رفضت استقباله واستدعت سفيره.. ماذا وراء الغضب الأميركي ضد نتنياهو؟

في خطوة تكشف عن مدى تدهور العلاقات بينهما، كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي في 21 مارس/ آذار 2023 أن مسؤولين كبارا في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نقلوا رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه من الأفضل له عدم زيارة واشنطن في الوقت الراهن.
ولم تمر سوى ساعات، حتى استدعت الخارجية الأميركية السفير الإسرائيلي لديها، بسبب توسع حكومة نتنياهو في ملف الاستيطان، رغم تعهداتها بالتهدئة، لاسيما في شهر رمضان المبارك.
ووصف مراقبون إسرائيليون هذا التطور بأنه رسالة غضب أميركية بسبب تعريض نتنياهو المصالح الأميركية في الشرق الأوسط للخطر، فضلا عن تخريبه لمخططات واشنطن بتركيز اهتمام العالم على الصراع مع روسيا والصين.
غضب واستياء
وتزامنا مع هذا الغضب الأميركي، قال المحلل الإسرائيلي "ألون بينكاس" في صحيفة "هآرتس" العربية، إن الولايات المتحدة ترفض استقبال نتنياهو في واشنطن كما تفعل عادة مع رؤساء الوزراء الإسرائيليين فور توليهم الحكم "لأنها تنظر إليه على أنه مصدر إزعاج لمصالحها".
ولم يوجه بايدن إلى نتنياهو دعوة للقائه في البيت الأبيض كما يفعل عادة الرؤساء الأميركيون بعد تشكيل المسئولين الإسرائيليين حكوماتهم الجديدة، رغم تشكيل الحكومة الإسرائيلية منذ نحو 3 أشهر.
وسبق هذا إعراب بايدن، في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 19 مارس، عن غضبه ضمنا من محاولات نتنياهو تقليص صلاحيات القضاء الإسرائيلي ودعاه إلى "تسوية" بهذا الشأن، وفق البيت الأبيض.
وكشف مصدران أميركيان مطلعان على الاتصال لموقع "أكسيوس" الأميركي في 20 مارس، أن بايدن أعرب لنتنياهو، عن قلقه من خطة الإصلاح القضائي المزعوم، وحذره من "هذا المستوى العالي من القلق الداخلي بشأن الوضع السياسي داخل إسرائيل".
أيضا رفضت أميركا استقبال وزير المالية الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، من قبل أي مسؤول حكومي، ما جعله منبوذا خلال زيارته إلى أميركا قبل أيام.
وكان قد كشف مصدران أميركيان لمجلة "بولتيكو" الأميركية في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أن إدارة بايدن تنوي تحميل نتنياهو المسؤولية شخصيا عن تصرفات أعضاء حكومته الأكثر تطرفا.
ربما لهذا استدعت الخارجية الأميركية، في خطوة غير معتادة بين البلدين، سفير إسرائيل لدى واشنطن مايكل هرتسوغ، يوم 21 مارس.
وخلال الاستدعاء انتقدت الخارجية الأميركية مصادقة الأغلبية اليمينية بالكنيست على قانون يسمح بالعودة إلى 4 مستوطنات تم إخلاؤها عام 2005 شمالي الضفة الغربية.
وليبين إلى أي حد بلغت العلاقة بين الجانبين، كشف موقع " i24new" العبري في 22 مارس، أن نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان عقدت جلسة توبيخ مع السفير الإسرائيلي في واشنطن.
وقال: "عادة ما يحرص الأميركيون على تمرير رسائلهم الى إسرائيل بدون استخدام خطوات من هذا القبيل، بينما هذا الاستدعاء للسفير "آلية دبلوماسية نادرة".
وكانت آخر مرة استُدعي فيها سفير إسرائيلي لمثل هذه المحادثة غير العادية في مارس 2010، عندما أعلنت إسرائيل الترويج للبناء في مستوطنة رامات شلومو (المقامة على أراضي بلدة شعفاط) في القدس الشرقية أثناء زيارة نائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك جو بايدن، إلى إسرائيل، بحسب موقع "واللاه" العبري في 22 مارس.
ووصفت الولايات المتحدة هذه الخطوة بـ "الاستفزاز" وانتهاك الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة الإسرائيلية للولايات المتحدة، بحسب موقع "أكسيوس" في 22 مارس.
