جدران الفصل الإسرائيلية.. جدوى "القرى المحصنة" في عصر المقاومة

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم امتلاكها قوة عسكرية فتاكة، دأبت إسرائيل منذ سنوات عدة على بناء المزيد من الجدران الأمنية والسياجات العسكرية التي باتت تحيط بها من كل جانب، إذ شيّدت دولة الاحتلال منذ 2010 جدرانا حدودية لضمان أمنها، وحماية حدودها من مختلف الجبهات.

آخر هذه الجدران، ما أعلنه الجيش الإسرائيلي في أغسطس/آب الجاري، عن البدء بإقامة جدار أمني جديد يشكل حلقة دفاعية ثانية على حدود غزة، كلفته ملايين الدولارات، وطوله 6 أمتار فوق الأرض، ومثلها تحت الأرض، وسيقام في العمق الإسرائيلي وقرب المستوطنات، لحمايتها، وتحصينها من الصواريخ المضادة للدروع، ومنع عمليات التسلل، ومن المتوقع أن ينتهي العمل فيه مطلع 2020 على طول حدود قطاع غزة بطول 360 كلم.

جدران برية وبحرية

كانت إسرائيل قد شرعت في مايو/أيار الماضي، بإقامة جدار خرساني على السياج الأمني شمال غزة، بعد تنفيذ حماس في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عملية نوعية باستخدام صاروخ "كورنيت" استهدف سيارة عسكرية إسرائيلية، مما يؤكد أن تزايد إقامة إسرائيل للجدران الأمنية حول غزة، يأتي للرد على ما تمتلكه الحركة من قدرات عسكرية مثل: صواريخ جوية، قذائف مضادة، عمليات تسلل أفراد، تهديد الأنفاق.

هذا الجدار الخرساني مدمج بتقنيات ذكية، وتبلغ كلفته مائة مليون شيكل، قرابة 27.8 مليون دولار، وسيتم بناؤه على طول مسارات السكة الحديدية، بهدف حماية القطار الذي يسير في المنطقة المكشوفة من جهة قطاع غزة من استهداف المقاومة في أي مواجهة مقبلة.

بجانب هذه الجدران البرية، أنشأت إسرائيل عائقا بحريّا شمال شواطئ غزة مكونا من ثلاث طبقات: الأولى تحت سطح البحر، الثانية من الحجر، والثالثة من الأسلاك الشائكة، وهو كاسر للأمواج، وغير قابل للاختراق، بعد أن عبّر إسرائيليّون عن مخاوفهم من تفعيل حماس لقواتها البحرية، بطريقة أكثر نجاحا وكفاءة.

الثغور الحدودية

يتبع جيش الاحتلال نظام التجسس على المقاومة من خلال تعزيز إستراتيجية سد الثغور الحدودية، وبناء الجدران العازلة، والتسليح العسكري على الحدود بمعدات ثقيلة، بعد أن أربكه عامل المفاجأة، وجعله يخطط لإنشاء حواجز ومراقبة ودعم أنظمة الأمن العسكري والتجسس بالقرب من الحدود.

ومن أهم الجدران الإسرائيلية:

  • جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية: شرعت إسرائيل ببنائه في يونيو/حزيران 2002، ويمرُّ عبر أراض مأهولة وزراعية، ويحول دون وصول الفلسطينيين لبعض الشوارع المحلية والحقول، ومساره الشمالي يعزل 5 آلاف فلسطيني، وأسست السلطات الإسرائيلية شبكة من البوابات في الجدار، ونظام تصاريح مرور للتحرك خلاله، ويبلغ طوله 770 كم، وارتفاعه 8 أمتار.
  • جدار غزة: جدار إسمنتي مسلح فوق الأرض وتحتها، بدأ الاحتلال بناءه في سبتمبر 2016 على طول الحدود مع القطاع، لتوفير الحماية للمستوطنات الحدودية، ومواجهة خطر الأنفاق التي تحفرها المقاومة، تفوق ميزانية بنائه نصف مليار دولار، ويصل طوله 60 كم، ويقام بعمق كبير في باطن الأرض للحيلولة دون تسلل مقاتلي المقاومة.
  • جدار الأردن: يبلغ طوله 30 كم، وكلفته 300 مليون شيكل، 78 مليون دولار، وأعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يناير/كانون الثاني 2012، ويتضمن شق طرق، وإقامة أبراج مراقبة، ووسائل متابعة ورصد متطورة.
  • جدار مصر: وافقت إسرائيل مطلع 2010 على بنائه، مع تركيب معدات مراقبة متقدمة، بتكلفة مالية تصل 400 مليون دولار، نظرا لعجز الأمن المصري عن شلّ حركة التنظيمات المسلحة بسيناء، وخشية امتداد عملياتها داخل إسرائيل.
  • جدار الجولان: أقرت إسرائيل بناءه أواخر يونيو/حزيران 2011، ارتفاعه 8 أمتار ويمتد على طول 4 كم، وسيمتد لاحقا على طول 70 كم بمناطق حدودية مع سوريا.
  • جدار لبنان: بدأت إسرائيل بناءه في مارس/آذار 2012 بطول كيلومتر واحد، وارتفاع 8 أمتار، يفصل بين بلدة كفر كلا اللبنانية ومستوطنة المطل الإسرائيلية.

رغم أن هذه الجدران أسهمت بالتقليل من عمليات المقاومة؛ لكنها لم تحقق أهدافها بضمان أمن الاحتلال؛ بعد أن تمكنت المقاومة من تطوير أساليبها، وتنويعها بحسب مقتضيات الظروف الزمانية والمكانية.

اللواء العسكري الفلسطيني واصف عريقات قال لـ"الاستقلال": إن "بناء إسرائيل للجدران الأمنية حول غزة لن يحقق لها أمناً مطلقاً، لأن المقاومة لديها من الجاهزية والأفكار والمشاريع الكفيلة بالحد من الآثار السلبية لهذه الجدران، وهي في حالة تغذية راجعة أمام كل عائق يقيمه الاحتلال، لمقاومته، والتصدي له".

مخاوف وإخفاقات

تباينت المواقف الإسرائيلية تجاه الجدران الحدودية، بين مؤيد ومعارض، ففيما أشاد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإقامتها، واعتبرها "قرارا إستراتيجيا يضمن الحفاظ على الهوية اليهودية لإسرائيل".

فقد أكد وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، أن "الجدار المائي على حدود غزة هو العقبة البحرية الأولى من نوعها في العالم، وسيعرقل التسلل من غزة لإسرائيل عبر البحر، ويضمن تقليص قدرة حماس العسكرية".

ووصف رئيس أركان الجيش السابق غادي إيزنكوت الجدار البري حول غزة بأنه "المشروع الأكبر في تاريخ الجيش الإسرائيلي".

لكن الجنرال إيفي إيتام زعيم حزب "المفدال" المتطرف، قال: إن "من يريد إثبات انتصار الحركة الوطنية الفلسطينية على إسرائيل عليه أن ينظر للجدران التي يعكف الجيش على إقامتها حولنا، أي إنجاز يريده الفلسطينيون أكثر مما حققوه بإجبارنا على الانغلاق خلف الجدران الإسمنتية والأسلاك الشائكة".

فيما وصف بنحاس فالنتشتاين أحد قادة المستوطنين بالضفة الغربية هذه الجدران بمعسكر "أوشفيتس"، أحد مراكز الاعتقال النازية التي أقاموها لليهود في بولندا، لكن الفرق أن "أوشفيتس" بناه أعداؤنا، أما هذه الجدران "فنحن نقيمها لأنفسنا".

