ابن زايد وابن راشد.. خلافات القصور المغلقة تظهر للعلن

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في تقرير سابق تساءلت "الاستقلال"، عن مصير الخلافات بين حاكميّ الإمارات محمد بن زايد، ومحمد بن راشد، وهل يمثل ذلك مقدمة لتآكل الدولة من الداخل، ويبدو أنَّ الأيام التي تلت نشر الموضوع، أجابت على هذا التساؤل، إذ شنَّ ابن راشد هجوماً مبطناً على أسلوب إدارة محمد بن زايد للبلاد، الهجوم الذي صاحبه ردٌّ من قِبل عبد الله الشقيق الأصغر لمحمد بن زايد، ووزير الخارجية في الحكومة الاتحادية.

ومحمد بن زايد هو ولي عهد الإمارات والحاكم الفعلي للبلاد، في حين يرأس ابن راشد إمارة دبي، ومنصب نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في الإمارات.

المُواجهة هذه المرة لم تكن من تحت الحزام، وإنما كانت في سلسلة من التغريدات، وجهها ابن راشد بمناسبة بدء العام الحكومي الجديد، مقدماً عِّدَّة نصائح لأعضاء حكومته، حملت في طياتها سهام جارحة لإدارة ابن زايد والمُقربين منه، أوصل من خلالها أنَّ ما يحدث هو تدمير لإرث زايد مؤسس الدولة.

ويُعَدُّ الصدام الأخير بين المحمدين هو الثالث خلال أقل من عام، ورغم محاولات امتصاصه كل مرة، إلا أنَّ المواجهة المباشرة في الحالة الأخيرة، تُشير إلى أنَّ حكام الإمارات طفح بهم الكيل من آل زايد المتحكمين في البلاد والعباد في السبع إمارات.

نصائح بن راشد

النصائح التي أثارت الأزمة الأخيرة طالت عدداً من المقربين من ابن زايد، حيث انتقد ابن راشد تصرُفات مُغرّدين إماراتيين مُقربين من ولي العهد.

ووفقاً لحديثه فإنَّ: "العبث والفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي يأكلان من مُنجزات تعبت آلاف فرق العمل من أجل بنائها، سمعة دولة الإمارات ليست مشاعًا لكل من يريد زيادة عدد المتابعين".

وأضاف قائلاً: "لدينا وزارة للخارجية معنية بإدارة ملفاتنا الخارجية والتحدُّث باسمنا والتعبير عن مواقفنا في السياسة الخارجية للدولة".

ووجَّه ابن راشد تهديدات صريحة للمغرِّدين المتجاوزين قال فيها: "لن نسمح أن تعبث مجموعة من المغرِّدين بإرث زايد، الذي بناه لنا من المصداقية وحب واحترام الشعوب".

وعلى ما يبدو أنَّ الرسالة أزعجت مربع ابن زايد، ما دفعهم للردِّ عبْر "تويتر"، وكانت البداية من ضاحي خلفان أحد الأذرع الكثيرة لولي عهد أبوظبي، والذي غرَّد ساخراً: "أعتذر للحوثيين ولكل من أساء إلى الإمارات عبْر وسائل التواصل الاجتماعي فنحن في أمر حكومتنا"، ثم جاءت تغريدة ثانية من وزير الخارجية عبد الله بن زايد اعتبرها البعض استهزائية، حيث قال فيها: "التغريد من أجل الوطن يزيده ولا ينقصه، يبنيه ولا يهدم ما تم بناؤه .. شكراً محمد بن راشد".

وفي رصدها لحرب التغريدات تحدَّثت صحيفة "القدس العربي" في الثالث من سبتمبر/ أيلول الجاري، حول خطورة ما يحدُث في القصور الاماراتية، مُؤكدة أنَّ هناك تزايداً في الخلاف داخل النخبة السياسية الحاكمة في الإمارات.

وأشارت الصحيفة إلى أنَّ المقصودين في حديث ابن راشد هما المُغرِّد الإماراتي حمد المزروعي، وضاحي خلفان، النائب السابق لقائد الشرطة في إمارة دبي، والذي ردّ بدوره على ابن راشد بتغريدة ساخرة.

