لماذا ينكل النظام المصري بمحمد البلتاجي؟

أحمد مدكور | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 3 مارس/ آذار 2019، طالب د. محمد البلتاجي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، والمعتقل لدى أجهزة السلطة المصرية، بعرضه على أحد المستشفيات، لمعاينة حالته الصحية بعد إصابته بجلطة دماغية، قائلا إن الجلطة "أدت إلى سقوط يده اليمنى وانحراف لسانه وإصابته بعدم الإدراك".

بعدها أعلنت أسرة البلتاجي أستاذ الطب بجامعة الأزهر والبرلماني السابق، الممنوع عنه الزيارة والعلاج، بيانا طالبوا فيه الجهات المعنية بالتحرك لوقف ما أسموه بـ"الموت البطيء للرجل".

الانتهاكات بحق البلتاجي على وجه التحديد ليست جديدة، حيث دأب النظام على التنكيل به، وبأسرته، ما يؤكد خصوصية الانتقام من البلتاجي تحديدا دون غيره من آلاف المعتقلين السياسيين في مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013.

عابر للحدود

أعوام طويلة قضاها البلتاجي، بين عمله كأستاذ بقسم الأنف والأذن والحنجرة بكلية الطب جامعة الأزهر، وبين عمله السياسي، وانتزاع ثقة الشعب بحسمه جميع الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها، وارتبط اسمه بقضايا بارزة ناضل في سبيلها قبل ثورة يناير، مثل غرق عبارة السلام، وتفشي مرض أنفلونزا الطيور، وقانون الضرائب العقارية، ودعم رغيف الخبز وغيرها من القضايا الوطنية.

جانب من معارضة الدكتور البلتاجي داخل البرلمان قبل ثورة 25 يناير

كان البلتاجي مدافعا شرسا عن ضرورة استقلال القضاء، وحرية الصحافة والنشر، ورفض تمديد قانون الطوارئ "ذلك القانون الذي حكم به مبارك لمدة 30 سنة"، ووقف ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين.

جانب من المحاكمات العسكرية للمدنيين في عهد مبارك

ناضل البلتاجي لعدم تمرير التعديلات الدستورية عام 2007، التى كانت تمهد الطريق لتوريث جمال مبارك الحكم. وكان من مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير عام 2010، والتى كان هدفها الأول منع التوريث مع مطالبة النظام القائم بإجراء إصلاحات سياسية واسعة، وعمل تداول سلمي للسلطة. 

في لقاء له على شاشة قناة "أون.تي.في" الفضائية بتاريخ 7 مايو/ آيار 2010، حذر البلتاجي من انفجار الأوضاع داخل الدولة، نتيجة الاحتقان السياسي، والاستبداد، واحتكار السلطة من قبل الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت.

البلتاجي يحذر في لقاء تلفزيوني قبل الثورة من الانفجار القريب

لم يقف دور السياسي المصري على الصعيد المحلي، فهو واحد ضمن  نشطاء دوليين شاركو في "أسطول الحرية" على متن سفينة مرمرة التركية، وكان رئيس الوفود العربية المشاركة في الأسطول، الذي سعى لكسر الحصار عن قطاع غزة، وأوقفه العدوان الإسرائيلي باعتداء سافر في (3 مايو/ آيار 2010، أدى لاستشهاد 9 ناشطين، وجرح العشرات منهم فضلا عن اعتقال كافة المشاركين على ظهر السفينة).

مقطع لأسطول الحرية بمشاركة البلتاجي قبل العدوان الإسرائيلي

رياح التغيير

عندما هبت رياح التغيير في مصر وجاءت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تصدر البلتاجي الصفوف، وحمل الثورة منذ البداية على كاهله، وبرز دوره بقوة يوم موقعة الجمل، عندما حاول بلطجية نظام مبارك، مدفوعين من رجال أعمال محسوبين على السلطة اقتحام الميدان ووأد الحراك الثوري، يومها شكل البلتاجي ورفاقه من أنفسهم دروعا بشرية لحماية ميدان التحرير.

لحظات اقتحام ميدان التحرير، يوم موقعة الجمل

كتب البلتاجي رسالة سُربت من محبسه بتاريخ 17 يناير/ كانون الثاني 2018، بعنوان (محاكمة ثورة يناير) قال فيها نصا "نزلتُ ظهرَ الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني 2011- ومعي زوجتي وأولادي جميعا- إلى دار القضاء العالي، ثم إلى ميدان التحرير بقلب القاهرة، وانطلقنا في قلب المسيرات الحاشدة عقب صلاة الجمعة (28 يناير/كانون الثاني) من أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر متجهين إلى ميدان التحرير، فحاصرتنا الشرطة وأطلقت علينا الرصاص والقنابل بين رمسيس والتحرير فسقط منا شهداء.

