تخوفات من تكرار سيناريو ليبيا.. كيف يؤثر الصراع في السودان على الدول المجاورة؟

حذرت "شبكة الصين" من امتداد الاضطرابات في السودان إلى مناطق أوسع، مؤكدة أن ما وصفته بـ"الحرب الأهلية"، سيكون لها عواقب بعيدة المدى على المنطقة وقضاياها.
وفي 15 أبريل/نيسان 2023، نشبت اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي".
وانتشرت ألسنة الحرب بشكل سريع من العاصمة الخرطوم إلى مناطق أخرى مثل جنوب كردفان وشمال دارفور وغيرها من المناطق.
وعام 2013، تشكلت "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات الأخيرة.
انقلاب على المدنيين
ويرى الموقع الصيني أن السبب الأساسي لنشوب الصراع هو التنازع على السلطة بين القوتين الرئيستين في السودان، كما أثار التصعيد السريع قلقا واسع النطاق بين دول المنطقة والمجتمع الدولي.
ولفت إلى أن القوات المسلحة السودانية هي القوة العسكرية النظامية الرسمية للبلاد، ويتزعمها البرهان، الذي كان يُعد يدا للرئيس السوداني السابق، عمر البشير.
والقوة الثانية هي "قوات الدعم السريع" شبه النظامية، التي يتزعمها محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، الذي كان في السابق تاجرا يعمل في إقليم دارفور.
لكن بعد ذلك، أصبح حميدتي منخرطا مع مليشيات "الجنجويد" المحلية، قبل أن تُصبح هذه الأخيرة نواة لقوات الدعم السريع، بقيادة حميدتي نفسه.
وفي أبريل 2019، شهد السودان احتجاجات شعبية أطاحت بالبشير، الذي حكم البلاد لمدة 30 عاما، وتوصل العسكريون والمدنيون السودانيون فيما بعد إلى اتفاق لنقل السلطة إلى المدنيين بشكل تدريجي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، نفذ العسكريان- البرهان ودقلو- انقلابا مشتركا، واعتقلا رئيس الوزراء السابق في الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك، ومسؤولين آخرين في أحزاب المعارضة.
كما شكلا لجنة عسكرية انتقالية أصبح بها البرهان الزعيم الفعلي في البلاد، مع وضع حميدتي نائبا له. ومنذ ذلك الحين، يشهد السودان احتجاجات شعبية شبه أسبوعية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وقّعت القوى السياسية المدنية، والجيش النظامي السوداني، وقوات الدعم السريع، اتفاقية إطارية - بدعم من الأمم المتحدة- لبدء عملية انتقال سياسي لمدة عامين، وإجراء انتخابات رسمية بنهاية تلك الفترة.
وحسب التقرير، فإنه بعد توقيع الاتفاق، ازدادت الخلافات بين الجيش النظامي السوداني وقوات الدعم السريع، حول العديد من القضايا مثل تعيين موظفي الخدمة المدنية.
وأردف: "وفي الآونة الأخيرة، كان الملف الخلافي الأكثر حدة هو رغبة البرهان في إنشاء سلطة موحدة للجيش النظامي على مستوى البلاد ودمج قوات الدعم السريع فيها".
لكن في المقابل، رفض دقلو ذلك، رغبة منه في الحفاظ على استقلال مليشياته المسلحة عن الجيش، وضمان سيطرته عليها، وفق التقرير.
وبحسب الإذاعة البريطانية بي بي سي، فإنه قبل اندلاع الاشتباكات في 15 أبريل 2023، نشر دقلو مسلحين من قوات الدعم السريع في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي عده البرهان تهديدا أمنيا.
وبعد عدة أيام من التوتر في السودان، اصطدمت قوات الجيش والدعم السريع، ليتحول بذلك كل من البرهان وحميدتي من حليفين إلى عدوين، حسب الموقع الصيني.
حرب أهلية
ويعد السودان ثالث أكبر دولة في القارة الإفريقية من حيث المساحة، ومن ضمن العشر الأوائل من حيث عدد السكان، كما تتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي.
إذ تقع الدولة في شمال شرق إفريقيا، وتطل على البحر الأحمر من الجهة الشرقية، كما تعد حامية للقرن الإفريقي.
وبالرغم من ذلك، يعاني السودان حاليا من آثار حرب أهلية قد تؤدي إلى انتشار المخاطر إلى مناطق أوسع مكانيا، وعلى المدى الطويل زمانيا.
