عبر العراق.. ما احتمالات نقل إيران أموالاً لـ"حزب الله" اللبناني بالوضع الراهن؟

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

أثارت معلومات صحيفة عن رفض مسؤول عراقي طلبا إيرانيا يخصّ نقل أموال إلى حزب الله اللبناني عبر سوريا، عديدا من التساؤلات عن مدى قدرة الجانب العراقي على ردّ مثل هذه الطلبات، وما إمكانية وصول هذه الأموال إلى الأراضي اللبنانية.

وقدّرت وزارة الخارجية الأميركية خلال عام 2022، أن إيران تزود حزب الله اللبناني بما يصل إلى 700 مليون دولار سنويا، فيما كان الأمين العام الأسبق للحزب حسن نصر الله، قد اعترف عام 2016 بأنَّ الجانب الإيراني هو بالفعل مصدر التمويل الرئيس لهم.

"طلب تسهيلات"

في 9 سبتمبر/ أيلول 2025، كشفت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، عن تلقى مسؤول عراقي بارز (لم تسمه) رسالةً من إيران أواخر أغسطس، تطلب "تسهيلات غير عادية في معبر رسمي غرب البلاد؛ لنقل شحنات أموال إلى حزب الله اللبناني عبر الأراضي السورية".

ونقلت الصحيفة عن المسؤول العراقي، أنه "لم يتجاوب مع رسالة من إيران وصلته من جهة إيرانية متنفذة؛ بسبب تعقيدات أمنية وسياسية"، لافتا إلى أن "هذه الجهة قيل إنها تشرف منذ انتهاء الحرب مع إسرائيل على وضع خطط مختلفة لإعادة بناء القدرات العسكرية لمحور المقاومة".

وتضمنت الرسالة طلبا بالحصول على تسهيلات غير عادية لتمرير شحنات أموال عبر منفذ القائم الحدودي بين العراق وسوريا، وأن "المبالغ المراد تمريرها كبيرة جدا". وفقا للمسؤول العراقي.

ويقول أيضا، إنه تساءل عن كيفية نقلها عبر الأراضي السورية في حال نجح عبورها من المنفذ، لكنه فهم مما نقل له من مسؤول إيراني أن "الإيرانيين لديهم شبكات تهريب في سوريا يعتمدون عليها توصلها إلى دمشق، وليس المطلوب من العراقيين القلق بشأن ذلك".

وذكر المسؤول العراقي أن "الحكومة في بغداد لم تتجاوب على الإطلاق مع الطلب الإيراني بسبب تعقيدات سياسية وأمنية في منطقة المعبر، حيث يتركز رصد أميركي لأي تحركات مشبوهة، كما أنّ العملية تعرض مؤسسة رسمية إلى المخاطر".

وأعرب المسؤول عن اعتقاده بأن "اللجوء إلى المعبر الرسمي لتهريب الأموال يهدف إلى حمايتها من المصادرة وضمان عبور كميات كبيرة دفعة واحدة، وربما المجازفة بدفعات لاحقة".

وقبل سقوط نظام بشر الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كان منفذ القائم الحدودي بين العراق وسوريا ومنافذ أخرى غير رسمية في تلك المنطقة تمسكها مليشيات شيعية موالية لإيران، وتحديدا "كتائب حزب الله"، التي تتهم بعمليات تهريب السلاح والمخدرات.

لكن هذه المليشيات ورغم وجودها حاليا ضمن قطاعات قوات الحشد الشعبي في مناطق غرب العراق القريبة من سوريا، لكنها لم تعد لها فاعلية كما كانت في السابق؛ لأنه على الجانب الآخر، يمسك حرس الحدود السوري بالأرض، مع وحدات من "الفرقة86" في الجيش الجديد. 

وخلال زيارة أجراها مساعد وزير خارجية إيران، سعيد خطيب زاده إلى العراق في 3 سبتمبر، طالب بغداد خلال لقائه نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، بـ"ضرورة دعم المقاومة ومواجهة المشاريع الطموحة لتغيير خارطة المنطقة".

وكان الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، قد شدّد خلال مقابلة صحفية نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" في 23 أغسطس 2025، على أن "إستراتيجية إيران هي دعم المقاومة"، مؤكدا أن "الحرب توقفت مؤقتا، ويجب أن نعلم أن حربا أخرى قد بدأت".

“إعادة تأهيل”

وعن مدى قدرة بغداد على رفض طلب إيران، قال الباحث في الشأن العراقي، إياد ثابت: إن "من المؤكد الامتناع عن الاستجابة للإيرانيين حاليا خصوصا أن فيها تهديدا للعراق؛ لأن تلك المنطقة مراقبة من الجانب الأميركي بشكل مكثف، عبر طائرات مسيرة، وبالتالي فهي خطرة جدا".

واستبعد ثابت في حديث لـ"الاستقلال" أن تكون معلومات التقرير عبارة عن رسائل يراد من خلالها إبعاد أي شبهة تعاون عراقي مع إيران أمام الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من أجل تجنيب العراق أي ضربات محتملة بحجة المساهمة بدعم "حزب الله" أو "محور المقاومة".

ورأى الباحث أن إيران تريد إعادة تأهيل حزب الله، وأن شحنة الأموال إذا عبرت من العراق إلى سوريا، فإنه بالإمكان وصولها إلى لبنان؛ لأن الحزب يمتلك قاعدة لوجستيات قوية في سوريا، خصوصا أن تردّي الواقع الاقتصادي أجبر الكثيرين على الانخراط معه عن طريق المهربين أو فلول نظام الأسد.

