إحلال الهندوس مكان المسلمين.. هكذا يغير "مودي" تركيبة كشمير الديموغرافية

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

على طريقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نفذت السلطات الهندية في كشمير سلسلة من عمليات الهدم لمنازل المسلمين بالبلدوزر بصورة مفاجئة، بدعوى "استعادة" أراضي الدولة.

صحف بريطانية وهندية كشفت تسريع حكومة رئيس الوزراء الهندوسي المتطرف "ناريندرا مودي" لسياسة استخدام الجرافات (البلدوزر) لاقتلاع وتهجير مسلمي إقليم كشمير، عبر هدم منازلهم، ضمن خطة لتغيير التركيبة السكانية واستقدام هندوس.

وفي 5 أغسطس/آب 2019، ألغت الحكومة الهندية المادة 370 من الدستور، التي تكفل الحكم الذاتي في "جامو وكشمير" ذي الأغلبية المسلمة، ومن ثم تقسيمه إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.

ويطلق اسم جامو وكشمير على الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير، ويضم جماعات تكافح منذ 1989، ضد ما تعده "احتلالا هنديا" لمناطقها.

ويطالب سكانه بالاستقلال عن الهند، والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسام إسلام آباد ونيودلهي، الإقليم.

سياسة البلدوزر

وأكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 19 مارس/آذار 2023 أن "سياسة البلدوزر" التي انتشرت في عدة ولايات هندية مثل أوتر برديش ودلهي وكجرات ومدهيا برديش، انتقلت إلى كشمير بكثافة.

وجرى هدم منازل مسلمين بدعوى أنهم بنوها على أرض الدولة رغم أن الهند احتلت أرضهم، كما هدمت منازل آخرين بدعاوى اتهامهم بالمشاركة في احتجاجات أو مقاومة القوات الهندية هناك.

وفي 5 أغسطس/آب 2019، ألغت حكومة مودي المادة 370 من الدستور، والتي كانت تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير، وهي الولاية الوحيدة في البلاد التي تتمتع بأغلبية مسلمة.

وعقب إلغاء الحكم الذاتي الممنوح للولاية، جرى تقسيمها إلى منطقتين خاضعتين لسيطرة الحكومة المركزية، وحل حكومتها، وسجن سياسيين محليين وفرض أطول حظر على الإنترنت استمر 18 شهراً لمنع نقل شكوى المسلمين للخارج.

وكان إقليم جامو وكشمير يتمتع منذ عام 1954، بوضع خاص بموجب الدستور الهندي، الذي سمح للولاية بسنّ قوانينها الخاصة، إلى جانب حماية قانون الجنسية، الذي منع الغرباء من الاستقرار في الأراضي وامتلاكها.

لكن حكومة مودي أصدرت تشريعات تمنح مواطنيها الهندوس، الذين عاشوا في جامو وكشمير لمدة تزيد على 15 عاماً، صفة مواطن محلي لتمكينهم من امتلاك الأراضي والإقامة والعمل، إضافة إلى تقلد المناصب العامة.

ومنذ أن تولى ناريندرا مودي الحكم عام 2014، صعد من سياسة تحويل الهند للهندوسية والتنكيل بالمسلمين وقمعهم والاعتداء عليهم عبر مليشيات هندوسية.

وضمن هذه الخطة، جرى نقل أعداد من متطرفي حزب بهاراتيا جاناتا التابع لرئيس الوزراء وعائلاتهم إلى كشمير، وضمنهم بلطجية حركة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" الهندوسية المتطرفة المعروفة اختصارا بـ "آر إس إس".

وهذه المجموعات تعتنق شريعة هندوسية متطرفة هي عقيدة "هندوتفا" العنصرية التي تشجع أنصارها على قتل المسلمين وتخريب ممتلكاتهم وإغلاق شركاتهم ومقاطعتها، ودعوة رهبان هندوس علناً إلى قتل المسلمين.

وبينت صحيفة "الغارديان" أن أهالي كشمير يعيشون حالة من الذعر بعد توسع حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم في تطبيق ما يُسمي بـ "سياسة الجرافات" ضد المسلمين هناك، ضمن أهداف الهندوس لتهجير المسلمين.

وأكدت الصحيفة البريطانية أن ما تفعله الحكومة الهندية في كشمير ليس سوى محاولات لتغيير التركيبة السكانية، عبر عمليات هدم واسعة دون سابق إنذار لمنازل المسلمين وتسليم أرضهم للهندوس.

