"غرف مظلمة" تسلح وسائل التواصل الاجتماعي بسوريا.. ماذا تفعل؟ وما أهدافها؟

“هناك حرب رقمية صامتة ضد سوريا”
تكشف الأيام منذ سقوط نظام بشار الأسد وجود جهات تعمل على قلب الوقائع وتزييف حقيقتها للرأي العام بهدف ضرب السلم الأهلي وزيادة حالة التحريض بين المكونات السورية المتنوعة.
وتشكل هذه "العملية المنظمة" ضد استقرار سوريا الجديدة، أحد العوامل الرئيسة في تضخيم الأحداث وجرها لاستخدام العنف المسلح بين المكونات.
أو وضع بعض الوقائع في "سياق طائفي يولد حالة احتقان" تصل في بعض الأحيان إلى إصدار بيانات من قبل بعض المكونات تطالب "بحماية دولية" من الخارج.
وقد أصدر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في 9 مارس/ آذار 2025 قرارا بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي بسوريا.

ضرب السلم الأهلي
وفي حادثة جديدة، جرى استغلالها على مواقع التواصل الاجتماعي لضرب السلم الأهلي، جرى الترويج في مايو 2025 لواقعة مضللة عبر اتهام أحد عناصر الأمن العام بخطف فتاة من الطائفة العلوية واصفين هذه الحادثة بأنها حالة "سبي للنساء".
وقد تداولت حسابات صورا للشاب أحمد والفتاة التي تدعى ميرا وهما من حمص، وعمدوا إلى تشويه الحقيقة والادعاء بخطف الفتاة تحت تهديد السلاح.
إلا أن الشاب أحمد والفتاة ميرا وهما طالبان جامعيان خرجا في تسجيل مصور في 9 مايو من داخل منزل والد الفتاة في ريف حمص ونفوا وجود عملية خطف أو ما زعم على أنه “سبي”.
حيث اتضح وفق ما قالت الفتاة ميرا في أكثر من لقاء مصور أنهما تزوجا وما جرى معهما هي "قصة حب" تحولت إلى زواج، وأن زوجها أحمد ليس منضويا في صفوف الأمن العام.
قبل قصة أحمد وميرا، انتشر نهاية أبريل 2025 تسجيل صوتي منسوب لأحد أبناء الطائفة الدرزية، تضمّن "إساءة" للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وتسبب التسجيل في اندلاع اشتباكات في منطقتي أشرفية صحنايا بريف دمشق وجرمانا بدمشق اللتين يتركز بهما سكان من الطائفة الدرزية، بين عناصر محلية من الطائفة المذكورة وقوات الأمن السوري، حيث أدت الاشتباكات لوقوع قتلى من الطرفين.
لكن قوات الأمن تمكنت في اليوم التالي من استعادة الهدوء في المنطقتين بالتنسيق مع وجهاء الدروز، حيث وصفت السلطات السورية المجموعات المسلحة التي هاجمت الأمن العام بأنها "خارجة عن القانون" وتسعى "للفوضى وإحداث فتنة".
وفي 2 مايو، أعلنت الحكومة السورية توصلها إلى اتفاق مع أهالي مدينة جرمانا بريف دمشق، يقضي بتعزيز الأمن وتسليم السلاح للدولة.
وبدا واضحا أنه في أحداث صحنايا وجرمانا، استغلت حسابات لبنانية وعراقية موالية لإيران، وحتى حسابات إسرائيلية، وأخرى مؤيدة لنظام بشار الأسد، تلك الأحداث ونشرت آلاف التغريدات التي أسهمت بتأجيج الخطاب الطائفي وضخّمت من انتشار محتوى الكراهية بين السوريين.
كما حاولت إسرائيل استغلال الموقف بدعوى حماية الدروز، حيث شنت غارات جوية على صحنايا، ما أدى لمقتل عنصر في الأمن العام.
ولوحظ انجرار بعض السوريين إلى خطاب الكراهية ضد بعضهم خلال أحداث صحنايا، وتصعيد جديد لخطاب إقصاء الآخر والدعوة لإهانة الرموز الدينية، الأمر الذي دفع دمشق للتحذير منه.
حتى إن المفتي العام لسوريا الشيخ أسامة الرفاعي، خرج وطالب السوريين بالاتحاد أمام "الفتنة التي يشعلها أعداء الوطن والأمة"، في تعليقه على أحداث صحنايا.
ومع ذلك، حاولت بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تأجيج الموقف أكثر عبر نشر تسجيلات مصورة قديمة على أنها حديثة وتظهر طرد طلاب ينحدرون من الطائفة الدرزية من الجامعات.
ودفعت هذه المحاولة الجديدة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لإصدار قرار في 10 مايو يفرض قيودا صارمة على الخطاب المتداول داخل الوسط الجامعي.
معلنة حظرا شاملا على نشر أو تداول أو ترويج أي محتوى يُحرّض على الكراهية أو الطائفية أو العنصرية، أو يتضمن إساءات من شأنها الإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
وأكّدت الوزارة في بيان، أن القرار يسري على جميع مكونات المنظومة التعليمية، بما في ذلك أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب والعاملين في الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا.
إضافة إلى الجهات التابعة لها أو المرتبطة بالوزير، محذّرة من أن أي مخالفة ستُعرّض صاحبها للمساءلة القانونية بمختلف مستوياتها: الجزائية، والمدنية والمهنية.
وشددت الوزارة على أن العقوبات قد تصل إلى الفصل النهائي من المؤسسة التعليمية أو الإحالة إلى القضاء، وذلك بحسب نوع المخالفة وأحكام القوانين والأنظمة النافذة، مع إحالة الملفات إلى المجالس المختصة مثل مجلسي التأديب والانضباط.

