242 يوما من الإضراب.. هل يقتل السيسي ليلى سويف قبل أن ترى ابنها حرا؟

علاء عبدالفتاح (43 عاما) أحد أبرز وجوه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011
احتجاجا على استمرار سجن ابنها رغم انقضاء فترة عقوبته، ومطالبة بحقه في الحرية، ورفضا للسياسات القمعية، تمسكت الناشطة والأكاديمية ليلى سويف والدة الناشط المصري علاء عبد الفتاح بإضرابها عن الطعام، حتى نُقِلت إلى المستشفى بعد 242 يوما من هذا الاحتجاج الصامت.
الحملة الداعمة لسويف قالت في بيان مقتضب أصدرته أخيرا: إن ليلى (69 عاما) الناشطة والأكاديمية نقلت إلى مستشفى في لندن يوم 26 مايو/أيار 2025، وهي تعاني من هبوط حاد لمستوى السكر في الدم.
وفي 31 مايو 2025، قالت ابنتها سناء سيف: إن حالة والدتها الصحية حرجة، فيما عبرت عن حجم الأزمة قائلة: "أمي لو ماتت؛ جثمانها هيروح مصر، وهصلي عليها في عمر مكرم، حتى لو بطولي، وبيادات (العسكر) ودبابير العالم مش هتوقفني".
وعقب الكشف عن تدهور الحالة الصحية لها، تقدم 20 شخصا بينهم صحفيون ومحامون وكتّاب، بطلب لرئاسة الجمهورية للعفو عن عبدالفتاح، وإنقاذ حياة سويف.
وأكد الطلب أن إنقاذ حياة سويف سيحمل رسالة سياسية واضحة أن الدولة لا تغلق أبوابها في وجه الأمل، وأنها لا تدير ظهرها لأصوات أمهات مصر.
وبدأت سويف إضرابها نهاية سبتمبر/أيلول 2024، وهذه هي المرة الثانية التي تنقل فيها إلى المستشفى منذ فبراير/شباط 2025؛ إذ خففت إضرابها المرة الأولى قائلة: إن لديها "أملا" بعد تطورات أخيرة في قضية ابنها، وانتقلت إلى إضراب جزئي.
لكن سويف عاودت الإضراب الكلي عن الطعام في 20 مايو الحالي، قائلة من أمام مقر رئيس مجلس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في لندن: "عدت إلى هنا اليوم، وأعلن العودة إلى إضراب كامل ولن أتناول أي سعرات حرارية".
وأضافت: "دعوني أوضح سبب قيامي بذلك، ليس الأمر أنني أشك في التزام الحكومة البريطانية بإطلاق سراح علاء، ولا أريد أيضا التشكيك في المصلحة الشخصية للسيد ستارمر في محنة عائلتي، لقد وعدني كما وعد البرلمان ببذل كل ما في وسعه".
وتابعت الأكاديمية المصرية: "قبل بضعة أيام تلقّت ابنتي مُنى رسالة إنسانية من ستارمر، يؤكد فيها لجميع أفراد عائلتي استمرار دعمه"، فيما أردفت: "لكن بالنسبة إلى علاء الجالس في السجن، والمضرب عن الطعام الآن لمدة 81 يوما منذ الأول من مارس (آذار 2025)، فإنّه لم يتغير شيء".
واسترسلت بالقول: "بعد ما يقرب من 8 أشهر منذ أن أنهى عقوبة سجنه، وبعد ما يقرب من 8 أشهر من إضرابي عن الطعام احتجاجا على استمرار سجنه، ولفت انتباه البريطانيين والمصريين والعالم بأسره إلى محنته ومحنة عائلتي، لم يتغير شيء، ولا يحدث شيء".
وبدوره، هاتف ستارمر، رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وناقشا ملف عبد الفتاح، ونقل له قلقه البالغ إزاء استمرار احتجازه رغم انتهاء فترة سجنه، مؤكدا أن الإفراج الفوري عنه بات ضرورة ملحة لإنهاء معاناته هو وأسرته، وفق بيان للحكومة البريطانية في 22 مايو/أيار 2025.
ملف المعتقلين
وعلاء عبدالفتاح (43 عاما) هو أحد أبرز وجوه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي خلعت الرئيس الراحل حسني مبارك، ويحمل الجنسية البريطانية من والدته، لكن الحكومة المصرية ترفض الاعتراف بها، مما يعرقل جهود السفارة البريطانية للتواصل معه أو تقديم الدعم القنصلي.
وأوقفت السلطات المصرية عبد الفتاح في سبتمبر/أيلول 2019، بعد مشاركته نصّا كتبه شخص آخر يتهم فيه شرطيا بتعذيب أحد السجناء حتى الموت، وبعد عامين من اعتقاله، حُكِم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة” في محاكمة وصفتها والدته بـ"الصورية".
ودخل في سلسلة من الإضرابات عن الطعام خلال السنوات الأخيرة احتجاجًا على اعتقاله وظروف احتجازه، وانتهت محكوميته في سبتمبر/أيلول 2024، إلا أن السلطات لم تطلق سراحه حتى اليوم.