مضيفا "حينها كانت ابنتي أسماء (14 سنة يومئذ) وأخوها حسام (9 سنوات يومئذ) يدركان- كغيرهما من آلاف الشباب والفتيات المشاركين في المسيرة- أنهما يسطّران صفحة من أروع صفحات تاريخ مصر الحديث، وأنهما قد يدفعان أرواحهما ثمنا للسطر الذي يكتبانه في تلك الصفحة المجيدة".

وتابع "جرت الأحداث بعد ذلك تحمل الكثير من الآمال والآلام والنجاحات والإخفاقات، حتى لقيت أسماءُ ربّها برصاص قناصة العسكر في مجزرة رابعة يوم 14 أغسطس/آب 2013، واضطر حسام لمغادرة البلاد مع أمه وإخوته جميعا بعد أن قُتلت أخته وحُبس أبوه، وصار- وهو تلميذ في الصف الثالث الإعدادي- مطلوبا للقبض عليه مثل أبيه وأخيه (أنس)".

مستطرا "لكنّ أحدا لم يكن يتصور أن يأتي يوم يقدَّم فيه المشاركون في ثورة 25 يناير إلى حبل المشنقة، بتهمة مساعدة القوات المسلحة الأجنبية التي احتلت أراضي الدولة وأسقطت النظام، وأجبرته بالقوة على تسليم السلطة لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين!!".

شهادة الدكتور محمد البلتاجي عن يوم موقعة الجمل، ولقائه مع لواء في المخابرات الحربية

موقعة الجمل

البلتاجي في شهادته أمام جلسة محاكمة المتورطين في موقعة الجمل عقب ثورة 25 يناير، قال إن ضابطا في المخابرات العامة برتبة لواء اسمه "عبد الفتاح (ليس عبد الفتاح السيسي)"، اجتمع به في مكتب شركة للسياحة بميدان التحرير قبل موقعة الجمل، وأكد أن أنصار مبارك سيخرجون في مظاهرات تأييد وسيأتون إلى ميدان التحرير، وطلب منه "انسحاب المتظاهرين من الميدان حتى لا يقع صدام بين الجانبين يتسبب في إراقة الدماء".

ورد عليه البلتاجي قائلا "كيف تسمحون لهؤلاء البلطجية بالدخول إلى ميدان التحرير؟!"، فرد لواء المخابرات قائلا "إنهم مواطنون مصريون يريدون التعبير عن رأيهم بتأييد الرئيس".

البلتاجي جاء رده قويا "هل ضاق بهم ميدان مصطفى محمود وكل ميادين مصر للتظاهر فيها؟ من الممكن أن تفتحوا لهم ملعب استاد القاهرة الذي يستوعب الآلاف إن كانوا يريدون التعبير عن رأيهم".

وعلى ما يبدو فإن تصدر البلتاجي المبكر كرمز من رموز الثورة، وواحد من وجهائها، جعله خصما للدولة العميقة، وهدفا للثورة المضادة فيما بعد.

عروس رابعة

وبعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، جاء المشهد الأصعب في تاريخ مصر الحديث، عندما بدأت الأجهزة الأمنية بفض اعتصام ميداني رابعة العدوية (شرق القاهرة) والنهضة (غرب القاهرة) بالقوة المسلحة، ما أسفر عن مجزرة دموية مروعة راح ضحيتها المئات من المعتصمين السلميين.

وظل مشهد اغتيال أسماء البلتاجي "16 عاما"، ابنة البلتاجي، يمثل رمزية لذلك اليوم، خاصة مع ثبات والدها، وإلقاءه بيانا عقب استشهاد ابنته بدقائق، يحض المتظاهرين فيه على الثبات، ويعلن رفضه للانقلاب ومقاومته حتى النهاية.

بيان الدكتور البلتاجى من ميدان رابعة عقب استشهاد ابنته

وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2017، طلب البلتاجي خلال جلسة محاكمته في قضية فض اعتصام رابعة العدوية، السماح له بعمل توكيل رسمي في الشهر العقاري لعدد من المحامين الدوليين، وذلك لتقديم دعوة عن مقتل ابنته أسماء و1700 شاب وفتاة يوم 14 أغسطس/ آب 2013، متهما وزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم بتنفيذ المجزرة.