"حرب رقمية"
وتعليقا على هذه الحوادث، يقول الصحفي الاستقصائي السوري محمد الحموي، لـ "الاستقلال": إن “هناك حربا رقمية صامتة ضد سوريا”.
وأوضح أنه بكل الحملات التي كان فيها تحريض وتضليل منذ سقوط الأسد كانت الحسابات تعمل بطريقتين، منها حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي فعالة أصلا وجزء منها موالٍ لنظام الأسد وآخر يديرها رافضون للتغير الحاصل بسوريا وهم من غير السوريين".
وأضاف أن الحسابات التي يديرها الرافضون للتغير الجديد بسوريا هي عموما حسابات قوية نشطة تستغل ما يجرى بسوريا من أحداث وتعمل على التحريض والتضليل وقلب الحقائق.
ولفت الحموي إلى أن الحسابات الثانية هي إما حسابات تنشأ تزامنا مع وقوع حادثة ما بسوريا أو قبل وقوعها بوقت قليل حيث تعمل هذه الحسابات على تضخيم انتشار التغريدات التي فيها معلومات مضللة أو كاذبة عن الحادثة التي يتفاعل معها السوريون.
وذهب الحموي للقول: "ما جرى رصده هو أن هناك حسابات أساسية مهمتها هي نشر معلومات مضللة عن الحادثة بسوريا، ثم تقوم مجموعة حسابات أخرى بنشر هذه التغريدات بكثرة والتعليق عليها والتفاعل معها بشكل كبير لزيادة وصولها بشكل أكبر إلى الناس لتعكير السلم الأهلي".
ولهذا نشرت الرئاسة السورية، بيانا في 30 مايو شددت فيه على رفضها الكامل لما وصفته بـ"دعوات الحماية الدولية" التي أطلقتها "جماعات خارجة عن القانون شاركت في أعمال العنف" بصحنايا، وترى أن هذه الدعوات "غير شرعية ومرفوضة بشكل قاطع".

"تسليح وسائل التواصل"
من جانبه، يشير الكاتب السوري عاصم مشوح، إلى وجود ما سماها "غرفا مظلمة تحيك وتطلق وتوجه كل هذه المعارك بسوريا عبر تسليح وسائل التواصل الاجتماعي للعب دور خطير في تفكيك المجتمع السوري، وضرب مصداقية الدولة، وإضعاف سلطتها، ومن ثم الهجوم عليها عسكريا عند التأكد من ذلك".
وأضاف مشوح في منشور عبر فيسبوك: “بعد فشلهم عسكريا في الانقلاب على الدولة الجديدة، ومعرفتهم بالبأس الشديد والتماسك العسكري للجيش الجديد، وتضامن أغلبية الشعب السوري مع حكومته، ووقوفه وراءها، انتقلوا إلى التجييش الطائفي، والتحريض على الدولة، واللعب بورقة الأقليات، وبث خطاب الكراهية الرقمي”.
وأردف "وكان ما كان في الجنوب السوري، ثم فشلوا أيضا بنسبة كبيرة، إلى أن وصلوا اليوم إلى العبث بقضية الشرف (يقصد قصة أحمد وميرا)، لضرب المجتمع ببعضه وتثوير مكوناته في هذه القضية الحساسة".
وأمام ذلك، فإنه في خضم بحث الحكومة السورية عن دفع اقتصاد البلد نحو الاستقرار وتحسين معيشة المواطن السوري وضبط السلاح وفرض حالة الأمن، فإن مواجهة شبكات منظمة للتضليل والمساهمة بنشر خطاب الكراهية بين السوريين على شبكات التواصل، يؤكد الحاجة الماسة إلى إستراتيجية من قبل السلطات السورية لمواجهة هذا النوع من الخطاب، وفق الحموي.
ويضيف: "حتى الآن تغيب ملامح أي إستراتيجية من الحكومة لمواجهة هذا الموضوع الخطير، هذا الموضوع الذي توليه الحكومات عادة أهمية كبيرة، فتنشئ له مكاتب وأجهزة مرتبطة بأعلى هرم السلطة في البلاد لمواجهة التضليل، وفي ذات الوقت تقدم كل الدعم لمراكز الأبحاث ومنصات الإعلام التي تساعد الحكومات في مواجهة التضليل".