لماذا ازدادت محاولات هروب السعوديات من المملكة؟

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تزايدت مؤخرا محاولات هروب النساء في المملكة العربية السعودية، عقب صعود محمد بن سلمان في حزيران/يونيو 2017 إلى سدة الحكم في البلاد، بالرغم من إطلاقه حزمة تغييرات تغنى بها "إعلام السلطة" على أنها لصالح المملكة.

أبرز هذه التغييرات على المستوى الداخلي، هي تغيير وضعية المرأة وتحسينها، إذ أطلقت المملكة في السنة ذاتها (2017) خطة أسمتها السعودية  "إدماج المرأة في التنمية". 

ولم تمر سوى شهران حتى وقّع الملك سلمان عبد العزيز، على قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، وهو الخبر الذي "أقيمت له الدنيا ولم تقعد"، حسب وصف مراقبين.

لكن هل هذا ما تحتاجه المرأة السعودية، قيادة سيارة؟ السؤال تجيب عليه مجموعة من الأحداث أتت متتالية، وأشهرها هروب سعوديات من البلد وطلب اللجوء إلى دول أخرى. تحاول ألف امرأة على الأقل الفرار من السعودية كل عام، بحسب موقع "إنسايدر" الأمريكي، فيما رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" 10 أسباب تجعل السعوديات يهربن من المملكة.

دخول المملكة عالم الحقوق

قادت أول سعودية سيارتها يوم 24 يونيو/ حزيران 2018، بعد أن كانت ممنوعة من ذلك حسب القانون والشرع الذي اعتبرها قاصر و"بنصف عقل". منحت قيادة المملكة للمرأة ما كان في الأصل حقا منتزعا.

قيادة السيارة، لم يكن هو الحق الوحيد الذي أبرزته المملكة على أنه تغيير "نحو الأفضل"، ففي بداية العام نفسه أعلنت السلطات في البلد السماح للمرأة بدخول الملاعب لمشاهدة مباريات كرة القدم.

كما روجت إلى أنها تولي اهتماما خاصا لتمكين المرأة، من خلال رؤية المملكة 2030. ذلك برفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 إلى 30 بالمئة؛ مما يعني إيجاد مليون وظيفة جديدة للمرأة.

عند إعلان قرار السماح للنساء بقيادة السيارة، اتصلت السلطات السعودية بأبرز النشطاء وحذرتهم من التحدث إلى وسائل الإعلام حول هذا الأمر. وقبل شهر واحد من جلوس أول سعودية خلف المقود، اعتقلت السلطات السعودية 7 ناشطين في مجال حقوق المرأة.

وقالت مدير الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" "إن الإاصلاح الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان، كان حتى الآن حملة لتخويف الاصلاحيين الحقيقيين، ممن يتجرؤون علنا على الدفاع عن حقوق الإنسان وتمكين المرأة".

نساء في السجون

تعتقل السعودية في سجونها ناشطات حقوقيات وكاتبات رأي، تحقق منظمات حقوقية دولية في تهمة التعذيب والتحرش الجنسي في حقهن وتهديدهن بالاغتصاب والضرب والتهديد بالإعدام.

ومن بين الأسماء المعتقلة، لجين الهذلول، التي اعتقلت 73 يوما في 2014 بسبب قيادتها سيارة خاصة في تحد لمنع المملكة قيادة السيدات للسيارات، ومحاولة الدخول عبر الحدود المشتركة مع دولة الإمارات.

في يونيو/حزيران 2017 اعتقلتها السلطات للمرة الثانية دون توجيه تهم لها في مطار الدمام شرقي السعودية.

لم يكن هذا هو التحدي الوحيد الذي أعلنته الهذلول ضد بلدها، إذ طلبت الترشح في الانتخابات السعودية المحلية عام 2015، وكان هذا هو العام الأول الذي يسمح للنساء فيه بالتصويت. الخطوة جعلت مجلة "أريبيان بزنس" تورد اسم الناشطة الحقوقية في قائمة أقوى النساء العربيات تحت سن الأربعين.

