الوساطة الأمريكية في أزمة سد النهضة.. الأسباب والتوقعات

"غريق تعلق بقشة"، هكذا وصف متابعون موقف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، من الوساطة الأمريكية بشأن أزمة سد النهضة، التي استضافتها واشنطن بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
ورغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكد للسيسي خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى، بينهما قبل بدء جولة الوساطة، حرص إدارته على التوصل لحل يرضي كل أطراف الأزمة، إلا أن هناك من يشكك أيضا في النوايا الأمريكية، ونشاطها المفاجئ في أزمة السد التي شهدت تعثرات كثيرة خلال الأشهر الماضية.
ما أثار القلق، أن الذي يدير الوساطة هو وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، وليس وزير الخارجية، ويحضر اجتماعاتها أيضا رئيس البنك الدولي، رغم أن الملف سياسي بالمقام الأول، بدليل أن رؤساء وفود الدول الثلاث أصحاب الأزمة، هم وزراء الخارجية.
وما زاد الغموض كذلك أن الدعوة التي وجهها وزير الخزانة، لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، لم تتحدث عن طبيعة الاجتماعات أو شكل المناقشات، ولم تشكل أوراق عمل يمكن التوافق بشأنها.
المخاوف السابقة طرحت العديد من التساؤلات عن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة للتدخل المفاجئ في أزمة السد، وهل لدى أمريكا أوراق ضغط تمكنها من إجبار إثيوبيا على قبول الطرح المصري حول إدارة السد، وطريقة وتوقيت الملء، أم أن التدخل الأمريكي كان لغلق الباب أمام الرغبة الروسية التي كانت حاضرة بقوة، للقيام بنفس الوساطة خلال القمة الروسية الإفريقية التي شهدتها موسكو قبل أيام.
آلية مشتركة
وظهرت بعض الأجوبة سريعا، بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، اليوم الخميس، أن وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان جددوا تأكيد التزامهم المشترك بالتوصل لاتفاق شامل ومستدام لملء خزان سد النهضة وتشغيله.
وبحسب ما ذكرت عدد من وسائل الإعلام الأمريكية، جاء إعلان الوزارة في بيان عقب اجتماع وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان ووفود البلدان الثلاث مع وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، ورئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس في واشنطن العاصمة، الأربعاء.
وفق البيان، "أكد الوزراء من جديد التزامهم المشترك بالتوصل لاتفاق شامل وتعاوني وتكيّفي ومستدام ويحقق المنفعة المشتركة في ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وإنشاء عملية واضحة للوفاء بذلك الالتزام وفقا لإعلان المبادئ لعام 2015".
وبموجب إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، مصر، وإثيوبيا، والسودان، "إذا لم ينجح الأطراف في حل النزاع عبر المفاوضات، يمكنهم حينها اللجوء لطلب الوساطة".
كما أشار وزراء الخارجية إلى موافقتهم على عقد أربعة اجتماعات فنية حكومية على مستوى وزراء المياه، يحضرها البنك الدولي والولايات المتحدة كمراقبين، وفق البيان ذاته.
واتفق الوزراء أيضًا على العمل من أجل استكمال الاتفاق بحلول 15 يناير/كانون الثاني 2020، وسيحضرون اجتماعين في واشنطن العاصمة في 9 ديسمبر/كانون الأول 2019 و13 يناير المقبل، لتقييم ودعم التقدم.
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 15 يناير 2020، فسيوافق وزراء الخارجية على أنه سيتم الاحتجاج بالمادة 10 من إعلان المبادئ لعام 2015.
في السياق ذاته "أكد وزراء الخارجية من جديد أهمية النيل لتنمية شعب مصر وإثيوبيا والسودان، وأهمية التعاون عبر الحدود، ومصلحتهم المشتركة في إبرام اتفاق".
واكتسبت قضية السد زخمًا دوليًا في الأونة الأخيرة، كانت أبرز مظاهره اقتراح روسيا، أواخر أكتوبر/تشرين أول الماضي، القيام بوساطة لحل الأزمة المتعلقة بعدم الاتفاق على عدد سنوات وقواعد ملء وتشغيل السد.
نشاط أمريكي
وفقا لموقع "فويس أوف أمريكا"، فإن الوساطة الأمريكية في ملف سد النهضة، تأتي ضمن تحركات أخرى لإدارة ترامب حول العالم، لتأكيد قدرة البيت الأبيض على حل الأزمات الدولية سياسيا.
ونسب الموقع، الرأي السابق لمستشارة البيت الأبيض كيليان كونواي، التي علقت على مفاوضات السد: بأنها "ستكون بطريقة غير تقليدية ومختلفة تماما عن السابق".
وتشير تقارير أخرى تابعت التحضيرات للمؤتمر: أن واشنطن تسعى من وراء الاجتماع الخماسي، الذي يضم بجانبها البنك الدولي والدول الثلاث، للتوصل لما يشبه خريطة طريق توافقية حول الجدول الزمني لانتهاء اللجان الفنية المعنية من عملها.
