مناورات عسكرية مشتركة بين مصر والصين.. هل تبتعد القاهرة عن مظلة واشنطن؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رأى معهد إسرائيلي أن تنفيذ مصر والصين مناورة جوية مشتركة، يعد انعكاسا للتحولات الجيوسياسية المهمة الجارية في الشرق الأوسط، في إطار عزم القاهرة تنويع شراكاتها بعيدا عن اعتمادها التقليدي على واشنطن.

وأعلنت مصر رسميا في 19 أبريل/نيسان عن مناورة جوية مشتركة تضم مقاتلات مصرية وصينية متعددة المهام، أُطلق عليها اسم "نسور الحضارة - 2025".

وقال "معهد القدس للاستراتيجية والأمن" (JISS) في مقال للباحث الإسرائيلي في الشؤون العسكرية، يعقوب لابين إن المناورة خطوة إستراتيجية مصرية موجهة لعدة أطراف أبرزهم الولايات المتحدة الأميركية.

ونشر موقع "سي سي تي في" الصيني الرسمي صورة تُظهر مقاتلة مصرية من طراز "ميغ-29" وأخرى صينية من طراز "جي-10 سي" تحلّقان فوق قاعدة وادي أبو ريش الجوية، جنوب شرق القاهرة، في 19 أبريل 2025.

وأعلنت وزارة الدفاع الصينية عن إجراء تدريبات جوية هي الأولى من نوعها بين جيش بلادها والجيش المصري من منتصف أبريل وحتى منتصف الشهر مايو/أيار.

 وقالت وزارة الدفاع الصينية في بيان: إنه وفقا للتفاهم المتبادل بين الجيشين، سترسل القواتُ الجوية للصين وحدةً إلى مصر للمشاركة في التدريب الجوي المشترك بين البلدين. 

وتسلط المناورة الضوء على النفوذ المتنامي للصين، والذي يستند حتى الآن إلى استثمارات اقتصادية كبيرة أكثر منه إلى نفوذ عسكري مباشر.

مصالح مصر

بالنسبة لمصر، مثّلت المناورة خطوة إستراتيجية موجهة لعدة أطراف، ففي المقام الأول، كانت بمثابة رسالة واضحة للولايات المتحدة تفيد بأن القاهرة تملك بدائل أخرى للتعاون الأمني، وتسعى بجدية لتنويع علاقاتها الخارجية، وفق الباحث الإسرائيلي.

وعلى مدى عقود، ارتبطت مصر بعلاقات عسكرية وثيقة مع واشنطن، مدعومة بمساعدات أميركية كبيرة أعقبت توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979.

غير أن تلك العلاقات كانت في كثير من الأحيان مشروطة سياسيا ومحل تدقيق، وهو ما أثار استياء عميقا لدى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

إلا أن مصدر التوتر الرئيس حاليا بين القاهرة وواشنطن يتمثل في دعوة إدارة الرئيس، دونالد ترامب، إلى تهجير سكان غزة عن القطاع، على أن تستقبل مصر والأردن أعدادا كبيرة منهم.

ويرى الباحث الإسرائيلي أنه "من خلال انخراطها العلني مع سلاح الجو التابع لجيش التحرير الشعبي الصيني، وجّهت القاهرة إشارة واضحة بشأن استعدادها لتعزيز علاقاتها مع قوى عالمية أخرى".

وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن تفتح هذه المناورات آفاقا جديدة لعقد صفقات تسليح مستقبلية. 

فرغم اعتماد مصر طويل الأمد على مقاتلات "إف-16" الأميركية كعمود فقري لقواتها الجوية، فإنها تُشغّل أيضا مقاتلات "رافال" الفرنسية و"ميغ-29" الروسية.

ومع ذلك، فقد تكررت التقارير التي تشير إلى اهتمام مصري متزايد بتنويع أسطولها الجوي، بما في ذلك احتمال التوجه نحو مقاتلات صينية مثل "جي-10 سي".

وأشار الباحث إلى أن هذه المناورات توفر فرصة للطيارين والقادة المصريين لتقييم المنصات العسكرية والعقائد العملياتية الأجنبية عن كثب، بما يُسهم في توجيه قرارات التسلح المستقبلية بعيدا عن الاعتماد الحصري على المورّدين الغربيين.

مصالح الصين

ومن منظور صيني، تندرج مناورة "نسور الحضارة – 2025" ضمن إستراتيجيتها بعيدة المدى لتوسيع النفوذ في الشرق الأوسط عبر أدوات اقتصادية ودبلوماسية بالدرجة الأولى، وتجنّب الانخراط العسكري المكلف الذي يميز الحضور الأميركي في المنطقة.

وأكد الباحث أن الصين تنظر إلى مصر كشريك محوري نظرا لموقعها الإستراتيجي الرابط بين قارتي إفريقيا وآسيا، وتحكّمها في ممر قناة السويس الحيوي، وثقلها السياسي داخل العالم العربي.

وأضاف أن "بكين وطدت هذه العلاقة عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية ضمن إطار مبادرة "الحزام والطريق".

إذ حصلت الشركات الصينية على عقود مجزية لتنفيذ مشاريع كبرى، من بينها إنشاء أجزاء كبيرة من العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، إلى جانب مشاريع تطوير واسعة النطاق في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

هذه المشاريع -بحسب الباحث- تُحقق فوائد اقتصادية ملموسة لمصر، مع ترسيخ المصالح التجارية الصينية بعمق في البنية التحتية للبلاد.

وقد أسهم تدريب القوات الجوية في إضافة بُعد أمني إلى هذه “الشراكة الإستراتيجية الشاملة”.

فقد عزز صورة الصين كقوة عالمية فاعلة وشريك أمني مُحتمل دون الحاجة إلى إنشاء قواعد عسكرية دائمة أو نشر قوات واسعة النطاق، على عكس الموقف الإقليمي للولايات المتحدة.