وقالت منظمة "العفو الدولية": "يبدو أن السلطات السعودية تستهدف الهذلول بسبب نشاطها السلمي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بحقوق المرأة التي تنتهك باستمرار في المملكة". وفي يونيو/حزيران 2017 اعتقلتها السلطات للمرة الثانية دون توجيه تهم لها في مطار الدمام شرقي السعودية.

عزيزة اليوسف، هي معتقلة أخرى في سجون المملكة، بعد أ قادت حملة "أنا ولية نفسي" لرفع وصاية الرجل على المرأة. واستطاعت عزيزة أن تجمع توقيع أكثر من 14 ألف رجل وامرأة على عريضة تلخص مطالب حملتها.

ووصفت اليوسف نظام الوصاية بأنه "وضعي ولا أساس له من الناحية الشرعية"، مؤكدة أنه لا يوجد في الدين ما يجبر المرأة على أخذ إذن الزوج أو ولي الأمر للسفر.

التعذيب عبر الصعق الكهربائي والتحرش الجنسي، الذي اتهمت به تقارير "هيومن رايتس ووتش" السلطات، نفته وزارة الإعلام السعودية ووصفته أنه "لا أساس له من الصحة". لكن وليد الهذلول شقيق لجين، قال في تغريدة له إن لجين المعتقلة منذ 8 أشهر تعرضت "لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والتحرش الجنسي".

الهروب من مملكة الحقوق

قصة المراهقة السعودية رهف القنون، التي هربت من عائلتها بسبب "التعنيف الأسري" وحصلت على حق اللجوء في كندا، ما هي إلا واحدة من قصص كثيرة داخل السعودية. وحذرت القنون من أن عدد "السعوديات الهاربات" سيزداد في حال عدم تغير القوانين وذلك بسبب عدم وجود "نظام يحمي النساء المعنفات".

شهد المحيميد، هي إحدى الهاربات في 2016، خلال تواجد العائلة في عطلة بمدينة طرابزون التركية، أخذت شهد هواتف أسرتها وبطاقاتهم البنكية وفرّت إلى جورجيا ومنها إلى السويد. والآن تقدم شهد النصائح لغيرها من الفتيات اللاتي لا يزلن داخل بلادها عن كيفية الخروج دون تعقب من أولياء أمورهن.

أما سلوى، فهربت مع شقيقتها الصغرى منتصف 2018 إلى ألمانيا، قبل التقدم بطلب لجوء إلى كندا، والآن هما تعيشان في مدينة تورنتو الكندية. هذه الحالات جاءت في تقرير لموقع "إنسايدر" الأمريكي كشف فيه عن خدمة موجودة داخل تطبيق "أبشر" بالسعودية تمكّن ولي أمر الفتاة، من تتبع حركتها داخل المملكة وخارجها، وتعقبها إذا قررت الفرار من منزل والدها والسفر إلى الخارج.

"أبشر" هي خدمة توفرها وزارة الداخلية السعودية لمواطنيها والمقيمين بها، للقيام بمجموعة من المعاملات داخل البلد. ومن بين الخدمات التي يوفرها الموقع إبطال أو إلغاء سفر كل الموجودين تحت وصاية ولي الأمر. وبمجرد تسجيل أرقام هوياتهم الشخصية، يتمكن الوصي من معرفة وقت ومكان سفر الفتاة، وكذلك إلغاء سفرها في حال عدم قبوله مغادرتها السعودية.

ومن بين الطرق التي تلجأ لها الراغبات في الهرب استبدال رقم هاتف الوصي على التطبيق حتى تصل الرسالة إلى هاواتفهن عند مغادرة البلد. 

وجدت دراسة أجريت في 2016 بمنطقة مكة أن 96.3 بالمئة من الفتيات اللاتي هربن من عائلاتهن من السعوديين، في حين أن 3.7 في المائة من غير السعوديين. وأظهرت الدراسة أن 51.9 بالمئة من طالبات الجامعات و 36.4 بالمئة من طلاب المدارس الثانوية و 11.7 في المائة من طلاب المدارس الإعدادية.

وأظهرت الدراسة أن 54 بالمئة من الفتيات الهاربات تتراوح أعمارهن بين 17 و 21 سنة ؛ 24.6 بالمئة بين سن 22 إلى 26 ؛ 15 بالمئة تحت 16؛ و 5 بالمئة أكثر من 27 عاما.