لكن نتنياهو أدعي في بيان لمكتبه، ردا على الاستدعاء الأميركي، أن حكومته "لا تعتزم إقامة مستوطنات جديدة".
لكن أصر على بناء المستوطنات، بالقول في بيانه إن "قرار الكنيست بإلغاء أجزاء من قانون فك الارتباط يضع نهاية لقانون تمييزي ومهين يمنع اليهود من العيش في مناطق في شمال الضفة".
وكان الكنيست صادق بالقراءة الثانية والثالثة على مشروع قانون "تطبيق خطة فك الارتباط"، بموجبه سيسمح بدخول الإسرائيليين ومكوثهم في المستوطنات الإسرائيلية الأربع التي أخليت في شمال الضفة الغربية عام 2005، والتي حظر الدخول إليها خلال السنوات الـ 18 الأخيرة، واثنتان منها قريبتان جدا من جنين.
تحالف متصدع
ويؤكد تحليل نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية في 6 مارس 2023، أن حكومة نتنياهو المتطرفة تمثل تهديدا مباشرا لمصالح واشنطن في الشرق الأوسط وحول العالم.
التحليل الذي كتبه المحلل الإسرائيلي بمعهد السياسات الخارجية الإقليمية العبري، يوناتان توفال، ألقى الضوء على "الأضرار البالغة التي تتسبب فيها الحكومة الإسرائيلية للمصالح الأميركية".
وأشار إلى غضب بايدن مما يفعله نتنياهو منذ رأَس حكومة توصف بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، "لأن الأمور اقتربت من حافة الانفجار حرفيا في الشرق الأوسط وارتفعت فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال".
وقال توفال إن إدارة بايدن سارعت إلى التدخل لنزع فتيل التوتر، لكن دون جدوى فبدأت تنتقد حكومة نتنياهو.
وقبل أن تكمل حكومة نتنياهو شهرها الأول، أعلنت عن خطط للتوسع في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكثفت من تهجير الفلسطينيين وهدم منازلهم، وصعد الاحتلال من غاراته على مدن وقرى الضفة الغربية.
لذا قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة إلى المنطقة أواخر يناير/ كانون الثاني 2023 ليوجه رسالة مباشرة إلى نتنياهو، مفادها معارضة أميركا لأي "إجراءات استفزازية" بحق الفلسطينيين.
لكن رد تل أبيب جاء خلال أيام من مغادرة الوزير الأميركي، وكان عبارة عن التوسع في بناء المستوطنات، بحسب "ناشيونال إنترست".
وقالت المجلة إن التحذيرات الأميركية تصاعدت منذ بدأت حكومة نتنياهو في خططها لإجراء تعديلات راديكالية على عمل القضاة، تهدد في حالة تنفيذها بإلغاء استقلال القضاء، وهو ما قد يثير أزمة دستورية قد تكون فيها نهاية "ديمقراطية إسرائيل".
وأوضحت أن التصريحات الأميركية العلنية التي تنتقد الحكومة الإسرائيلية تركز على الجانب "الأخلاقي" وما تمثله إجراءات نتنياهو من خطر يتهدد "العلاقة الخاصة" التي تربط تل أبيب وواشنطن، وتهدم "القيم المشتركة" التي تربط الحليفين معاً.
لكن المحلل الإسرائيلي تساءل: هل إدارة بايدن "ساذجة" أم "عديمة الحيلة"؟ لأن الحديث "الأخلاقي" عن الديمقراطية والمخاطر التي تتهددها جراء سعي حكومة نتنياهو إلى إلغاء استقلال القضاء يغفل جانبا مهما ورئيسا يتعلق بالمصالح الأميركية نفسها في الشرق الأوسط وحول العالم أيضا.
وقال توفال إن هذه المخططات التي تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تمريرها تمثل بالفعل تهديداً لتلك الديمقراطية المزعومة، إلا أن إجراءات تلك الحكومة القمعية والاستفزازية بحق الفلسطينيين تمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية.
ومن ثم فإن التركيز على التهديد المحدق بالديمقراطية الإسرائيلية إما أنه "سذاجة" أو أنه "قلة حيلة" من جانب إدارة بايدن.
وقال أيضا إن أبرز ما تكشف عنه "التصريحات الغاضبة والمنتقدة" من جانب إدارة بايدن تجاه الحكومة الإسرائيلية هو مدى فشل واشنطن في تقدير مدى الخطر الذي تمثله تلك الحكومة للمصالح الأميركية.
