هدف المساعدات الأردنية المقذوفة من الجو على فلسطينيي غزة.. إغاثة أم تربّح؟

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تفجرت السلطات الأردنية غضبا إثر تقرير إعلامي كشف عن تلقيها أموالا طائلة لقاء تمرير المساعدات إلى قطاع غزة الذي يتعرض للإبادة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، في فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة فضائح طالتها في الآونة الأخيرة.

الفضيحة التي هزت السلطات الأردنية تبعتها حملة إعلامية شنتها وسائل إعلام قريبة من السلطات على جماعة "الإخوان المسلمين" بزعم أنها تقف وراء الموقع الذي كشف عن المعلومات التي سببت صدمة للأوساط الشعبية، كردة فعل من الأخيرة على قرار حظرها في البلاد.

تربّح أم إغاثة؟

وفي معلومات صادمة، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 8 مايو/ أيار 2025، أن "السلطات الأردنية استفادت بشكل كبير من تنسيق وإشراف عمليات دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع الفلسطيني المحاصر".

وأضاف الموقع أن "الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وهي هيئة رسمية تتولى إدارة تدفق المساعدات عبر الحدود، باتت القناة الرسمية الوحيدة التي تمر من خلالها المساعدات الدولية المتجهة إلى غزة، بتنسيق مع السلطات الإسرائيلية".

وبحسب مصادر وصفتها بـ"المطلعة" من منظمات إنسانية وأفراد لديهم معرفة مباشرة بالملف (لم تسمهم)، فإن "أغلب التبرعات التي تُرسل باسم الهيئة تأتي في الواقع من حكومات ومنظمات أجنبية، بينما تبقى المساهمات المباشرة من الدولة الأردنية ضئيلة نسبيا".

وكشفت المصادر أن "الأردن يفرض رسوما قدرها 2200 دولار عن كل شاحنة مساعدات تدخل غزة، ويتم تحويل هذه المبالغ مباشرة إلى القوات المسلحة الأردنية".

وتابعت: "كما فرض الأردن أيضا رسوما تتراوح بين 200 ألف و400 ألف دولار لكل عملية إنزال جوي للمساعدات فوق القطاع، رغم أن كل طائرة تحمل أقل من نصف حمولة شاحنة تقليدية".

ولفتت المصادر إلى أن "هذه الإيرادات دفعت الأردن إلى توسيع بنيته التحتية اللوجستية، حيث حصل أخيرا على 200 شاحنة مساعدات جديدة من منحة أجنبية، كما يبني مستودعات تخزين أكبر بدعم من الأمم المتحدة، استعدادا لزيادة عمليات التسليم ضمن ترتيبات دولية جديدة".

وفي المقابل، ردت "الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية" على معلومات الموقع، ووصفتها بأنها "مواد مضللة تحمل الأكاذيب والافتراءات على الجهد الأردني الإنساني والإغاثي المبذول منذ أواخر العام 2023 لدعم الأهل في قطاع غزة"، بحسب بيان في 8 مايو.

وأضافت الهيئة أن "الموقع الإخباري الذي ينشر مواده باللغة الإنجليزية طلب مع نهاية دوام يوم الخميس (8 مايو) من الهيئة الإجابة على أسئلة كانت موجهة ومتحيزة ولا تخلو من الاتهامية ومستندة إلى ما سماه (ادعاءات) يطلب الرد عليها".

وبيّنت أن "الموقع طلب الإجابة على تلك الأسئلة خلال 3 ساعات، وهو ما يوحي بأن النية مبيتة لنشر هذه المادة دون أي رد بهدف تشويه صورة الأردن، وأن الأسئلة التي قدمها تحتاج إلى وقت للتحضير لغايات الدقة والشفافية والوضوح كونها كانت مفتوحة واتهامية".

وفيما يتعلق بالكلف المالية، فقد أوضحت الهيئة أن "الأردن تحمل كلف القوافل البرية والإنزالات الجوية والجسر الجوي والطائرات المرسلة عبر العريش، قبل أن تطلب عديد من الدول والمنظمات المشاركة في هذه الجهود الإغاثية".

وعن كلف الإنزالات الجوية، أكدت الهيئة ما ذكره الموقع البريطاني، بقولها: إن "تكلفة الإنزال الجوي للإسقاط الحر كانت تبلغ نحو 210 آلاف دولار، فيما تبلغ قيمة الإنزال الجوي الموجه (جي بي أس) إلى 450 ألف دولار، وأن هذه الأرقام تغطي فقط كلفة الإنزال الجوي الواحد".

