعة الوعي لدى المجتمع والمحافظة على هذا الوعي يجب علينا:

  • اعتبار مسألة النهضة متعلقة بكل فرد فينا، وبأنه مسؤول في سلوكه اليومي مما يساعد بلا شك على تغيير الصورة المأساوية التي نحن فيها، والتمهيد للنهضة المرجوة.
  • إعادة الاعتبار إلى مجتمعاتنا وهي قادرة على التغيير النهضوي، لو وُجدت فيها طليعة واعية.
  • من يستطيع بالفعل الاستفادة من تجارب الذات والغير، هم مجموعة من الواعين الممتلكين للوعي المناسب، الذين يستطيعون نقل هذا الوعي بالإشعاع - عبر التقليد والقدوة - إلى شريحة تتوسع باضطراد من المجتمع.
  • لا بد من تغيير المكونات في بنيتنا الثقافية والاجتماعية التي تجعلنا قابلين للهزيمة في الصراع والمنافسة الحضارية[93].
  • لقد كشفت التجارب أن المجتمعات التي بدأت من نقطة عقائدية، وتحركت بعد تحقق وعيها الفردي والاجتماعي، وقفت في صف القدرات التي تصنع الحضارة العالمية[94].

 ثانيا: الأستاذ الإمام محمد الغزالي (في ذكرى ميلاده)

ولد الشيخ محمد الغزالي السقا في 22 سبتمبر/أيلول 1917م بقرية "نكلا العنب" التابعة لمركز "إيتاي البارود" بمحافظة البحيرة بمصر، وهو يعد من أبرز أعلام المسلمين في العصر الحديث.

اختاره الله واصطفاه في مرحلة صعبة من عمر الأمة الإسلامية، ليقدم بعطائه الفقهي والفكري وجهده الدؤوب، وعواطفه الملتهبة في خدمة الإسلام، ما ينتشل الأمة من وهدتها، ومن حالة التمزق التي تحياها، والتبعية والتغريب.

ألَّف ما يربو على الستين كتابا، فضلا عن المحاضرات والخطب، فهو من المجددين في الإسلام، بفهمه العميق، وفقهه الواسع، وخبرته الميدانية العالية. لقد سُطرت أوراق وكتبت مؤلفات ضخمة عنه، وأعدت رسائل جامعية عن هذه القمة السامقة في مسيرة الأمة الإسلامية والعمل الإسلامي، فهو عالم في الدراسات الإسلامية، وفقيه، ومفكر، وأديب، يصعب على أي باحث أن يضيف جديدا على من كتبوا عن الشيخ الغزالى، ولهذا سنكتفي ببعض معالم من سيرته ومسيرته .

ركائز المشروع الفكري الحضاري للشيخ الغزالي:

يقول د. محمد عمارة: كان الغزالي طرازا فريدا من المجددين، حاملا لهم أمته، يهش للجماهير ويعي جريمة النخبة بحقها، ويخوض معركة فكرية ذودا عن الإسلام على مدى نصف قرن. وإجمالا يمكن تركيز النقاط البارزة في مشروعه الفكري الحضاري الذي تقدم به للأمة في ستة مجالات:

أولها – التصدي للاستبداد المالي والمظالم الاجتماعية.

ثانيها – التصدي للجمود.

ثالثها – التصدي لدعوى الانتساب للسنة النبوية على غير وعي.

رابعها – التصدي للاستبداد السياسي.

خامسها – تحليل تحديات الحضارة الغربية.

سادسها – بيان معالم الطريق لإصلاح الداخل الإسلامي: والمفتاح الذي قدمه لذلك هو إعادة بناء الذات الإسلامية بالتخلص من التخلف الموروث ومن الاستلاب الحضاري[95].

مدرسة الغزالي:

تقف مدرسة الشيخ الغزالي وسطا جامعا بين كل التيارات الإسلامية، تلتزم بالكتاب والسنة، ولا تساوم عليهما، لكنها ترفض التقوقع الحزبي والتنظيمي، وتدعو إلى التكامل والتنسيق بين كل العاملين للإسلام، وتضع الأخوة الإسلامية فوق الخلافات الفرعية، كما تضع الرؤية الحضارية الشمولية فوق الرؤى الجزئية، وتدعو إلى سلم عام، وكلمة سواء.