وحذف خلفان تغريدته لاحقاً، بعد أن حملت الكثير من التجاوزات في حق رئيس الوزراء، إلا أنَّ ردَّ عبد الله بن زايد، انتصر لخلفان والمزروعي وأمثالهما، في نظر كثيرين، حيث أنَّهم يتبعون الجهة السيادية العليا في الإمارات، التي يُمثّلها ولي العهد المُمسك بزمام الأمور.

وذهبت الصحيفة إلى أنَّ ما حدث يكشف أنَّ خلفان وأمثاله يخدمون هذه الجهة السيادية، وليس أي جهة أخرى، وأنَّ دعواتهم للتطبيع مع إسرائيل، ومهاجمتهم لشعوب وزعماء وجهات سياسية عربية وإسلامية، تتمُّ بالتنسيق وبرضا وليّ العهد وبطانته، وكذلك وزارة الخارجية التي اعتبر ابن راشد أنَّها الأَولى بالحديث عن الملفات الخارجية وليس أولئك المغردين.

أسباب الخلاف

يرى البعض أنَّ ابن راشد غير راضٍ تماماً عن سياسات ابن زايد الخارجية، وخاصة في حرب اليمن، وتدخُّله لإفشال الربيع العربي، وهو ما كلَّف الإمارات ضريبةً باهظةً اقتصادياً، بالإضافة إلي السُمعة السيِّئة التي أصبحت عليها الدولة التي كانت في السابق محلَّ ترحيب لدى الشعوب والحكومات.

وحالة عدم الرضا على سياسات ابن زايد، لم تعُد قاصرة على حاكم دبي، وإنَّما تجاوزتها لحُكام باقي الإمارات، وفقاً لحديث الشيخ راشد بن حمد الشرقي، نجل حاكم إمارة الفجيرة لصحيفة "نيويورك تايمز"، في 14 يوليو/تموز 2018، والذي كشف فيه عن خلافات بين الإمارات السبع، بسبب الحرب في اليمن، وتفرُّد أبوظبي بقرار المشاركة في الحرب.

ووفق تقارير صحفية فإنَّه رغم القبضة الأمنية التي تفرضها السلطات الإماراتية فيما يتعلق بالحديث عن السياسة الداخلية، إلا أنَّ الأحاديث الخاصة بين الإماراتيين، أصبحت تتناول خطورة هذا الخلاف على مستقبل الدولة، وهو ما عبَّر عنه أستاذ العلاقات الدولية والإعلام سالم المنهالي، بقوله: "إنَّ الخلافات بين ابن زايد وابن راشد تصاعدت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، متوقعاً أن تصل هذه الخلافات لمرحلة الانفجار قريباً".

وهي الحالة نفسها التي وصفتها صحيفة "ألجيري باتريوتيك" الفرنسية، والتي كشفت في تقرير لها مطول أنَّ الإمارات تشهد بداية للتصدُّع من الممكن أن يُؤدي لانفصال الإمارات كل على حِدة، وأرجعت الصحيفة ذلك للخلاف الفكري بين الشخصيتين القويتين اللتين تحكمان الإمارات، وهما ابن زايد وابن راشد.

ووصفت الصحيفة الحالة بين المحمدين، بأنَّه خلاف بين مراهق أبو ظبي ابن زايد، وبين المُتطلع للعالمية والإقتصاد والازدهار ابن راشد حاكم دبي، ورغم اختلاف سياسة الاثنين، إلا أنّ ابن زايد استطاع ترويض دبي كل هذه الفترة خصوصاً بعد إنقاذها من الإفلاس بعد أزمة العقارات التي ضربت العالم كله عام 2006.

واستندت الصحيفة لما كتبه المُغرِّد الشهير "مجتهد" عن وجود تحركات داخل الإمارات لعزل ولي عهد أبو ظبي ابن زايد، نتيجة المقت الكبير لكثير من المتنفذين ورجال الأعمال في الإمارات.