ولفت إلى أن "الإدارة السورية الجديدة لم تستطع بعد أن تحكم قبضتها على كل شبر من أراضي سوريا، فالموضوع لايزال مبكرا في ظل وجود مساحات واسعة بيد قوات سوريا الديمقراطية، وأخرى تسيطر عليها قوات أجنبية، وبالتالي فإنه من حزب الله وإيران من المؤكد لديهم متعاونون هناك".

وفي الوقت الذي لم تعلق فيه الحكومة العراقية على موضوع الطلب الإيراني، فإنّ الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، نفى وبشكل قاطع على لسان أحد أعضائه وجود رسالة من الجانب الإيراني لتهرب الأموال إلى حزب الله اللبناني من خلال تسهيل مرورها عبر سوريا. 

ونقلت وكالة "الجبال" العراقية عن عضو الإطار عصام الكريطي، في 6 أيلول 2025، قوله "ننفي بشكل قاطع الأنباء التي تم تداولها في بعض وسائل الإعلام بشأن تلقي الإطار أو أي من مكوناته رسائل من إيران تتعلق بطلب تقديم دعم مالي أو لوجستي أو غيره إلى حزب الله". 

وشدد الكريطي على أن "ما يطرح في هذا السياق لا يمت إلى الحقيقة بصلة، ويأتي في إطار محاولات التشويه الإعلامي وخلط الأوراق السياسية، بهدف الإساءة إلى صورة الإطار التنسيقي وزجّه في قضايا خارج حدود العراق".

وتابع: "كما أن أولويات الإطار التنسيقي واضحة، تتمثل بدعم مؤسسات الدولة العراقية، وتعزيز الاستقرار الداخلي، والمضي في تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يصب في خدمة المواطنين".

وبحسب الكريطي، فإنّ "الإطار التنسيقي ليس طرفا في أي أجندات أو التزامات إقليمية أو خارجية، بل يضع المصلحة الوطنية فوق كل تقدير، ويؤكد حرصه على حماية سيادة العراق وعلاقاته المتوازنة مع محيطه الإقليمي والدولي"، واصفا هذه المعلومات بأنها "تقارير إعلامية مغرضة".

محاولات سابقة

وعلى وقع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، والذي أدى إلى كسر ما يعرف بـ"الهلال الشيعي" الممتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان، فقد حزب الله اللبناني شريان الإمداد الإيراني بالمال والسلاح، وذلك بعد تلقيه ضربات كبيرة من إسرائيل.

وبناء على ذلك، حاولت إيران خلال هذه المرحلة مدّ "حزب الله" بالأموال عبر إرسال طائرات إلى مطار رفيق الحرير، لكن السلطات اللبنانية منعت هبوطها بعدما رفضت إحداها التفتيش، وذلك بضغوط من الولايات المتحدة الأميركية.

وأفادت وسائل إعلام محلية بأن السلطات اللبنانية منعت دبلوماسيا إيرانيا من دخول البلاد بعد رفضه تفتيش حقيبته الدبلوماسية، وقالت: إن بيروت تجري اتصالات مكثفة مع السلطات في طهران بشأن طائرة إيرانية قيل: إنها "بصدد نقل أموال لحزب الله".

وذكرت "المؤسسة اللبنانية للإرسال" في 3 يناير، أن معلومات تفيد بأن الدبلوماسي الإيراني -الذي قدم على متن طيران ماهان الإيراني- منع من دخول لبنان بعد رفضه تمرير حقيبته الدبلوماسية على جهاز التفتيش الإلكتروني (سكانر)، انطلاقا من كون الحقائب الدبلوماسية لا تخضع للتفتيش.

ونقلت قناة "المستقبل" اللبنانية في 3 يناير، عن مصادر أمنية (لم تسمها) قولها: إن جهاز أمن المطار وبعد مراجعة القيادات الأمنية العليا سيمنع خروج شحنة تحملها الطائرة الإيرانية من حرم المطار.

وأشارت إلى أن اتصالات سياسية سريعة أجريت مع الجانب الإيراني لإبلاغه بأن الطائرة لو هبطت وثبت نقلها للأموال بعد تفتيشها فإن الشحنة ستصادَر لصالح الدولة اللبنانية، بصفتها أموالا مشبوهة، وفي حالة الرفض المسبق للتفتيش فإنه لن يسمح لها بالهبوط.

وبحسب مصادر القناة اللبنانية، فإن سلطات المطار "حددت أحد المدارج البعيدة عن حدود المطار لتهبط فيه الطائرة في حال وصولها إلى لبنان، وذلك لضمان تفتيشها ومنع الوصول إليها من قِبل أطراف على صلة بالضاحية الجنوبية لبيروت".

وعلى ضوء هذه الحادثة، تظاهر العشرات من أنصار "حزب الله" في محيط "مطار رفيق الحريري الدولي" بالعاصمة بيروت، احتجاجا على تفتيش الطائرة، حسبما أظهرت مقاطع مصورة نقلتها قناة "المنار" التابعة للحزب في 3 يناير.

في غضون ذلك، قال وزير الداخلية والبلديات اللبناني السابق بسام مولوي: "يجرى تفتيش الطائرة الإيرانية في مطار بيروت، وجهاز أمن المطار يطبق التعليمات".

وتعليقا على ذلك، قال نزيه متى عضو مجلس النواب عن حزب القوات اللبنانية، بقيادة سمير جعجع: إن لبنان يسعى لاستعادة سيادته على مرافقه الحيوية، ومن بينها المطارات، وضبط الحدود، مشيرا إلى محاولات إيرانية لـ "استباحة سيادة البلاد".

وأضاف النائب اللبناني خلال مقابلة تلفزيونية في 4 يناير، أن طهران "لم تعتد على تفتيش طياراتها القادمة إلى لبنان، وكانت تحظى بدعم كبير من حزب الله، حيث كانت تدخل لهم السلاح والأموال".