ومدرسة الأستاذ الإمام الغزالي من أقوى المدارس في مواجهة هذا التمزيق والتشويه للإسلام. وإذا كانت مدارس الحركات الإسلامية تعتمد التربية والعمل طريقا لتقدم المسلمين ونشر الإسلام، فإن مدرسة الإمام الغزالي تعتمد الفكر والبيان، مع التربية والعمل سبيلا لتقديم المشروع الحضاري الإسلامي.

فهو من أفضل من أسهموا في الدراسات الإسلامية قرآنية كانت، أو نبوية، فقهية كانت أو أصولية، جامعا في دراساته كلها بين الفقه الصحيح بالإسلام، والفقه الرشيد بأوضاع العصر وتحدياته[96].

وفي هذا يقول الشيخ الغزالي عن نفسه: المدرسة التي أعتبر نفسي رائدا فيها أو ممهدا لها تقوم على الاستفادة التامة من جميع الاتجاهات الفكرية والمذاهب الفقهية في التاريخ الإسلامي، كما ترى الاستفادة من كشوف الفلسفة الإنسانية في علوم النفس والاجتماع والسير والسياسة والاقتصاد والتاريخ ومزج هذا كله بالفقه الصحيح للكتاب والسنة. إن الرؤية الصحيحة لأحكام الشريعة أو الحكم الصائب الذي ينبغي تقريره لا يتم إلا مع رحابة الأفق ووجود خلفية عظيمة من المعرفة القديمة والحديثة على السواء"[97].

قالوا عنه

قال عنه الإمام الراحل شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق: "فضيلة الشيخ محمد الغزالي الداعية الإسلامي كرس حياته ووقته كله لخدمة الدعوة الإسلامية، وكان من الدعاة الذين لهم قدم ثابتة وخطى موفقة وبصيرة نافذة في هذا المجال".

وتابع: "كان توفيق الله تعالى حليفه وعون المولى مسعفا له في سبيل جهاده بالكلمة الهادفة البناءة، وبقلمه الذي لم تلن له قناة، وكان يتذرع بالصبر والحكمة، ويدعو إلى الله بالموعظة الحسنة متسما بالأخلاق الإسلامية العالية، ولم يعبأ بما قابله من صعاب أو صادفه من عقبات في سبيل أداء رسالته. وقد تحمل الكثير والكثير ووجهت إلى فضيلته الانتقادات الكثيرة من أصحاب الأقلام المسمومة وخاضوا معارك كلامية عميقة معه فصمد صابرا محتسبا. ولم يمض عليه وقت إلا وهو يخوض ميدان الدعوة متنقلا يجوب العالم ويؤدي رسالته وكفاه شرفا ما قدم لأمته وللبشرية[98] ".

ويقول عنه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي (وهو من أبرز تلاميذه): "عرفت في الشيخ الغزالي أنه رجل دعوة قبل كل شيء، الإسلام لحمته وسداه، وشُغْل نهاره، وحلم ليله، ومحور حياته كلها. الإسلام ماضيه وحاضره ومستقبله، فيه يفكر، وعنه يتحدث، وعليه يقول، وإليه يدعو، ومنه يستمد، والدعوة إلى الإسلام لها كل عقله، وقلبه، ولسانه، وقلمه، وجهده، وجهاده، لا يستطيع الابتعاد عنها، ولا يحب الرياء الديني ولا الاجتماعي، ولا السياسي، يندد بكل الدجالين الذين يأكلون بالدين ولا يعملون به. الغزالي رجل دعوة مخلص لدعوته متجرد لها "[99].

وقال الدكتور محمد عمارة: " الشيخ الغزالي هو أبرز علماء الأمة في هذا العصر الذي نعيش فيه، جمع ما يندر أن يجتمع في عالم واحد، جمع بين قلب الداعية وعقل الفقيه المجدد، وشجاعة المجاهد المرابط على ثغور الإسلام الفكرية. جمع بين الفقه والوعي بواقع العصر الذي نعيش فيه، وكان يحمل على كاهله المثقل بالمشكلات الصحية هموم الأمة"[100].

وقال عنه الدكتور عبد الصبور شاهين: "إن عصرنا هذا يمكن أن يطلق عليه في مجال الدعوة: عصر الغزالي. لقد كان - رحمه الله- مدرسة وصاحب رسالة، يقف كالطود الشامخ بين دعاة الإصلاح "[101].