وهو ما ترفضه إثيوبيا بشكل قاطع وفق ما نقلته وكالة "رويترز" عن وزير المياه والطاقة سيليشي بيكيلي، الذي استبق حضور اجتماع واشنطن، برفض بلاده القاطع أي حديث عن الجدول الزمني المتعلق بالتشغيل أو ملء السد.
وحسب التقارير نفسها: فإن حرص أمريكا على أن يتولى وزير الخزانة الملف، كان بهدف التوصل الجاد لحلول بعيدة عن العبارات الدبلوماسية المعتادة التي تخرج في مثل هذه المناسبات، للتأكيد على قدرة الولايات المتحدة إنهاء واحدة من أخطر الملفات الساخنة في القارة الإفريقية.
وعن قدرة واشنطن في التأثير على مواقف دول الأزمة وخاصة مصر وإثيوبيا، أكد محللون سودانيون: أن أمريكا تعتمد في تدخلها على ما تقدمه من مساعدات مالية لكل من القاهرة وأديس أبابا، ويمكن أن تكون أحد وسائل الضغط المتاحة لها، في تقريب وجهات النظر.
ويؤكد المحللون لموقع "السودان اليوم": أن أمريكا تعتمد أيضا على ثقلها الدولي من ناحية، وعلى نقاط الضعف في كل دولة من دول الأزمة من ناحية أخرى، حيث يعاني رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، من أزمات سياسية داخلية طاحنة منذ حصوله على جائزة نوبل للسلام.
كما يواجه السيسي ضغوطا داخلية وخارجية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، والفساد في إدارة شؤون الدولة، وبالتالي أصبح طرفي الأزمة الرئيسيين في حاجة للتوصل إلى تفاهمات تحقق لهما إنجازا في ملف المياه الشائك، وبما لا يضر مصالحهما الداخلية.
لماذا الآن؟!
يجيب الدبلوماسي الأمريكي السابق وكبير باحثي الشرق الأوسط والأمن القومي في منظمة "مجلس شيكاغو للشؤون الدولية"، نبيل خوري، على الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لتنشيط جهودها في أزمة ملف سد النهضة، بالقول: إن "أي صدام محتمل بين مصر وإثيوبيا حول مياه النيل سيكون كارثيا على البلدين، ولذلك جاءت الوساطة الأمريكية".
ويري خوري في حديثه لموقع "دويتشه فيله" الألماني: أن الانتقادات التي يوجهها الرأي العام الأمريكي، لإدارة ترامب بفشلها في تحقيق أي رصيد نجاح سياسي حول العالم، وتحركات الكونجرس الأمريكي لعزل ترامب، واقتراب الانتخابات الرئاسية، وبروز الدور الروسي في الأزمات الإقليمية، والبحث عن مكاسب مالية، كل ذلك كان سببا في اهتمام ترامب على وجه التحديد للتدخل كوسيط لحل أزمة سد النهضة.
ووفق خوري: فإن ترامب لا يعنيه العلاقات القوية مع السيسي، وإنما يعنيه الفائدة المالية التي يمكن أن يحققها من وراء مشروع السد، الذي يستوعب استثمارات تصل لأكثر من 5 مليارات دولار، وفي حال تم التوصل لاتفاق بين القاهرة وأديس أبابا لتوافقات حول المشروع، فإن الشركات الأمريكية سيكون لها دور في أكبر مشروع بالقارة الإفريقية.
وتشير آراء لمختصين دوليين في نزاعات المياه، إلى: أن القاهرة هي الأكثر حاجة لمفاوضات واشنطن، وهو ما عبر عنه الباحث الدولي في شؤون المياه ودول حوض النيل بجامعة جورج تاون، "هاري فيرهوفن" في تصريحات للنسخة العربية من دورية " nature"، المهتمة بشؤون المياه والبيئة.
ووفق رأي فيرهوفن: فإن مصر ليس بوسعها أن تفعل الكثير في هذا الصدد، خاصة وأن خطوات الانتهاء من مشروع السد، يدفعها للتكيف مع فكرة نقص كميات مياه النيل خلال فترة ملء السد، كما أن القاهرة إذا فكرت في اللجوء لإحالة النزاع لمحكمة العدل الدولية بـ "لاهاي" في هولندا، فإنه يجب عليها أولا الحصول على موافقة الطرفين الإثيوبي والسوداني.
وحتى لو توافقت الأطراف على ذلك فإن القرار لن يكون لصالح مصر، في ظل أحقية إثيوبيا في تطوير الموارد المائية داخل أراضيها.
القادم أسوأ
ويرى متابعون آخرون: أن الوساطة الأمريكية في أزمة السد، يمكن أن تكون البداية لخطة مصرية، لتدويل الأزمة دوليا من أجل التوصل لضغوط دولية على إثيوبيا، التي تلقى دعما ماليا ومعنويا كبيرا في هذا الملف، وهي السياسية التي توصل إليها موقع "المونيتور" الأمريكي الشهير، بعد لقاءات أجراها مع عدد من المسؤولين المصريين.