ومن جانبها، خلصت لجنة خبراء بالأمم المتحدة إلى أن احتجاز علاء عبد الفتاح "تعسفي ومخالف للقانون"، داعية إلى إطلاق سراحه فورا.
واستثمر سياسيون وحقوقيون وناشطون على منصات التواصل الاجتماعي ما تمر به سويف من تمسك بالإضراب نتج عنه تدهور في حالتها الصحية، في المطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين كافة في مصر وتعزيز الحقوق والحريات.
وملف حقوق الإنسان في مصر لا يشهد تطورا إطلاقا على أي صعيد منذ وصول السيسي إلى الحكم عبر انقلاب عسكري على الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي، ويقبع في سجونه آلاف المعتقلين السياسيين منذ منتصف 2013.
ويتعرض المعتقلون وفق تقارير حقوقية لتعذيب متعمد وممنهج ومستمر في مقرات الاحتجاز والسجون، ويطالب أهاليهم بإخلاء سبيلهم مع قدوم عيد الأضحى.
وحذر ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" من عواقب تجاهل السلطات المصرية لما تتعرض له سويف ورفضها الاستجابة للمطالبات والاستجداءات والنصائح كافة التي توجه لها لإنهاء ملف المعتقلين واستغلال الفرصة لتسوية أوضاعهم.
وأعربوا عبر مشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ليلى_سويف، #أنقذوا_ليلى_سويف، #علاء_عبد_الفتاح، عن تضامنهم الكامل مع والدة المعتقل المصري وتأييدهم لاستخدامها حقها في اختيار الإضراب وسيلة لرفض الظلم بعدما استنفذت كل الطرق القانونية والدبلوماسية.
إفراج فوري
وبدوره، قال السياسي محمد البرادعي: إن الإفراج الفوري عن كل سجناء الرأي في مصر باختلاف مشاربهم ومعتقداتهم والذين لم يشاركوا في أعمال عنف هي خطوة لا غنى عنها ومقدمة ضرورية إذا أردنا أن نخرج بالبلاد من المأزق الذي تمر به، محذرا بالقول: "الوقت ليس في صالحنا".
واتفق معه في الرأي الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل، قائلا: "أوافق بكل قوة على مبادرة الدكتور محمد البرادعي، ولكن أريد إضافة مهمة: "مع محاكمة كل من شارك بعنف ضد الشعب المصري وارتكب مجازر بحقه، كائنًا من كان، سواء كان من الشرطة أو الجيش".
وأعادت إحدى المغردات نشر ما قاله البرادعي، قائلة: "ياريت لازم معاناة المعتقلين وأهاليهم تنتهي كفاية خرجوا الشباب والآباء والأمهات".
وأكد أحمد فاروق أن من المروءة ألا يتم الحديث عن معتقل واحد مظلوم دون الحديث عن آلاف المعتقلين ظلما، مذكرا بأن منهم من لم يصدر ضده أحكام.
وأضاف أن من الشرف ألا تدخل الأيدولوجيات في الموقف الإنساني -المتعلق بإضراب ليلى سويف- ونطالب بالعدل للجميع".
تضامن وتآزر
وتضامنا مع والدة عبدالفتاح، قال الصحفي قطب العربي: "مع إيماننا بأن (لكل أجل كتاب) (فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون) لكننا جميعا نتفرج على مشهد مأساوي للأم العظيمة ليلى سويف التي تدخل إلى الموت طواعية فداء لابنها الذي يتعنت السيسي شخصيا في الإفراج عنه".
ورفض توجيه نداء إنساني للسيسي؛ لأنه هو من حبسه، ويصر على استمرار ظلمه، ويتلذذ بمشهد والدته وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة دون أن تهتز له شعرة.
وأضاف العربي: "أتوجه بدعواتي لله مالك الملك، الذي يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، فاللهم عجل بالحرية لعلاء وأمدد في عمر ليلى سويف حتى تسعد باحتضانه في بيته وسط عائلته، اللهم عليك بالسيسي ومن عاونه.. اللهم عجل بخلاص كل المظلومين في سجونه".
وأشار السياسي حمدين صباحي إلى أن سويف قاب قوسين أو أدنى من الموت، مؤكدا أن "إنقاذها هو إنقاذ لمعنى المروءة في بر مصر، وإلا فسيلاحقنا عذاب ضمير لن نشفى منه".
وكتب أيمن زين الدين: "أضم صوتي إلى صوت الدكتورة ليلى سويف وأسرتها وباقي المخلصين المطالبين بالإفراج عن علاء عبد الفتاح؛ لأنه أمضى بالفعل في السجن وقتا أكثر من المدة المحكوم بها عليه، ولأن أيا كان ما فعله فهو أقل من أن يبرر تعرضه لكل هذا التنكيل".
وتابع: "ولأن معاناة أمه وباقي أسرته تخطت كل احتمال، وهذه الدعوة تمتد إلى كل المسجونين في قضايا سياسية، سواء كانت الأحكام الصادرة ضدهم تنص على ذلك، أو حتى لو كانت تنص على أنهم ارتكبوا جرائم جنائية، بينما يعلم الجميع أن السبب الحقيقي لسجنهم سياسي".