ماذا بقي من محمد الغزالي؟

يجيب الدكتور الشاعر جابر قميحة – رحمه الله - : " بقي منه الفكر الحر المستنير الذي يستقي حقائق الحياة والحق من كتاب الله وسنة رسوله، متقدما في الدرب، لا تأخذه في الله لومة لائم. بقي منه المرونة والسماحة، وسعة الأفق، ومنطق التسهيل والتيسير والتحبيب. بقي منه مائدة طيبة من عشرات كتب في الفقه والسنة والسيرة والسياسة الشرعية، وآداب النفس والمجتمع، والذود عن الإسلام في مواجهة الإلحاد، والصهيونية والصليبية والإباحية، وهي مائدة لا تنفد ولا تبور. سلام على محمد الغزالي، وألحقه الله بمعية النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا"[102].

توفي – رحمه الله – في التاسع من مارس 1996، في أثناء مشاركته في مهرجان الجنادرية الثقافي بالمملكة العربية السعودية، حول موضوع الإسلام وتحديات العصر، ودفن في البقيع.


خاتمة

عادة ما تحاول الحكومات العربية الهروب من تحمل مسؤولياتها التاريخية أمام شعوبها، بتعليق مشكلاتها على شماعة الأسباب الخارجية، التي تمس الجوانب الاقتصادية والسياسية، في حين أن معظم مشكلات المنطقة العربية، كانت بسبب سعي الحكومات أو الأطراف المتصارعة لاستقدام القوى العالمية لتجذر حضورها على الأراضي العربية، عبر الأساطيل والقواعد العسكرية، أو استنزاف الثروات الطبيعية والمالية.

وإذا كانت محاكمة هؤلاء الحكام وأطراف الصراع المحليين في المنطقة العربية قد تأخرت بشكل كبير، فلعل الحراك الذي تشهده المنطقة العربية، وينبئ بموجة ثانية للربيع العربي، يكون باعث أمل على صحوة للبلدان العربية، تستعيد فيها الشعوب حريتها وكرامتها.


