سحب البساط.. هذا ما أزعج الرياض من قرار تركيا بعودة آيا صوفيا مسجدا

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استبشر كل مسلمي العالم بقرار المحكمة الإدارية العليا في تركيا في 11 يوليو/تموز 2020 بعودة "آيا صوفيا" كمسجد تقام فيه العبادة، وقرار الشؤون الدينية التركية بإقامة أول صلاة جمعة فيه يوم 17 يوليو/تموز 2020.

إلا أن الغريب أن النظام السعودي الذي يزعم قيادته للإسلام السني، وزعامة العالم الإسلامي، لم يبد أي سعادة تجاه الأمر، وهو ما فسره مراقبون بأن المملكة في ظل قيادة ابن سلمان باتت تخشى سحب البساط من تحت قدميها أكثر من أي وقت مضى.

بدا ذلك واضحا في الخطاب المعادي والهجوم الحاد الذي تبنته وسائل إعلام سعودية رسمية وغير رسمية، وحملات منظمة شنها مغردون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عدة هاشتجات، من بينها هاشتاج "آيا صوفيا"، وكأن آيا صوفيا تحولت إلى بار أو مرقص وليس إلى مسجد تقام فيه الصلاة.

هذا الموقف المعادي للقرار التركي، عبر بشدة عن الموقف الرسمي للنظام السعودي الحاكم، الذي يسعى لاحتكار القيادة الإسلامية ويخشى من منازعة تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان على تلك الزعامة.

لغة عدائية

جريدة عكاظ السعودية كتبت في صفحتها الرئيسية بنسختها الورقية عنوانا يقول: "خطابان مختلفان يفضحان متاجرة أردوغان بآيا صوفيا".

ونشرت الصحيفة صورة مفبركة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالزي العثماني مرفقة بعبارة "السلطان المتاجر بالدين.. شعبية منهارة واقتصاد يتهاوى"، تناولت فيه القرار وهاجمته بلغة عدائية حادة.

كذلك الحال في قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية، وقناة العربية التي استضافت عددا من المعارضين الأتراك يتحدثون عن مخاطر القرار على علمانية تركيا، في حين نشرت صحيفة المدينة السعودية مقالات لكتاب يهاجمون القرار ويستشهدون بإدانة منظمة اليونسكو لهذا القرار، وكذلك الحال في صحيفة الشرق الأوسط.

خارج السرب

لم يكن هذا هو أول موقف يظهر غيرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من زعامة أردوغان للمسلمين، بل سبقته مواقف عديدة كان أبرزها القمة الإسلامية المصغرة التي عقدت في كوالالمبور في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، وشاركت فيها تركيا، وضمت كلا من ماليزيا وباكستان وقطر وإيران.

القمة الإسلامية المصغرة التي كانت تركيا أبرز المشاركين فيها والداعين إلى عقدها، أثارت غضب النظام السعودي وقلقه لدرجة أنها ضغطت على باكستان للانسحاب من القمة، وهو ما استجابت له إسلام أباد بالفعل.

ونقلت وكالة الأناضول، عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله: إن السعودية مارست ضغطا على باكستان لمنعها من المشاركة في قمة كوالالمبور، وهددتها بسحب الودائع السعودية من البنك المركزي الباكستاني، كما هددتها بترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية واستبدالهم بعمالة بنغالية.

لم تكن السعودية قادرة على ممارسة الضغوط على الدول الأخرى، لمنعها من المشاركة في القمة التي تخشى أن تكون نواة لقمم موازية تقوم بعزل السعودية وتحييدها عن الزعامة الدينية التي تسعى لاحتكارها واستغلالها لصالح أجندة سياسية خاصة.

السعودية بررت وقتها عدم حضورها بأن القمة ليست الساحة المناسبة لطرح القضايا التي تهم مسلمي العالم، البالغ عددهم 1.75 مليار نسمة، في حين نقلت رويترز عن مصدر سعودي قوله: إن المملكة تلقت دعوة للحضور لكنها لن تحضر إلا إذا عقدت القمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي.

وبنفس الطريقة التي شن فيها كتاب هجوما على تركيا وأردوغان بسبب استعادة متحف آيا صوفيا وإعادة فتحه كمسجد، شن كتاب في صحف سعودية، هجوما على قمة كوالالمبور ووصفوها بالفشل.

في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، على سبيل المثال، كتب جبريل العبيدي: إن "اجتماع كوالالمبور هو تغريد خارج السرب، ولا يمكن تفسيره بعيدا عن أجندات، تضر بالتعاون والعمل الإسلامي المشترك، فالتعاون بين الدول الإسلامية كان طيلة الخمسين عاما الماضية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي التي ورثت المؤتمر الإسلامي"، حد قوله.

وتختزل عبارة" خارج السرب"، التي رددتها بيانات رسمية وصحفية، العقلية التي تفكر بها السعودية، والتي يتضح من خلالها أن السعودية تسعى لاحتكار زعامة السرب وقيادته، ومحاربة أي سرب آخر أو قيادة أخرى له.