نقلت عن مسلمين أن "بلدوزرات سلطات الاحتلال الهندية حضرت بصورة مفاجئة للعديد من المنازل والمحال التجارية والورش وهدمتها فوق رؤوس أصحابها دون حتى إنذارهم، ثم سوت الجرافات المكان بالأرض".

وضمن عمليات تغيير التركيبة السكانية، سمح حزب "بهاراتيا جاناتا" منذ سنوات، للأجانب من غير سكان كشمير، وغالبيتهم من هندوس الهند، بشراء العقارات وامتلاك الأراضي، ومنحهم الحق في التصويت في الانتخابات. 

وشهدت قوائم الناخبين تسجيل أكثر من مليوني ناخب جديد، بهدف زيادة نسبة تصويت الهندوس في أي انتخابات في كشمير ذات الأغلبية المسلمة.

ويروي سكان كشمير لصحف أجنبية وهندية قصص عن قمعهم وترهيبهم من قبل حكومة مودي المتطرفة، لحد اعتقال من يشكو من القمع والاضطهاد على مواقع التواصل.

وتعرض الصحفيون لمضايقات علنية من جانب الشرطة من بينها إدراج أسماء بعضهم في قوائم الممنوعين من السفر لدفاعهم عن المسلمين وتحولت الصحف، التي كانت في وقت من الأوقات مستقلة، إلى منافذ لنشر البيانات الصحفية الحكومية.

وقال الكاتب "نذير المسعود" في مقال عبر شبكة تلفزيون نيودلهي (ndtv) في 17 فبراير/شباط 2023 إن الجرافة باتت هي الأداة الأكثر رعبا في جامو وكشمير، وأكثر تخويفا من البنادق والقنابل اليدوية.

أوضح أن عمليات الهدم تنفذ في جميع أنحاء جامو وكشمير، لطرد الناس من الأراضي التي زرعوها على مدى أجيال.

وبين أن الآلاف من الأسر التي حصلت على ملكية الأرض في عام 2007 بموجب قانون أراضي ولاية جامو وكشمير (منح الملكية للساكنين) أصبحت الآن تعدها الحكومة الهندوسية "أسر محتلة" للأرض بشكل غير قانوني.

وأنه بعد فرض الحكم المركزي الهندوسي على كشمير في عام 2018، وإلغاء حكمها الذاتي، جرى عكس قرار عام 2007 بشأن حقوق الملكية على أراضي الدولة من قبل الحاكم آنذاك "ساتيا بال مالك".

ولاحقا في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلنت المحكمة العليا لجامو وكشمير أن القانون باطل ولاغٍ، أو غير صالح منذ البداية، وبدأ طرد المسلمين من أراضيهم.

ولا يقتصر الأمر على هدم منازل ومنشآت المسلمين العاديين بالبلدوزر، وإنما تعدى إلى الاستيلاء على ممتلكات تخص معارضين سياسيين ومنظمات سياسية تكافح ضد الاحتلال الهندي لكشمير، في السنوات الأخيرة.

وجرى الاستيلاء على مقرات وأراضي جميع الأحزاب والجماعات الدينية السياسية مثل الجماعة الإسلامية المحظورة الآن، والأفراد المنتسبين إليها، وسيطرت عليها الحكومة الهندوسية باسم "مكافحة الإرهاب".

أيضا جرى حظر بيع الأراضي الزراعية المملوكة لمن يسمون "الأشخاص المفقودين" واعتبارهم متوفين، رغم أن هؤلاء تعرضوا في الأصل للاختفاء القسري من قبل السلطات الهندية.

والآن يختفي هؤلاء في السجون ومراكز التعذيب وتفشل أسرهم في العثور على أي أثر لهم، وتمنعهم سلطات الاحتلال الهندية من بيع أراضي ذويهم.

كما تعرقل أوراق الممتلكات الخاصة بالمختفين وترفض إصدار وثائق لهذه الأرض، بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 12 مارس 2023.

حكومة احتلال

ونقل موقع " outlook India" الهندي في 9 فبراير 2023 عن رئيسة الوزراء السابقة لولاية جامو وكشمير "محبوبة مفتي" اتهامها حكومة حزب بهاراتيا جاناتا بالتصرف "مثل شركة الهند الشرقية البريطانية في كشمير"، أي كحكومة احتلال.