المصادر:
[1]  العربية، توقيع اتفاق السلام التاريخي بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، 15 سبتمبر/أيلول 2020
https://ara.tv/8nm7u
[2]  CNN، وزير الخارجية الأمريكي: الإمارات وإسرائيل ستشكلان تحالفا لمنع إيران من تهديدنا، 6 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/gfS5Bg1
[3]  القدس العربي، ميدل إيست آي: تعاون عربي- إسرائيلي لتصوير تركيا كعدو جديد بدل إيران، 13 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/1fDEWkn
[4]  TRT، الاتفاق الإماراتي-"الإسرائيلي" من منظور تركي، 26 أغسطس/آب 2020
https://cutt.ly/ifDRmLd
[5]  TRT، الإمارات تعبث شرق المتوسط.. هل تستطيع إسرائيل حمايتها من الحساب التركي؟، 25 أغسطس/آب 2020
https://cutt.ly/tfDRi7a
[6]  المنار، رفض فلسطيني شامل لـ “صفقة القرن”، 28 يناير/كانون الثاني 2020
https://cutt.ly/hf3ScFI
[7]  القدس العربي، السفير الأمريكي في إسرائيل يكذّب الإمارات بشأن إلغاء خطة “الضم”، 30 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Nf3SIpQ
[8]  الجزيرة، ما خفي أعظم - الصفقة والسلاح، 13 سبتمبر/أيلول 2020
https://youtu.be/9lkarL5uWeI
[9]  البيان الإماراتية، إنجاز تاريخي: اتفاق سلام بين البحرين وإسرائيل، 12 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Wf3SGYQ
[10]  عربي 21، هآرتس: تطبيع الإمارات أثار تركيا أكثر من إيران.. لماذا؟، 17 أغسطس/آب 2020
https://cutt.ly/QfDErSd
[11]  BBC، محمد دحلان: هل هناك خطة أمريكية لاستبداله بمحمود عباس؟، 18 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/vf3SBeC
[12]  المصدر نفسه
[13]  الخليج الجديد، هل يستعد دحلان لقيادة الفلسطينيين بعد تورطه في اتفاق التطبيع الإماراتي؟، 6 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Af3S0D3
[14]  المصدر نفسه
[15]  الجزيرة، دحلان في الواجهة من جديد.. حملة اعتقالات ضد أنصاره بالضفة الغربية، فما خلفها؟، 28 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/xf3Deb7
[16]  TRT، حسام بدران لـTRT: التطبيع وصفقة القرن عجَّلا اتفاقاً بين فتح وحماس، 26 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/of3GU3H
[17]  الأناضول، عريقات: اجتماعات تركيا تركزت على إجراء الانتخابات الفلسطينية، 23 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/af3GP6s
[18]  الخليج الجديد، اجتماعات إسطنبول.. هل تكون تفاهمات حماس وفتح مختلفة هذه المرة؟، 25 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/jf3GDom
[19]  وكالة أنباء تركيا، هنية: اجتماعنا مع “فتح” في إسطنبول إيجابي ويمهد لحوار وطني شامل، 25 سبتمبر/أيلول 2020
https://tr.agency/news-111012
[20]  الأناضول، قيادي بـ"فتح": اجتماعات تركيا إيجابية ومثمرة، 24 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Hf3GKp5
[21]  يني شفق، عباس يطلب من أردوغان دعم المصالحة والانتخابات الفلسطينية، 21 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/bf3GZVo
[22]  ترك برس، "الخارجية" الفلسطينية تُشيد بكلمة الرئيس التركي أمام "الجمعية العامة"، 23 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/zf3GVug
[23] الجزيرة نت، تعرف على آلية تنفيذ اتفاق الرياض وصراع السلطة في اليمن، 29 يوليو/ تموز 2020.
https://bit.ly/3mYJike
[24] المصدر السابق.
[25] العربي الجديد، انفصاليو اليمن يصعدون ضد السعودية: مهلة زمنية وتلويح بإغلاق الحدود، 10 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3n26A8R
[26] موقع أخبار اليمن، لليوم الخامس الانتقالي يحتجز رواتب متقاعدي تعز في لحج، 11 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3cIyJgB
[27] المصدر السابق، حدة المعارك تتصاعد جنوب مأرب اليمنية... وتحشيد للانفصاليين في أبين، 8 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3n3ICu3
[28] مأرب برس، لجنة عسكرية سعودية تصل عدن لتنفيذ الشق العسكري من ”اتفاق الرياض“، 13 أغسطس/ آب 2020.
https://bit.ly/3jiMhBY
[29] العربي الجديد، الإمارات تعزز سيطرتها على سقطرى بدفعات جديدة من الجنود، 27 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/2ScBEVl
[30] ار تي عربي، موقع: الإمارات وإسرائيل تعملان على إقامة مرافق استخباراتية في سقطرى اليمنية، 30 أغسطس/ آب 2020.
https://bit.ly/3ifBlDS
[31] صحيفة الاستقلال، الإمارات تجلب إسرائيل إلى اليمن.. تهديد إستراتيجي للأمن العربي، 7 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/36meRyC
[32]  الجزيرة، وسط ترحيب دولي.. فرقاء ليبيا يعلنون وقفا شاملا لإطلاق النار، 21 أغسطس/آب 2020
https://cutt.ly/If9g7rh