أجندة غربية

بالنسبة للسعودية، فإن عاملين مهمين دفعاها للتخوف من تراجع مركزها في قيادة العالم الإسلامي لصالح تركيا: الأول هو تحول خطابها لصالح أجندة غربية، بالتزامن مع تغيبها عن قضايا إسلامية مركزية وتخليها عن نصرة المسلمين الذين يتعرضون للاضطهاد والقمع في عدة أماكن، في حين يتمثل العامل الآخر في بروز تركيا كقوة إقليمية تمارس الديمقراطية وتتبنى في ذات الوقت قضايا المسلمين، خاصة الذين يعانون من القمع والتمييز.

غياب السعودية عن القضايا الإسلامية الأساسية أتى منسجما مع المزاج الغربي الذي يدعو لتجاهل كل ما يحصل للمسلمين، ويسعى لتنفيذ أجندة لصالح إسرائيل، وأجندة أخرى تتعلق بمحاربة الديمقراطيات العربية تحت لافتة محاربة الإرهاب.

تركيا كانت حاضرة في عدة ملفات خاصة بالمسلمين وتبنت قضاياهم ودافعت عنهم، فقد حضرت في قضية مسلمي الروهينغيا المضطهدين في ميانمار، كما حضرت ونددت بلهجة حادة الممارسات الصينية ضد مسلمي الأويجور، ودعت بكين إلى إغلاق معسكرات اعتقال المسلمين، ووصفتها بـ"العار" ضد الإنسانية.

وقال حامي أقصوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، في بيان: "سياسة الاستيعاب المنظم التي تستهدف الأويجور الأتراك وتنفذها سلطات الصين تعد عارا كبيرا على الإنسانية".

في مقابل ذلك أيد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تلك المذبحة ضد المسلمين وقال في تصريح له أثناء زيارة أجراها إلى الصين في 22 فبراير/شباط 2019: "الصين لها الحق في تنفيذ أعمال مكافحة الإرهاب والتطهير من أجل أمنها القومي".

وأشاد ولي العهد السعودي في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي باستخدام الصين لخطوات "إعادة التثقيف للسكان المسلمين" في البلاد من خلال معسكرات "مكافحة الإرهاب".

مسلمو كشمير

وفي هذا السياق صعدت تركيا من هجومها ضد الحكومة الهندية جراء ما يتعرض له المسلمون في كشمير من جرائم بشعة ضد الإنسانية، خصوصا منذ إقرار الحكومة قانون الجنسية العنصري ضد مسلمي الهند.

اتخذت أنقرة خطوات تصعيدية لصالح مسلمي كشمير، تمثلت بإثارة ملف مسلمي الهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2019، وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإسلام أباد للنقاش مع نيودلهي حول هذه القضية، والحديث عن دعم حق الكشميريين في تقرير المصير.

دفع ذلك الموقف رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى إلغاء زيارة كانت مقررة إلى أنقرة، واجتمع عوضا عن ذلك، مع قادة قبرص اليونانية واليونان وأرمينيا.

وكان موقع ذا ديبلومات الأميركي قد نشر تقريرا أوضح فيه أن موقف تركيا الداعم لقضية إقليم كشمير، وحقهم في تقرير المصير قد مثل مصدر إزعاج متزايد لدى الهند.

وكالمعتاد غابت السعودية عن قضية مسلمي الهند، والممارسات العنصرية بحقهم، بل إنها عززت من علاقتها الدبلوماسية بحكومة مودي الذي ينحدر من حزب متطرف في ممارساته ضد المسلمين.  

مذبحة سربرنيتسا

في 11 يوليو/تموز 2020، والذي يوافق الذكرى 25 لمذبحة سربرنيتسا التي ارتكبتها القوات الصربية بحق 8 آلاف من مسلمي البوسنة والهرسك، تعهد أردوغان بملاحقة مرتكبي تلك المذبحة، قائلا: "لن ننسى شهداءنا، ولن ننسى الإبادة الجماعية في سربرنيتسا".

وأضاف: "رغم تلك المأساة، لم يتعلم الساسة الأوروبيون أي دروس من مذبحة سربرنيتسا"، مؤكدا أنه تقع على عاتق الدول والمنظمات الدولية مسؤوليات كبيرة "من أجل عدم تكرار وقوع مثل هذه الجرائم والمجازر".

يأتي ذلك الموقف في ظل صمت وخذلان من قبل السعودية، وتجاهل تام للمذبحة وكل المذابح التي تطال المسلمين في عدة أماكن من العالم.

وفي الوقت الذي أخذت تركيا على عاتقها مسؤولية محاربة التوجهات التي تربط الإسلام بالإرهاب، واستنكر الرئيس التركي في أكثر من خطاب له، تلك التوجهات قائلا: "الإرهاب لا علاقة له بالإسلام، وحوادث العنف قد تكون صادرة عن مسيحيين ويهود"، تفضل السعودية الصمت.