قالت إن هذا الحزب حول كشمير إلى أفغانستان عن طريق هدم منازل الناس بالجرافات تحت مسمى التعدي، رغم أن سكان هذه المنازل لديهم أوراق ملكية.

واتهمت "محبوبة" حكومة مودي بالاستبداد السياسي، مؤكدة أنها وعدد من أعضاء حزبها "تعرضوا لمضايقات لا نهاية لها"، و"السلطات الهندية وضعتها قيد الإقامة الجبرية ولم يُسمح لها بممارسة أي نشاط سياسي".

وأجهضت حكومة الهند الديمقراطية في كشمير، حيث ترفض عقد الانتخابات منذ أكثر من 5 سنوات، كما رفضت تعيين حكومة جديدة هناك بعد حل السابقة عام 2019، ما ترك الكشميريين بدون تمثيل سياسي برلمان حر يعبر عنهم.

وتقول مجلة " frontline" التي تُسمي نفسها "مجلة الهند الوطنية" 23 فبراير 2023، إن الإدارة الهندوسية في كشمير تنفذ تحت حكم نائب الحاكم "مانوج سينها" حملة عشوائية ضد المسلمين بدعوى التعدي على أراضي الدولة.

ذكرت أن الأمر يصل لحد استقاء الحاكم العسكري الهندي معلوماته من قوائم تحريضية كاذبة يعدها هندوس على مواقع التواصل، دون أدلة، عن أراضي "معتدى عليها"، في تحيز واضح ضد المسلمين لهدم منازلهم وممتلكاتهم.

أكدت أنه جرى بالفعل هدم مباني على الرغم من إظهار أصحابها لوثائق ملكية صالحة، وأن الجرافات تخلق جوًا من الذعر والغضب بين المسلمين هناك.

ونقلت عن رئيس الوزراء السابق لجامو وكشمير عمر عبد الله، تشكيكه في افتقار الإدارة الهندوسية للشفافية وهي تهدم منازل المسلمين بناء على هذه القوائم التي وصفها بأنها "مزورة".

وقال ناشطون كشميريون إن "سياسة الجرافات" هي خطة شريرة تمثل جزءا من أجندة أوسع للحكومة القومية الهندوسية لحزب "بهاراتيا جاناتا" لتهجير الكشميريين وطردهم من أراضيهم، وتغيير التركيبة السكانية للولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند.

وضمن عمليات التضييق والقمع المتواصلة على المسلمين، أغلقت حكومة الاحتلال الهندية منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، مسجد "سريناغار الكبير" بشكل تام بالسلاسل الحديدية، في منطقة جامو وكشمير الخاضعة لإدارتها.

وأبلغتهم الشرطة أنه مغلق "عقابا لهم على شغبهم ضد سلطة الاحتلال"، حيث شكل المسجد "مركز الاضطرابات والاحتجاجات والاشتباكات التي تتحدى الإدارة الهندية لإقليم كشمير" المتنازع عليه.

منذ إلغاء حكومة الهند "الوضعية الخاصة" لإقليم كشمير مستقل ذاتيا عام 2019 شرعت في ضم كامل لأراضيه المحتلة، وفق ما يسميه حزب مودي "الحل النهائي" مستعيرا كلمات النازية حول وجود اليهود في أوروبا.

بعد ذلك القرار اندلعت في أنحاء الإقليم كافة، احتجاجات لأن الوضع الجديد يسمح للمواطنين الهنود الهندوس بالانتقال إلى كشمير وتملك الأراضي، وبناء المعابد.

حولت الهند الإقليم لثكنة عسكرية ونشرت قرابة مليون جندي وضابط من القوات العسكرية وشبه العسكرية المتمركزة في المنطقة، وأغلقت الإقليم تماما وقطعت الاتصالات الهاتفية والإنترنت والبث التلفزيوني.

ووضعت في السجن القيادة السياسية الكشميرية بأكملها، واعتقلت ما لا يقل عن 13 ألف شاب كشميري وأخضعت العديد منهم للتعذيب. 

كما قتلت قواتها مئات القتلى وجرحت الآلاف من الكشميريين الذين احتجوا وتظاهروا، واستخدم جنودها الاغتصاب كسلاح حرب على طريقة الصرب، وهدم وحرق أحياء وقرى بأكملها، وقيدت حرية الدين والتعبير والتجمع.