ويُعدّ الاستثناء الأبرز هو ما أُفيد عن بناء قاعدة عسكرية صينية في ميناء خليفة بالإمارات، وهي خطوة أثارت حفيظة واشنطن.

كما تحتفظ الصين بقاعدة في جيبوتي، على ساحل القرن الإفريقي، وهي أول قاعدة عسكرية خارجية لها.

وأكد الباحث أن الصين دأبت على بناء نفوذها الإقليمي تدريجيا وبشكل ممنهج، وتأكيد حضورها كلاعب رئيس في الشرق الأوسط، متحديةً بذلك الهيمنة الأميركية في المنطقة، من خلال النفوذ الاقتصادي والتعاون الأمني ​​المُدار بعناية.

أولويات ترامب

يأتي ذلك في ظل محاولات الولايات المتحدة المتكررة "للتحول" بعيدا عن الشرق الأوسط نحو الشرق الأقصى، وذلك بهدف مواجهة القدرات العسكرية الصينية المتنامية في منطقة المحيط الهادئ.

وأضاف أن "تنامي محور مصر والصين، والتدريبات العسكرية المشتركة، يعكس توجها أوسع نطاقا لدى دول الشرق الأوسط لإعادة تقييم تحالفاتها التقليدية في عالم متعدد الأقطاب".

ويعتقد أن “الولايات المتحدة، في عهد ترامب قطعت شوطا كبيرا في تحسين صورتها لدى حلفائها العرب السنة، بفضل حملتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن”، والتي توقفت في 6 مايو/أيار 2025 بفضل وساطة من سلطنة عمان.

إلا أن "المحادثات النووية مع إيران قد تُثير شكوكا جديدة حول استعداد أميركا لقيادة الكتلة العربية المؤيدة لها".

كذلك، أجّل السيسي زيارةً كانت مقررة إلى واشنطن في فبراير/شباط 2025 إلى أجل غير مسمى، بسبب خلافات جوهرية، تنبع أساسا من دعوات ترامب لمصر لاستقبال أعداد كبيرة من سكان غزة على أراضيها.

في غضون ذلك، من المقرر أن يزور ترامب السعودية والإمارات وقطر في منتصف مايو/أيار. ووفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز البريطانية في 24 أبريل، فمن المقرر أن يعرض على الرياض صفقة أسلحة بقيمة 100 مليار دولار.

ووفق تقييم الباحث الإسرائيلي، تستهدف زيارة ترامب إلى المنطقة في المقام الأول تعزيز العلاقات مع السعودية والإمارات وقطر، ولا يبدو أنها تهدف إلى إحداث تغيير كبير في العلاقات الأميركية-المصرية بشكل مباشر.

وفي حين لا تزال الولايات المتحدة شريكا أمنيا بالغ الأهمية للقاهرة وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية، فإن إدراك تحول الأولويات الأميركية والسعي نحو مزيد من الاستقلالية الإستراتيجية دفعا مصر إلى استكشاف علاقات أوثق مع الصين.

وقال الباحث: "تستغل بكين هذه الديناميكية بمهارة، مقدمةً شراكات اقتصادية وتتجنب التدخل السياسي كبديل جذاب أو مكمل للعلاقات مع القوى الغربية".

وتتيح هذه الإستراتيجية للصين تحويل قوتها الاقتصادية الكبيرة، التي طُوّرت من خلال مبادرات مثل "الحزام والطريق"، إلى نفوذ سياسي ملموس، وإلى حد ما، إلى نفوذ عسكري في الشرق الأوسط.

"ثورة إسلامية"

وأضاف: "على الرغم من حديث مصر عن التزامها بسلام بارد مع إسرائيل، فإن جهودها الطموحة والمكلفة في بناء قوتها، بما في ذلك بناء البنية التحتية العسكرية في شبه جزيرة سيناء، تثير تساؤلات حول الخصم المحتمل الذي تستعد لمواجهته".

وتابع: "يبدو أن الرسالة المصرية الأساسية هي أن أي حركة واسعة النطاق لسكان غزة إلى سيناء ستُعرّض معاهدة السلام مع إسرائيل لخطر جسيم، وربما تُلغيها".

في موازاة ذلك، يظل احتمال اندلاع ثورة إسلامية في مصر -التي شهدت بالفعل انتخاب رئيس من جماعة الإخوان المسلمين- (في إشارة إلى الرئيس الراحل محمد مرسي) تهديدا مستمرا يجب أخذه في الحسبان عند دراسة القدرات.

وشدد الباحث على أن الأولوية القصوى لإسرائيل هي الحفاظ على تحالفها الحيوي مع الولايات المتحدة، حيث تُعدّ هذه العلاقة أساسية لقدرات تل أبيب العسكرية ومكانتها الجيوسياسية في مواجهة القاهرة.

وبناءً على ذلك، يخلص الباحث الإسرائيلي إلى أن "أي تفاعل إسرائيلي مع الصين يجب أن يكون خاضعا لهدف الحفاظ على قوة الشراكة الأميركية-الإسرائيلية وسلامتها".

وعلل ذلك بأن "وضع إسرائيل الأمني وقدرتها على الردع يرتبطان ارتباطا وثيقا بقوة الولايات المتحدة ومكانتها في المنطقة".

وختم بالإشارة إلى أن نفوذ بكين المتنامي -لا سيما علاقاتها بأعداء لدودين مثل إيران، التي تُصدر 90 بالمئة من نفطها إلى الصين- وأي تصور لدى قوى الشرق الأوسط بتراجع النفوذ الأميركي، كل ذلك سيؤثر تأثيرا مباشرا في مكانة إسرائيل الإستراتيجية.