وحذر من أن "الجبهة الفلسطينية هي الجبهة الواضحة التي تتعرض فيها المصالح الأميركية لتهديد مباشر بسبب سياسات الحكومة الإسرائيلية التوسعية والقمعية، وهو ما استرعى انتباه إدارة بايدن بالفعل فسارعت للتدخل لكن دون جدوى".
إذ إن استمرار الحكومة الإسرائيلية في إجراءاتها القمعية تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يهدد بانفجار الموقف، وهو ما يمثل خطراً داهماً على الاستقرار في المنطقة، ويمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية.
فعلى سبيل المثال، سيؤدي انفجار الموقف في الأراضي الفلسطينية إلى مخاطر انتشار عدم الاستقرار في الأردن، حيث غالبية السكان من أصل فلسطيني ويرتبطون بروابط مباشرة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن.
والأردن حليف إستراتيجي مهم للولايات المتحدة، وبالتالي فإن أي عدم استقرار يتهدد المملكة يقوض المصالح الأميركية بطبيعة الحال.
أيضا سيكون الضحية لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، دول أخرى مجاورة، هي أيضا حليفة إستراتيجية لواشنطن، مثل مصر والإمارات وغيرهما.
واندلاع احتجاجات منددة بإسرائيل وسياسات القمع تجاه الفلسطينيين، سيمثل ضغوطاً على حكومات تلك الدول الحليفة قد يدفعها إلى اتخاذ مواقف أو اتباع سياسات تضر بالمصالح الأميركية، بحسب "ناشيونال إنترست".
وأشار توفال إلى أن الأوضاع الاقتصادية في دول الجوار، وخاصة الأردن ومصر تحديداً، "خانقة"، ما قد تضع ضغوطاً كبيرة على حكومات تلك الدول بالفعل للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
وأي عوامل إضافية تهدد هذا الاستقرار تمثل تهديدا مباشرا لتلك الدول الحليفة لواشنطن، في وقت تسعى إدارة بايدن إلى إقناع حلفائها بالابتعاد عن روسيا والصين، في إطار صراع القوى الكبرى المستعر حالياً على الساحة الدولية.
ويشير تحليل "ناشيونال إنترست" لنقطة أخرى تتعلق بمصالح أميركا، هي أن صورة الولايات المتحدة على المسرح العالمي، تقوم على أن "أميركا زعيمة العالم الحر وحامية الديمقراطية".
وبالتالي فإن سياسات الحكومة الإسرائيلية التي لا تقيم وزنا للديمقراطية أو حقوق الإنسان أو احترام القانون الدولي تمثل "إحراجا" لواشنطن وإضعافا لموقفها بطبيعة الحال.
أيضا أعرب خبراء السياسة الخارجية الأميركيون والإسرائيليون عن قلقهم المتزايد بشأن مستقبل العلاقات الخاصة بين أميركا وإسرائيل بسبب الإيديولوجيات المتطرفة لشركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي.
لغة المصالح
وتوضح دراسة لـ"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي منشورة في 20 يوليو/تموز 2022، أن مصالح كثيرة ذات أهمية مركزية للولايات المتحدة قد تتضرر بسبب النزاع بالشرق الأوسط.
وأشارت الدراسة لمجموعة واسعة من الأهداف المترابطة، منها تأمين موارد الطاقة الحيوية، ودرء النفوذ الروسي والإيراني، وضمان بقاء وأمن إسرائيل والحلفاء العرب، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الديمقراطية وخفض تدفقات اللاجئين.
ولفتت إلى سعي الولايات المتحدة إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي كان محركا رئيسا للديناميكيات الإقليمية، مع التركيز على تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية مع موازنة دعمها لإسرائيل والضغط من أجل استقرار إقليمي أوسع.
وقالت الدراسة أيضا إن "النزاع هو أيضا الشغل الشاغل للجالية اليهودية الأميركية والمسيحيين الإنجيليين، وكلاهما من المؤيدين الأقوياء لإسرائيل".
كما أن هناك أضرارا إستراتيجية سوف تضر أميركا وإسرائيل معا بفعل هذه السياسة الصهيونية المتطرفة لنتنياهو وحلفائه.