لم الهرب؟

إذا كانت السعودية تؤكد أنها تمنح للمرأة حقوقها، وأنها دخلت عهداً جديداً يكفل لها كل حقوقها وحرياتها، فلماذا تحاول ألف سعودية سنويا الهرب من المملكة؟

السؤال أجابت عنه المنظمة الحقوقية الدولية "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير أصدرته كانون الثاني/يناير 2019، رصدت فيه 10 أسباب تدفع السعوديات إلى الإقدام على الخطوة.

لا تستطيع المرأة السعودية التقدم بطلب للحصول على جواز سفر أو السفر خارج البلاد من دون موافقة ولي أمرها، الذي من الممكن أن يكون والدها أو زوجها وربما ابنها. تمنع النساء من مغادرة المنازل بلا إذن، ويمكن للوصي أن يطلب أمر محكمة بأن تعود المرأة إلى منزل الأسرة.

لا يمكن للسعوديات الزواج من دون موافقة ولي الأمر، ولا يوجد حد أدنى لسن الزواج. في 2019، وافق "مجلس الشورى" السعودي بأغلبية ساحقة على اقتراح تحديد السن الأدنى للزواج في سن 18، لكن ترك استثناءات للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عاما للزواج بموافقة المحكمة. وسيصبح الاقتراح قانونا فقط إذا أصدره مجلس الوزراء السعودي.

35 بالمئة من النساء السعوديات تعرضن للعنف، ولم تصل سوى 1,059 حالة عنف إلى المحاكم السعودية في 2017. ولا تتخلص النساء من العنف بمجرد التوجه إلى أحد الملاجئ، التي أُعدت في السعودية لتمكين النساء من العيش باستقلالية. إذ لا يمكن للمرأة مغادرة الملجأ إلا إذ تم الصلح مع العائلة أو الزوج. 

في الوقت الذي يعتبر العهد الجديد الزيادة من نسب النساء في سوق العمل، لازال يُطلب إذن ولي الأمر لتوظيفها، مع حظرها من بعض المهن كقاضية وسائقة مثلا. الحق في التطبيب أيضا مشروط بموافقة ولي الأمر، إذ تشترط بعض المستشفيات موافقة ولي الأمر لإدخال المرأة السعودية إلى المستشفى أو السماح لها بإجراء عملية جراحية.

لا يوجد في السعودية قانون مكتوب ينظم شؤون الأسرة، ويعتمد الأمر على نصوص الشريعة. يطلق الرجل زوجته شفهيا، وفي بعض الحالات تصلها رسالة نصية على هاتفها تخبرها بذلك، عندما يسجل الزوج طلاقه في المحكمة، وذلك دون حضورها أو علمها، فيما لا يحق للمرأة التطليق من جانب واحد. وليس للمرأة حق الولاية القانونية على أطفالها حتى إذا استمروا في العيش معها.

يمنح القانون السعودي للمرأة رفاهية اختيار الوصي عنها، لكن في بعض الحالات فقط! وذلك في حال إثبات قصور أو سوء معاملة ويتم ذلك عن طريق المحكمة. ولا تستطيع النساء الدراسة في الخارج بمنحة حكومية دون موافقة ولي الأمر، وغالبا ما يلزم وجود قريب ذكر في نفس البلد طيلة مدة الدراسة.

اعتبرت المنظمة الدولية أن ما يمارس في حق النساء في المملكة، منذ تولي محمد بن سلمان العهد، هو "حملة قمع منسقة". إذ وصل قمع المدافعات والمدافعين البارزين عن حقوق المرأة في البلاد سنة 2018، إلى اتهام العديد بجرائم خطيرة مثل.

10 نساء على الأقل محتجزات دون تهمة، والتهم المنتظرة قد تشمل أحكاما بالسجن حتى 20 عاما. عذب المحققون السعوديون عذبوا 4 من النساء على الأقل، بما شمل الصعق بالصدمات الكهربائية، الجلد على الفخذين، والتحرش بهن والاعتداء عليهن جنسيا.