وكتبت دعا كامل مصطفى: "أنا أنادي بحق ليلى سويف، وأدافع عنها ومتَعاطفة معها، ولا أغضّ الطرف عن موقفها السابق وأرفض تبريره مادام لم تبرره هي، وموقفها الحالي موقف إنساني لا يسع الخلاف السياسي بالنسبة لي".
تأييد الإضراب
وتأييدا لإضراب سويف ودفاعا عن حقها في إشهار ذلك السلاح وتحذيرا من عواقب تجاهلها، أكد مصطفى عبده، أن الإضراب عن الطعام ليس عرضا دراميا، بل وسيلة قديمة من وسائل الاحتجاج المدني السلمي حين تُغلق كل الطرق.
وذكر بأن الإضراب عن الطعام فعلٌ استخدمه الزعيم الهندي مهاتما غاندي في وجه الاحتلال، ويستخدمه حتى اليوم أسرى الرأي في سجون العالم، مؤكدا أن بعض المواقف تُتخذ لأن الإنسان لا يستطيع أن يصمت، لا لأنه متأكد من النتيجة، بل لأنه لا يستطيع أن يخون نفسه.
ولفتت مروة الخطيب إلى أن سويف دخلت حالة الإضراب عن الطعام منذ فترة نتيجة قلة الحيلة، مؤكدة أن الإحساس بالمهانة وأنك في مجتمع القانون فيه ليس صاحب اليد العليا قد يجعل حياتك تهون عليك.
وتساءلت: "ما بالك لو المتأذي من الوضع ده أسرتك، ابنك أو بنتك!!"، قائلة: "كل الدعم لهذه الأسرة وللجدة والدكتورة ليلى سويف بغض النظر عن مدى الاتفاق، في حاجة اسمها إنسانية".
وأشار أحمد محسن إلى أن ليلى سويف تقدم مثالا نادرا في الشجاعة والتضحية، وتُخاطر بصحتها وحياتها من أجل إنقاذ حياة ابنها، لافتة إلى أن آلاف الشباب في السجون أنهوا مدة أحكامهم، ومن حقهم الخروج.
وأكد أن هذا أبسط ما تعنيه العدالة وأبسط ما تقوم به أي دولة تحترم نفسها، قائلا: "تجاوزنا نقاش ما إذا كانت المحاكمات عادلة أم لا، وإن كانت الإجراءات صحيحة أم لا".
وأضاف محسن: "حتى لو افترضنا أن كل شيء كان قانونيا، فهؤلاء الشباب أنهوا مدة العقوبة، ويجب إطلاق سراحهم، والعيد على الأبواب والوقت مناسب لذلك".
وعد ما تفعله ليلى سويف الفرصة الأخيرة لتصحيح هذا الوضع، محذرا بالقول: "إذا ضاعت فالندم قادم في وقت لا ينفع فيه الندم!".
وأشاد السيد خلف بموقف سويف، قائلا: "في زمن تتلاشى فيه القيم وتتراجع المبادئ، تقف امرأة شامخة بإرادة من حديد، متحدّيةً كل الصعاب، رافضةً للظلم، ومصمّمة على تحقيق العدالة".
وكتب المغرد عباس: “موضوع ليلى سويف دا لو زاد والسيسي عاند أكتر من كدا والست ماتت هتبقي نهاية مش لطيفة خالص (لرئيس النظام) ونقطة سودا كبيرة”.
هجوم ومناشدة
وهجوما على النظام المصري ودعوة السيسي لإطلاق سراح عبدالفتاح والمعتقلين كافة، قال صلاح الدين: “قلنا مرارا وتكرارا هذه عصابة نزع الله من قلوبهم الرحمة، لا يعرفون إلا الغل والقتل والانتقام ولا سبيل إلا بالخلاص منهم”.
وحث صلاح الدين الأيوبي، رئيس النظام المصري على الإفراج عن المعتقلين كافة، قائلا: "افعلها يا سيسي ولو لمرة واحدة وأنقذ ليلى سويف من الموت وأفرج عن باقي المعتقلين".
وأضاف: "جربها ولو مرة واحدة وشوف الناس هتدعيلك قد ايه وربما تنسالك المصايب اللي حصلت قبل كدة.. افرجها خلي ربنا يفرجها على البلد دي.. أقولها ناصحا والله".
وتساءل هشام صبري: "بحسابات المكسب والخسارة: السيسي هيخسر إيه لو أفرج عن علاء عبدالفتاح، خصوصًا بعد ما مدة حبسه في قضية ملفقة خلصت فعلا؟"، مجيبا: "ولا حاجة".
وأكد أن السيسي في المقابل ممكن يكسب كتير لو أفرج عن عبدالفتاح حفاظًا على صحة سويف، خاصة مع اهتمام العالم كله بحالتها، مضيفا: "باختصار: اعملها بجميلة، رغم أن ده حقه الطبيعي".