ويظهر إقامة إسرائيل لهذه الجدران البرية والبحرية على حدود غزة، حجم القلق والخوف من الأخطار الكامنة القادمة من القطاع، وقد زادت عقب اندلاع مسيرات العودة في مارس/آذار 2018، ومحاولات الفلسطينيين المتكررة اقتحام الحدود بالآلاف.

ورغم التحصينات المتزايدة، فإن هذه الجدران لا توفر إجابات كافية لحمايتها من صواريخ وعناصر المقاومة، رغم ما تتركه من تأثيرات سلبية على حياة الفلسطينيين، سواء بالسطو على الأراضي الزراعية الشرقية للقطاع، أو تهديد الصيادين في عرض البحر غربا.

تحدي المقاومة

يعكس إنشاء الجدران المقاربة الإسرائيلية الرسمية المستندة للأمن ونظرية "الجدار الحديدي"، التي تعتمد على القوة وتعزيز التفوق العسكري، وعزل إسرائيل "أمنيا" عن محيطها، كأفضل ضمانة للحفاظ على أمنها.

يطرح زيادة هذه الجدران الأمنية تساؤلات حول قدرة المقاومة على تجاوزها، لأنها لا تتوقف عن تطوير قدراتها العسكرية، لتجاوز المعوقات، والرد على أي عدوان إسرائيلي، وأبرزها تطوير منظومة الطائرات المسيّرة، بجانب الأنفاق الهجومية، وراجمات الصواريخ من تحت الأرض، وطول مداها، والكوماندوز البحري.

وتشكّل "الضفادع البشريّة" التابعة لحماس، مصدر قلق للجيش الإسرائيليّ بسبب امتلاكها القدرة على مفاجأته، لحيازتها معدّات متطوّرة غالية الثمن وقوارب ودرّاجات بحريّة وألغاما وأسلحة مخصّصة للقتال تحت الماء، وتكمن خطورتها بقدرتها على تنفيذ عمليّات مسلّحة وتسلّل خلف الخطوط الإسرائيليّة خلال دقائق معدودة عبر قارب صيد، ووصول خطّ أنابيب النفط على الشواطئ، لعدم وجود سياج حولها.

أبو مجاهد، أحد قادة المقاومة الفلسطينية الميدانيين، قال في حديث لـ"الاستقلال": إنّ "العائق البحري لن يمنع مقاتلينا من التسلّل خلف خطوط الجيش، ربما يصعّب عملهم بزيادة مسافة الغوص لديهم، لكن وحداتنا البحريّة تتمتّع بجهوزيّة وروح هجوميّة، وتتميّز بالقدرة على الانتقال والعمل خفية تحت الماء بفضل جهاز التنفّس الذي تحوزه، وقد طوّرت أساليب عملها، وامتلكت معدّات جعلت مسافات التقدّم تحت الماء أطول بكثير مما هي فوقه".

محمود مرداوي، القياديّ في حماس والمسؤول السابق في جناحها المسلّح "كتائب عزّ الدين القسّام"، قال لـ"الاستقلال": إنّ "إسرائيل تدرك أنّ حماس تطوّر قدراتها العسكريّة، وتسعى لتحسين خبراتها القتاليّة في هذا المجال، وتمنحها اعتناء متقدّما، وسنعمل للتغلّب على العوائق البحريّة والبرية الإسرائيليّة من أجل الالتفاف عليها، لأنّها لن تمنعنا من استهداف جيش الاحتلال بحريّا وبريا في أيّ مواجهة عسكريّة".

وكانت مجموعة من "الضفادع البشرية" التابعة لحماس قد هاجمت خلال حرب 2014 قاعدة زيكيم الإسرائيلية شمال القطاع، نفذها 4 مقاتلين، أوقعوا خسائر في صفوف الاحتلال، وملاحقة آليات، وتفجير إحداها من مسافة الصفر، وإلحاق خسائر مادية وبشرية أخرى، واستشهاد المنفذين.