وأكدت الهيئة أيضا أن "كلف الشاحنة الواحدة بلغت 2200 دولار تشمل، فقط بدلات تأمين وأجور تشغيل وصيانة ووقود"، وهو الرقم ذاته الذي كشفه الموقع البريطاني في تقرير.

"شمّاعة الإخوان"

لم يقف دفاع السلطات الأردنية عن نفسها عبر "هيئة الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية"، بل تعدت إلى توجيه اتهامات عن طريق وسائل إعلام قريبة منها إلى جماعة الإخوان المسلمين، مدعية أن الموقع اللندني ساق المعلومات ضد الأردن، كردة فعل على حظر الأخيرة.

ونشرت وكالة "عمون" الأردنية تقريرا في 9 مايو، نقلت فيه عن مصادر "مطلعة" (لم تسمها) أن "الأردن يعد ما نشرته وسائل إعلام تعمل لصالح مشروع الإخوان من اتهامات، أول رد إعلامي على خطوة المملكة في تفعيل قرار المحكمة الصادر عام 2020 والقاضي بحظر الجماعة وأنشطتها في الأردن".

وفي 23 أبريل/ نيسان 2025، أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية "حظر جميع نشاطات جماعة الإخوان المسلمين المُنحلة (في عام 2020) وعدها جمعية غير مشروعة"، مشددا على جعل الانتساب لها والترويج لأفكارها أمرا محظورا، ويقع تحت طائلة المساءلة القانونية.

ويأتي القرار بعد أسبوع واحد من إعلان المخابرات الأردنية إحباط "مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة"، مؤكدة اعتقال 16 ضالعا بها، وذلك بمتابعتها بشكل دقيق منذ عام 2021، كلهم ينتمون إلى "الإخوان" في الأردن.

وزعمت وكالة "عمون" أن حربا إعلاميةً ستشنها هذه المنابر "الخبيثة" على الأردن، وأن الأخير سيرد على تلك الاتهامات الباطلة "ردا قاسيا"، على الأرض وبالحقائق، وأيضا بحرب الكلمات وفضح التمويل الذي يبتاع المنابر التي تهاجم الأردن والمعروفة غاياتها ومصادرها "الآثمة".

من جهتها، ذكرت صحيفة "الغد" القريبة من السلطات الأردنية في 9 مايو، أن "هذه الحملة، تتلاقى فيها مصالح أطراف ذات أيديولوجيات متطرفة، وعصابات مافوية ذات تاريخ مضطرب مع كل من يرفضها، بخاصة الأردن، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين المنحلة".

وزعمت الصحيفة أن الحملة تتقاطع بتوقيتها ومضمونها، وأهدافها، مع ما يتبناه الاحتلال الصهيوني منذ بداية حربه العدوانية على غزة، ولهاثه الدامي لتدمير أي جهد يرسّخ بقاء الفلسطينيين على أرضهم، ويعرقل سياسات التهجير الممنهجة التي ينفذها بوحشية، يندى لها جبين البشرية.

وتابعت: "ما يكشف عن رعونة هذه الحملة، وزيف أطروحتها المضللة، أن ترويجها، يتم عبر منصات إعلامية، ذات ارتباطات مافوية مع عصابات تتكئ على الكذب والتزوير، لتقدم سرديات مزيفة، مشحونة بالتشويه والتحريض، لبث الشكوك حول العمل الإنساني الإغاثي غير المسبوق للأردن في عون أهالي غزة والضفة الغربية".

وفي المقابل، أصدر حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذراع السياسي للإخوان المسلمين في الأردن، بيانا في 9 مايو، أعرب فيه عن رفضه لـ"محاولات الإساءة والتشكيك حول الجهد الإغاثي الأردني تجاه الشعب الفلسطيني"، واصفا الاتهامات بأنها "مغرضة ومضللة تسيء للدور الأردني وتنال من موقفه التاريخي الثابت في إغاثة الأهل الفلسطينيين في غزة".