البلتاجي طلب من المحكمة التحقيق في جريمة اختفاء الدليل الرئيسي في هذه الجريمة، مؤكدا أنه "إذا لم تستجب المحكمة لهذا الطلب العاجل، تصبح المحكمة من وجهة نظري شريكا في طمس معالم الجريمة، وقلب الحقائق، وتغييب العدالة".

وقال البلتاجي حينها "أنا حين أتحدث عن الجريمة أتحدث عن جريمتين: جريمة مقتل 1700 من المعتصمين السلميين عمدا مع سبق الإصرار، وجريمة مقتل 7 من ضباط وجنود الشرطة، لأن الذي قتل هؤلاء قتل أولئك من أجل أن يضلل العدالة وتسير المحاكمات في هذا الطريق الذي سارت فيه".

الجريمة الكاملة

في 9 أغسطس/آب 2016، قال البلتاجي أمام هيئة المحكمة التي تنظر قضية "فض اعتصام رابعة العدوية"، "إن مساعد وزير الداخلية اللواء حسن السوهاجي ومدير مباحث مصلحة السجون اللواء محمد علي، قاما بالاعتداء عليه وتعذيبه، وذلك بتقييد يديه وإجباره على الوقوف رافعا يديه للأعلى مع توجيه وجهه للحائط"، وأضاف البلتاجي "أنه تم تصويره بالملابس الداخلية كما قاموا بتصويره عاريا موجهين إليه السباب".

الدكتور البلتاجي يروي تفاصيل تعذيبه في سجن العقرب

كما سلط النظام أذرعه الإعلامية، لتبرير تعذيب البلتاجي، حيث وجه أحمد موسى، خلال برنامجه على شاشة صدى البلد بتاريخ 10 أغسطس/ آب 2016،  الشكر إلى الضباط الذين اتهمهم البلتاجي، بتعذيبه، وأشاد بما فعلوه، ووصفهم بأنهم "جدعان"، وأكد أن تعذيبهم للبلتاجي لا يقارن بما يحدث في سجون الولايات المتحدة، لا سيما مع الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن.

أحمد موسى يشيد بتعذيب البلتاجي، ويصف الضباط بـ "الجدعان" 

الواقعة التي رواها البلتاجي في المحكمة لم تكن الأولى في حقه، حيث أكدت زوجته السيدة سناء عبدالجواد، في أحد اللقاءات التليفزيونية في مارس/آذار 2016، تعرض زوجها إلى واقعة تعذيب على يد نفس الشخصية التي ذكرها في واقعة التعذيب السابقة، وهو حسن السوهاجي مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون. وقالت "إن حسن السوهاجي، هاجم زوجي في وقت متأخر من الليل وبصحبته كلاب بوليسية، للاعتداء عليه وتعذيبه داخل محبسه".

السيدة سناء عبد الجواد تروي وقائع تعذيب زوجها محمد البلتاجي

أحكام مسيسة

القضاء المصري "المسيس في أغلب أحكامه بعد الانقلاب" والمشكوك في نزاهته بحسب تقارير دولية، أصدر مجموعة أحكام رادعة بحق البلتاجي، ففي عام 2014 صدر ضده حكم بالسجن 20 عاما بمزاعم "اختطاف وتعذيب رجلي شرطة في ميدان رابعة"، والسجن 10 سنوات بتهمة "قيادة جماعة إرهابية". ثم حكم عليه بالسجن 15 سنة بتهمة "تعذيب مواطن مصري" خلال ثورة 25 يناير.

وفي أواخر عام 2014، حكم عليه بالسجن 6 سنوات، بعد إدانته بـ "إهانة هيئة المحكمة" وذلك لابتسامته في وجه القاضي، الذي اعتبرها سخرية واستهزاء بهيئة المحكمة، وفي عام 2015 قضت محكمة الجنايات في القاهرة بإعدامه شنقا في "قضية التخابر" مع حركة "حماس" قبل أن تلغي محكمة النقض الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وتقرر إعادة المحاكمة من جديد أمام دائرة أخرى. 

وفيما تسمى قضية "فض اعتصام رابعة العدوية" قضت محكمة جنايات القاهرة في 8 سبتمبر/ أيلول 2018، بإعدام 75 بينهم البلتاجي وعصام العريان وعبد الرحمن البر، وصفوت حجازي وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر ووجدي غنيم ولا يزال أمام المتهمين الحق في استئناف الأحكام الصادرة بحقهم أمام محكمة النقض.