[33]  قناة فبراير، لقاء خاص مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، 28 سبتمبر/أيلول 2020
https://youtu.be/YwFkLOSiW9o
[34]  قدس اليومية، ليبيا : توقيع اتفاق بشأن المناصب السيادية وتوصيات حول الانتخابات والفترة الانتقالية، 13 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/tf9kznh
[35]  الجزيرة، اتفاق المناصب السيادية بليبيا.. ما فرص إقراره برلمانيا؟ وهل ينهي دور حفتر؟، 13 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Df9kYBU
[36]  العربية، ترحيب دولي بنتائج المشاورات الليبية في سويسرا، 10 سبتمبر/أيلول 2020
https://ara.tv/rv3g6
[37]  قناة فبراير، لقاء خاص مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، 28 سبتمبر/أيلول 2020
https://youtu.be/YwFkLOSiW9o
[38]  RT، مستشار عقيلة صالح لـRT: هناك تنسيق كامل بين البرلمان الليبي والجيش بشأن وقف إطلاق النار، 22 أغسطس/آب 2020
https://cutt.ly/3f9k8XU
[39]  RT، عقيلة صالح: نحن وحفتر في مسار واحد لحل الأزمة الليبية، 24 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/7f9lqeL
[40]  ليبيا 24، السيسي يبحث مع عقيلة صالح و”حفتر” جهود وقف إطلاق النار ودعم العملية السياسية، 23 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/ef9ldKR
[41]  TRT، للمرة الرابعة.. الجيش الليبي يعلن خرق مليشيا حفتر للهدنة في سرت، 8 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/VfA9Jns
[42]  العربية، ترحيب دولي بنتائج المشاورات الليبية في سويسرا، 10 سبتمبر/أيلول 2020
https://ara.tv/rv3g6
[43]  العربي الجديد، تقارب روسي تركي بشأن ليبيا...واستقالة السراج تسرع مشاورات الحل، 18 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Uf9lO5h
[44]  RT، السراج يعلن استقالته من رئاسة حكومة الوفاق الليبية، 16 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/3f9K0p9
[45]   الحرة، أبعاد "استقالة" السراج وتأثيرها على المشهد الليبي، 17 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Tf9LqOZ
[46]  الجزيرة، لماذا يريد السراج ترك منصبه في هذا التوقيت؟ وهل تنجح لجنة الحوار في تشكيل رئاسي جديد؟، 17 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Nf9LyOP
[47]  المصدر نفسه
[48]  DW، استقالة السراج: استسلام لغضب الشارع أم تحضير لتسوية سياسية؟، 17 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Cf9K5uH
[49]  RT، عضو المجلس الرئاسي الليبي: الشرعية التي نستند إليها ليست مرتبطة بأي شخص مهما كان منصبه، 16 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Yf9LQeN
[50]  أخبار ليبيا 24، بعد عزمه الاستقالة .. امطير لـ”السراج”: اقرأ الاتفاق السياسي، 16 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Ef9LAZL
[51]  يني شفق، أنقرة: أكار يستقبل نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، 15 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Hf9LNZd
[52]  عربي 21، كيف سيبدو مشهد غرب ليبيا حال استقال "السراج".. ومن البديل؟، 16 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Ff9L2iX
[53]
[54] تم هذا الإحصاء من خلال رصد المحرر للاحتجاجات التي نُشرت على الفضائيات والمواقع الإخبارية.
[55] رصد الشعارات تم من خلال متابعة المحرر للمقاطع المنشورة للحراك.
[56] موقع النشرة، الخارجية الألمانية: اوضحنا بشكل متكرر للجانب المصري أهمية حرية التظاهر، 28 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3imzMnn
[57] وكالة الأناضول، ردا على سؤال عن مصر.. الأمم المتحدة تنفي منح تفويض بالقمع، 21 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/2Gib6zf
[58] الصفحة الرسمية لحزب الدستور المصري على الفيس بوك، بيان صحفي، 26 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/30i58FG
[59] موقع "الاشتراكيون الثوريون"، بيان صحفي، 27 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/2ScaKNt
[60] RT عربي، ماكرون يصل إلى لبنان في مستهل زيارة عقب انفجار بيروت الضخم، 6 أغسطس/ آب 2020.
https://bit.ly/2YrJYUw
[61] العربي الجديد، انفجار كبير يهزّ بيروت ومحيطها وسقوط جرحى، 4 أغسطس/ آب 2020.
https://bit.ly/31quYZf
[62]  BBC عربي، تكليف مصطفى أديب رسميا بتشكيل الحكومة اللبنانية، 30 أغسطس/ آب 2020.
https://bbc.in/3l1gllM
[63] المصدر السابق، مصطفى أديب رئيس الوزراء اللبناني المكلف يعتذر عن تشكيل الحكومة، 26 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bbc.in/2G1uT6p
[64] وكالة سبوتنيك عربي، مبادرة الحريري بشأن حقيبة المالية... هل تنجح في تشكيل الحكومة اللبنانية؟، 23 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3icTfHd