واستنكر الحزب "الإساءة للدور الإغاثي والإنساني الأردني"، مؤكدا أن "ما قام به الأردن من جهد إغاثي سواء على الصعيد الرسمي لا سيما عبر مؤسسة الجيش والهيئة الخيرية الهاشمية أو عبر حملات الإغاثة الشعبية (...) في مختلف مناطق المملكة، لا يقبل التشكيك".

وفي الوقت الذي أشاد فيه بدور "الهيئة الخيرية الهاشمية" في حملات الإغاثة للشعب الفلسطيني، فقد أكد بيان "العمل الإسلامي" تعاون الأخيرة معه في الحملات التي نظمها خلال الفترة الماضية عبر العديد من قوافل شاحنات الإغاثة التي قدمها الشعب الأردني تجاه أهالي غزة.

"استحضار الفضائح"

نفي السلطات الأردنية قصة التربح من تمرير المساعدات إلى قطاع غزة، رد عليه ناشطون باستحضار فضيحة الجسر البري الأردني الذي كان يمد الاحتلال الإسرائيلي بالخضار والفواكه، وطالما نفته عمّان قبل أن تقر به "تل أبيب" وتعلن إيقاف الاستيراد من الأردن مؤقتا لأسباب صحية.

ورغم المجازر التي بدأت بحق الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر 2023، لكن الحكومة الأردنية استمرت بمد إسرائيل بالخضار لتعويض النقص الذي سببه العدوان على غزة، وسط رفض شعبي أردني واسع عبرت عنه الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد.

وأظهرت بيانات رسمية من وزارة زراعة الاحتلال الإسرائيلي أن الأردن من بين الدول التي استمرت في تصدير الخضار والفواكه إلى "إسرائيل" خلال فترة العدوان على غزة، وذلك وفقا لتقرير الوزارة الذي شمل الفترة من 8 أكتوبر 2023 إلى 11 فبراير 2024.

وفي 9 أغسطس 2024، أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية وقف استيراد الفواكه والخضروات من الأردن مؤقتا حتى فحص المحاصيل الزراعية ومعرفة المياه المستخدمة لريها بعد اكتشاف بكتيريا الكوليرا في مصب نهر اليرموك.

وقالت الوزارة: إن "أحد المختبرات المعتمدة اكتشف نتائج إيجابية لمرض الكوليرا في عينة مياه أخذت من نهر اليرموك، ولذلك قررت اتخاذ إجراءات احترازية، وأوقفت استيراد شحنات الفواكه والخضراوات من الأردن في هذه المرحلة"، وفق صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية.

وأفادت وزارة الاحتلال في حينها بأنها "تنتظر الحصول على معلومات من السلطات في الأردن فيما يتعلق بمصدر المياه المستخدمة في المحاصيل الزراعية، حتى تتمكن من اتخاذ قرار نهائي".

وبالمقابل أكدت الحكومة الأردنية على لسان المتحدث باسمها مهندي المبيضين للوكالة الرسمية "بترا" أن مياه نهر اليرموك وقناة الملك عبد الله خالية من أي تلوث، مبينا أن هنالك فحوصات مخبرية تجري بشكل دوري وفق برنامج محدد لضمان سلامة المياه بشكل مستمر، وذلك من دون نفي التصدير لإسرائيل.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أثارت صور نشرتها مصادر عبرية لخضراوات أردنية المنشأ في الأسواق الإسرائيلية، موجة من الاستهجان في الشارع الأردني، حيث ظهرت على بعض الأصناف كالخيار والكوسا ملصقات تشير لشركات أردنية محلية، موجودة في العاصمة عمّان ومنطقة الأغوار الحدودية.

وتعبيرا عن رفضهم، احتشد المئات في مدينة إربد شمال المملكة، على بعد حوالي 30 كيلومترا من الحدود، منددين بتصدير الخضراوات الأردنية للسوق الإسرائيلية، وطالبوا الحكومة باتخاذ قرار واضح لمنع ذلك.

وفي وقتها، صرّح الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين، بأن "مسألة منع تصدير البضائع ليست من اختصاص الحكومة، فهي لا تستطيع إيقاف نشاط أي تاجر"، مشيرا إلى أن الحدود ليست مغلقة والوزارة لا تمارس الرقابة.

وبحسب مبيضين، فإن "المقاطعة خيار فردي لا نجبر الناس على إيقافه، كذلك هو الحال في هذه المسألة، حيث لا نستطيع منع التاجر، ويمكن له أن يقاضي الحكومة إذا أقدمت على منعه".