وقد أبرزت الشبكة الصينية أن أول هذه المخاطر هي أزمة اللاجئين، معتبرة أنها "تشكل تحديا خطيرا".
إذ إن عدد سكان السودان يبلغ حوالي 45 مليون نسمة، وقد أُجبر حوالي 7 ملايين سوداني على النزوح في السنوات الأخيرة بسبب النزاعات المسلحة، وفق التقرير.
وأوضحت الشبكة أن الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع "سيتسبب في تفاقم الوضع الهش في البلاد، كما يمكن أن يؤدي إلى المزيد من النزوح القسري للمدنيين".
ولفت التقرير إلى تحذيرات أوروبية عام 2021، من أن عدم دعم أوروبا والولايات المتحدة للحكومة العسكرية في السودان قد يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين.
من زاوية أخرى، ترى الشبكة أن الخطر الثاني هو بقاء النزاعات دون حل، حيث إن ذلك "يؤثر بدوره على الدول المجاورة".
ويأتي السودان في طليعة هذه الدول بحيث يحده سبعة بلدان هي: إريتريا، إثيوبيا، جنوب السودان، إفريقيا الوسطى، تشاد، ليبيا، ومصر".
وأشار التقرير إلى أن هذه المنطقة تعاني بالفعل العديد من النزاعات بشأن الحدود والموارد الطبيعية مثل المياه.
ولفت إلى جهود التفاوض القائمة حاليا بين السودان وإثيوبيا ومصر، بشأن سد النهضة الإثيوبي الذي يقع على نهر النيل الأزرق.
وبخصوص هذه المفاوضات، رجح التقرير "عجز الحكومة السودانية عن التوصل إلى اتفاق مع جيرانها، بسبب الاضطرابات الداخلية في البلاد".
وهو ما سيؤثر بشكل خطير على حل النزاع بشكل سلس، ويعيد التأكيد على المأزق الدبلوماسي الذي تشهده القارة.
تحفيز المليشيات
أما الخطر الثالث -حسب التقرير- فهو زيادة المظاهر السلبية التي تؤثر على شعوب المنطقة، حيث يعيش "القرن الإفريقي" أسوأ فتراته، ويعاني سكانه بالفعل من اضطرابات وفوضى وتخلف.
ومن بين الدول المتأثرة بهذا الواقع إثيوبيا، وجنوب السودان، والصومال؛ إذ "تسببت النزاعات المستمرة هناك في مقتل العديد من الأشخاص وتشريد الملايين".
كما حذر الموقع الصيني من أن الوضع المتدهور في السودان "يمكن أن يزيد حالة التوتر في المنطقة".
وأرجع ذلك إلى أن استمرار القتال، من شأنه أن يحفز المجموعات المسلحة في المنطقة للتصعيد في جبهاتها المختلفة، ما قد يقود إلى مزيد من الفوضى والاضطرابات".
وفي 17 أبريل 2023، عقدت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد) اجتماعا عبر الإنترنت، أعربت فيه عن "قلقها الشديد بشأن احتمال انتشار آثار الصراع إقليميا" ودعت إلى "وقف فوري للأعمال العدائية".
وقال مكتب الرئيس الكيني، وليام روتو، على تويتر، إن "إيغاد" تعتزم إرسال رؤساء كينيا وجنوب السودان وجيبوتي إلى الخرطوم في أسرع وقت ممكن؛ لإجراء مصالحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
أما الخطر الرابع – حسب شبكة الصين- فهو إمكانية أن يؤثر استمرار الصراع في السودان على الديناميات الإقليمية والدولية في المنطقة، فبينما يتفاقم الصراع، قد تزيد احتمالية تدخل القوى الخارجية في هذا البلد.
واختتم التقرير بالتحذير مما حدث في الماضي القريب، حيث "استخدمت الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، والسعودية، والإمارات، ودول أخرى علاقاتها بالفصائل المتحاربة في ليبيا للتدخل بعمق في الأزمة هناك، ويمكن أن يتكرر السيناريو نفسه في السودان".
وفي الواقع، يتميز السودان بموقع إستراتيجي على حدود البحر الأحمر ومنطقة الساحل والقرن الإفريقي، وبالتالي فهو جاذب دائما للقوى الأجنبية، ويزيد من ذلك ثرواته المعدنية والزراعية الهائلة التي يتمتع بها.