[65] العربي الجديد، لبنان: مبادرة الحريري لم تُقنع "حزب الله" و"حركة أمل" والبحث عن اختراق جدّي، 24 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/2HCk3UB
[66]  France 24، ماكرون يتهم القادة اللبنانيين "بخيانة" تعهداتهم ويمهلهم 4 إلى 6 أسابيع إضافية لتشكيل حكومة في إطار المبادرة الفرنسية، 27 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3jg17cp
[67] جريدة المدن، ماكرون يقرّع حزب الله ويترك لبنان معلقاً للانتخابات الأميركية، 27 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/2HITJbF
[68] وكالة الأناضول، نصر الله": واشنطن والرياض أفشلتا مبادرة ماكرون في لبنان، 29 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3jguY4i
[69] موقع مصراوي، نص كلمة العاهل السعودي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، 23 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/3ieBlEa
[70] يورو نيوز، إيران تحث فرنسا على إبداء "نوايا طيبة" بتعاملها مع ملف الحكومة اللبنانية، 28 سبتمبر/ أيلول 2020.
https://bit.ly/2S7jzYR
[71]  العربية، المعارضة السورية: طائرات روسية تنفذ أعنف قصف لإدلب منذ وقف النار، 20 سبتمبر/أيلول 2020
https://ara.tv/g9425
[72]  العربي الجديد، تصعيد في إدلب: لا تفاهمات روسية – تركية، 19 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/5f3J4kq
[73]  العربي الجديد، أبرز النقاط الخلافية بين تركيا وروسيا حول إدلب، 19 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/vf3J5o2
[74]  البيان، دائرة الخلاف الروسي التركي تتسع حول إدلب، 19 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/pf3KuF0
[75]  وكالة أنباء تركيا، خلال 48 ساعة.. الجيش التركي يدخل 8 أرتال ضخمة إلى إدلب، 30 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/Vf3Ko6X
[76]  العربي الجديد، تصعيد في إدلب: لا تفاهمات روسية – تركية، 19 سبتمبر/أيلول 2020
https://cutt.ly/5f3J4kq
[77] العربي الجديد، ليبيا: تحذير من تبديد الاحتياطي النقدي..والمركزي يفشل في كبح الدولار، 8 مايو 2020.
[78] الرؤية، "أرابتك القابضة" إلى التصفية..الحالة الاولى من نوعها في أسواق المال الإماراتية، 30 سبتمبر 2020.
[79] مباشر، وكالة: مؤسس "أبراج كابيتال" استولى على أكثر من 1.4 مليار درهم، 13 يونيو 2020.
[80] رويترز: بنوك إماراتية قد تشطب 50% من ديون " إن إم سي هيلث" المتعثرة، 29 أبريل 2020.
[81] الجزيرة مباشر، انخفاض الناتج المحلي للإمارات بنسبة 9.3% في الربع الثاني من 2020، 24 سبتمبر 2020.
[82] رويترز، السعودية تقلص الانفاق في العام القادم، وتتوقع انتعاش الاقتصاد، 30 سبتمبر 2020.
[83] وزارة المالية السعودية، البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة لعام 2021، ص 24.
[84] روسيا اليوم، الحكومة المصرية تدعم قطاع السياحة بقرارات غير مسبوقة، 30 سبتمبر 2020.
[85] روسيا اليوم، تونس.. انهيار السياحة بسبب كورونا، 26 سبتمبر 2020.
[86]  سامي خشبة . مصطلحات فكرية . ص 253.
[87]  امتلاك الوعي المناسب شرط لتغيير واقعنا المأساوي. حوار مع المفكر محمد شاويش. إسلام أون لاين.24/7/2017.
[88]  امتلاك الوعي المناسب شرط لتغيير واقعنا المأساوي. حوار مع المفكر محمد شاويش. إسلام أون لاين.24/7/2017.
[89]  صناعة الوعي. عربي بوست. في 15/4/2017.
[90]  علي  شريعتي. النباهة والاستحمار. الطبعة الأولى . الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع . لبنان – بيروت. 1984. ص 69.
[91] صناعة الوعي. عربي بوست. في 15/4/2017.
[92] صناعة الوعي. عربي بوست. في 15/4/2017.
[93] امتلاك الوعي المناسب شرط لتغيير واقعنا المأساوي. حوار مع المفكر محمد شاويش. إسلام أون لاين.24/7/2017.
[94] علي  شريعتي. النباهة والاستحمار. ص 13.
[95] معالم المشروع الحضاري في فكر الشيخ الغزالي مع سيرة حياته. تأليف أد. محمد عمارة، قراءة ومدارسة أد.السيد عمر. ص 9.
[96]  الشيخ محمد الغزالي .. تاريخه، وجهوده، وآراؤه . بقلم د. عبد الحليم عويس. دار القلم – دمشق. الطبعة الأولى 1421هـ/ 2000م. ص 141
[97]  حوار مع الشيخ الغزالي. إعداد دار المختار الإسلامي. القاهرة. ط1، 1996.ص58.
[98] الداعية الشهيد محمد الغزالي. عبد الله المصري. دار الاعتصام . ص 73.
[99]  الشيخ الغزالي كما عرفته. د. يوسف القرضاوي. دار الشروق بمصر. 2000. ص 9.
[100] الداعية الشهيد محمد الغزالي. عبد الله المصري. ص89.
[101]  رسائل الشيخ محمد الغزالي المتجددة. محمد عبد الصمد الإدريسي. موقع يقظة فكر. 9مارس 2011.
[102]الداعية الأديب الشيخ محمد الغزالي. بقلم د. جابر قميحة . إخوان ويكي.