ويشير الموقع الأمريكي، إلى دراسة أعدها فريق قانوني مختص بالنزاعات الدولية برئاسة الوزير المصري السابق مفيد شهاب، حول فكرة اللجوء للتحكيم الدولي، وانتهت إلى: أن فرص مصر في التحكيم الدولي ضعيفة، وهو ما يتطلب في المقابل تنشيط الضغوط الدولية على إثيوبيا للقبول بالحلول التي طرحتها القاهرة، أو حتى التباحث حولها.
ونقل "المونيتور" عن خبراء مصريين: سعي القاهرة لصناعة رأي عام دولي، يوضح التعنت الإثيوبي، لاستخدامه كورقة ضغط على المؤسسات المانحة والمشاركة في تمويل السد، من أجل وقف التمويل عن المشروع، وفي مقدمتهم البنك الدولي الذي أصرت القاهرة على مشاركته في مفاوضات واشنطن، وهو ما استجابت له الإدارة الأمريكية ووجهت الدعوة لرئيس البنك لحضور الاجتماعات.
ويشير تقرير سابق نشره "الاستقلال"، إلى: أن مصر تعتبر معركة سد النهضة هي الأهم والأخطر في التاريخ الحديث، أو يمكن اعتبارها معركة حياة أو موت، خاصة وأن بناء السد لن يؤدي لإنقاص حصة مصر من المياه فقط، وإنما سيكون سببا في تدمير الزراعة التي تتجاوز 50 % من الدخل القومي.
وحسب دراسة ذكرها التقرير السابق، ونشرتها الجمعية الجيولوجية الأمريكية في 5 مايو/ أيار 2017: فإن دلتا نهر النيل، التي تعد سلة غذاء البلاد، تتعرض لخطر شديد نتيجة الظروف الطبيعية التي تتعرض لها مصر، وتشمل مخاطر مرتبطة بتدفق مياه النيل العذبة بسبب إنشاء سد النهضة، ونقل الرواسب من إثيوبيا عبر السودان ومصر حتى البحر الأبيض المتوسط.
وأكدت الدراسة: أن "تزايد النشاط البشري، إلى جانب الزيادة السكانية الكبيرة في مصر، إضافة إلى الخطر المتمثل في سد النهضة الإثيوبي، من شأنه أن يحدث أزمة في مياه الشرب بمصر بحلول عام 2025".
وأضافت الجمعية الأمريكية: أن "مصر تستمد حوالي 70% من تدفقاتها المائية من النيل الأزرق ونهر العطبرة وكلاهما يستمد مياهه من الأمطار التي تسقط على هضبة الحبشة في إثيوبيا، وأن ما بين 20 إلى 40 كم من سواحل دلتا النيل بمصر ستغمرها مياه البحر بنهاية هذا القرن، جراء ارتفاع مستويات سطح البحر".
وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: أن هناك مشاكل تواجه المزارعين بمصر، نتيجة قلة الرواسب اللازمة للحفاظ على خصوبة الدلتا، والتي يحملها النهر إلى أراضيهم.
وحسب الصحيفة: فإن القادم لمصر ربما يكون أسوأ، بعد أن أوشكت إثيوبيا على إكمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق، الذي يعد الرافد الأساسي لنهر النيل، وسيكون السد فور اكتمال بنائه، أكبر محطة توليد هيدروكهربائي للماء في القارة ويمكن أن يحجز بشكل أكبر، تدفق الماء العذب ومواد التغذية الأساسية الضرورية للزراعة في الدلتا.
المصادر
- لماذا دخلت واشنطن على خط أزمة سد النهضة؟
- سدٌّ عملاق على نهر النيل يثير نزاعًا بين مصر وإثيوبيا
- دبلوماسي أمريكي سابق لـDW: هناك فرص جيدة لحل أزمة سد النهضة
- ارتباك في عواصم ملف سد النهضة قبل اجتماع واشنطن
- ماذا تعرف عن دور أمريكا «الخفي» في سد النهضة؟
- وساطة أمريكا برعاية وزير الخزانة! هل هي مناورة أخرى حتى تُنهي إثيوبيا بناء «سد العطش»؟
- سد النهضة..هل تنجح أمريكا في فك عقدة التفاوض؟
- اجتماع سد النهضة في واشنطن: خلافات حول جدول الأعمال
- تطورات متسارعة حول "النهضة"... وتخوّفات مصرية من الحلول الأميركية
- هل تنجح الوِساطتان الروسيّة والأمريكيّة في تطويق الأزَمة أم تزيدها اشتِعالًا؟
- سد النهضة..هل تنجح أمريكا في فك عقدة التفاوض؟
- خطة إدارة أزمة «سد النهضة» على طريقة استعادة «أراضى طابا» عام 1988
- هكذا ساعدت أمريكا إثيوبيا في بناء سد النهضة خلال 66 عاما
- تقرير الحالة العربية: سبتمبر/ أيلول 2019
- إثيوبيا تهدد مصر.. ناشطون: أين الجيش من فشل السيسي في #سد_النهضة؟
- القادم أسوأ.. هذا هو شكل مصر بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبي
- الإمارات وإسرائيل تدعمان إثيوبيا باتفاقيات ومنح رغم الخلاف مع مصر