كان السلاح الأخطر هو العمل على تغيير النسيج الديموغرافي في الإقليم، مثلما تفعل إسرائيل في القدس والضفة الغربية، بعد إقرار قانون جديد يسمح للهندي من خارج كشمير بالبناء والتملك فيها.

وفي أكتوبر 2020، أصدرت وزارة الداخلية الهندية مجموعة قوانين جديدة للأراضي الخاضعة للإدارة الهندية في كشمير، مما أتاح لأي مواطن هندي شراء أرض في المنطقة.

ضمن عملية الابتلاع والتطهير العرقي وتحويل الأغلبية المسلمة في كشمير إلى أقلية ضعيفة مفككة مقهورة، أصدرت الهند في السنتين الأخيرتين 4.2 ملايين شهادة إقامة لتغيير الهيكل الديموغرافي في الإقليم.

رصد تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 11 أغسطس 2021 تفاصيل عمليات التطهير العرقي و"هندسة" الهند للتركيبة السكانية وتغييرها لطمس الهوية الإسلامية بجلب الهندوس للإقليم وطرد المسلمين وقمعهم وقتلهم.

وقالت إن "الهند تعمل على إعادة الهندسة الديموغرافية لسكان كشمير" عبر برنامج لترسيم الحدود، وآخر لتقسيم دوائرها الانتخابية إلى عدة وحدات انتخابية جديدة بطريقة تعطي ثقلاً عدديا للمنطقة الجنوبية من جامو، حيث يتركز الهندوس الذين جلبتهم حكومة الهند وأعطتهم حق الإقامة هناك.

وأكدت أن "هذه التغيرات الديموغرافية، مع إعادة تشكيل الدوائر الانتخابية ستسمح للسياسيين الهندوس القوميين بتحقيق هدفهم القديم المتمثل في تنصيب رئيس وزراء هندوسي في كشمير".

ويُحمل الكشميريون رئيس الوزراء "مودي" المسؤولية عن اندلاع العنف الديني بسب سعيه لتبديل وضع كشمير بالقوة وتغيير التركيبة السكانية لها للقضاء على الأغلبية المسلمة، بحسب ما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 7 أكتوبر 2021.

وأوضحوا أنه يعمل على نقل المزيد من الهندوس من مدن الهند إلى كشمير لتغيير تركيبها السكانية، وأطلق يد المنظمات الهندوسية المتطرفة لقتل المسلمين والاعتداء عليهم، ما دفع مجموعة المقاومة الإسلامية للرد بالمثل على العنف الهندوسي.

خطورة ما تفعله حكومة مودي الهندوسية المتطرفة هو أنها تقضي على التعايش بين المسلمين والهندوس في كل الهند وكشمير عبر عقيدة الـ"هندوتفا".

هي عقيدة دينية قومية متطرفة تجمع بين "التطرف الديني الهندوسي" و"الغلو القومي الهندي"، لذا ينفذ أنصارها أعمالا عنصرية دموية ترقى حسب باحثين إلى مرتبة الإرهاب.

ويشجع رئيس الوزراء مودي حركة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" المتطرفة على ممارسة أعمال العنف الديني الوحشي ضد المسلمين، وجعل عقيدة "هندوتفا" تسيطر على الخطاب السياسي والإعلامي بالبلاد. 

تبني الحزب الحاكم عقيدة "هندوتفا" كأيديولوجية رسمية له عام 1989، وتعتنقها أيضا المنظمة القومية الهندوسية "راشتريا سوايا مسڤاك سانغ" التي تتبنى مصطلح الـ "هندو راشترا" أي (الأمة الهندوسية).

وبحسب تقارير غربية، اليوم ستة ملايين عضو، ومعظم قادة أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا، بمن فيهم مودي، أعضاء في الحركة التي كانت سببا في فوزه الساحق في انتخابات 2014.

ويصف خبراء هنود حركة الهندوتڤا بأنها "فاشية"، بحسب "موسوعة المعرفة"، إذ تعتنق مبدأ الأغلبية المتجانسة "الهندوسية فقط" والهيمنة الثقافية.

ويرتدي شباب هذه الحركة المتطرفة قبعات سوداء على طراز عساكر "موسوليني"، مؤسس الفاشية وزعيم إيطاليا من 1922 إلى عام 1943، وأول ديكتاتور فاشي في أوروبا في القرن العشرين.

كما يرتدون سراويل بألوان القوات النازية، وهم مسلَحون بعصي وسكاكين وبنادق وينفذون استعراضات عسكرية لقمع المسلمين.