فقد كانت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي لإدارة بايدن التي تم إعلانها 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تقوم على إعطاء أولوية للصين وروسيا وتقليص الاهتمام بالشرق الأوسط.
لكن تولي حكومة متطرفة في إسرائيل وتهديدها مصالح أميركا يدفعها لتغيير الأولويات، التي تدور حول تعزيز عناصر القوة الأميركية للتغلب على المنافسين الإستراتيجيين، روسيا والصين.
وحددت الإستراتيجية الأميركية، الصين باعتبارها المنافس الوحيد لواشنطن، في إعادة تشكيل النظام العالمي. واشتعال المشهد بالشرق الأوسط يشتت التركيز العالمي الذي تحاول أميركا إنشاءه ضد البلدين.
من جانبه، نشر مركز الأمن القومي الإسرائيلي في 21 مارس 2023 "تنبيها إستراتيجيا" يبين أضرار إسرائيل من سياستها المتطرفة، مركزا على "الأضرار التي لحقت بالعلاقات مع الولايات المتحدة والمكانة الدولية لإسرائيل".
وحذر المركز من "توسيع الخلافات الإسرائيلية الأميركية بسبب خطط نتنياهو لما يسمي "الإصلاح القضائي".
التنبيه الإسرائيلي أوضح أنه "في ضوء التهديد الأمني الأكثر إلحاحا الذي يواجه إسرائيل، وهو إيران، نحتاج إلى دعم قوي من الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى".
شدد على أن "الدافع لتوسيع اتفاقيات أبراهام إلى دول إضافية كهدف مركزي لسياسة إسرائيل الخارجية يعتمد إلى حد كبير على الولايات المتحدة"
"لذلك، فإن تدهور هذه العلاقات يهدد أحد الأركان الأساسية للأمن القومي لإسرائيل، ويثير تساؤلات حول هل لابد لنتنياهو من استكمال الإصلاح القضائي؟"، وفق المركز.
وأضاف: "سيؤثر ذلك أيضا على مكانة إسرائيل في الديمقراطيات الغربية الأخرى".
ويقول بحث آخر للباحثين "إلداد شافيت"، و"تشاك فريليتش" نشره "معهد بحوث الأمن القومي" الإسرائيلي في 20 مارس 2023، أنه لا توجد حصانة أبدية للعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وأوضح أن المسألتين اللتين تشكلان حاليًا مصدر قلق للإدارة الأميركية تخشى بسببهما على مصالحها هما: الساحة الفلسطينية وتشريع تقليص صلاحيات القضاء الإسرائيلي.
وأشار إلى أن الإدارة الأميركية تمارس ضغوطاً كبيرة على إسرائيل والفلسطينيين خشية الانفجار في شهر رمضان، وتطالبهم، باتخاذ تدابير وقائية ملموسة لذا عقدت قمتي العقبة وشرم الشيخ الأمنيتين.
وحذر "معهد بحوث الأمن القومي" من أن الأمن القومي لإسرائيل استند على مر السنين، على العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، وحرص الإدارات الأميركية، الديمقراطية والجمهورية على السواء، على الالتزام بـ "أمن ورفاهية إسرائيل".
وأشار إلى أن آخر استطلاع أجراه معهد غالوب، أظهر أنه للمرة الأولى زاد تعاطف مؤيدي الحزب الديمقراطي (49 بالمئة) مع الفلسطينيين أكثر من أولئك الذين يتعاطفون مع إسرائيل (38 بالمئة).
أيضا كتب "ديفيد روثكوف" في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 19 مارس 2023 يحذر من أن نتنياهو يفكك "علاقة أميركا الخاصة" مع إسرائيل.
قال: يخشى الكثيرون في واشنطن أن تكون مسألة وقت فقط قبل أن يذهب نتنياهو وائتلافه من العنصريين والسلطويين بعيدًا، مما يجبر أميركا على إعادة تقييم التحالف الهش مع حكومة إسرائيل عبر خطوط حمراء".
المصادر
- The Israeli Government Is a Threat to U.S. Interests, Not Just Values
- Amid Spasm of Violence, Israel’s Far-Right Government Raises Risk of Escalation
- A Strategic Alert in the Wake of the Judicial Reform
- What Is U.S. Policy on the Israeli-Palestinian Conflict?
- إعلام عبري: إدارة بايدن أبلغت نتنياهو بعدم زيارة واشنطن حاليا