وحسب قناة العالم الإيرانية، فإن ابن راشد مقتنع بضلوع ابن زايد، في هروب زوجته الأميرة هيا بنت الحسين، وهو ما كان بمثابة الفضيحة بالنسبة لحاكم دبي، واستندت القناة الإيرانية لتقرير نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية، أوردت فيه تصريحات لأمير سعودي لم تذكر اسمه، أكَّد تورط ابن زايد في تهريب الأميرة هيا، بالتنسيق مع وليِّ العهد السعودي محمد بن سلمان، والملك الأردني.

وكانت الأميرة هيا غادرت دبي برفقة طفليها: جليلة (11 عاماً) وزايد (7 أعوام)، واستقرَّت في العاصمة البريطانية مُنذ عِدة أشهر. وكان ذلك بعد خلافات، كان من بينها قرار أميري من زوجها قضى بإغلاق مؤسسة خيرية تحمل اسمها، ووقف موازنتها.

قضايا الجيران

ووفق الأمير السعودي فإنَّ مشكلة ابن زايد ليست قاصرة على محمد بن راشد، وإنَّما لديه خلافات خطيرة مع حُكّام الإمارات الآخرين، فيما يتعلق بالشؤون المالية الداخلية، والحرب اليمنية، وتحالف ابن زايد الكامل مع ابن سلمان، ونهج ابن زايد المُدمر لجيرانه، خاصة قطر وعمان وحتى إيران.

وفي إطار آخر كشفت وكالة الأناضول، أنَّ اجتماعاً مغلقاً جرى في يونيو/ حزيران الماضي بين عدد من الأمراء البارزين في الولايات السبع، حضره كل من ابن زايد وابن راشد، بعد إعلان إيران إسقاطها طائرة مسيَّرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية في 20 يونيو/حزيران 2019.

وحسب الوكالة التركية فإنَّ حاكم دبي انتقد خلال الاجتماع سياسة بلاده الخارجية، وشدَّد على ضرورة إعادة النظر فيها، وقال بالنص: "نُنفق يومياً مئات الملايين من الدولارات، فماذا نجني مقابل ذلك؟! علينا أن نتخلى مباشرة عن سياسة التدخُّل في شؤون الدول، فهذه السياسة تكلفنا كثيراً ودون أي مقابل".

وتابع حاكم دبي: "نأمل أن تشُنَّ واشنطن حملة عسكرية على طهران، لكنَّ ترامب يدعو إلى الحوار مع إيران حتى بعد إسقاط الأخيرة طائرة مسيَّرة للولايات المتحدة، ولو افترضنا أنَّ واشنطن قصفت طهران، فإنَّ الردَّ الإيراني سيكون عبْر استهداف الإمارات أو السعودية بشكل مباشر أو عبْر الحوثيين، وفي حالة سقط صاروخ واحد على الإمارات، فإنَّها ستخلو من المستثمرين الأجانب".

غضب الإمارات الفقيرة

ووفق تقرير لوكالة رويترز، عن أسباب انسحاب الإمارات من حرب اليمن، وتطوير العلاقة مع إيران، فإنَّ الانزعاج الذي أبداه مسؤولو الإمارات السبع من خطورة استمرار الحرب على اقتصاد واستقرار الدولة، كان له عامل كبير في قرار ابن زايد بالانسحاب، حتى لو كان ذلك يمثل ضرراً على علاقته بوليِّ العهد السعودي.

ونقلت الوكالة عن مصادر دبلوماسية إماراتية، بأنَّ حُكام الإمارات السبع أبدوا قلقهم من سقوط أكثر من 100 مقاتل إماراتي في الحرب، ومعظمهم من الولايات الشمالية التي تعاني من الفقر وقلة الموارد بالمقارنة بإماراتي أبوظبي ودبي.

وحسب الوكالة فإنَّ التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تعاني منه إمارات مثل الفجيرة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة، مقابل الغنى الفاحش في أبو ظبي، ربما يدفع أبناء هذه الإمارات للانفصال عن الدولة الأم، خاصة وأنَّ الهوية الإماراتية ما زالت حديثة، وأنَّ الانتماء للإمارة إضافة إلى الانتماءات العشائرية ما يزال قوياً.